Take a fresh look at your lifestyle.

البصمة.. بين الإعجاز والتحدي

0 7٬451

   

 

     إن العلم يتقدم تقدماً مذهلاً في السنوات الحالية، حتى يمكن أن يُقال (إنه تقدم في ربع القرن الحالي بما يعادل تقدم البشرية في تاريخها الطويل كله). وفي مجال الوراثة… تقدم هذا العلم تقدماً يثير الإعجاب، وتبنى عليه الآمال الكثيرة في مستقبل الإنسان. إنها ـ الوراثة ـ عالم قريب من عالم الأسرار والألغاز.

 

     

       ما هو الـ (DNA)؟

 

            هي المادة الوراثية الموجودة في خلايا جميع الكائنات الحية، وهي التي تجعلك مختلفاً، إنها الشفرة التي تقول لك جسم من أجسامنا: ماذا يكون؟ وماذا ستفعل عشرة ترليونات (مليون مليون) من الخلايا؟
           وطبقاً لما ذكره العالمان (واطسون) و(جريح) في عام 1953م فإن جزيء الحامض النووي (DNA) يتكون من شريطين يلتفان حول بعضهما على هيئة سلم حلزوني، ويحتوي الجزيء على متتابعات من الفوسفات والسكر، ودرجات هذا السلم تتكون من ارتباط أربع قواعد كيميائية تحت اسم أدينين (A)، ثايمين (T)، ستيوزين (C)، وجوانين (G)،
              ويتكون هذا الجزيء في الإنسان من نحو ثلاثة بلايين ونصف بليون قاعدة، كل مجموعة ما من هذه القواعد تمثل جيناً من المائة ألف جين الموجودة في الإنسان، إذاً فبعملية حسابية بسيطة نجد أن كل مجموعة مكونة من 22000 قاعدة تحمل جيناً معيناً يمثل سمة مميزة لهذا الشخص، هذه السمة قد تكون لون العين، أو لون الشعر، أو الذكاء أو الطول، وغيرها (قد تحتاج سمة واحدة إلى مجموعة من الجينات لتمثيلها).

 

 

     المقصود ببصمة الجينات:

              حديثاً تمكن (إليك جيفرس) في جامعة لستر بالمملكة المتحدة من اكتشاف اختلافات في تتابع الشفرة الوراثية في منطقة (الإنترون Intron) متمثلة في الطول والموقع، وقد وجد أن هذه الاختلافات ينفرد بها كل شخص تماماً مثل بصمة الإصبع، لذلك أطلق عليها بصمة الجينات، باستثناء نوع نادر من التوائم المتطابقة الناشئة عن انقسام بويضة مخصبة واحدة (MZT) وبحساب نسبة التميز بين الأشخاص باستخدام بصمة الجينات، وجد أن هذه النسبة تصل إلى حوالي 1: 300مليون، أي أن من بين 300مليون شخص يوجد شخص واحد فقط يحمل نفس بصمة الجينات.
              وقد وجد أيضاً أن بصمة الجينات تورث طبقاً لقوانين مندل الوراثية، وينفرد بها كل شخص تماماً وتورث، أي إن الطفل يحصل على نصف هذه الاختلافات من الأم، وعلى النصف الآخر من الأب، ليكون مزيجاً وراثياً جديداً يجمع بين خصائص الوالدين.

 

     تعيين بصمة الجينات:

 

               كل ما هو مطلوب لتعيين بصمة الجينات هو عينة صغيرة من الأنسجة التي يمكن استخلاص الحامض النووي الريبوزي المختزل (DNA) منها، فعلى سبيل المثال نحتاج:

 

     ـ عينة من الدم في حالة إثبات بنوة.
     ـ عينة من الحيوان المنوي في حالة اغتصاب.
     ـ قطعة جلد من تحت الأظافر أو شعيرات من الجسم بجذورها في حالة وفاة بعد مقاومة المعتدي.
     ـ دم أو سائل منوي مجمد أو جاف موجود على مسرح الجريمة.
     ـ عينة من اللعاب.

 

 

              وحديثاً تمكن العالمان الاستراليان (رولند فان) و(ماكسويل جونز) ف عام 1997م من عزل المادة الوراثية من الأشياء التي لمسها مثل المفاتيح والتلفون والأكواب بعد استخلاص المادة الوراثية، حيث يتم تقطيعها باستخدام إنزيمات التحديد (Enzymes Restriction)، ثم تفصل باستخدام جهاز الفصل الكهربائي (Electrophoresis) ثم تنتقل إلى غشاء نايلون، ثم باستخدام مسابر خاصة (Probes) يتم تعيين بصمة الجينات على فيلم أشعة.

    بصمة الجينات كدليل جنائي:

 

              نسبة النجاح التي تقدمها الجينات تصل إلى حوالي 96% مما شجع الدول المتقدمة مثل أمريكا وبريطانيا على استخدامها كدليلاً جنائياً، بل إن هناك اتجاهاً لحفظ بصمة الجينات للمواطنين مع بصمة الإصبع لدى الهيئات القانونية.
              وقد تم الحسم في كثير من القضايا بناء على استخدام بصمة الجينات كدليل جنائي، وقد يختفي مرتكب إحدى الجرائم تاركاً بعض قطرات من دمه أو بعضاً من خلايا جلده أو أنسجته عالقة بأظافر المجني عليه أو مسرح الجريمة، أو يعتدي السفاح على إحدى ضحاياه تاركاً حيواناته المنوية فكلها خلايا تحمل هويته وصورته الشخصية التي لا يستطيع تزويرها وتوقيعه في آلاف البطاقات الدالة عليه، فكل خلية نسخة مستقلة وصورة مكررة من صورة الشخصية ولا مجال للإنكار… هنا تشهد الجلود والدماء والخلايا على المجرم، شهادة حق من شهود عدول…

 

     بصمة الجينات لإثبات النسب:

 

              وتعتبر قضايا إثبات البنوة مشكلة اجتماعية خطيرة تشغل اهتمام كثير من العلماء في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن إنها مشكلة قضائية تستغرق سنوات طويلة أمام المحاكم، ويخطئ من يظن أن عملية الحسم ف هذه القضايا تتم بسهولة بمجرد عمل تحليل طبي، فهناك فحوص وكشوفات طويلة على ثلاثة أطراف، الأم والأب والطفل، للتأكد من قدرة كل من الزوج والزوجة على الإنجاب خلال فترة إنجاب الطفل، أو ادعاء الحمل فيه.
            وكذلك شخصية وسن الطفل، بعد ذلك … يأتي دور التحاليل الطبية، وتشمل فصائل الدم الرئيسية والفرعية، واختبارات مصلية تتعلق بمستحضرات (أنتيجينات) خلايا الدم البيضاء وهي ما يطلق عليه (HLAS)، ولكن هذه التحاليل لا تعطي أكثر من 40% فقط، وهي نسبة تثير الشك أكثر من اليقين في مسائل إثبات البنوة.
             على الرغم من مرور وقت قصير على اكتشاف بصمة الجينات… إلا أنها استطاعت عمل تحول سريع من البحث الأكاديمي إلى العلم التطبيقي الذي يستخدم حول العالم وخصوصاً في الحالات التي عجزت وسائل الطب الشرعي التقليدية التي لا نجد لها حلاً مثل قضايا إثبات البنوة، والاغتصاب، وجرائم السطو، والتعرف على ضحايا الكوارث.
               تأتي المفاجأة من ترتيب مناطق الجينات داخل الحامض النووي، تلك الجينات القادمة من الأب ومن الأم معاً لتشترك في بناء نووي جديد ذي تركيب مختلف عن أحماض الأب والأم في ظاهره ولكن تتابع جيناته يدل ويشير إلى أصلها من الأب ومن الأم معاً… بل يؤكد انتماءها إلى أب بعينه وإلى أم بعينها دون غيرها من البشر…فكان ذلك ما عرف باسم (البصمة الجينية) الذي اعتبره العلماء قفزة علمية كبيرة لما لها من أهمية في عالم الطب الشرعي وعالم الحياة بشكل عام…
             تلك البصمة الجينة التي لا يمكن محوها ولا يمكن رؤيتها إلا بعد استخدام وسائل غاية في التعقيد، وهي بصمة تعكس بشكل ما شخصية صاحبها وتحدده، وتميزه عن سائر البشر إلى يوم القيامة.
              وعند مقارنة ترتيب المناطق المذكورة بسلاسل الحامض النووي المأخوذ من الأب ومن الأم فإنه يمكن ببساطة تحديد المناطق القادمة من الأب والمناطق القادمة من الأم، وبالتالي يمكن الجزم بأن الحامض النووي للأب والحامض النووي للأم رغم الاختلاف البيّن بين تسلسل المناطق المصبوغة على سلاسل الأحماض الثلاثة (الأب والأم والابن).
             إنها بصمة الأب وبصمة الأم بصمة الابن تختلف داخل الرحم بأمر الخالق عز وجل (ذرية بعضها من بعض) (آل عمران/ 34).
بصمة تلازم الإنسان طوال حياته ولا يمكن محوها أو التخلص منها بحال من الأحوال… وبها يبعث من جديد بإذن الله، يوم ينفخ في الصور فيعود كل إنسان كما كان لم يتغير منه شيء بإذن الواحد القهار، وكلما بدأ البحث في مجال بدت للباحثين مجالات أخرى كثيرة وآيات من آيات الله لم تكن نخطر لهم على بال مصداقاً لقوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (فصلت/ 53).

 

 

بصمة البنان:

     البنان هو نهاية الإصبع، وقد قال الله تعالى: (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه) (القيامة/ 3،4). وقد توصل العلم إلى سر البصمة في القرن التاسع عشر وبين أن البصمة تتكون من خطوط بارزة في بشرة الجلد تجاورها منخفضات، تعلو الخطوط البارزة فتحات المسام العرقية، تتمادى هذه الخطوط وتتلوى وتتفرع عنها فروع لتأخذ في النهاية ـ وفي كل شخص ـ شكلاً مميزاً.

 

     وقد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثل في شخصين في العالم حتى في التوائم المتماثلة التي أصلها بويضة واحدة، ويتم تكوين البنان في الجنين في الشهر الرابع، وتظل البصمة ثابتة ومميزة طوال حياته ويمكن أن تتقارب بصمتان في الشكل تقارباً ملحوظاً، ولكنهما لا تتطابقان أبداً.
     ولذلك فإن البصمة تعد دليلاً قاطعاً ومميزاً لشخصية الإنسان ومعمولاً به في كل بلدان العالم، ويعتمد عليها القائمون على تحقيق القضايا الجنائية لكشف المجرمين واللصوص، وقد يكون هذا هو السر الذي خصص الله ـ تبارك وتعالى ـ من أجله البنان، وفي ذلك يقول العلماء (لقد ذكر الله البنان ليلفتنا إلى عظيم قدرته حيث أودع سراً عجيباً في أطراف الأصابع، وهو ما نسميه بالبصمة)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.