الكفاءات العلمية المغتربة ثروة تهدرها الحكومة بالإهمال
257
شارك
تحقيق: آلاء شاكر – النجف
سنون قاهرة حلت على العراق إبان النظام البائد فقد خلالها أغلب كفاءاته العلمية بسبب الهجرة إلى خارج العراق لأسباب عديدة ، منها الملاحقة و التهميش وأسباب أخرى كثيرة، وبعد أن زالت الغيمة السوداء عن سماء العراق عاد الكثير من أصحاب الكفاءات العلمية إلى بلدهم ، فحنينهم أعادهم إلى أرض الوطن حاملين أحلامهم لبنائه ، لكنهم لم يجدوا إلا أبوابًا مغلقة . بعضهم رجع أدراجه من جديد حاملًا معه خيبة الأمل، والبعض الآخر بقي مستسلمًا للواقع المرير.
ولابد أن إهمال الحكومة للإمكانات العلمية العراقية القادمة بخبراتها من الخارج يفقد العراق الازدهار الذي يمكن أن تحققه تلك الخبرات لتنعم بها بلاد أخرى.
تبددت أحلامي الوردية في أجواء التجاهل والإهمال
أحد أصحاب القضية المغترب الأستاذ الدكتور عبد الرزاق الحكيم الذي أمضى خمسة وثلاثين عامًا من عمره في التدريس في المدارس والجامعات الجزائرية، واليوم عاد ليصدم بما واجهه قائلًا: ” عدت إلى وطني بعد فترة من الاغتراب والهجرة والتدريس في المدارس والجامعات الجزائرية ، عدت حاملاً كل الحب والشوق والإخلاص من أجل الاستقرار في وطني ، ومن أجل أن أساهم في التربية والتنمية، وأن أسخر كل إمكاناتي لخدمة الأجيال في العراق ، وكنت أعلم مسبقا أن العراق مر بمخاض عسير بعد سقوط النظام البائد لذلك أنتظر أن آخذ دوري ومكاني في الجامعات العراقية ” .
مضيفًا : ” عدت وأنا مصمم على الاستقرار رغم كل التضحيات، فلا تهمتي المناصب ولا تهمتي المساكن ، لكن لابد أن أتلقى التشجيع والدعم من المؤسسات الراعية للثقافة لكي يسهلوا لي هذه المهمة فأقدم خبرتي في مجال التربية والتعليم ، لكني عندما عدت وقدمت إضبارتي وشهاداتي من البكالوريوس والماجستير والدكتوراه إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، وجدت أن علي انتظار الإجراءات لتتأ كد الوزارة من حقيقة الشهادات المقدمة ” .
وأوضح: “وأنا لكي لا أظل في طوابير الانتظار توجهت إلى جامعة الشيخ الطوسي الأهلية حيث استُقبلت بحفاوة من قبل عميد الكلية الذي اقترح علي أن أتعاقد مع الجامعة كأستاذ جامعي، إلى أن يتم تعييني في الجامعات الحكومية ، وحقيقة تلقيت كل التشجيع والاحترام سواء من طرف العميد أو الزملاء الأساتذة وكذلك من طرف الطلبة في جامعة الشيخ الطوسي.
مبينًا : ” ليس إنصافاً ولا عدلًا معاملة المغترب في جعله ينتظر بدون حقوق ، فعائلتي ما زالت في الجزائر تنتظر مني بشرى التعيين في جامعة الكوفة لكي تلتحق بي ، ولكن أنا الآن بدون رؤية واضحة لوضعي في العراق، فلا يمكن لي جلب عائلتي وأولادي الذين أيضًا يحملون شهادات وهم يريدون العودة والاستقرار معي في وطنهم ، وكنت أمام خيارين: إما أن أعيش إلى الأبد في الجزائر، أو أن أعود إلى الوطن وأبقى أنتظر، فقررت العودة إلى وطني، والآن عائلتي تنتظر مني الجواب في حصولي على العمل وتوفير السكن ليستطيعوا العودة “.
أما عن أحلامه قبل العودة وبعدها فقد تحدث قائلا: ” الأحلام كانت رومانسية ووردية، كانت أحلام الربيع التي صورت لي الاستقبال والرعاية اللذين سأتلقاهما ، لكن لا أدري.. أعاني الآن من الانتظار، وأعاني من عدم الاهتمام والرعاية، وهذا بالتأكيد لا يشجع المغتربين الآخرين على العودة ، لأن المغترب الذي يتلقى كل الرعاية والتشجيع في البلاد الأجنبية ينتظر أن يلاقي نفس التشجيع عند العودة إلى بلده ، فالبلد لا يسهم في تنميته وفي استقراره وفي عودة الأمان إلا بعودة الكفاءات العلمية ، فالأساتذة والمربون هم عماد الأمة وهم الذين يعتمد عليهم في ترقية البلاد ، لكن إلى أي مدى نحن مستعدون لتقديم المساعدة والتشجيع من أجل العودة والاستقرار “.
مسترسلًا: ” البلد المتحضر والبلد الذي يطمح إلى الازدهار لا يعامل أبناءه بقسوة ولا يجعلهم يمرون بظروف صعبة ، فلابد أن يقدم لهم التسهيلات اللازمة لكي يعودوا ويأخذوا دورهم ، وربما نحن في العالم العربي نقصر في معاملة العالم والمثقف العائد بل نهمشه أحيانًا ، لكن لماذا؟ هذا هو السؤال ، فنحن كبلد من البلدان النامية نسعى إلى البناء ونريد أن نتجاوز العهد السابق الذي عانى في زمنه العراق من الحروب والدمار، فقد آن الأوان لنبني وطننا لأن الشعب العراقي تحمل الكثير وعانى كثيرًا، والمثقف اليوم مستعد للتضحية ومستعد للبذل ، لكنه غير مستعد للانتحار، فالتضحية شيء والانتحار شيء آخر ،وعندما يطلب من العائد مجرد الانتظار على الأبواب فهذه إشكالية “.
لم نهيئ المكان المناسب للرجل المناسب
الأستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم رئيس جامعة الكوفة سابقًا، وأستاذ الدراسات العليا في كلية الآداب بجامعة الكوفة تحدث عن الكفاءات التي عادات إلى العراق ومن ثم رجعت ادراجها قائلا: “هاجر عدد كبير من الكوادر العلمية في العراق في التخصصات العلمية والانسانية ولاسباب عديدة وهم قد اغتربوا وعُيونوا في جامعات عربية واوربية وامريكية ، وبقوا هناك مدة من الزمن والان بعض من هؤلاء ارادوا العودة لكن عملية استقطابهم واحتضانهم بحيث لا يكون هناك تباين بين البيئة التي عاشها مدة من الزمن سواء في الجامعة او المجتمع وبين الجامعات العراقية لم تحصل ، ويمكن ان اقول ان بعضهم حاول ان ياتي إلى العراق وإن كان هناك ضرر مادي ، لكن حب الوطن وحب الرجوع إلى البلد والاهل دفعه إلى العودة “.
وتابع :”عندما سقط النظام السابق انتخبت رئيسًا لجامعة الكوفة ووقتها عاد الكثير من الكفاءات العلمية إلى العراق وقدموا مستمسكاتهم التي تؤكد حصولهم على شهادات عليا ، وكان الأولى أن نهيئ لهم فرص العمل في المكان المناسب، لكن الضوابط الموجودة قد يعتبرها صاحب الشهادة غبنًا له ، فعندما يعود بشهادة عليا وبدرجة الأستاذية ثم يُعين بدرجة أدنى ، فهذا ما يعتبره بعضهم مما لا يليق بعلمه وموقعه ، فيقرر العودة إلى الاغتراب والقسم الآخر يرضى بالأمر الواقع ، وأرى أن بند انتظار المغتربين القادمين إلى العراق من أجل التأكد من شهادة تخرجه العلمية، يمكن أن يُرفع ليُعين صاحب الشهادة، ثم تطلب منه المستمسكات الكاملة ، وبعد التأكد منها إذا كانت مزورة يتحمل الأستاذ المزور كل المسؤولية، وإذا كانت سليمة فإنه لا شك سوف يحتل مكانه المناسب، لأننا بحاجة إلى مثل هذه الكوادر، فأصبح لدينا توسع كبير في الجامعات، فنجد أن لكل محافظة جامعة أو أكثر، فضلًا عن التعليم الأهلي الذي انتشر بشكل كبير، لذلك نحن نحتاج إلى استقطاب اكبر عدد ممكن من هؤلاء لتغطية النقص الحاصل في الجامعات”.
مضيفًا: ” نشعر بالمرارة عندما يقدم العراقي خدماته إلى دولة أخرى كان من الأولى أن يقدمها إلى أبناء شعبه ووطنه، فهنالك العديد من السبل نقدمها لهؤلاء للاستفادة منهم داخل بلدهم ، منها مسألة السكن التي تعتبر من أولى المشاكل التي يعاني منها المواطن العراقي، وهذا المغترب حينما يأتي إلى الجامعة فعلى الأقل يجب أن يهيئ له مكان للسكن وللعمل حتى يشجع الآخرين على العودة ، ويأخذ موقعه وفق تخصصه الدقيق ، وهو حينما يأخذ موقعه كمتخصص دقيق ويهيأ له السكن ، أتصور ستنتهي المشكلة ولن نخسر تلك الكفاءات لنقدمها على طبق من ذهب إلى الدول الأخرى” .
ويتابع الحكيم مشدِّدًا: “يجب أن نحتضن القادمين بكفاءاتهم حتى نشجع الآخرين على العودة، ونعيّنهم في المكان المناسب لهم وفق التخصص الدقيق، سواء كان إداريًّا أو علميًّا، وبعضهم وجدوا فرصة العمل ، وحينما يفقد البعض هذه الفرصة لا شك أنه يفضل العودة إلى الاغتراب عندما يجد هنالك عقبة تعيين أو عقبة سكن أو عقبة المكان المناسب الذي يخالف تخصصه العلمي “.
الكليات الحكومية خذلت أصحاب الكفاءات
فيما أكد الدكتور مشكور العوادي عميد كلية الشيخ الطوسي الجامعة الأهلية ضرورة الاستفادة من خبرات الكفاءات العلمية المغتربة قائلًا: ” الكفاءات العلمية تستحق أن تجد من يسعى لتحقيق متطلباتها لتجد مجالًا أو فضاءً يحاكي المستويات والإمكانات التي يحصل عليها المغترب خارج العراق ، وبالتأكيد البلد بحاجة إلى تلك الخبرات كعقول اطلعت وشاهدت وبحثت في بلدان العالم ، والحاجة إليها تكمن في أنهم اساتذة وعقول يمكن أن نخسرهم إذا تخلينا عنهم ، في حين نجد أن بلدان العالم تسعى دومًا إلى ضم هذه الكفاءات ، وتبني هذه العقول، وهم يستحقون كل التقدير، فعلينا وضع هؤلاء في مقدمة اللجان العلمية والاستشارية ولجان الخبراء ولجان الوزارات المهمة ، حتى نستفيد من خبراتهم وعقولهم وإمكاناتهم، وهذا شيء لا يحتاج إلى دليل، لأن هؤلاء قد أخذوا مكانات مهمة في دول عظمى، فلماذا نضحي أو نتوانى عن هذه العقول في بلادنا؟؟؟ ” .
ثم يستدرك العوادي قائلًا : ” الكليات الأهلية في العراق أصبح لها نوع من المساواة في المستوى العلمي مع الكليات الحكومية ، كما ذكر ذلك السيد وزير التعليم العالي، فبعض الكفاءات العلمية المغتربة عندما عادت إلى العراق عزفت عن الكليات الحكومية ولجأت إلى الكليات الأهلية لما يستحصلوه من مستحقات مادية مجزية ومكانة تليق بمستواهم العلمي ، وبعض الكليات الحكومية قد تخلت عن أصحاب الكفاءات لأسباب مادية، فهي لا تستطيع أن تقدم لهم ما يطلبونه ، فمن كان أستاذًا في جامعات الدول الأخرى لا يعين أستاذًا بل يُعيدوه إلى مرتبته الأولى، والكليات الأهلية تمنح هؤلاء الفرصة لأنها تتقوى بهم، وستسد بهم شاغرًا مهمًّا لتصبح الكليات الأهلية نافذة مهمة في البلاد، خاصة بعد أن أخذت على عاتقها فتح اختصاصات غير موجودة في الكليات الحكومية وبثوابت قانونية أصولية ، وفوق هذا وذاك فهذه الكليات أخذت تستقطب هذه العقول “.
العراق أولى بكفاءات أبنائه العلمية
أما المواطن فراس كاظم فيقول:” إهمال الحكومة للكفاءات العلمية العراقية القادمة بخبراتها من الخارج يسهم في تأخر البلد، لأن السواعد الكفوءة يمكن أن تسرع في بناء العراق وازدهاره ، فلماذا نتيح الفرصة للدول الأخرى الاستفادة من إمكانيات تلك الخبرات، في حين أن العراق أكثر حاجة من غيره إلى الكفاءات العلمية ، لذلك نحن كمواطنين ونريد مصلحة البلد نطالب الحكومة العراقية أن تسهل أمور تعيين الكفاءات العلمية داخل بلدهم العراق لتعم الفائدة على الجميع وبذلك سترجح المصلحة العامة “.
متى نفكر بمصلحة البلد؟؟؟
ويتساءل المواطن سالم حسن: ” لماذا نحن في العراق دائمًا لا نمد يد العون لبلدنا؟ فالمسؤول مستغرق في التفكيره بكيفية حصوله على الغنيمة ، وإذا كان كل ما يشغل تفكير المسؤول هو مصلحته فمتى سيفكر بمصلحة بلده؟؟؟ بلده الذي المحتاج إلى عقول تستطيع أن تبنيه وتساهم في ازدهاره .. لأن فيه إمكانات علمية أصبحت الدول الأوربية على تقدمها لا تستغني عنها ، فلماذا نحن نستغني عن أبناء بلدنا ؟؟؟ الذين باستطاعتهم تقديم كل إمكاناتهم لرفع هامته عاليًا “.