“القلق الرقمي”: كيف تتوقف عن التعلق بوسائل التواصل الحديثة؟

291

_94803516_thinkstockphotos-639711138الحكمة – متابعة: تزايدت في الآونة الأخيرة مشكلة إهدار الوقت في تصفح مواقع على الإنترنت قد لا تحقق لك أية فائدة، وقد يساعدك الابتعاد عن وسائل الاتصال والتكنولوجيا لفترات وجيزة في اكتساب عادات جديدة.

وعندما يغادر ديفيد إيريكسون منزله في لونغ بيتش، بولاية كاليفورنيا، ليقضي بضعة أيام على الشاطئ الجنوبي لبنما، يتخلى عن هاتفه الذكي على مضض.

ففي المكان الذي ينوي التوجه إليه، لا توجد خدمة الإنترنت اللاسلكي، ولا تعمل التطبيقات والخدمات الموجودة على الهاتف، وهذا يعني أنه لن يستطيع متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، ولا مطالعة البريد الالكتروني.

كذلك لا يمكنه أن يجري أو يتلقى اتصالات إلا في مكان محدد من المنزل. ويقول إيركسون، مؤسس شركة توفر خدمات المكالمات الجماعية: “لا أستخدم هاتفي هناك إلا لمعرفة الوقت”.

ومنذ بداية اليوم الأول وحتى منتصف اليوم الثاني من رحلته، التي تستمر في المعتاد أربعة أيام، يشعر إيريكسون بالقلق لانقطاعه عن شبكة الإنترنت.

ويطوف أرجاء المنطقة في بعض الأحيان بحثا عن شبكة الهاتف، وربما يقود سيارته إلى أقرب فندق لعله يلتقط اتصالا بطيئا بشبكة الانترنت اللاسلكي، ويحاول الاتصال بمكتبه في المرات النادرة التي يجد فيها خدمة شبكة هاتف محمول.

فمن الصعب الابتعاد عن وسائل الاتصالات في البداية على الأقل، ويقول إيريكسون: “تشعر وكأن الحياة ستنتهي، فالشعور بالانفصال عن العالم قد يدفعك للجنون”.

عصر القلق

توصلت دراسة أجرتها شركة ديلويت إلى أن إدمان الهواتف الذكية بلغ مستويات غير مسبوقة في عام 2016، إذ وصل عدد مستخدمي موقع “فيسبوك” النشطين إلى 1,86 مليار مستخدم، أي نحو اثنين من بين كل سبعة أشخاص في العالم.

ووفقا لمركز “بيو” للأبحاث، يستخدم 24 في المئة من مستخدمي الإنترنت موقع “تويتر”، في حين يستخدم 29 في المئة منهم موقع “لينكد إن”.

والأهم من ذلك، تقول شركة فيسبوك إن مستخدمي موقعها يقضون 50 دقيقة يوميا في المتوسط في تصفحه، وهو أمر قد يعيقك عن العمل إن كنت بصدد تنفيذ مهام عديدة في نفس الوقت.

لكن حتى لو عزمنا على عدم الخوض في نقاشات على موقع فيسبوك أثناء العمل، أو عدم الانشغال بهواتفنا المحمولة على مائدة الطعام، سيشعر كثيرون منا بالقلق عند محاولة التخلي عن هذه العادات.

ويقول ستيفان هوفمان، أستاذ علم النفس بجامعة بوستن، والخبير في دراسة المشاعر الإنسانية، إن البعض قد تنتابهم حالة من القلق عند الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، ويشعرون برغبة ملحة في العودة إليها.

ويمكن أن نُطلق على هذا النوع من القلق اسم “القلق الرقمي”، وهو المتعلق بوسائل الاتصال عموما.

ويضيف هوفمان أن وجود مشاعر سلبية على المدى البعيد تجاه الاستخدام الشخصي لوسائل التواصل الاجتماعي، والفشل في التوقف عن التعلق بها قد يعززان مشاعر الاكتئاب.

كما أن الأشخاص الذين يشعرون بخيبة أمل بسبب عدم قدرتهم على الاستغناء عن تلك الوسائل يمكن أن تنتابهم مشاعر الحزن والأسى.

ويقول هوفمان: “هذا العصر هو عصر القلق”، ويضيف أن بعض الناس تخيفهم فكرة فقدان الاتصال بالعالم عبر الهاتف الذكي، لئلا يغفلوا أي خطر وشيك، أو لمتابعة الأخبار السياسية.

الأسباب التي تتوافق مع معتقداتك

يودّ كثير من الناس لو يقضون وقتا أقل على الإنترنت، ولكن بمجرد أن يبتعدوا عن الهواتف الذكية تظهر عليهم علامات القلق.

واكتشف باحثون من الأكاديمية المجرية للعلوم، وجامعة أوتفوس لوراند في بودابست، أن ثلاثة أرباع البالغين الذين أُبعدوا عن هواتفهم الذكية لفترة قصيرة من الوقت، خلال إجراء تلك الدراسة، ظهرت عليهم أعراض تعرف في علم النفس باسم “إعادة توجيه الانفعالات”، وهي أعراض تظهر على المرء عندما تتجاذبه انفعالات ودوافع مختلطة، والتي تمثلت في كثرة الحركة، أو حك الرأس.

تقول كريستينا كروك، مؤلفة كتاب “متعة إضاعة الفرص”، إن إحدى الطرق الفعالة لمقاومة “القلق الرقمي” تكمن في تحديد الأسباب التي دفعتك لتغيير نمط استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي.

وإذا وجدت سببا يتوافق مع معتقداتك الشخصية، فقد يُسهم هذا السبب في إبعادك عن وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكنك أن تذكّر نفسك على سبيل المثال، بأنك كلما أمضيت وقتا أقل على وسائل التواصل الاجتماعي، زاد الوقت الذي ستقضيه مع أفراد عائلتك أو أصدقائك.

وتضيف كروك أن التعرف على الفوائد التي ستجنيها من وراء التخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي سيسهم في الحد من المخاوف والهواجس التي قد تخالجك بسبب الابتعاد عن تلك الوسائل.

وتقول كروك: “إن لم تجد مبررا مقنعا، لن يكون لديك الإرادة التي تساعدك على الابتعاد”.

وهناك أسباب عديدة تمنع الناس من الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي، فالبعض يخشون أن تفوتهم الدعوات لحضور الحفلات والمناسبات، أو فرص الثرثرة مع الأصدقاء والمعارف، والبعض تخيفهم فكرة التخلي عن الصورة التي قضوا وقتا طويلا في رسمها لأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وآخرون لا يفارقون مواقع التواصل الاجتماعي لأنهم يعتقدون أن عليهم إثبات وجودهم على تلك المواقع لتحقيق النجاح في عملهم. لكن إن حددت بصراحة ووضوح الأسباب التي دفعتك للمشاركة في مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى أي مدى تستفيد بالفعل من البقاء على الإنترنت، ربما ستستطيع اتخاذ القرار الصائب.

استخدم كريس دوغان، الرئيس التنفيذي لشركة “بيترويركس” للبرمجيات، في مدينة ريدوود بولاية كاليفورنيا، موقع فيسبوك خلال الفترات الفاصلة بين مهام العمل المختلفة بهدف التخفيف من ضغط العمل.

ويقول دوغان إنه لم يعد يستخدم فيسبوك لهذا الغرض، ويضيف: “كنت أريد أن أحصل على قسط من الراحة بعد فترات ضغط العمل”. ولكنه يرى الأن أن الاستقطاب السياسي الظاهر في التعليقات الكثيرة على موقع فيسبوك يشتت انتباهه، ويثير غضبه.

يقول دوغان إنه على الرغم من أنه لا يزال يهتم بالمشاركة في بعض النقاشات، إلا أنه لا ينكر أن متابعة محتويات مواقع التواصل الاجتماعي لا تساعده على الاسترخاء، ولهذا لم يجد صعوبة في الابتعاد عنها، ولا يعاني عند التوقف عن متابعتها.

وقد أجرت الشركة التي يعمل لديها دوغان استطلاعا للرأي الشهر الماضي، وتوصلت إلى أن العاملين بالشركة يقضون ساعتين في المتوسط يوميا في متابعة التعليقات السياسية، ويقضي ربع العاملين تقريبا ثلاث ساعات أو أكثر يوميا في متابعة التعليقات.

تبتعد، أم لا تبتعد؟

تقول كروك، إن التوقف عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي تماما قد يجعلك تشعر برغبة شديدة في معرفة الفرص التي تفوتك على هذه المواقع. لكن الابتعاد عنها لفترات قصيرة من الوقت لتقليل التوتر والقلق الناتج عن الإفراط في استخدامها، قد يساعدك في اكتساب عادات جديدة والتحكم في دوافعك.

وتضيف كروك: “ثبت أن الابتعاد عن وسائل الاتصال التكنولوجية لفترات قصيرة يقلل من القلق، لأنك إن وضعت لنفسك حدودا واضحة، فلا مكان للاختيارات الفردية”.

وقد يفيد استخدام تطبيقات تمنع اتصال هاتفك بالإنترنت، أو حذف بعض التطبيقات من هاتفك، في التحكم في استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي، وفي الوقت نفسه سيحد ذلك من القلق الناتج عن الابتعاد عنها.

وتواظب كروك على الابتعاد عن هاتفها الذكي كل ليلة بعد الساعة الثامنة مساء، إذ يصعب التخلي عن الهاتف الذكي دوما في المساء.

وينصح هوفمان مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين يرغبون في قضاء وقت أقل على الإنترنت بأن يبدأوا بالبحث عن الأسباب التي تدفعهم إلى استخدام الإنترنت، والتعرف على المواقع التي يفرطون في زيارتها، ومطالعتها، لكي يتسنى لهم مقاومة دوافعهم.

ويضيف هوفمان أن الابتعاد عن هذه الصفحات قد يكون صعبا، لأن منصات التواصل الاجتماعي تربط الناس معا، وتقضي على الشعور بالوحدة، ولكن مع الوقت يشعر الناس أن العلاقات التي يشكلونها على الإنترنت ليست حقيقية.

يقول هوفمان إن مواقع التواصل الاجتماعي تجعل مستخدميها في أغلب الأوقات يشعرون بالانتماء إلى هذا العالم، من دون أن يحتاجوا إلى مخاطبة بعضهم بعضا وجها لوجه.

ويتابع: “إنها ببساطة وسيلة للربط بين أناس يتبنون نفس الآراء لتأكيد صحة أفكارهم وآرائهم، وإدراك أهميتها”.

ولكي تحقق التوازن الأمثل، من الأفضل أن تحاول مقابلة المزيد من الأشخاص والتحدث إليهم عن الموضوعات المشتركة بينكم، وفي الوقت نفسه لا مانع من الاشتراك في المحادثات عبر الإنترنت.

ومن المفيد أيضا أن تتجاوز عن إخفاقاتك، فبدلا من أن تلوم نفسك بسبب عدم قدرتك على مقاومة إغراءات مواقع التواصل الاجتماعي، لا تنكر أن هذه التطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي مصممة لكي تجعل المستخدمين يدمنون على تصفحها، وكلما يحاولون الابتعاد عنها تسعى بشتى الطرق لجذبهم إليها.

وعلى سبيل المثال، يرسل موقعا فيسبوك وتويتر رسائل تذكير عبر البريد الإلكتروني للمستخدمين الذين لم يدخلوا إلى هذين الموقعين منذ فترة من الوقت.

وفي النهاية، ستزداد قوة إرادتك إذا أدركت أنه لا يزال من الممكن التخلص من هذه العادات، رغم أنها ترسخت ومن الصعب الفكاك منها.

وتقول كروك: “من المؤكد أنك ستخفق في البداية، ولكنني أرى أنك لو أيقنت أنك ستستطيع الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي، ستنجح في النهاية”.

بي بي سي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*