مؤسسة اليتيم في النجف الأشرف بلسم يداوي جراحات الأيتام
341
شارك
تحقيق: محمد الشريفي
مزيج غريب من المشاعر خالجني قُبيل دخولي مبنى مؤسسة اليتيم الخيرية التابعة لمكتب سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد الحكيم (مد ظله) في النجف…ليرسُمَ في مخيلتي مجموعة من الصور لأطفال صغار ارتأت الإرادة الإلهية أن ينشؤوا من غير أب ليكون (اليُتم) عنوانَ درسهم الأول في الحياة!.. مشاعر أعادتني ثلاثين سنة إلى الوراء، حيث وفاة والدي (رحمه الله) وحيث كان (اليُتم) عنوان درسي الأول أيضًا، ولعلَّ هذا مردُّ تلك المشاعر، حيث التمازج ما بين الشفقة وشعوري بانكسار أولئك الصغار.
استقبال متميز
ما إن دخل فريق الحكمة مبنى المؤسسة حتى استقبلنا (الأخ أبو حيدر) من قسم التشريفات بابتسامة عريضة علت محياه، ورافقنا حتى أوصلنا إلى قاعة استقبال الضيوف، ولم يدم الانتظار للأستاذ (عدي الجراح) مدير المؤسسة أكثر من دقيقة واحدة، حيث أطلَّ بوجهٍ بشوش يبعث على الأمل في الحياة، وباستقبالٍ وحفاوةٍ رائعين تمنحان حافزًا أكبر للخوض في كل ما يتعلق بعمل “مؤسسة اليتيم” لدرجة أني لم أنتظر حتى أُكمل تناول “استكان” الشاي فبادرته بالسؤال : أرجو أن تعطيني فكرة واضحة عن طبيعة عمل المؤسسة والدور الذي تضطلع به في رعاية اليتيم ؟.
نشاطات المؤسسة ومشاركاتها
يجيب الأستاذ عدي : مؤسسة اليتيم مؤسسة مستقلة تعنى بشؤون الأيتام تأسست عام 2007 برعاية سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (مد ظله)، وتغطي نشاطاتها أربع عشرة محافظة عراقية، بأقضيتها ونواحيها، وتشمل تلك النشاطات توزيع المِنح المالية للأيتام، وتوزيع المواد الغذائية والملابس، و(الأجهزة المنزلية) كالثلاجة والطباخ والمدفأة … إلخ ، على العوائل المتعففة في المحافظة، ومن نشاطات المؤسسة أيضًا توثيق مظلوميات شهداء الإرهاب وشمولهم بنشاطات المؤسسة…
وتابع قائلًا :
المؤسسة كما أوضحت تحت رعاية سماحة المرجع الكبير، لكنها في الوقت نفسه مسجلة ضمن المؤسسات غير الحكومية التابعة لديوان رئاسة الوزراء ؛ الأمانة العامة (منظمات المجتمع المدني)، وبذلك فهي تشارك النشاطات والندوات كافة التي تقيمها “الأمانة” فنعمد من خلال تلك المشاركات إلى التعريف بمظلومية اليتيم ومدى حاجته لمن يخفف عنه آلامه ويربت على كتفه ويمسح على شعره ، وهنا أود أن أبين الآلية المعتمدة في المؤسسة لتخصيص المبالغ وصرفها لليتيم ، فالمبالغ التي تصرف على اليتيم تعتمد القيمة التقديرية لحاجة اليتيم، حيث إن هناك استمارة خاصة بهذا الشأن يدون فيها اليتيم المعلومات اللازمة عنه لمعرفة دخله المالي، وقيمة مصروفاته، فيُطرح هذا من ذاك بمعادلة حسابية، والناتج يكون القيمة الفعلية لحاجة اليتيم وقيمة الراتب الذي ينبغي تحديده له مع مراعاة أنه لا علاقة لفارق العمر بين يتيم وآخر في تحديد القيمة المالية وقيمة الراتب الذي يُصرف له، وأحيانًا العائلة الواحدة تضم أكثر من يتيم، وكلهم يتسلمون، وهذه ليست منّة، ولا فضلًا من أحد، بل هي واجب شرعي وأخلاقي لكل من له القدرة على الاضطلاع بهذا الدور، علمًا أن مقدار الرواتب يتراوح ما بين (40-140) دولارًا شهريًا ، حسب الحاجة كما سبق وبينت.
الاهتمام بصحة اليتيم
يسترسل الأستاذ عدي قائلًا: الحقيقة أن الاهتمام باليتيم في مؤسستنا لا يتوقف عند صرف الراتب وحسب، بل نحن حريصون تمامًا على توفير الخدمات الصحية لليتيم من خلال الكشف الصحي الدوري على الأيتام المسجلين في مؤسستنا، ولا نتردد في إرسال اليتيم إلى خارج العراق للعلاج في حال اقتضت الضرورة ذلك، وقد أرسلنا الكثير من الأيتام للعلاج خارج العراق بالفعل كما حصل مع الأيتام الذين يحتاجون لتداخل جراحي للعيون وهكذا…..
دور كبير لسماحة السيد محمد حسين الحكيم
يضيف الأستاذ عدي: أجد من المناسب التذكير بأن المؤسسة لا تتلقى أي دعم حكومي على الإطلاق، و”مؤسسة اليتيم” تعتمد اعتمادًا كليًا على مكتب سماحة المرجع السيد الحكيم (مد ظله) مع بعض التبرعات التي يقدمها أهل الخير للأيتام، ومراعاة فتح الباب أمام كل من يرغب بتكفل الأيتام.
إن دعم اليتيم وتكفله يتمان عن طريقين: الأول هو تكفل يتيم أو أكثر بصورة مباشرة، وهنا يجب على المتكفل تقديم مبلغ يتراوح ما بين (75 – 100) ألف دينار شهريًا لكل يتيم، واليوم أصبح هناك أكثر من (250) متكفلًا للأيتام وهذا رقم جيد ونسعى لتطويره، أما الجانب الآخر فهو جمع التبرعات من خلال صناديق خاصة معدة لهذا الغرض توزع على أصحاب المحال أو في الأماكن العامة لمنح الفرصة لأكبر قدر ممكن من أهل الخير للمساهمة في هذا العمل، وجميع أقسامنا جادة في العمل على تقديم كل ما تستطيع لإدخال البهجة إلى قلب اليتيم، فنحن في المؤسسة لدينا أكثر من قسم، فهناك (قسم الإعلام) و(قسم رعاية الأيتام) و(قسم الإحصاء) و(قسم الحسابات) بالإضافة إلى عمل اللجان المختلفة. طبعًا هذا كله يجري بإشراف ومتابعة وتوجيه من قبل سماحة السيد محمد حسين الحكيم نجل سماحة المرجع السيد الحكيم (مد ظله)، بدءًا من متابعته الدؤوبة للحسابات ، ولكل شاردة وواردة في المؤسسة، بالإضافة إلى لقاءاته المستمرة بالأيتام، ومحاولته التخفيف عن معاناتهم، حيث إن هناك لقاءات مستمرة تجمع سماحته بهم، وهو بذلك يمنحهم قدرًا من الحنان الذي شاءت الأقدار أن يفتقدوه …
جولة في أقسام المؤسسة
زيارتنا لمؤسسة اليتيم زادت من فضولنا الصحفي والإنساني، وقد لمس مديرها ذلك فدعانا إلى القيام بجولة في أقسام المؤسسة للاطلاع ، فتجولنا في جميع الأقسام، وكان لافتًا جدًا ذلك التنظيم المثالي للعمل، حيث الجميع يعرف واجبه، وكل شيء موثق في السجلات، والحاسوب…
ولمسنا الشفافية العالية التي يتعامل بها الموظفون ومديرهم . وفي قسم الإحصاء والتدقيق فوجئنا بكمِّ (السجلات) الموجودة فيه، والتي توحي بمدى المساحة الواسعة للأنشطة التي تتولاها مؤسسة اليتيم، ثم انتقلنا إلى قسم الحسابات وفيه أيضًا كل شي موثق ومرتب .
في موقع العمل
الحديث مع مدير المؤسسة ممتع ومفيد ، لكننا اضطررنا لتوديعه للقيام بزيارة ميدانية لأحد مواقع العمل التي تتكفل فيها “مؤسسة اليتيم”، ببناء الدور للعوائل المتعففة والمحتاجة ، برفقة وسيم عمران أمين الصندوق في المؤسسة.
كانت وجهتنا إلى (الجريويّة) حيث تقوم المؤسسة ببناء بيت لأرملة فقدت زوجها بحادث سير، وقد رحل تاركًا لها ثلاثة أطفال، بنتًا وولدين، وحين وصلنا استقبلتنا الأخت “أم علي” بالترحاب، وشرحت لنا بألم مكابدتها ومعاناتها بعد وفاة زوجها، خصوصًا وأنها أم لثلاثة صغار لم يشتد عودهم بعد، ثم كيف توجهت إلى مؤسسة اليتيم التابعة لمكتب سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (مد ظله) وشرحت لهم حالها وحال صغارها، وبعد اتخاذ الإجراءات اللازمة وتبني لجنة خاصة الكشف على دارها الآيل للسقوط ، جرت الموافقة على هدمه وإعادة بنائه ، مع تخصيص مرتبات لها ولأطفالها لسد احتياجاتهم.