مع إطلالة الأوّل من رجب يضوعُ أريجُ ولادة باقر علوم الأوّلين والآخرين

279

alhaydary-30-03-2017-01
الحكمة – متابعة : تمرّ على الأمّة الإسلاميّة في الأوّل من رجب الأصبّ من كلّ عام ذكرى ولادة خامس الأقمار المحمديّة الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام) باقر علوم الأوّلين والآخرين المولود سنة (57هـ)، فتلقّفه أهلُ البيت بالحبور والسرور إذ طالما كانوا ينتظرون ولادته التي بشّر بها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل عشرات السنين، منحدراً من سلالةٍ طاهرةٍ مطهّرةٍ ارتقت سلّم المجد والكمال، وكان أفرادها قِمَماً شامخةً في دنيا الفضائل بعد أن حازت على جميع مقوّمات الشخصيّة الإنسانيّة الكاملة في مجال الفكر والعقيدة والعقل والعاطفة والإرادة والسلوك.

الإمام محمد الباقر(عليه السلام) هو أوّلُ إمامٍ معصومٍ وُلد من نسل إمامَيْن معصومَيْن لأبوَيْن علويَّيْن فهو ابن الإمام عليّ زين العابدين بن الإمام الحسين السبط بن الإمام عليّ بن أبي طالب(عليهم الصلاة والسلام)، وهذا نسبُهُ من جهة الأب.

أمّا من جهة الأمّ، فأمُّه هي السيّدة الزكيّة الطاهرة فاطمة بنت الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(عليهم الصلاة والسلام) وتُكنّى “أمّ عبدالله”، وكانت من سيّدات نساء بني هاشم، وكان الإمام زين العابدين(عليه السلام) يسمّيها الصدّيقة، ويقول فيها الإمام أبو عبدالله الصادق(عليه السلام): (كانت صدّيقةً لم تُدرَكْ في آل الحسن مثلها)، وحسبُها سموّاً أنّها بضعةٌ من ريحانة رسول الله، وأنّها نشأت في بيوتٍ أذن الله أن تُرفعَ ويذكرَ فيها اسمُه، ففي حجرها الطاهر تربّى الإمام الباقر(عليه السلام).

كنيته: (أبو جعفر) ولا كنية له غيرها.. أمّا ألقابه الشريفة التي دلّت على ملامح من شخصيّته العظيمة، فهي: (الأمين، الشبيه -لأنّه كان يُشبه جدّه رسول الله(صلّى الله عليه وآله)-، الشاكر، الهادي، الصابر، الشاهد، الباقر -وهذا من أكثر ألقابه شيوعاً وانتشاراً-) وقد لُقّب هو وولدُه الإمام الصادق بـ(الباقرَيْن) كما لُقّبا بـ(الصادقَيْن) من باب التغليب.

لقد نهل الإمام الباقر(عليه السلام) العلوم والمعارف من والده الإمام زين العابدين(عليه السلام) حتى فاق وأبدع في كلّ العلوم فكان كما شهد له بذلك جدّه رسول الله(صلّى الله عليه وآله) حيث لقّبه بالباقر قائلاً: (إنّه يبقر العلم بقراً) عندما بشّر المسلمين بولادته وبدوره الفاعل في إحياء علوم الشريعة وفي عصر كانت قد عصفت العواصف بالأمّة الإسلاميّة إثر الفتوحات المتتالية والتمازج الحضاريّ والتبادل الثقافيّ الذي طال الأُمّة الإسلاميّة.

وقد عُرِف عهدُ الإمام الباقر(عليه السلام) بكثرة المناظرات والمحاججات والحوارات المفتوحة لأنّ دولة بني أميّة فتحت المجال أمام أهل البدع والمذاهب المنحرفة والاتّجاهات الضالّة والآراء الفاسدة الكاسدة، فقام الإمام الباقر(عليه السلام) باذلاً كلّ جهده بالتصدّي لهذه التيّارات المنحرفة عبر وعظهم وإرشادهم وتصحيح أفكارهم وهدايتهم إلى الصراط المستقيم.

عُرف(عليه السلام) بحُسن منطقه وقوّة حججه في المجادلات الفقهيّة والكلاميّة وفي أحكام الشريعة الغرّاء وكانت له مجالس مع علماء زمانه الذين كانوا يقصدونه ليسألوا ويناقشوا ويستفيدوا منه(سلام الله عليه) حيث عاش الإمام محمّد الباقر(عليه السلام) طيلة حياته في المدينة يفيض من علمه على الأمّة المسلمة، ويرعى شؤون الجماعة الصالحة التي بذر بذرتها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وربّاها الإمام عليّ ثمّ الإمامان الحسن والحسين(عليهم السلام) كما غذّاها من بعدهم أبوه علي بن الحسين(عليهما السلام) مقدّماً لها كلّ مقوّمات تكاملها وأسباب رشدها وسموّها.

عاش الإمام الباقر(عليه السلام) مع جدّه الإمام الحسين(عليه السلام) نحو ثلاث سنوات ونيّف وشهد في نهايتها فاجعة كربلاء. ثمّ قضى مع أبيه السجّاد(عليه السلام) ثمان وثلاثين سنة يرتع في حقل أبيه الذي زرعه بالقيم العُليا وأنبت فيه ثمار أسلوبه المتفرّد في حمل الرسالة المعطاء في نهجها وتربيتها المُثلى للبشريّة حيث كانت مدّة إمامته ما يقرب من عشرين عاماً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*