تسوّل النساء المنقبات .. ظاهرة مربحة تمارسها مجموعات منظمة!

371

16712.imgcacheالحكمة – متابعة: في اغلب شوارع بغداد وخصوصا تقاطعات الطرق الرئيسة اصبح تواجد نساء منقبات مع اطفال رضع وصبية نائمين في عربات صغيرة منظرا مألوفا للاستجداء من المارة والجالسين في السيارات التي تستوقفها السيطرات وزحمة السير ، بعض المناطق اصبحت حكرا على مجموعات محددة يديرها اشخاص مجهولون ومتخفون بعناوين مختلفة ، فمنهم من يعمل سائق اجرة ليستطيع  متابعة مجموعاته المتسولة التي تنتشر في اماكن بعضها بعيد عن مركز التموين الاداري الذي يقدم  كل ما تحتاجه المتسولة والاطفال خلال وقوفهم لساعات في الشارع ، فهناك وجبة الفطور والغداء والماء والشاي والسكائر ، اما الاطفال ، فالرضع منهم قد يحتاجون لوجبة واحدة فقط بسبب تناولهم لاقراص الفاليوم المنومة ، وهذا مايفسر رؤيتهم وهم نائمون في اغلب اوقات الاستجداء.

ظاهرة

عدم محاسبة المتسولين ادى الى استفحال ظاهرة انتشارهم بشكل كبير في اغلب شوارع ومناطق بغداد ، فالكثيرون منهم ليسوا بفقراء او عاجزين، بل وجدوا في التسول وسيلة للتكسب الرخيص، واغلب الممتهنات للاستجداء هن من النساء المجهولات الهوية وغير المعروفات من قبل سكان المدن والاحياء وحتى السلطات الامنية .

توزيع الواجبات

قرب جسر البنوك ببغداد تأتي بشكل يومي عند الساعة 8 صباحا سيارة اجرة تاكسي نوع (بيجو)  تقل امرأة منقبة لتبدأ ممارسة عملها بالاستجداء وسط الشارع المؤدي لصعود الجسر باتجاه  شارع القناة ومنطقة جامعة البكر، ثم يرجع سائق السيارة الشريك بعد الظهر لجلب بعض الطعام وقناني ماء وليأخذ ما حصلت عليه شريكته في نصف النهار، بعد ان يركن سيارته في جانب الطريق ويمشي بعض خطوات ليقف بعض دقائق خلف الجدار الكونكريتي، اذ تتم عملية تبادل (الارزاق ) او تبديل المرأة باخرى اذا عانت من تعب او رغبت في تبديل موقع عملها، رائد حسن صاحب مطعم  وجبات سريعة قرب الجسر روى مشاهداته اليومية على عمل جماعات التسول وحقيقة النساء المتخفيات خلف النقاب قائلا :

“ابدأ عملي منذ الساعة السابعة صباحا، فمطعمنا يعمل وجبات سريعة للفطور، وخلال وجودي المستمر في المطعم قرب الشارع  اشاهد بشكل يومي سيارة الاجرة الصفراء التي تقل فتيات ونساء منقبات يقوم السائق بتوزيعهن بين تقاطعات الشوارع القريبة منا ، وبعض المرات يشتري منا بعض السندويجات والمشروبات الغازية لتوزيعها بين النساء وفي احيان اخرى تجتمع النساء بجانب المطعم ويعملن مائدة صغيرة لتناول طعام الغداء”.

 واضاف “برغم وجود هؤلاء النسوة منذ اكثر من عام في منطقتنا ، لكننا لانعرف عنهن اي شيء ولانعرف اشكالهن ، ومن اي مدينة هن ، وعند سؤالهن يتظاهرن بانهن لايتحدثن مع الرجال من جانب ديني !” .

وسائل

اكد احد رجال الامن في السيطرة القريبة من مدخل شارع فلسطين ( رفض ذكر اسمه) :

“تواجد عشرات الفتيات والنساء اللواتي يتناوبن على الوقوف في اغلب تقاطعات الشوارع القريبة من السيطرات الامنية، ويتخذن من وجود السيطرات فرصة للاستجداء بسبب توقف السيارات على مداخل السيطرة، وانه برغم محاولات ابعادهن ومنعهن من الوقوف قرب السيطرات الا انهن يرجعن مرة اخرى، وبعض النساء العاملات في هذه المهنة، عندما نقوم بطردهن ومنعهن من الوقوف يأتين في اليوم الثاني وهن بصحبة فتاة لايتجاوز عمرها العشرين عاما في محاولة للتاثير بالشباب الموجودين في السيطرة لاقامة صداقة معهم وحصولها على حرية التجوال في منافذ دخول السيارات  الى السيطرة”.

انتقادات

انتقادات كثيرة وجهها  المواطنون لجهاز الشرطة المختص بمتابعة المتسولين في شوارع العاصمة بغداد والذين اضفوا على منظر المدينة مشهدا من البؤس وتفشي حالة الفقر الاجتماعي ، البعض منهم  اتهم  الاجهزة الامنية المجتمعية بالتقاعس عن متابعة هذه الظاهرة ومحاسبة الممتهنين للتسول ، فيما راى اخرون ان القانون الخاص بمكافحة التسول بحاجة الى تغيير جذري، اذ يرى المحامي  حسن اللامي المختص بجرائم الجنح والجنايات :

” أن السلطات الحكومية  المتعاقبة لم تأخذ بعين الاعتبار استخدام القانون للحد من هذه الظاهرة، وإنما اعتمدت على تعليمات أو توجهات وقتية سرعان ما كانت تهمل بمرور الوقت، ولم يتم العثور إلا على القانون الصادر في الوقائع العراقية من قانون العقوبات العام رقم 111 لسنة 1969 المعدل “.

  واضاف”التشريع الوحيد للحد من التسول كان في عام 1969 من قانون العقوبات العام المرقم 111 المعدل والمتضمن المواد  290  التي تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر واحد ولا تزيد على ثلاثة أشهر لكل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وجد متسولا في الطريق العام أو في المحلات العراقية أو دخل دون إذن منزلا أو محلا لغرض التسول”.

فئات عمرية مختلفة

واشار الدكتور عبد الرحيم الشمري استاذ علم النفس بجامعة بغداد الى:

”  ظاهرة التسول اصبحت  تحوي مختلف الفئات العمرية،  ووجود الأطفال في هذه العملية  يعد خطورة فادحة تستوجب الانتباه وتوقي الحذر منها، باعتبار ان الأطفال هم اساس التنمية الوطنية، وبرغم ان العامل الأسري يلعب دورا أساسيا في تفعيل ظاهرة التسول وخصوصا عند الأطفال ويؤدي الى انحراف وسلوكيات عدائية خطيرة في المستقبل، اما ظاهرة المنقبات في عملية التسول، فهي دلالة واضحة على عدم توفر الجانب النفسي والاجتماعي للمتسولة في اظهار وضعها الطبيعي  كفقيرة او محتاجة، ولم يكن الفقراء يخفون وجوههم في السابق ، لانهم فعلا فقراء ومعروفون لدى ابناء المحلة وفي المدينة والشارع، ومازالت الاجراءات الوقائية  ضد هذه الظاهرة ضعيفة جدا ، وتطور الامر الى ان تجذب بيئتنا القانونية مزيدا من المتسولين الاجانب الذين بدأت تزداد اعدادهم في شوارع بغداد والمحافظات الاخرى” .

محرم ومرفوض شرعاً

واوضح الشيخ اسماعيل عبد الله امام أحد المساجد في بغداد: ” ان ظاهرة التسول لها اتجاهان مختلفان، الاول طبقة المضطرين من اليتامى والمساكين وابن السبيل وممن اجبرتهم تقلبات الزمان على مد ايديهم  لجني قوت يومهم ، وهولاءلايمتهنون التسول كوسيلة للربح، فهم اغلب الاوقات يلجؤون الى التبرعات في المساجد والحسينيات ودور الايواء ومنظمات المجتمع المدني ، وبعضهم يبحث عن عمل  ونتوسط لهم عند فاعلي الخير، اما الثاني مانراه من نساء منقبات ورجال اصحاء يصطنعون العاهات يتناوبون على مسك تقاطعات الشوارع  الرئيسة في اغلب احياء بغداد ، فهولاء متكسبون يمتهنون التسول وبادارة منظمة تشبه العصابات التي تسرق وتنهب كلما سنحت لها الفرصة، والكثيرات من النساء اللواتي يقفن بالشوارع هن غير معروفات الهوية، ولم اصادف يوما احداهن دخلت المسجد لطلب طعام او معونة او حاجة ما ، لانها اصلا بغنى عنها وهي ليست فقيرة  وانما ممتهنة لعمل رخيص يقع ضمن اعمال الاحتيال والكذب على الناس وهو امر محرم ومرفوض شرعا” .

اجراءات حكومية

 وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عملت على تفعيل القوانين الخاصة بمكافحة التسول والعمل على ايوائهم في دور حكومية، لاعادة دمجهم في المجتمع، اذ تقول مدير عام دائرة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في الوزارة الدكتورة عبير مهدي الجلبي:

” ان الدائرة افتتحت مؤخرا قسما للتسول، يختص بتبني ملف هذه الظاهرة وايجاد الحلول اللازمة للسيطرة عليها من خلال رسم السياسات للجهات المعنية بالموضوع، وشكلت الوزارة بهذا الشأن لجانا تترأسها المحافظات وبعضوية الوزارات والجهات ذات العلاقة المتمثلة بالداخلية والدفاع والصحة والتربية والعمل، اضافة الى مجلس القضاء الاعلى”.

وتابعت ” ان الوزارة شكلت خلال الاعوام الماضية اللجان الخاصة وباشرت عملها الميداني المختص بالمتسولين والمتشردين، واكتشفت حينها انه بالرغم من ان اكثر من 50 بالمئة منهم يتسلمون اعانات من شبكة الحماية، بيد انهم يحترفون التسول كونه مهنة مربحة، وان القضاء على اية ظاهرة يتطلب تفعيل القوانين الخاصة بذلك، لاسيما ان لدى البلاد قوانين رصينة بهذا المجال، والاشكالية تكمن بعدم تفعيل القوانين النافذة”.

 ونبهت الجلبي” بالرغم من ان قانون العقوبات يعد التسول جنحة، نرى ان اي شخص يلقي القبض عليه متلبسا بهذه الجنحة يتم اطلاق سراحه من قبل مركز الشرطة بكفالة، بسبب عدم توفر شهود على ذلك، وتكفل شعبة حقوق الانسان بالدائرة وشبكة (وطني يحميني) في الوزارة، بجمع المتسولين والمشردين لايجاد مأوى لهم وجمع الحالات الخاصة وتقديم اللازم لهم”.

جريدة الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*