الزراعة العمودية .. سد الحاجة إلى الغذاء

371

mg22129524.100-1_800الحكمة – متابعة: مع بداية الألفية الحالية، خرج استاذ في علوم البيئة في جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك عن منهاج الدرس، ليطرح سؤالا على طلبته: “ماذا سيكون شكل العالم في العام 2050″؟ خمّن طلاب “ديكسون ديسبومير” أن سكان العالم سيرتفع الى تسعة مليارات انسان، لتكون مهمة انتاج الطعام مسألة عسيرة وهائلة.

احد الحلول التي طرحها الطلاب كانت زراعة المحاصيل في جميع سطوح مباني نيويورك. وبعد عملية مطوّلة من دراسة الخرائط الجوية، وبحث عن أكثر المحاصيل كفاءة لزراعتها، توصل الطلبة الى أن مزارع سطوح المباني بامكانها تغذية ما يقارب من اثنين بالمئة فقط من سكان نيويورك في العام 2050. “كان الطلبة محبطين للغاية،” حسب قول ديسبومير.

أفكار خلاقة

لكن طرأت على بال أستاذ البيئة فكرة: ماذا لو تمكنا من تكديس المزروعات فوق بعضها البعض مثل رفوف الثلاجة، أو طوابق المباني؟ ليصوغ ديسبومير في العام التالي مصطلح “الزراعة العمودية”، لكن الأمر استلزم بضع سنين أمام تقنية الضوء لجعل الزراعة العمودية أمرا ممكنا.

ومع اشتغال العلماء بوضع حلول بغية التلاعب بالطيف الضوئي للمساعدة في نمو النباتات، ظهرت مئات المزارع العمودية في آسيا، وأسست بعض المزارع الكبيرة في الولايات المتحدة، وتتجه بريطانيا حاليا لانشاء مزارع مماثلة. ويقول المؤيدون للفكرة ان هذه المشاريع ستعالج قضايا توفير الغذاء مع ازدياد تحوّل سكان العالم نحو العيش في المراكز الحضرية.

“ولدت الزراعة العمودية من رحم التحديات التي يواجهها المجتمع المتحضر،” كما يقول “هنري ايكرويد” المدير التنفيذي لشركة “حلول الزراعة الذكية”، التي تشيّد مزرعة عمودية بتكلفة تبلغ 2,5 مليون باوند بالقرب من مدينة دندي البريطانية. ومع تزايد أعداد ساكني المدن في العالم لأكثر من سبعين بالمئة بحلول 2050، سيجد الناس أنفسهم أكثر من أي وقت مضى في مناطق مخصصة لرعي الماشية وزراعة المحاصيل الغذائية.

وتبرز ضرورة لايجاد حل جديد للايفاء بالطلب المتواصل على مدار السنة لكل شيء، من أوراق السلطة البسيطة والنباتات الخضراء إلى المنتجات الغريبة مثل الأناناس والافوكادو؛ وبالنسبة لايكرويد الحل هو الزراعة العمودية.

مصابيح كفوءة

ويواصل فيليبس ديفز ، الباحث العلمي في مركز ستوكبريدج للتقنية، مساعدته للبدء بتشغيل أول مزرعة عمودية في المملكة المتحدة: “يتواصل العلم القائم خلف الزراعة العمودية منذ أن كان داروين يجري قياساته الضوئية، لكن حدث فقط في السنين الخمس أو الست الأخيرة ان أظهرت المصابيح المشتغلة بتقنية ال اي دي (LED) سطوعا يكفي لزراعة النباتات.”

وبين ملايين السنين التي نمت خلالها النباتات تحت أشعة الشمس، اكتشفت النباتات استشعار أنواع مختلفة من الضوء لتحويله الى طاقة بتوظيف المبصرات كـ”عيون” لها، حيث “ترى” هذه المبصرات الضوء الأزرق أو الأحمر فقط، ومن الممكن حاليا صنع مصابيح LED تشع ضوءا أزرق وأحمر تحتاجه النباتات، مستثنية الأجزاء الأخرى من الطيف.

يقول ديفز موضحا: “من خلال تغيير نوعية الضوء، يمكننا تغيير طريقة نمو النباتات، من حيث طولها وسرعة نموها ومتى تستغل أزهارها أطياف الضوء.” توفر مصابيح LED هذه إمكانية زراعة نباتات خضراء ومحاصيل أخرى من التي لا يمكن خزنها لفترات طويلة في أماكن ضيّقة وبدون وجود ضياء طبيعي.

وأسس “توم ويبستر”  عالم الأحياء، وشريكه رجل الأعمال “كيت هوفمان” ’إنضاج المزارع الحضرية‘ في مستودع بدون نوافذ في منطقة بيكتون شرقي لندن. “تكمن الفكرة في زراعة غذاء بالقرب من مستهلكيه، وبكميات تجارية،” كما يقول ويبستر أثناء تفحصه لوحة تحكم تظهر كمية الماء والفضلات والضوء في الرفوف المستزرعة. وخلفه كانت براعم البازلاء والجرجير والكرنب تنمو في دروج معدنية واسعة مرتبة تصاعديا وصولا الى السقف.

توظيف التقنيات

وكل درج معدني مغطى بحصيرة مصنوعة من خيوط السجاد، ويتم سقي المحاصيل باستخدام الماء من أحواض السمك المجاورة، والتي تحتوي على مواد غذائية جيدة من برك الأسماك. ويتحكم العاملون في المزرعة بالضوء والحرارة لمحاكاة الليل والنهار. يقول ويبستر: “حتى النباتات ترغب بالاستراحة ليلا.”

وينفخ جورب أبيض، تم تعليقه خلف كل رف، هواء بارداً فوق النباتات لمواجهة الحرارة والرطوبة التي تتجمع فوق الأوراق. ويعد هذا النظام ذا كفاءة بنسبة تتراوح ما بين 70 الى 90 بالمئة فيما يتعلق باستهلاك الماء مقارنة بالزراعة التقليدية.

وتستغرق كامل الدورة من الابذار إلى الحصاد من سبعة الى 21 يوما، بمعنى محصول واحد كل شهر على أقل تقدير، بغض النظر عن الظروف الجوية أو الموسم، ليبقى سعر السلطة مستقرا في الأسواق. وعندما تكون البراعم جاهزة للحصاد، يستخدم أحد عمال المزرعة القليلين مصعدا يسير على عجلات للتنقل بين الرفوف، قاطعا النباتات الناضجة ليتم تصنيفها في صناديق ونقلها الى برادات قريبة؛ ومن هنا، تنقل المحاصيل الى بائعي التجزئة وهي جاهزة للبيع.

صحيفة الاندبندنت البريطانية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*