الجمعة , 29 مارس 2024

السوق الكبير

5-3-2012-1

يمثل سوق النجف الكبير القلب التجاري لهذه المدينة المقدسة ومحور الحركة الاقتصادية فيها لاسيما أن النجف عرفت على طول تاريخها بقوة النشاط التجاري ومركزاً مهماً لرجال الأعمال والعوائل والأسر التي اشتهرت بمال المال والاقتصاد ليس على المستوى العراق فحسب بل على المستوى العربي والإسلامي .

يقع هذا السوق في قلب المدينة وبابه الرئيسية لا تبعد سوى أمتار قليلة عن إحدى بوابات الصحن الحيدري الشريف وهذا ما أعطى سوق النجف الكبير إحدى الميزات التي جعلت منه بهذه الحيوية والأهمية ، وهو أطول سوق تجاري في المدينة وأكبرها انفراداً وبروعته التراثية والتاريخية والتي مازال يحتفظ بها على الرغم من محاولات التحديث والتجديد .

يرجع الباحثون تاريخ هذه السوق إلى نشوء المدينة في القرن الرابع الهجري عند هجرة شيخ الطائفة الطوسي إليها وربما إلى السنوات التي تلت هذه الهجرة ولكن التغيرات والتطورات قد نالت منه الكثير وكانت الأسباب الاقتصادية والتجارية هي وراء ذلك ولعل القيصرية التي تشكل إحدى أجزاء هذا السوق والتي بناها المغول الداخلون إلى الإسلام تشير إلى القوة الاقتصادية له، وتتفرع من السوق الكبير مجازات وأزقة امتلأت بأعمال تجارية , وهذه تشكل مع القيصريات المنتشرة في السوق حيويته وقيمته المتصاعدة إلى الآن، ولا تختص المحال التجارية سواء تلك التي تشكل الواجهة الأمامية أم تلك التي تنزوي في القيصريات والأزقة , بمهنة معينة ومحددة فكل المهن التجارية تتواجد في هذا السوق من باعة الحلويات النجفية الشهيرة إلى أسواق البورصة ومحال تجارة الذهب وتكتظ المحال التجارية بأنواع مختلفة من البضائع ذات المناشيء العالمية وحتى التي يصنعها الحرفيون في المدينة مثل العباءة النجفية والعقال، ويدير المحال تجار وأصحاب رؤوس أموال مقتدرون مالياً وهم يمثلون الطبقة الرئيسية من تجار المدينة وربما العراق لا سيما إذا علمنا أن الكثير من البضائع والسلع التي توزع في الأسواق العراقية يستوردها تجار مقرهم السوق الكبير، وبسبب هذا الموقع الاقتصادي وللقرب الشديد من الضريح المقدس للإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام فقد ارتفعت أسعار العقارات بيعاً وشراء وإيجارا في هذا السوق إلى مستوى خيالي فقد وصل سعر المتر المربع فيه إلى سبعة ملايين دينار عراقي في الوقت الذي يصل فيه إيجار محل لا تتجاوز مساحته الأربعة أمتار إلى أكثر من ثلاثة ملايين دينار كإيجار سنوي، والى وقت قريب كان الجانب الشرقي من السوق يضم عيادات الأطباء لكن ذلك انتهى بعد أن زحفت المهن والأعمال التجارية إلى كل شيء في هذا السوق والذي يزدحم بالمتبضعين وعابري السبيل بشكل يجعل حركة السير فيه من الصعوبة بمكان وهؤلاء يمثلون زائري المدينة من كل إنحاء العراق وبعض السياح والزائرين الأجانب الذين يصبح السوق الكبير واحداً من أهداف زيارتهم إلى النجف الاشرف، والحقيقة أن الحركة التجارية تصبح أكثر نشاطاً وفاعلية عند قدوم الزائرين إلى المدينة من الدول العربية والإسلامية وحينها تصبح محال الأقمشة والتراثيات والسجاد والأجهزة الكهربائية مزدحمة بالزبائن.

يشغل سوق النجف الكبير الذي يمتد طولياً مساحة واسعة من النجف القديمة وهو واحد من معالمها الجميلة ولعل العلامة الأكثر جمالية هو السقف الذي يغطي مساحة السوق والمراوح المتدلية من هذا السقف لتقليل الرطوبة والحرارة في داخله وكذلك الطراز الإسلامي الذي صممت فيه المحال التجارية مع التحديث الذي تم إضافته إليها ولكن الطابع المعماري الإسلامي يطغي بشكل واضح على هذا السوق الذي كان في أحيان كثيرة وبتواريخ مختلفة كجزء من التاريخ السياسي للنجف وقد شهدت دروبه وأزقته بعضاً من تلك الأحداث.

وفضلاً عن التجار ومحالهم ونشاطهم يشارك الباعة المتجولون وأصحاب الأكشاك الصغيرة (الجنابر) موارد الرزق هنا فقد نشروا أيضا بضائعهم على طوله ومن هؤلاء باعة العطور والتحفيات، وفي جزء من السوق يتخذ محترفون مختصون بالخواتم والأحجار الكريمة مكاناً لهم ويزيد في جمال ذلك النقش والخط على الأحجار بدقة ورشاقة متناهية.

على مر الظروف والصروف استمر سوق النجف الكبير كمحور للحركة الاقتصادية والتجارية في المدينة وهدفاً لزيارة قاصديها من كل مكان فهل سيصمد هذا السوق أمام خطط الأعمار والتطوير للمدينة القديمة.

النجف نيوز \ حيدر نزار السيد سلمان:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.