الحكمة – متابعة: صراخها وعنادها المستمران جعلا من (و،ل) طفلة صعبة المراس، اضافة الى اصابتها بنوع من التوحد العدواني، ولم يكن باستطاعة اي شخص التعامل معها، اذ ان العناد هو السمة الطاغية عليها، فضلا عن التنمر، ووصل بها الحال الى رفض اي امر او طلب من والدتها او المقربين منها، وتكسيرها للاشياء من حولها لاغاظة عائلتها.
تروي حكايتها مديرة مدرسة الحنين للتربية الخاصة حنين عبد القدوس قائلة: “عندما لجأت والدتها الى مدرستنا، كانت تعاني بشكل كبير من عناد ابنتها وعدم الانصياع الى الاوامر، ووصل الحال بالطفلة الى عدم الاهتمام بنفسها او الاستماع لوالدتها وهذا الامر دفع الام الى البحث عن حلول لمشكلة ابنتها المستعصية، وبعد ان جلبتها الى معهدنا الذي هو الخطوة الاولى للوصول الى المدرسة، بدأ الكادر التدريسي بجدول مكثف حتى يصنع من الطفلة التوحدية اخرى سوية ولاتعاني من مشاكل او اضطرابات نفسية”.
تأسيس المدرسة
بعد أن التحقت (و،ل) بالمعهد لاحظ الجميع تغيرها الكبير، اذ اصبحت تنصاع للاوامر وتستمع للاخرين، وتحب الالتحاق بالمعهد وزملائها ولم تصل الى هذا المستوى لولا رعاية كادرها التدريسي واهتمامهم، حتى اصبحت احدى طالبات المدرسة، هكذا اكملت كلامها عبد القدوس وتتابع: “ان هذه المدرسة قد تأسست لتكمل المشوار العلمي لمعهد الحنين لذوي الاحتياجات الخاصة وبطيئي التعلم، فبعد تخرجهم من المعهد هم بحاجة الى مدرسة تحتضنهم وتكمل مشوارهم العلمي، وفي المعهد هناك اقسام متنوعة، منها قسم التوحد وتعديل السلوك وتعليم المهارات وصعوبة النطق، فضلا عن التخاطب والمهارات الاكاديمية وغير الاكاديمية، وتستقبل اعدادا مختلفة من الطلبة وذوي مشاكل متنوعة ايضا، فهناك اطفال طبيعيون لاينطقون حروفا معينة او من لديهم فرط حركة او عدم استيعاب المادة، لذا استقبلت المدرسة في بادئ الامر الاطفال البطيئي التعلم او من لديهم صعوبة بالنطق، وهؤلاء الاطفال لايحتاجون سوى حب وحنان وتفهم، كما ان عدد الطلاب في الصف الدراسي اقل من نظيره الحكومي، فتكون لهم مساحة من الوقت كي يتعلموا بها، اضافة الى توفير وسيلة تعليم حسية تبقى في الذاكرة وأخذهم في سفرات ترفيهية تقوم بها المدرسة بشكل متواصل”.
الناطق باسم وزارة الصحة وطبيب الاسرة والمجتمع الدكتور احمد الرديني يرى: “ان الاطفال الذين يعانون من مشاكل في المهارات الادراكية من الممكن تمييزهم بسهولة، فهناك من لديه فرط حركة ومشاغب ولايهتم بالمعلومات، وبامكان المعلم ان يكتشف الحالة الصحية للطفل ببساطة، فتقوم المدرسة باحالة الطفل الى اللجان الطبية في وزارة الصحة، حتى تجري متابعته، فضلا عن المشاكل الاخرى التي قد يعاني منها الطفل منها ضعف النظر والسمع وامراض مختلفة مثل فقر الدم، وهذه الحالات تشخص بالغالب من قبل المركز الصحي وترفق بدفتر الصحة المدرسية للطفل، ومن لديه مشكلة ادراكية يحال الى مدرسة خاصة يتلقى تعليمه وفق مهاراته واستيعابه”.
وسائل ايضاح
لم يكن تجاوب (و،ل) مع مدرستها وتواصلها وتقدمها اللافت للنظر سوى نتيجة طبيعية للاهتمام الذي حصلت عليه من الكادر التدريسي في المعهد، ما اهلها الى الوصول للمدرسة، تقول ذلك عبد القدوس: “الوسائل التعليمية التي تستعمل في المعهد، تختلف عن تلك العادية، فهناك برامج متنوعة يعمل بها منها برنامج تعريفي عن الطفل واسرته، وايضا برنامج (بكس) للتوظيف والتعليم الصورى للمفردة التي يراد ايصالها للطالب، ثم تعلم اول حرف من تلك المفردة، وبرنامج (تيج) وهو ايصال نشاطات الطفل المعتادة بالصور، بدءا باستيقاظه وقيامه بكل نشاطاته، فضلا عن برنامج (ولدن) وهو دمج طفل التوحد مع العاديين والقيام بتجوال في المتنزهات المغلقة والسماح للاطفال بالاختلاط واللعب مع اقرانهم الاسوياء، وايضا تمارين رياضية ومن الجدير بالذكر انه من الضروري التدخل المبكر لعلاج هؤلاء الاطفال لكي ينجح البرنامج التعليمي معهم، لان الطفل بعد سن الستة اعوام تضعف مهارات التقليد والمحاكاة لديه”.
وتشير الباحثة النفسية والاجتماعية في مدرسة الحنين منى عبد القادر الى ان: “هناك طفلا يعاني من الانعزال والانطواء، لذا العمل معه يكون على اساس تعزيز المشاركة مع اقرانه ، لاسيما من يعاني من الخجل الاجتماعي وهناك من لديه خمول وآخر فرط حركة، وكل هذه الحالات يتم تجاوزها باستعمال الوسائل الايضاحية والتفهم والرعاية “.
العلاج المبكر
وتتابع عبد القدوس حكاية (و،ل) موضحة: “ان الاشارات التي كانت ترسلها الصغيرة كانت واضحة، اذ كانت عنيدة وترفض المشاركة او اللعب مع اقرانها، وحتى ترفض الكلام هذا كله دفع والدتها باللجوء الى المعهد، بهدف تعديل سلوكها وهذا ماحصل في نهاية المطاف، اذ اصبحت متعلقة بالمعهد وزملائها وتلعب وتنطق بشكل جيد”.
وتعليقا على هذه الكلام تبين الباحثة الاجتماعية:
“ان من يكتشف الطفل بطيء التعلم هو المعلم أوالأم، ثم بعد ذلك يأتي دور اللجان الطبية التي تشخص حالته، اذ انه يعاني من صعوبة التواصل مع المعلم وحركته غير سوية، فتقوم بعدها تلك اللجان بارسال الطفل الى مدارس التربية الخاصة، وهناك يأتي دور معلمه الجديد الذي يعمل على لفت انتباهه، كما ان اكتشاف تلك الحالات تتركز بثلاثة جوانب، الاولى العقلية، اذ تجد ان ذكاءه أقل من الطبيعي على ألا يصل الى التخلف، وايضا بطيء بجميع المواد، فضلا عن معاناته من التفكك الاسري، اوالقسوة الزائدة اوالدلال ايضا فيتولد لديه القلق والخوف والانعزال”.
الخجل الاجتماعي
لم تكن (و،ل) الحالة الفريدة من نوعها في المدرسة بل كان زميلها (ت،ص) ايضا يعاني من مشاكل مختلفة، ووفقا لعبد القدوس فانه: “يعاني من بطء التعلم، وكثيرا ما كان يتعرض للضرب وأخذ طعامه من قبل زملائه في المدرسة الحكومية التي كان يرتادها، ولم يكن يدافع عن نفسه، بل يكتفي بالبكاء والانطواء، لانه يعاني من الخجل الاجتماعي بسبب صعوبة نطقه لبعض الحروف، وبعد ان التحق بالمدرسة تمكن من تجاوز هذه المشكلة، لان المحيطين به يعانون معاناته، ولايختلفون عنه بشيء، لكنه بمرور الوقت تجاوز المشكلة، ووصل الى الصف الرابع الابتدائي، ونحن فخورون بهذا الانجاز”.
مناهج معطلة
على الرغم من حبهم للدراسة والتفاعل في الصف الا ان (و،ل) و (ت،ص) يعانيان مع أقرانهم من صعوبة المناهج الدراسية المفروضة عليهم هذا ما اكدته عبد القدوس: “ان المناهج الدراسية التي يحتاجها طلبة التربية الخاصة، تختلف عن تلك الحكومية في حين يدرسون الآن ما ياخذه اقرانهم الاسوياء، لان مناهج طلبة ذوي التربية الخاصة موجودة في المخازن، ولم تجدد لغاية الآن منذ العام 2005، فضلا عن ان تلك الكتب لاتعطى الا بعد تسعيرتها من قبل هيئة الراي العام في وزارة التربية ، وهذا الامر يضع الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة في مشكلة كبيرة لان مستوى ذكائهم منخفض واستيعابهم بطيء، فكيف يمكن ان يدرسوا بالمناهج الاعتيادية، على الرغم من المشرفين لهم دور خاص في ايصال الفكرة على سبيل المثال منهج الرياضيات يعطى لهؤلاء الطلبة كسورا اقل بالمقارنة مع اقرانهم الطبيعيين لان مستوى ذكائهم منخفض جدا”.
مسؤول اعلام وزارة التربية ابراهيم سبتي يثني على تجربة مدارس التربية الخاصة الاهلية، مبينا: “انها ناجحة ومهمة، في استيعاب الاطفال ذوي المهارات المحدودة والذكاء المنخفض وتقدم لهم مستوى دراسيا يناسب قدراتهم العقلية والادراكية، علما ان الوزارة توليهم على حد قوله الاهتمام والرعاية حتى لايشعروا بالظلم والغبن، والوزارة تتابع نشاطاتهم وتجهزهم بالمناهج الملائمة لهم والمناسبة لمستوى ذكائهم وقدراتهم العقلية، ومن اهمها مادة العلوم المتضمنة افكارا مهمة للطالب لابد من تعلمها”.