Take a fresh look at your lifestyle.

استراتيجية الإصلاح والتنمية الإدارية في العراق

0 2٬081
              تتصف عمليات التنمية الاقتصادية كونها شاملة ومتعددة الجوانب والأبعاد تمثل التنمية الإدارية حلقة أساسية ضمن استراتيجيتها، فهنالك علاقة وثيقة بين التنمية الإدارية والتنمية الاقتصادية الشاملة،سنحاول في هذه الدراسة المختصرة توضيح ذلك.
              أن دراسة واقع الاقتصاد العراقي وعملية النهوض التنموي له تتم ضمن محورين أساسيين هما:
   أولاً: الجانب المادي المتمثل بالقدرة الإنتاجية السلعية والخدمية لمؤسسات الدولة العراقية للقطاع (العام والخاص)، والبنى القاعدية الأساسية التي تخدم جميع الانشطة.
   ثانياً: الجانب المعنوي المتمثل بنوعية علاقات العمل السائدة، ونماذج أنظمة العمل المطبقة، وطبيعة السلوكيات السائدة ومستوى أداء المؤسسات والعاملين فيها،
               فتنفيذ أي خطة تنموية ناجحة يجب أن تتم من خلال حصول تطور مهم في هذين المحورين.
              فالتجارب التنموية الناجحة التي حققتها الدول المتقدمة حصلت بفضل متانة خططها التنموية وبفضل إدارتها الكفوءة الواعية.
          سنتناول في هذه الدراسة بحث تفاصيل المحور الثاني من خلال توضيح أهم مظاهره وأسبابه وتحديد حجم تأثيره على العملية التنموية الاقتصادية، وبيان أهم المعالجات الإصلاحية له.

 

مؤسسات الدولة العراقية

              وهي تشمل..
    أولًا: الدوائر والمؤسسات الحكومية التابعة للحكومة المركزية والمحلية الممولة من الخزينة المركزية أو موازنات مستقلة.لهذه المؤسسات والدوائر أهمية كبيرة لكونها تمثل الأداة الاساسية تستطيع من خلالها الحكومة في تنفيذ سيساتها وخططها التنموية والإعمارية، وعن طريقها تستطيع الحكومة تقديم مختلف خدماتها إلى القطاعات الاقتصادية وإلى أفراد المجتمع العراقي، فهي تعكس الوجه الحضاري للبلد.
    ثانياً: الوحدات الاقتصادية الإنتاجية (السلعية والخدمية) العاملة في النشاط الاقتصادي،ضمن نطاق القطاع العام أو الخاص، فهي تمثل القدرة الإنتاجية في البلد، ويمثل مجموع إنتاجها العمود الفقري للناتج الإجمالي العام للبلد.

 

   الفساد المالي والإداري

              تشير مختلف المؤشرات والمعايير العالمية المختصة بقياس هذه الظاهرة إلى انتشارها وشمولها مختلف المستويات الإدارية في مؤسسات الدولة العراقية وأصبحت هذه الظاهرة متعارف عليها في المجتمع العراقي.
              يمكن تفسير ظاهرة الفساد الإداري والمالي بحصول خلل أو انحراف عند ممارسة الوظائف الإدارية، من خلال استخدام الموظف الفاسد صلاحياته الوظيفية لتحقيق مكسب مالي أو معنوي له، فالفساد الإداري يسبق الفساد المالي وهو يمثل نتيجة حتمية له.

 

    عملية الإصلاح والتنمية الإدارية

               تتم عملية إصلاح وتطوير الأجهزة الإدارية ضمن مرحلتين أساسيتين متكاملتين ومتداخلتين مع بعضهما، كما يلي:

 

   أولاً: مرحلة التنظير الفكري للظاهرة:

               تقترن المعالجة السليمة والحلول الناجعة لأي مشكلة بالتحليل العلمي الدقيق لها.
             تتم عملية التنظير من خلال دراسة الواقع الميداني للظاهرة وإجراء التحليل العلمي لأبعادها الفلسفية وتحديد أهم العوامل المرتبطة بها وتوضيح طبيعة العلاقة التبادلية بينهما.
             يمكن تحديد أربعة محاور أساسية لنشوء هذه الظاهرة هي البعد السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي والإداري، وتمثل هذه المحاور الابعاد الفلسفية لأسباب نشوئها.

  1ـ البعد السياسي:

            التأثير المباشر لهذا البعد يتمثل بتدخل السياسين في إدارة الأجهزة الإدارية والمالية في البلد بعيداً عن الجانب المهني، وتأثير غير مباشر ناتج من الانعكاس السلبي للاحداث السياسية الجارية في البلد على مختلف الانشطة منها الأجهزة الإدارية.
           في زمن النظام السابق تم شغل المناصب الحكومية في مؤسسات الدولة والقطاع العام وفق رغبات قيادة النظام دون مراعاة للجوانب المهنية والسلوكية، كما واتسمت سلوكياته بعدم المسؤولة تمثلت بحروبه العبثية والأحداث السياسية التي رافقت حكمه.
           بعد عملية التغيير السياسي في العراق استمر نفس الأسلوب من خلال التطبيق السيئ لأسلوب المحاصصة السياسية الذي اعتمد كحلّ توافقي للوضع السياسي السائد في حينه، توسع تطبيق هذا الأسلوب بشكل افقي وعمودي تم بموجبه شغل الأعضاء المنتمين للكيانات السياسية مناصب وظيفية دون اعتبار لمبدئي الكفاءة والنزاهة.
           وتمثل حالة الصراع البيني للكيانات السياسية عوامل أساسية ساهمت بشكل كبير في تأجيج الهوة وتعميق حالة الانقسام بين مكونات المجتمع العراقي وتردي الحالة المعنوية لهما وفقدان الدافع الوطني دوره في الحالة المعنوية للعاملين. ساهمت هذه العوامل على تدني مستوى الأداء العام وعدم كفاءة الانشطة الحكومية وفشل الخطط التنموية.
           نرى ضرورة إيجاد آلية فعالة لمراقبة عمل الأحزاب السياسية وتفعيل أهدافها الوطنية وإلزامهم على صياغة خطاب سياسي منسجم مع المنطلقات الفكرية لمفاهيم المواطنة واحترام حقوق الآخرين ومبدأ سيادة القانون، بما يضمن مصالح جميع أفراد الشعب وتحفيز الروح الوطنية لديهم لضمان مشاركة الجميع في العمليات التنموية وبناء مواطن مكتمل الشخصية في الجوانب المهنية والسلوكية يكون مفيداً لنفسه ولمجتمعه.

  2ـ البعد الاجتماعي:

             يمثل البعد الاجتماعي في منظومة القيم الاجتماعية ونماذج السلوكيات الأخلاقية السائدة في المجتمع العراقي، يعتمد تحديد هذا البعد على جرد المفاهيم الاجتماعية السائدة بغرض تحديد المفاهيم الايجابية والسلبية، ليتم على ضوئها اعتماد استراتيجية وطنية شاملة تشترك فيها جميع أجهزة ومؤسسات الدولة بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والأجهزة الاعلامية لتعزيز المفاهيم الأخلاقية الإيجابية وإشاعتها لدى أفراد المجتمع العراقي.
           إن الخطوات التنموية سيصيبها الفشل والتلكؤ ما لم تتخذ الخطوات العملية في هذا الجانب. فالتجارب التنموية الناجحة التي نفذتها المجتمعات العالمية المتقدمة ابتدأت أولاً بأجراء تغييرات مهمة في الجانب الاجتماعي والثقافي. لأن الرداع الاجتماعي في بعض الاحيان أكثر فعالية وأهمية من الرادع القانوني والديني.

  3ـ البعد الاقتصادي:

           ويتمثل بإجراء الموازنة بين مستويات أجور العاملين مع مستويات الأسعار السائدة في السوق الوطنية، فيجب الحفاظ على هذه الموازنة وجعلها ضمن المؤشرات والمعايير الدولية المقبولة، لأن حصول أي خلل فيها يشجع العاملين على الانحراف السلوكي وقبولهم الرشوة.
            إن زيادة الأجور النقدية للعاملين وعدم تطبيق سياسات مالية واقتصادية للسيطرة على معدل التضخم يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للعاملين ويخلل بالموازنة المذكورة.

4ـ البعد الإداري:

               يتكون هذا البعد من الفقرات والمقومات التالية:
    أ ـ مستوى كفاءة أنظمة العمل المعمول بها.
    ب ـ نوعية (التقنيات) المعمول بها في الأجهزة الإدارية والمالية للدولة العراقية.
    ج ـ مستوى كفاءة ومتانة (إجراءات الرقابة والضبط الداخليتين) المعمول بهما.
    د ـ وأخيراً مستوى كفاءة أداء أجهزة التدقيق قبل وبعد الصرف في الدوائر العراقية.
    هـ ـ مسار سير الأوامر الإدارية، ومستوى الحزم الإداري.
           بعد عملية التغيير السياسي جرى تطبيق أفكار نظرية اقتصاد السوق كأسلوب بديل في إدارة الأنشطة الاقتصادية، تم بموجبه اعتماد استراتيجيات جديدة حصل بموجبها إجراء تعديل جوهري في الهياكل التنظيمية للأجهزة الحكومية والوحدات الاقتصادية من الناحية التنظيمية والوظيفية انسجاماً مع هذا التغيير.
              اعتمد مثلا تطبيق أسلوب (النظام اللامركزي) ضمن التقسيم الهيكلي الإداري والمالي لأجهزة الدولة وللمحافظات والأقاليم العراقية، منحت بموجبه الوحدات الإدارية صلاحيات واسعة في التعاقد والصرف.
            من الملاحظ أن التغيير الهيكلي الذي جرى وفق أفكار نظرية اقتصاد السوق في إدارة الانشطة الاقتصادية والإدارية لم يتم التهيئة والتحضير الجيدين لتنفيذه ولم يتم تهيئة الوسائل والاليات المناسبة لضمان حسن تطبيقها.
              لذلك فقد جاءت نتائج التطبيق غير منضبطة ولم تحقق المزايا والفوائد المرجوه منه، نرى من الضروري اعتماد المعايير والاليات العلمية وتهيئة الظروف المناسبة لتطبيقه.

 

    ثانياً: مرحلة التطبيق العملي:

            بعد دراسة الظاهرة وتحديد أبعادها والعوامل المتعلقة والمرتبطة بها،ننتقل إلى مرحلة التطبيق العملي من خلال اعتماد مجموعة السياسات والبرامج العملية.
            إن التوقف عند مرحلة التنظير سيخدم أغراض البحث العلمي الأكاديمي فقط، فلأجل الاستفادة الحقيقية من البحث العلمي يجب أن تقترن الدراسة البحثية بخطوات وبرامج عملية لتنفيذها.
             يجب تمتع الجهة المكلفة بعملية التنفيذ بمؤهلات وخبرات مهنية تراكمية تؤهلها إنجاز عملها.

 

  أهمية إصلاح وتنمية الأجهزة المالية والإدارية في العراق

             لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية ناجحة في البلد دون وجود مؤسسات حكومية متطورة ونشطة تستطيع مواكبة عمليات التنمية المنشودة. إن عملية الإصلاح المنشودة تحقق هدفين هما معالجة حالة التدني في مستوى الأداء، وتقليل حالات الفساد إلى أدنى مستوى ممكن.
            لذلك تسعى الوحدات الاقتصادية في المجتمعات المتحضرة بصورة دورية ومستمرة في اجراء عملية تطوير وتحديث لانظمة عملها والآليات المعمول بها في الأجهزة الإدارية، بغرض تحقيق مزايا عديدة في التكاليف وفي سرعة ودقة الإنجاز.
           كما وتقوم حكومات الدول المتقدمة بصورة دورية بتطوير أجهزتها الإدارية والمالية لتحديثها وجعلها أكثر حيوية، وتكون عملية الإصلاح للأجهزة الحكومية ضرورية جدا عند حصول أحد الحالات التالية:
             عند حصول عملية تغيير جذرية للنظام السياسي في البلد، أو عند حصول حروب داخلية، أو عند حصول أزمات اقتصادية أو مالية أو حالات فساد مالي وإداري خطيرة في البلد.
             يلاحظ أن العوامل الثلاث مجتمعة قد حصلت فعلا بشكل معين في العراق، لذلك فإن عملية الإصلاح والتنمية اضحت مهمة اساسية وحيوية لاتحتمل التأجيل وبدونها لا يمكن تحقيق أي نجاح في العمليات التنموية في الجوانب الاقتصادية أو السياسية او الاجتماعية… الخ.

الاضرار الناتجة من ظاهرة الفساد وانخفاض مستوى اداء الأجهزة الحكومية

              يمكن قياس حجم الأضرار ضمن جانبين أساسين هما:
    أولاً: الجانب المادي، ويتم قياسه بحجم المبالغ المهدورة نتيجة ظاهرة الفساد وانخفاض مستوى الاداء.
    ثانياً: الجانب المعنوي المتمثل بمعانات المراجعين والحالة النفسية لهم نتيجة الروتين الحكومي المعقد المسبب للملل وضياع الوقت للمواطنين والعاملين في دوائر الحكومية. من الصعوبة التوصل إلى معايير دقيقية لقياس حجم الاضرار الحاصل في هذين الجانبين لعدم توفر المعايير الدقيقة لقياسهما.
               لكن على العموم يمكن تحديد أهم تلك الأضرار في الجوانب التالية:
  1ـ حجم المبالغ المهدورة من خزينة الدولة نتيجة الفساد الإداري والمالي.
  2ـ ضياع فرص تنموية نتيجة عدم تمكن أجهزة الدولة بتنفيذ الاعتمادات الحكومية المخصصة للمشاريع التنموية والاعمارية، ومن الاستفادة الحقيقية من المنح والائتمانات التي قدمتها دول العالم للحكومة العراقية ضمن المؤتمرات العالمية.
  عدم تمكن الأجهزة الحكومية بتقديم أفضل الخدمات بالمستوى اللائق للمواطنين.
  عدم دقة نتائج التنفيذ، مما أفقد الأجهزة التخطيطة والتنفيذية من الوصول إلى البيانات والمعلومات الضرورية الدقيقة لأغراض عملية التخطيط والمراقبة الفعالة.
  عرقلة سياسة جذب الاستثمارات المحلية والخارجية لتنفيذ مشاريع استثمارية في البلد، حيث تحتسب الشركات الاستثمارية مبالغ إضافية تتوقع تحملها نتيجة فساد وعدم كفاءة الأجهزة الإدارية الحكومية وتضيف تلك التكاليف إلى كلفة المشاريع المراد تنفيذها.
  عرقلة في حركة انسيابية سير إنجاز المعاملات داخل الدوائر الحكومية.

 

   مقومات عملية الإصلاح والتنمية الإدارية

          تجري عملية الإصلاح ضمن خطوات علمية متسلسلة متكاملة ومتداخلة مع بعضها وبشكل متلائم مع الظروف والمتغيرات السائدة في المجتمع العراقي وفي العالم.
              يمكن تحديد ثلاث محاور أساسية يتم من خلالها اجراء عملية الإصلاح والتنمية الإدارية:
     المحور الأول : تطوير كفاءة المؤسسات، من خلال أعادة هيكلتها من الناحية التنظيمية والوظيفية، ومن خلال تطوير (انظمة العمل ومستوى التقنيات المعمول) بهما.
           أ ـ أنظمة العمل: يقصد بمفهوم (انظمة العمل) الفقرات التالية:
  1ـ مجموعة التشريعات (القوانيين والانظمة) الناظمة لتنفيذ الأعمال في مختلف الانشطة الإدارية (المالية، التسويقية، إدارة الافراد، إدارة الانتاج، إدارة المخازن،…. الخ)،
  الهيكل التنظيمي والوظيفي، يحدد الهيكل التنظيمي الترتيب الإداري للمؤسسة طبقا لاهداف الدائرة اوالوحدة، وبموجبه يتحدد مسار الصلاحيات والمسؤوليات على مستوى الفرد والقسم، ومسار الاوامر الإدارية وطبيعة تنفيذها.
  الاجراءات الروتينية التي تحدد خطوات ومسار إنجاز الأعمال داخل الدائرة او الوحدة.
  الوثائق المطلوبة من قبل صاحب المعاملة.
  5ـ النماذج والمستندات (الدورة المستندية) وهي مجموعة المستندات المستخدمة في الدائرة لإنجاز الأعمال.
  أنظمة واجراءات الرقابة والضبط الداخليتين المعتمدة التطبيق في الدائرة اوالشركة،
        ب ـ التقنيات: وهي تشمل عنصرين اساسين هما مجموعة الأجهزة والاليات المستخدمة لتنفيذ العمليات الإدارية، والأسلوب او الطريقة المتبعة لتنفيذ الأعمال.
              تشكل هاتين المجموعتين العناصر الاساسية لانظمة العمل، يلتزم مجموع العاملين بمختلف المستويات الإدارية بتطبيقها ضمن نطاق عملهم، فهي توضح كيفية إنجازهم للأعمال، وعلى اساسها تشكل الانظمة المعمول بها في المؤسسة (النظام المخزني، نظام التسويق، نظام إدارة الافراد، نظام إدارة الانتاج، النظام المحاسبي والمالي…. الخ)،
            وهي تحدد مستوى ونوعية المقدرة الانتاجية للمؤسسات وقدرتها التنافسية في تقديم افضل انتاجها (السلعي اوالخدمي) بـأقل التكاليف وبافضل النوعيات وبالوقت المناسب.
               ضمن قوانين العولمة وقرارات منظمة التجارة العالمية اصبحت الاسواق العالمية مفتوحة الغيت بموجبها جميع قوانين واحكام الحماية والدعم الحكوميين للقطاعات والمؤسسات الانتاجية والخدمية الوطنية، انصبت مجالات المنافسة بينهما على الجهة التي تملك وتطبق افضل انواع التقنيات وانظمة العمل المتطورة في المجال الإداري والتكنولوجي، لتتمكن بموجبهما في منافسة منتجات الاخرين في السوق المحلية والعالمية. لذلك فقد اهتمت المؤسسات العالمية وخصصت ميزانيات كبيرة لهذا الغرض، وهي تجري باستمرار مراجعة دورية لفحص انظمة عملها لتطويره.
              تتصف أنظمة العمل المطبقة في الدول النامية ومنها العراق بالبدائية والمتقادمة، نتيجة عدم تفهم القيادات السياسية والإدارية لاهمية الإصلاح والتنمية الإدارية، لذلك لم نشاهد وجود جهة او مؤسسة مختصة تتكلف دوريا بمهمة (إصلاح وفحص وتطوير) انظمة العمل المطبقة في الأجهزة الحكومية.
                إن تردي مستوى اداء الأجهزة الإدارية تمثل ظروف ملائمة ومرتع جيد لنمو وتعاظم حالات الفساد المالي والإداري،وهي تمثل اهم عقبة تحول دون تحقيق تنمية حقيقية، وستزيد من حجم الهدر والاسراف في الطاقات وسيتعاظم بموجبها حجم الانفاق دون ان يقابله زيادة مماثلة في القدرة الانتاجية. يجب تحديث وتطوير انظمة العمل والتقنيات المعمول بها حاليا لكونها متقادمة لم يجر لها اي تطوير او تحسين خلال العقود الماضية.
              وضرورة تقوية انظمة الرقابة واجراءات الضبط الداخليتين لرفع مستوى كفاءتها، وتفعيل أجهزة التدقيق قبل الصرف للحد من حالات الفساد المالي والإداري.
                ان حجم الاضرار الناتج من انخفاض كفاءة اداء الأعمال يفوق بكثير حجم الاضرار الناتجة من الفساد المالي،الفرق بينهما الاول مصان لانه اتبع التعليمات والقوانيين النافذة في حين يمثل الفساد المالي تصرف ارادي مخالف للانظمة والقوانيين يحقق بها مصلحة خاصة به.
     المحور الثاني: المؤهلات العلمية والمهنية للكادر الوظيفي:
             ان مستوى التأهيل الذي يجب ان يتمتع به الكادر له اهمية عظمى، فطبيعة وطريقة اداءه للأعمال الموكله اليه ومبادرته في إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تعترض عمله تعتمد بشكل كبيرعلى مستوى تأهيله وقابلياته الذهنية ومستوى وافق تفكيره، فالموظف القدير يتمتع بمقدرة وكفاءة عالية على معالجة الامور بمهنية وموضوعية لصالح العمل، يحقق بموجبها فوائد ومزايا عديدة في المال والوقت تؤدي في النهاية إلى تحسين مستوى الاداء العام.
              ان الخبرة المهنية للعاملين تتكون من مصدرين اساسين هما: التأهيل العلمي ومستوى ونوعية الخبرات العملية التي اكتسبها من ممارسته عمله في خدماته العملية.
        المحور الثالث: المؤهلات السلوكية والاخلاقية للكادر الوظيفي:
              تعتمد استراتيجية التنمية على ثلاث اركان اساسية هي (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية) ويجب ان تكون هذه الاركان متجانسة ومترابطة فيما بينها.
              ان العامل الاقتصادي عامل وسيط واساسي لاجراء التنمية ولكن يجب ان يسبقه العامل الاجتماعي والثقافي فالخطط الاقتصادية مهما كانت متقنة فانها غير مضمونة النتائج مالم تكن قادرة على التفاعل الايجابي مع ثقافة المجتمع.
               لذا يجب أجراء جرد كمي ونوعي للمفاهيم والعادات الاجتماعية والثقافية السائدة حاليا في المجتمع، بغرض اعادة تقويمها.
              تتم عملية الفرز النوعي للمفاهيم بغرض تحديد القيم الوظيفية المفيدة عن القيم اللاوظيفية على ضوئها يتم وضع الخطط والبرامج لتعزيز القيم الوظيفية المفيدة والتخلص قدر الامكان من القيم اللاوظيفية.من خلال ذلك يتم الترشيد القيمي للمفاهيم واشاعة النموذج الاخلاقي السليم بين افراد المجتمع، ويجب ان تنسجم القيم الوظيفية المفروزه مع العقائد والاعراف السائدة في المجتمع، لان اي ثقافة او ايدلوجية يتم تطبيقها بالاكراه والتي لاتنسجم مع الفطرة الانسانية ومع المعتقدات الاساسية للمجتمع سيصيبها الفشل والاضمحلال.

 

    مؤسسة الإصلاح والتنمية الإدارية

              لاجراء الإصلاح والتنمية بشكلها العلمي السليم نرى من الضرورة احداث مؤسسة مستقلة تختص بعملية إصلاح الأجهزة المالية والإدارية وتنمية الموارد البشرية للكادر الوظيفي، تتبع هذه المؤسسة من الناحية الإدارية رئاسة مجلس الوزراء يرأسها احد نوابه، ويتكون كادرها الفني والإداري من اعضاء متفرغين يتمتعون بمؤهلات مهنية عالية وبخبرة عملية واسعة، وإدارية كافية في إدارة مختلف الانشطة والوظائف الإدارية. ومن اعضاء يتم تنسيبهم من الوزارات والهيئات العراقية المختصة، ينظم قانون تأسيسها اهدافها وطبيعة إنجاز أعمالها وهيكلها التنظيمي.
                   يجب منحها صلاحيات واسعة،وتقديم الدعم المطلوب ماديا ومعنويا، لتتمكن من تنفيذ اهدافها بأحسن وجه وفق المعايير العلمية المعتمدة عالميا.
                 وعليها الاستعانة بالكفاءات والكوادر العراقية والاجنبية المختصة حسب الحاجة، ويجب تنفيذ أعمالها بالتنسيق والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمراكز العلمية والمهنية المختصة المحلية والخارجية.

     أهداف المؤسسة وكيفية تنفيذ أعمالها

                تتلخص اهم اهداف هذه المؤسسة بدراسة وتقييم وفحص مختلف انظمة العمل المطبقة في مؤسسات ودوائر الدولة، واقتراح الانظمة البديلة او تطوير الموجود منها، بما يحقق انسيابية كبيرة في الإنجاز، واقتراح التوسع في استخدام التقنيات المتطورة والادوات ووسائل الاتصالات السريعة، وتقديم التوصيات والمعالجات المناسبة لمختلف المشاكل والعقبات التي تعترض العمل، وبما يضمن في تقوية انظمة الرقابة الداخلية واجراءات الضبط والتدقيق الداخليين قبل وبعد الصرف لتقليل حالات الفساد المالي والإداري إلى اقل مستوى، واحكام السيطرة وانضباط العمل والعاملين ضمن المعايير والمقاييس العالمية.
              تختلف طبيعة المعالجات حسب وضع الدائرة المراد إصلاحها وتأهيلها،منها ما يتطلب اعادة هيكلتها بشكل كامل، ومنها يتطلب اجراء إصلاحات جزئية في جوانب معينة لانشطتها.

 

        العوامل التي تساهم في تنفيذ الإصلاح والتطوير الإداري

  1ـ تنسيب الكوادر المهنية الكفوءة والنزيهة لإدارة المؤسسات والدوائر، تمثل هذه الفقرة العامل الرئيسي والحيوي لتحقيق تقدم في باقي الخطوات اللاحقة.
  اعداد الدورات التدريبة المستمرة للعاملين لرفع مستوى كفاءتهم المهنية، مثال ذلك: نقترح القيام بحملة كبيرة لاشراك جميع الخريجين العاطلين عن العمل في دورات تدريبية تطبيقية لزيادة مهاراتهم وتأهيلهم للخبرات الحديثة المتطورة في جميع المهن والاختصاصات، تشترك في تنفيذ هذه الحملة جميع الجهات المختصة بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني مثل النقابات المهنية،
                ويمنح الشخص المشترك راتب ملائم، ان القيام بهذا المشروع يحقق غايات متعددة اجتماعية واقتصادية وامنية، بموجبه سيتم تحويل العاطلين إلى كادر متدرب من السهل إشراكه في تنفيذ المشاريع التنموية المزمع تنفيذها لاحقا.
  3ـ الابتعاد عن أسلوب المحاصصة بكل انواعه، وابعاد كل التدخلات الخارجية في إدارات المؤسسات، وتحفيز الكيانات السياسية العاملة على تضمين خطابها السياسي لمبادىء الوطنية التي تجمع المواطنين وفق مبدىء تكافىء الفرص بينهم وسيادة القانون .
  4ـ تطوير الانظمة المعمول بها، كما يلي:
      – اعتماد وسائل متعددة لتحسين فعالية الدورات المستندية المعمول بها.
    – تفعيل الانظمة المالية والمحاسبية، وتقوية اجراءات الضبط والرقابة الداخليتين المطبقة حاليا،من خلال اعتماد برامج وخطط مدروسة طبقا للمعايير العالمية بعد تطويرها وتهيئة الظروف الملائمة للمجتمع العراقي،
    توفير المناخات والظروف المناسبة لتحقيق الفوائد المرجوه من تطبيقه الأسلوب اللامركزي الذي اعتمد تطبيقه في إدارة الاقاليم والمحافظات وتعديل النصوص التشريعة بما يضمن ازالة الارباك الناتج من التفسيرات المتعددة للقوانين.
    العمل على تحديث انماط العمل المتبعة في مختلف الانشطة، لتحسين اداء العاملين.
    التحديد السليم لمسار سير الصلاحيات وربطها بشكل واضح مع مسار المسؤوليات لتسهيل عملية التقييم ومعالجة مواقع الانحراف بدقة، وتحديد المسؤوليات عند الإنجاز ليتم بموجبها مجازات الكفوء ومحاسبة المقصر بشكل عادل.
    تحديد مسار سير الاوامر بوضوح بما يحقق مركزية القرار لاعطاء القرارات الصادرة القوة والحزم المطلوبين للتنفيذ.
  تقويم انشطة الدولة:
               القيام بدراسة الانشطة الاقتصادية والمالية والتجارية التي تضطلع بها الحكومة حاليا، تتخلص بموجبها من عبىء إدارتها للمؤسسات التي لا تنسجم مع مقدرتها اوطبيعة عملها، من خلال تنفيذ مايلي:
أ ـ خصخصت بعض المؤسسات الانتاجية.
ب ـ تنفيذ أسلوب الوكالات، بتخويل مؤسسات عائدة إلى القطاع الخاص في أدارة بعض الأعمال الخدمية التي تقوم بأداءها الأجهزة الحكومية، تتقاضى الوكالة مقابلها اجور معينة.
ج ـ تغيير طريقة وأسلوب إدارتها لبعض الانشطة الخدمية باستخدام طرق واساليب اكثر تطوراً تحقق بموجبها اقتصاد في الجهد والكلفة.
  التخفيف قدر الإمكان من الكثافة البيروقراطية، يتم ذلك بعدة طرق اهمها:
             وضع خطة متوسطة الامد لتقليل حالة البطالة المقنعة المرتفعة في دوائر الدولة ومؤسسات القطاع العام، واعتماد مناهج موضوعية لاعادة تأهيلهم لتشغيلهم في اماكن اخرى.
  الاستفادة من التقنيات والأجهزة الحديثة مثل التوسع في استخدام برامج متطورة للكمبيوتر وتطبيق نموذج الإدارة الالكترونية كأسلوب متطور في إنجاز المعاملات. واتباع سياسات فعالة لنقل وتوطين التقنية الحديثة.
  اعادة هيكلة الأجهزة الرقابية، واجراء ربط فني بين عمل اقسام التدقيق قبل الصرف مع الأجهزة الرقابية بعد الصرف ليكونا حلقة رقابية متصلة ومتكاملة مع بعضهما.
              وتقوية وحماية أجهزة التدقيق والرقابة قبل الصرف لتتمكن من إنجاز أعمالها بموضوعية وحيادية كاملة وجعلها مسؤولة عن المخالفات التي تحصل ضمن نطاق عملها.
  دعم الأجهزة القضائية، وتعزيز استقلالها وتفعيل دورها القضائي في اصدار القرارت الجزائية بالسرعة للاشخاص المحالين اليها كمتهمين ليكونوا عبرة للاخرين.
                ان تعزيز سلطات وفعالية الأجهزة الرقابية والقضائية يحقق هدفين أساسيين هما:
   أ ـ يمثلان عاملا رادعا للاخرين، والتزام العملين بتنفيذ واجباتهم بشكل منضبط وسليم.
   ب ـ تعزيز سلطة وهيبة الدولة امام العاملين والمواطنيين جميعا.
  10ـ تطوير عمل مؤسسات المجتمع المدني والأجهزة الاعلامية لتقوم بدورها المهم في تغير منظومة القيم الاجتماعية والثقافية في المجتمع كما بينا انفا، فالجمعيات والنقابات المهنية مثلا لها دور هام في تحسين المستوى المهني والوظيفي لاعضائها، من خلال اقامة الدورات التأهيلية لتحسين مهاراتهم المهنية،ومن خلال مراقبة ادائهم المهني والسلوكي طبقا للمعايير المعتمدة والمتعارف عليها بينهم والمنصوص عليها في انظمتهم الداخلية.
  11ـ تطوير مناهج التعليم خصوصا للمرحلة الثانوية لتثقيف الطالب على تعزيز المفاهيم والقيم الوظيفية وتركيزها في ذهنيه الطالب.
  12ـ دعم مراكز البحث العلمي والتدريب المهني والإداري، وإيجاد الية فعالة للربط الفني والمهني مع الشركات الإنتاجية، لإيجاد تطور في اداء العاملين من جهة وتحويل النظريات العلمية والإدارية إلى تقنيات قابلة للتطبيق في دوائر ومؤسسات الدولة الانتاجية والخدمية.
  13ـ احداث مراكز دراسات اقتصادية ومالية مستقلة لاعداد الدراسات الخاصة عن الوضع الاقتصادي والمالي والإداري في الدولة العراقية بصورة دورية.
             يجب تمتع هذه المراكز بالاستقلالية لإنجاز عملها بالموضوعية العلمية والشفافية المطلوبة ليمكن الوثوق إلى المعلومات والمؤشرات التي تصدرها، ان وجود هذه المراكز مهم جدا في الدول النامية، لان القيادات السياسية تحاول اخفاء أو فبركة بعض البيانات والمعلومات المتحققة لاغراض سياسية تتعلق بمركزها السياسي الذاتي اتجاه ناخبيها واتجاه الاخرين تتجاوز في ذلك مصالح البلد الوطنية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.