في ذكرى ولادته .. حياة الإمام محمد الباقر عليه السلام
369
شارك
اسمه: محمد.
كنيته: ابو جعفر.
والده: علي بن الحسين السجاد.
جده: الحسين سيد الشهداء.
أمه: فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى، قال عنها الإمام الصادق (عليه السلام): (كانت صديقة لم تدرك في آل الحسن امرأة مثلها).
ألقابه: الباقر، الشاكر، الهادي.
ولادته: ولد الإمام الباقر بالمدينة سنة57 للهجرة في غرة رجب.
استشهاده: توفي مسموما بالمدينة عام114 للهجرة وله من العمر57 سنة.
أولاده: له سبعة أولاد وهم: جعفر (الصادق) وعبد الله وإبراهيم وعبيد الله وعلي وزينب وأم سلمة، ولم يعقب منهم إلا الصادق (عليه السلام).
أشهر اخوته: زيد الشهيد.
أزواجه: فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأم حكيم بنت أسد، واثنتان أخريات.
ملوك عصره: عاصر الإمام الباقر (عليه السلام) خمسة من ملوك بني أمية وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وتوفي في ملكه بعد أن دس إليه السم.
صفته: كان الإمام الباقر (عليه السلام) ذو هيبة وجلال، وقد جلس عنده عكرمة فارتعش من هيبته وجلالته، وكان معتدل القامة، أسمرا، بدينا نوعا ما، وكان كثير الذكر، يمشي ويذكر الله تعالى، له خال على خده، جعد الشعر حسن الصوت.
عاش الإمام الباقر مع جده الحسين نحو أربع سنين، ومع أبيه35 سنة، وبعد أبيه18 سنة وهي مدة إمامته.
نقش خاتمه: (ظني بالله حسن وبالنبي المؤتمن، وبالوصي ذي المنن وبالحسين والحسن) وروي (العزة لله) أو (العزة لله جميعا).
حرزه: بسم الله الرحمن الرحيم يا دان غير متوان يا أرحم الراحمين إجعل لشيعتي من النار وقاء لهم ولهم عندك رضا واغفر ذنوبهم ويسر امورهم واقض ديونهم واستر عوراتهم وهب لهم الكبائر التي بينك وبينهم يا من لا يخاف الضيم ولا تأخذه سنة ولا نوم إجعل لي من كل غم فرجا ومخرجا.
ولادته
ولد الإمام الباقر (عليه السلام) في شهر رجب المبارك عام57 هجرية، وتلقفه أهل البيت بالتقبيل والسرور، إذ لطالما كانوا ينتظرون ولادته التي بشر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ عشرات السنين.
النص على إمامته
كان من سنة الأئمة الهداة (عليهم السلام) أنهم يرجعون الناس إلى الإمام المعصوم قبل أن يفارق الإمام السابق الدنيا، وكان دأبهم أن تكون الوصية واضحة وامام أعيان الناس لكيلا يدعي أحد الوصية.
وفي اعتقادنا- الشيعة- أن لكل إمام وصية ونص من الإمام السابق عليه ويضاف إليها ظهور المعجزات عنه الدالة على صدق دعواه، وليس ظهور المعجزة على يد الأوصياء بأمر غريب بل ظهرت المعجزات من قبل على يد يوشع بن نون وصي موسى وعلى يد أصف وصي سليمان وغيرهم.
وهكذا أوصى الإمام السجاد (عليه السلام) بالإمامة ومواريث الأنبياء إلى ولده الإمام الباقر (عليه السلام) عندما حضرته الوفاة، حيث التفت إلى ولده وهم مجتمعون عنده مع بعض الأصحاب الأجلاء، ثم التفت إلى محمد الباقر وقال: (يا محمد هذا الصندوق اذهب به إلى بيتك)، قال: (أما إنه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكن كان مملوءا علما).
فلما توفي السجاد (عليه السلام) جاء أخوته يدعون ما في الصندوق فقالوا للباقر: أعطنا نصيبنا من الصندوق، فقال: (والله مالكم فيه شيء ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إلي)، وكان في الصندوق سلاح رسول الله وكتبه مع كتب وصحف الأنبياء السابقين.
وروي أن الإمام السجاد (عليه السلام) قال لابنه الباقر (عليه السلام): بني إني جعلتك خليفتي من بعدي لا يدعي فيما بيني وبينك أحد إلا قلده الله يوم القيامة طوقا من نار.
مناظراته
لقد عرف عهد الإمام الباقر بكثرة المناظرات والمحاججات والحوارات المفتوحة، لأن دولة بني أمية فتحت المجال للبدع والمذاهب المنحرفة والاتجاهات الضالة والآراء الفاسدة الكاسدة، فجلس الإمام الباقر بكل جهاد أمام هذه التيارات المنحرفة يوعظهم ويرشدهم ويصحح أفكارهم ويهديهم إلى الصراط المستقيم، ومن مناظراته التي سنذكرها ما يلي:
الباقر مع عالم نصراني:
جلس يوما الإمام الباقر إلى أحد علماء النصارى فقال للإمام: هل أنت منا أم من الأمة المرحومة.
فقال الإمام: بل من هذه الأمة المرحومة.
فقال: من أيهم أنت من علمائهم أم من جهالها؟
فقال له: لست من جهالها.
فاضطرب اضطرابا شديدا ذلك العالم وقال للإمام: أسألك؟
فقال الإمام: سل.
فقال النصراني: من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون؟ وما الدليل فيما تدعونه من شاهد؟
فقال الإمام: مثل الجنين في بطن أمه يطعم ولا يحدث.
فاضطرب النصراني ثم قال: هلا زعمت انك لست من علمائها؟
فقال الإمام: ولا من جهالها.
فقال للإمام: أسألك عن مسألة أخرى؟
قال: سل.
قال النصراني: من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبدا غضة طرية موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل؟
فقال الإمام: دليله أن ترابنا أبدا يكون غضا طريا موجودا غير معدوم عند جميع أهل الدنيا لا ينقطع.
فاضطرب النصراني فقال: أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل ولا من ساعات النهار؟
فقال الإمام: هي الساعة التي بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
فقال النصراني: بقيت مسألة واحدة والله لأسألك عنها ولا تقدر أن تجيب عليها، فقال: أخبرني عن مولودين ولدا في يوم واحد وماتا في يوم واحد عمر أحدهما خمسون سنة وعمر الآخر مائة وخمسون سنة في دار الدنيا؟
فقال الإمام: ذلك عزير وعزيرة ولدا في يوم واحد فلما بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرون عاما مر عزير على حماره بأنطاكية وهي خاوية على عروشها (قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها). البقرة:259
فأماته الله مائة عام ثم بعثه على حماره، وكان عزيرة عمره مائة وخمسة وعشرون سنة، فعاشا سوية خمسة وعشرين سنة ثم قبضهما الله في يوم واحد.
نعم هكذا كان الإمام الباقر (عليه السلام) يجيب عن مئات الأسئلة المحرجة والغريبة بكل رحابة صدر وتواضع ودون ضجر أو كسل، فإنهم (عليهم السلام) هكذا كانوا يبثون العلم في الناس ويرفعون مظاهر التخلف والغباء.
نظرية الإمامة
دأب الإمام الباقر أن يؤسس للناس نظرية الإمامة بشكل واصح من خلال محاوراته ومناظراته، ولذك لما كان بعض الناس يسألونه: أن إنسانا ينقطع إصبعه ويضع عليه دواءا فهل يمكنه الوضوء أو أنه يتيمم؟ فكان الإمام يترك ذلك ويقول أن هذا وأمثاله يفهم من القرآن، فمثل هذه الأمور ليست بالضخامة بل، القضية الأهم من الإصبع الواحد هي الأمة الإسلامية وجوهرها إمامة أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله).
والداعي الذي أدى بالإمام الباقر إلى تكثيف الحوارات حول الخلافة والإمامة، هو أن المذاهب الأربعة (المالكية، الشافعية، الحنبلية والحنفية) نشأت تقريبا في زمان الإمام الباقر، فأراد الإمام أن يوضح هوية المذهب الحق ونذكر إليك واحدة من محاوراته في الإمامة بشكل تام.
معجزة للباقر (عليه السلام)
قال أبو بصير: قلت يوما للباقر (عليه السلام): أنتم روثة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال: نعم.
قلت: ورسول الله (صلى الله عليه وآله) وارث الأنبياء جميعهم؟
قال: وارث جميع علومهم.
قلت: وأنتم ورثتم جميع علوم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
قال: نعم.
قلت: فأنتم تقدرون ان تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم؟
قال: نعم نفعل ذلك بإذن الله تعالى.
ثم قال: ادن مني يا أبا بصير.
وكان أبو بصير مكفوفا (أعمى)، قال: فدنوت منه، فمسح بيده على وجهي فأبصرت السماء والجبال والأرض.
فقال: أتحب أن تكون هكذا تبصر وحسابك على الله أو تكون كما كنت ولك الجنة؟
قلت: الجنة.
فمسح بيده على وجهي فعدت كما كنت.
عبادة الإمام الباقر (عليه السلام)
العبادة بالنسبة للمعصومين تمثل حالة كمال وإشراق وليست عبارة عن تكليف يراد الخلاص منه، بل كانوا يأنسون بالعبادة لله تعالى.
حكى (أفلح) وهو خادم الإمام الباقر، قال: حججت مع أبي جعفر محمد الباقر (عليه السلام) فلما دخل المسجد ونظر البيت بكى، فقلت: بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو خفضت صوتك قليلا؟
قال: ويحك يا أفلح ولم لا أرفع صوتي بالبكاء لعل الله ينظر إلي برحمة منه فأفوز بها غدا.
ثم طاف بالبيت وجاء حتى ركع خلف المقام فلما فرغ إذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه.
فالباقر (عليه السلام) يعيش حالة القرب الإلهي والدنو الرباني والأنس والشوق للحق سبحانه وتعالى مثل جده النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذ صورة واحدة من الكثير الذي لا يمكن أن نذكره هنا عن عبادة الإمام الباقر (عليه السلام).
نعم لم تكن عبادتهم صوفية تعزلهم عن الناس وتمنعهم من الموعظة والإعانة والإيثار، بل كانوا في عمق العبادة يصلون الناس كعلي (عليه السلام) عندما أعطى خاتمه إلى الفقير وهو في ركوعه.
حلم الإمام (عليه السلام)
كان أحد الرجال يجلس عند الإمام الباقر (عليه السلام) ولكنه يبغض الإمام بغضا كبيرا، وكان يقول للإمام الباقر: يا محمد ألا ترى أني إنما أجيء إلى مجلسك حياءا مني منك ولا أقول أن احدا في الأرض أبغض إلي منكم أهل البيت وأعلم أن طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أمير المؤمنين في بغضكم، ولكن أراك رجلا فصيحا لك أدب وحسن لفظ، فإنما اختلافي إليك لحسن أدبك.
وكان ابو جعفر يقول له خيرا لن تخفى على الله خافية.
ففي يوم من الأيام مرض هذا الرجل وكان من أهل الشام واشتد وجعه، عندها دعا ابنه وقال له: إذا مت فأت محمد الباقر وسله أن يصلي علي وأعلمه أني أنا الذي أمرتك بذلك.
فلما كان في نصف الليل ظنوا أنه قد مات وسجوه، فلما أن أصبح الناس خرج ابنه إلى المسجد فلما صلى الإمام الباقر وتورك قال له: يا أبا جعفر إن فلان الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلي عليه.
فجاء الإمام إلى داره، وأسند الرجل الشامي وأجلسه وسقاه شرابا، وقال لأهله: املئوا بطنه وبردوا صدره بالطعام البارد.
ثم انصرف الإمام فلم يلبث قليلا حتى عوفي الشامي فأتى أبا جعفر فقال له: أشهد أنك حجة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه فمن أتى غيرك خاب وخسر وضل ضلالا بعيدا.
فقال له أبو جعفر: مابدا لك؟
قال لما أصابتني الغيبوبة وخرجت روحي عاينت بها وسمعت مناديا ينادي: ردوا عليه روحه فقد سألنا ذلك محمد بن علي (عليه السلام).
ويروى أن نصرانيا لاقى الإمام الباقر في الشارع فقال له: أنت بقر؟
فقال له الإمام: لا، أنا باقر.
فقال النصراني: أنت ابن الطباخة؟
قال: ذاك حرفتها.
قال: أنت ابن السوداء الزنجية؟
قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك.
فخجل النصراني من شدة حلم الإمام الباقر، وأخذه الحياء حتى رافقه الإمام وكلمه بأحسن الكلام فأسلم النصراني على يد الإمام.
رحيل الإمام الباقر (عليه السلام)
جاء في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي أن الباقر مات مسموما، وكان ذلك في ملك هشام بن عبد الملك، وتشير المصادر أن هشام كان وراء سم الإمام (عليه السلام).
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): قال لي أبي ذات يوم في مرضه (على أثر السم): يا بني أدخل أناسا من قريش من أهل المدينة حتى أشهدهم، فأدخلت عليه أناسا منهم فقال: يا جعفر إذا أنا مت فغسلني وكفني وارفع قبري أربع أصابع ورشه بالماء، فلما خرجوا قلت له: يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته ولم ترد أن ادخل عليك قوما تشهدهم، فقال: يا بني اردت أن لا تنازع وكرهت أن يقال أنه لم يوص إليه فأردت أن تكون لك الحجة.
وبذلك يعلمنا الإمام درسا مهما حتى في أواخر حياته الشريفة، فعلينا أن نهتم بأمر الوصية ونعلنها بشكل لا يولد الشك في قلوب الآخرين، ثم إن الإمام الباقر أراد أن يعلم الناس بإمامة الصادق من بعده.
وفعلا فقد قام الإمام الصادق بتغسيله وتكفينه على ما أوصاه ودفنه، ومضى إمامنا الباقر إلى سبيله مجاهدا محتسبا صابرا بعد حياة قضاها بنشر العلم وبث أحكام الدين وتفسير القرآن، فقد روى عنه محمد بن مسلم وهو واحد فقط (30000) حديث، فما حسبك بغيره، فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث.