المرجعية من على منبر الجمعة تعزي ذوي شهداء تفجيرات بغداد وتدعو أصحاب القرار إلى الشعور بالمسؤولية ورعاية حقوق المواطنين
كربلاء المقدسة – الحكمة : عزّا ممثل المرجعية الدينية العليا، والمتولي الشرعي للعتبة العباسية، السيد أحمد الصافي، الجمعة، ذوي شهداء تفجيرات العاصمة بغداد الأكثر دموية للعام الحالي، ودعا الحكومة العراقية إلى الشعور بالمسؤولية ورعاية حقوق المواطنين.
وقال الصافي في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف، “نعزي ذوي الشهداء الذين سقطوا ظلماً وعدواناً في تفجيرات البياع وحوادث أخرى في أوقات سابقة”.
ودعا ممثل المرجعية من أسماهم بـ “أصحاب القرار” إلى الشعور بالمسؤولية لكي يعلموا وفق مسؤولياتهم في حفظ الأمن ورعاية حقوق المواطنين، على حد تعبيره.
يأتي ذلك عقب يوم واحد من مقتل وجرح العشرات في تفجير سيارة ملغمة استهدفت المدنيين في منطقة البياع جنوب غرب العاصمة العراقية بغداد، وسط معارض لبيع السيارات.
إليكم النص الكامل للخطبة:
الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 19/ جمادي الاول/ 1438 هـ الموافق 17 / 2 / 2017 م:
اخوتي اخواتي:
في البداية نقدّم التعازي والمواساة الى ذوي الاحبة الذين اريقت دمائهم الزكية ظلماً وعدواناً يوم امس في البياع وقبل ذلك في حوادث مؤسفة ومؤلمة اخرى..
ونسأل الله العلي القدير لاولئك المظلومين الرحمة والغفران ولذويهم الصبر والسلوان وللجرحى الشفاء العاجل ولأصحاب القرار الشعور بالمسؤولية لكي يعملوا بما توجبه عليهم مسؤولياتهم في حفظ الامن ورعاية حقوق المواطنين.
القرآن الكريم يتحدث كما قلنا مرة عن مواطن وهذه المواطن لها بعض الاثار التي يمكن الاستفادة منها وتعلمون ان قصص القران الكريم ليست قصص تسلية وانما هي قصص عبرة، من جملة ما في القران الكريم هو ذلك المنهج الذي وضعه موسى (عليه السلام) وفي مقابله كان المنهج الذي عُرف به فرعون.
واصبح موسى حالة واصبح فرعون حالة، لكن واقع موسى كنبي من الانبياء وواقع فرعون كطاغية من الطغاة هذا واقع في زمان معين، وخط موسى وخط فرعون هما خطان لا يتلقيان احدهما يختلف عن الاخر.
اليوم نستعرض بعض ما اشار اليه القران الكريم في هذه الخصيصة التي يتميز بها مسلك فرعون والتي يتميز بها الخط الحق الاخر..
ورد في سورة القصص: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ (36))
لاحظوا كانت الايات واضحة ليس فيها الغاز لأن هذا خلاف الغرض انا آتيك بآية بينة واضحة لكن هؤلاء لم يؤمنوا وقالوا هذا سحر مفترى وهذا الذي جاء به موسى عبارة عن سحر وكذب وما سمعنا بهذا في ابائنا الاولين..
لاحظوا موسى لا يريد ان ينصب نفسه مكان فرعون ولا يريد ان يأخذ مكانه وانما جاء لهؤلاء المستضعفين فجاء بهذه الايات البينات.
موسى (عليه السلام) مقتضى المحاججة ان ابقى حتى احتج عليكم.
قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)..
رسالة موسى (عليه السلام) جداً واضحة بآيات بينات واوكل الامر والله يعلم وايضاً نؤمن بعقبى الدار والذي يؤمن بعقبى الدار لا يظلم.. وانا هنا لا اقصد الايمان اللساني وانما اقصد الايمان الذي يصل الى القلب فالمؤمن لا يظلم لأنه يعلم ان هناك جزاء وكتاب سينشر فتراه لا يظلم..
تعالوا الى المسلك الاخر والمنهج المقابل،
قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38)
فرعون سلطان متمكن كلامه بحسب موازيننا لا قيمة لها اصلاً لا فيها دليل ولا عقل ولا يقبلها احد لكنه تمكن من ان يستحكم على هؤلاء المستضعفين..
فرعون يرى ان الاله منصب يقول للملأ ما علمت لكم من اله غيري، انا ربكم فقط، وهذا منصب فيه منصب وسيطرة على المقدرات..
(فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) لاحظوا في قمة الاستهتار ولاحظوا سخافة العقل، ماذا يريد فرعون؟ فرعون رجل لم يعقل غير المادة ولم يفهم شيء الا الوضع المادي يرى القيمة بهذه المادة..
(فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ)
فرعون يقول يبدو ان موسى عنده اله واريد ان اطلع على اله موسى يتصور ان اله موسى شخص مثله، قدرة فرعون على ان يهضم هذا المطلب لا يمكن ان يفهمه..
هذه مشكلة ان الانسان لا يرى الواقع هناك غمامة مهما تاتيه بأدلة وبراهين لا يقتنع، وما اعظم كلمة امير المؤمنين (عليه السلام): الناس نيّام اذا ماتوا انتبهوا.
فرعون يعلم في قرارة نفسه ان موسى غير كاذب ولكن ماذا يصنع؟ ان اتبعه ستنتهي منه كل هذه الابهة والسلطان، هو لا يقدر على ذلك فهو اضعف من الشيطان لا يملكون هذه الجرأة والاعتراف بالحق فتراه يبقى يداهن ويفتري ويكاذب ويغالط..
(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39)
لاحظوا العبارة (وَاسْتَكْبَرَ) تارة الانسان يتكبر وتارة يستكبر، والاستكبار حالة اظهار القوة بشكل او بآخر فتراه يظلم ويضطهد ويقتل ويسرق، لاحظوا القران الكريم لا يحمّل فرعون المسؤولية فقط بل استكبر هو وجنوده فهؤلاء غير معذورين ماذا يفعل هم وراءه.. لاحظوا دقة القران الكريم: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ).
الفرعونية منهج وهذا الكلام ممكن الانسان في بيته يكون فرعون في مدرسة يكون فرعون او في معمل يكون فرعون ليس الفرعونية الا ان يكون ملكاً.. هذا المنهج الذي يستكبر ويستحقر وهذا من اخطر الاشياء فيها ظلم للاخرين..
موسى جاء بهداية وكلمة طيبة ماذا اريد منكم؟ ان تؤمنوا بالله تعالى والحياة التي تقضونها في الكفر نفس الحياة ستقضونها في الايمان، ماذا اريد منكم؟ هذه التصرفات غير الجيدة ارشدكم الى افضل واحسن منها وبالنتيجة الجزاء الحسن لكم.
(فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40)
الانسان واقعاً اخواني لا يستحي من الله تعالى ويتحدى، لاحظوا الاستصغار بفرعون وجنوده (فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) كما ان الانسان يرمي شيء ليست له قيمة وفرعون حقيقة ليست له قيمة، الجنود جعلوا له قيمة وعدم استعمال العقل واتباع الهوى جعل له قيمة وان قيمته الحقيقية في الحقيقة لا قيمة له اصلا ً..
(فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)
هذا المقطع من الاية الشريفة دقيقة لم تقل كيف كان عاقبة الظالمين ولم تقل عاقبة الكافرين، والظالم يدمّر و يسلب جميع الحقوق والمظلوم مسكين لا حول له ولا قوة فقط ينظر الى رحمة الله تعالى متى يأتي وعد الله تعالى حتى ينتصر من هذا المظلوم ضد هذا الظالم..
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من المعتبرين وان يبعدنا واياكم عن ظلم الظالمين وان لا يجعلنا من الذين يركنون الى الظالمين.. والحمد لله رب العالمين..
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة