رحلة مؤلمة مع مرضى المهق.. يقتلونهم لجلب الحظ والثروة!

309

f749b5cb-cb76-4662-8836-ee96cb4cf7fc_16x9_600x338الحكمة – متابعة: نشرت صحيفة “ميل أونلاين” البريطانية تحقيقاً مطولاً حول تجارة الأعضاء البشرية والاغتيال في ملاوي وشرق إفريقيا، الذي يتعرض له مرضى المهق ويعرف بـ “”ألبينوس” – علميا -، وهو اضطراب خلقي يترتب عنه غياب صباغ الجلد الطبيعي؛ كذا في العينين والشعر.

وذكرت الصحيفة أن هذا العمل يتم في الغالب، بواسطة سحرة أو مُدعي المعالجة الروحية الذين يقومون باستئجار رجال يقومون بضرب المرضى القادمين من مجتمعات ريفية فقيرة وغير متعلمة، إلى درجة الموت، ومن ثم يقومون ببتر العديد من أعضائهم بهدف بيعها لتستخدم في عمل جرعات وأدوية معينة تباع بأسعار ضخمة. وغالبا ما تزدهر هذه التجارة قبل موسم الانتخابات.

اعتقادات متوارثة.. متناقضة

ويرجع ذلك لاعتقاد شائع بأن أعضاء هؤلاء الناس المصابين بالمهق، بها خصائص تساعد على الشفاء، بل تجلب المال والشهرة والنفوذ.

وهو أمر متوارث منذ القدم تلفه الأساطير والحكايات، المتناقضة ما بين اللعنة التي يرى المجتمع أنها أحلت بهؤلاء من قبل الله فجاء بهم على هذا الشكل، وما بين اليقين بأن في جسدهم شفاء واستجلاب للحظ.

وهكذا يعاملون من جهة بوصفهم وصمة عار يجب التخلص منها، ومن جهة ثانية بأنهم مصدر السعادة المقبلة.

رحلة طبيب بريطاني أمهق

في تحقيق حديث لـ بي بي سي 2، قام طبيب بريطاني أمهق – هو الآخر – بكشف الضوء عن هذه التجارة البشعة، مضيئا ظلماتها في ملاوي.

وأوضح الدكتور أوسكار ديوك (30 سنة) لماذا تحدث هذه الجرائم ومن المسؤول عنها بالضبط، حيث زار الرجل ملاوي وتنزانيا، ورأى كيف أن الأطفال الذين يعانون من هذا المرض الجلدي “المهق” وكذا الشباب يتم احتجازهم في ظروف بائسة ويقوم حراس بمنعهم من الهروب في منازل أو معسكرات خاصة بهم.

ويشكل هؤلاء الناس عبر استغلالهم طريقا لثراء البعض بتوظيف أعضائهم فيما يعتقد أنه يكسب المال والجاه والمجد، وحيث إن الجرعة من دواء ينتج بخلط أجهزة وأطراف هؤلاء المساكين، تباع بما يقدر بـ 7 آلاف جنيه استرليني.

ومع الفقر وحيث لا يتجاوز دخل العامل الزراعي 72 جنيها استرلينيا سنويا فإن أي شيء يصبح قابلا للتصديق.

جرائم اختطاف وقتل!

تقدر الإحصائيات أن حوالي 70 من المصابين بالمهق قد خطفوا أو قتلوا خلال العامين الماضيين، وهو ما دعا خبير بالأمم المتحدة مهتم بهذا الموضوع إلى التحذير بأن المهاقين قد يتعرضون للانقراض في منطقة شرق إفريقيا، لأن المشكلة الآن يتم تصديرها عبر الحدود من ملاوي إلى دول مجاورة مثل تنزانيا التي لديها واحد من أعلى معدلات الإصابة بالمهق في العالم.

ويقول الطبيب ديوك إن المهق يأتي مع الولادة وينتج عن نقص الميلانين، وهي المادة الكيميائية المسؤولة عن تلوين العين والجلد والشعر، وفي أوروبا فإن الخطر الأكبر الذي يتعرض له هؤلاء الناس هو ضعف البصر أما في إفريقيا مع الشمس الحارقة، فسرطان الجلد هو الأكثر انتشارا بين مصابي المهق ما يؤدي لوفاتهم.

وتكشف الدراسات انتشار سرطان الجلد بين المهاقين في تنزانيا حيث إنه بعد سن الأربعين فإن 2 بالمائة فقط من المصابين بالمهق يبقون على قيد الحياة.

معاناة مرضى المهق اجتماعياً

يروي الطبيب ديوك نفسه معاناته الشخصية مع المرض حتى في المجتمع الأوروبي، وكيف أنه كان دائما في حاجة للرعاية والاهتمام بسبب نظرة الآخرين له، خاصة في مراحل الطفولة والصبا بين أقرانه في المدرسة.

لكنه يقول: “لكن بعد ما رأيت ما يحدث في إفريقيا وجدت أن أمري تافه جدا مقارنة مع هؤلاء الذين يصل الانتقام منهم إلى حد القتل”.

جريمة قتل فليتشر

روى الدكتور ديوك في التحقيق عن قصة رجل اسمه فليتشر من عائلة مزارعين في ملاوي تعرض للقتل بسبب المهق، لتُسرق أعضاؤه، وحتى العظام التي يعتقد البعض أنها تحتوي على الذهب، وأن هناك الآن سبعة رجال في السجن متهمين بجريمة القتل.

وقد تحدث الدكتور ديوك إلى واحد من هؤلاء المجرمين السبعة داخل السجن، ليسمع منه إفادة حول ما جرى.

الرجل واسمه هربرت مالوي قصّ بتردد كيف أنه وشركاءه قاموا بقتل فليتشر ومن ثم قاموا بتقطيعه.

وقال السجين: “لقد تم إرسالنا بواسطة أناس كانوا يرغبون في هذا الشيء أن يحدث.. وقد وعدونا بالمال مقابل ذلك.. وقمنا بقطع اليدين والقدمين وكان معنا شخص يقدم التعليمات بخصوص ما يجب أن نفعل، وما المطلوب من جسد الضحية وما ينبغي رميه.. هذا ما جرى”.

ومع اعتراف هربرت بأن ما قام به غير أخلاقي، إلا أنه يصر على اليقين المطلق بعمل السحرة، ودافع عن موقفه بأن السبب في فعلته هذه كان بسبب تلبسه من قبل شيطان أو كائن شرير حلّ فيه فجعله يقوم بما قام به مع البقية من شركائه في الجريمة.

وقال إن العصابة عرضت عليهم مبلغ 44.5 جنيه استرليني فقط مقابل هذا العمل ولم توف بذلك، حيث لم يدفع لهم أي مبلغ.

قصة الصبي فيستو

في تنزانيا كان ديوك قد سافر إلى مدرسة في مدينة موانزا شمال البلاد، حيث ترتفع معدلات هذه الجرائم، وقد التقى هناك صبي يدعى فيستو في الـ 15 من عمره حالياً، كان قد تعرض لاعتداء في السابعة، وقد بترت إحدى يديه وتبقت الأخرى مبتورة الأصابع وعالج الجراحون الوضع بإرفاق أصبع من القدم في اليد المتبقية، لكي يساعده في الإمساك بالقلم وحمل الأشياء.

ويتذكر فيستو الواقعة القاسية، كيف أنه كان يلعب بجوار البيت في المساء، وكانت أمه في المطبخ عندما قام رجال يحملون مناجل بطرحه على الأرض بقوة وألجموه عن الكلام ومن ثم قطعوا إحدى يديه وأصابع اليد الأخرى، وبعدها قاموا باستخراج أسنانه التي يعتقد أنها قد تكون مصدرا للذهب أو لها فوائد لا تضاهى، قبل أن يلوذوا بالفرار بلا أثر.

وقد قابل الطبيب ديوك أطفالا آخرين بترت أعضاء من أجسامهم، وبعضهم قد تعرض أهاليهم للقتل لأنهم قاوموا العصابات.

وبرغم أن فيستو قضى أربعة أشهر بالمستشفى حتى تعافى، إلا أنه يرسم اليوم بشكل جيد، بما تبقى له من يد وأصابع ملصوقة بها من القدم، وهي الموهبة التي كان سيطورها بدرجة أفضل لو أنه لم يمر بالكارثة التي وقعت معه.

جمعية حماية المهاقين

وقد التقى نائب رئيس جمعية الألبينو “المهاقين” في ملاوي واسمه أليكس ميتشيلا مع فريق من الأمم المتحدة لمناقشة التدابير المحتملة لحماية المصابين بهذا المرض في المنطقة.

ويقول: “للأسف فإن السحرة والمشعوذين ينالون حظوة وقبولا بين الناس في المجتمعات الريفية، وهذا ما أدى لتوسيع النظرة الخاطئة حول أن أعضاء المهاقين تسبب الشهرة وتجلب الحظ والثروة”.

وفي زيارته لإحدى معسكرات أو منازل إقامة المهاقين يرصد الدكتور ديوك كيف أن وضعهم سيئ للغاية، كأنهم في سجن، وراء أسلاك شائكة تحيط بهم وجدران، حيث يوجد أطفال من عمر الثالثة فما فوق ينامون في أسرة ضيقة ومحدودة المساحة في وضع بائس للغاية.

ويقول ديوك: “لا يوجد ما يمكن فعله لأجلهم ولكن على الأقل هم على قيد الحياة”.

وقابل هناك اثنين من الآباء لطفلين جاءا لزيارتهما في المعسكر، وحيث قالا عنهما: “المهم أنهما يعيشان”.

وذكر بـ “أن هذين الوالدين هم قلة تفعل ذلك، فالكثير من الأطفال لا أحد يهتم بهم من أقاربهم، خاصة أن الوصول إلى الموقع يكلف 2 جنيه استرليني وهذا يجعل الأسرة بين خيار أن تأكل أو تأتي للزيارة فتفضل الخيار الأول”.

وتعاني الكثير من الأسر من المضايقات الاجتماعية بسبب ابنائهم المصابين بالمهق حيث يعتبرونهم وصمة عار، لهذا يفضلون إبعادهم عن البيت إلى تلك المعسكرات الجماعية.

إنهم كالأشباح.. يختفون!

وقد حكت إحدى النساء كبار السن لديوك عن معتقد قديم كان سائدا إلى وقت قريب وإلى الآن لدى البعض يقول بأن المهاقين بمجرد أن يموتوا فإنهم ببساطة يختفون – كما الأشباح- ولا يعد أحد يراهم، أي أن الجثة نفسها تختفي.

لكن ما يحدث الآن قد يفسر سبب اختفاء الجثث في الماضي وكيف أن ذلك ينسب لأساطير ملفقة، فهي في الواقع تسرق لاستغلال الأعضاء، كما يشرح التحقيق.

عيادات بريطانية للمعالجة

برغم أن التقدم لا يزال بطيئا في حماية المهاقين إلا أن السلطات في شرق إفريقيا، تبذل جهودا للقضاء على الجرائم المتعلقة بهؤلاء الناس.

وهناك أمل للتعديل في الأوضاع حيث بدأت تظهر عيادات تعالج الجلد وأمراض المهق، تقوم على إنشائها جمعية بريطانية اسمها “ستاندينغ فويز”.

وتتولى هذه العيادات رعاية مرضى المهق وتوفر لهم الاستشارات المجانية، وتستخدم المعالجات الممكنة لتثبيط الزوائد المشبوهة واحتمالات السرطان.

ويقول ديوك: “برغم ما رأيته من فظاعات إلا أن وجود هذه العيادات يعطي بريق أمل في معاونة هؤلاء الناس والتغيير الذي يمكن أن يحدث، حتى لو أن ذلك يبقى مجرد لمحة في طريق طويل”.

العربية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*