الزينب: شجر حسن المنظر طيب الرائحة وأصله: زين أب و هكذا فإن زينب زينة أبيها.
زينب (ع) هي بنت الإمام علي (ع) و فاطمة الزهراء (ع) و هي بنفس الوقت أُخت الإمام الحسن (ع) و الإمام الحسين (ع). تعددت الروايات عن تاريخ ميلادها و لكن على الأقوى كان في الخامس من جمادى الأولى في السنة السادسة للهجرة.
أول من وضع حجر الأساس لتربية زينب (ع) كان النبي محمد (ص) و من ثم ابنته فاطمة الزهراء (ع). في مرحلة تالية تولى تربيتها أبوها الإمام علي (ع) لا سيما بعد شهادة أمها فاطمة (ع) حيث رافقته في كل مراحل خلافته من المدينة إلى الكوفة و حتى شهادته عليه السلام. لم تكن زينب (ع) بالمرأة العادية بل كانت ثمرة هذه التربية الطاهرة من هؤلاء الأطهار فكانت المعلمة و العالمة بالقرءان الكريم و علومه و تفسيره ظاهره و باطنه و بالأحاديث لا سيما أنها تعد أيضاً تعريفاً من الصحابيات. و كانت زينب (ع) مرجعاً لأحكام الشرع و الدين و متمكنة من العلوم العرفانية و الإلهية حتى أُطلق عليها لقب “نائبة الإمام” ولم تكن زينب (ع) تمتلك هذه العلوم فحسب وإنما كانت على معرفة ودراية بأسرار وخفايا الكون والمسمى بعلم المنايا والبلايا، وهذا ما يظهر ممّا ذكره الفاضل الدربندي: إنها كانت تعلم علم المنايا والبلايا كجملة من أصحاب أمير المؤمنين منهم ميثم التمار؛ ورشيد الهجري، وغيرهما. فكانت بحق كما قال فيها الإمام علي ابن الحسين زين العابدين (ع): عمّة أنت بحمد الله عالمة غير مُعلَّمة وفاهمة غير مفهمة.ا
كانت تربط زينب (ع) بأخيها الإمام الحسين (ع) علاقة خاصة من المحبة و التقدير و العطف لا سيما بعد شهادة أخيها الإمام الحسن (ع). بعد مراجعتها لزوجها عبد الله ابن جعفر رافقت الإمام الحسين (ع) في رحلته التي انتهت في كربلاء. هناك عاشت معاناة الإمام الحسين (ع) و أصحابه و قتلهم الواحد تلو الآخر على يد جلاوزة يزيد ابن معاوية و هناك تألمت لعطش الأطفال الذين كانوا يتعطشون لشربة ماء بعد أن قطع جيش يزيد الأموي الماء عن معسكر الإمام الحسين (ع) و أصحابه و و من كان معهم من النساء و الأطفال. لم ينجو من الرجال من هذه المجزرة بمعجزة إلهية إلا الإمام علي ابن الحسين زين العابدين (ع) بسبب مرض شديد حل به و أقعده عن القتال. زينب (ع) فقدت في المعركة ابنها و ابن لزوجها عون و محمد. و كان لها ثلاث أولاد أيضاً: علي و أم كلثوم و عباس.
بعد هذه المأساة تم أسر من بقي على قيد الحياة كباراً و صغاراً و أُخذوا على هذه الحال إلى ابن زياد حاكم الكوفة باسم يزيد ابن معاوية . هناك ألقت زينب في أهل الكوفة خطبتها المشهورة الخالدة إلى يومنا هذا (انظر خطبة زينب (ع) في الكوفة) و استطاعت أن تحمي الإمام علي ابن الحسين (ع) من القتل في محضر ابن زياد عندما اكتشف وجوده حيث َتعلّقتْ به زينبُ عمتُه وقالتْ : يا ابن زيادٍ ، حَسْبُكَ من دمائنا؟ واعْتَنَقَتْه وقالتْ : واللهِ لا أُفارِقُه فإنْ قتلتَه فاقتلْني معَه بأعرض عنها وعنه ابن زياد بعد هذا الموقف و عرضهم على ابن زياد في الكوفة أُرسل موكب السبايا مع رأس الإمام الحسين (ع) مرفوعاً في مقدمة الموكب إلى دمشق إلى يزيد ابن معاوية. هناك فارقت بنت الإمام الحسين (ع) في سجن يزيد القوى و رحلت عن هذه الدنيا مفجوعة بأبيها الإمام الحسين (ع) بين يدي عمتها زينب (ع).مرة أُخرى تُنقذ زينب (ع) الإمام علي ابن الحسين (ع) من القتل في موقف مشابه في حضرة يزيد لما أراد قتله. و كان لها موقف أيضاً مع فاطمة بنت الإمام الحسين (ع) لما قام رجل من أهل الشام و قال ليزيد: يا أميرَ المؤمنينَ ، هَبْ لي هذه الجاريةَ يعني بذلك فاطمة بنت الإمام الحسين (ع) حيث تروي فاطمة:
فأُرْعِدْتُ وظَنَنْتُ أنّ ذلكَ جائزٌ لهم ، فأَخذتُ بثيابِ عمّتي زينبَ ، وكانتْ تعلمُ أنّ ذلكَ لا يكونُ .
فقالتْ عمتي للشاميِّ : كَذبْتَ واللّهِ ولؤُمْتَ ، واللهِّ ما ذلكَ لك َولا له.
فغَضِبَ يزيد وقالَ : كذبتِ ، إِنَّ ذلكَ لي ، ولو شئتُ أن أفعلَ لَفعلتُ .ا
قالتْ : كلاٌ واللهِّ ما جعلَ اللّهُ لكَ ذلكَ إلاّ أن تَخرجَ من ملّتنا وتدينَ بغيرها.
فعادَ الشّاميُّ فقالَ : هَبْ لي هذه الجاريةَ فقالَ له يزيدُ: اغرُبْ ، وَهَبَ اللّهُ لكَ حَتْفاً قاضياً.
أثناء ذلك تحدى الإمام علي ابن الحسين زين العابدين (ع) يزيد ابن معاوية ليخطب أمام الناس و لكن يزيد عارض ذلك لعلمه بالعلم الغزير للإمام علي ابن الحسين زين العابدين حسب ما برر اعتراضه. و لكن الإمام (ع) تمكن رغم ذلك من الكلام مستغلاً ضغط العامة على يزيد (انظرالخطبة الكاملة في تعريف الإمام علي ابن الحسين (ع)) فكان أن وضح للناس من هو و ما حصل حيث كان أغلبهم يجهل ذلك مما أدى إلى أن يزيد شعر بنفسه تحت ضغط الفضيحة و الخوف من حصول بلبلة تزعزع عرشه فكان به أن أذعن لطلب الإمام علي ابن الحسين (ع) بإطلاق سراحهم و تمكينهم من الرجوع إلى المدينة
بعد الذي حصل في دمشق سُمح للقافلة و على رأسها الإمام علي ابن الحسين (ع) و زينب (ع) بالرجوع إلى المدينة محميين من النعمان ابن بشير و من كان معه من جنود بالرجوع إلى المدينة.
النعمان و من معه قاموا بمعاملتهم بكل احترام و كانوا يحرصون على راحتهم و عدم مزاحمتهم بأي شكل. و يُروى أيضاُ أن القافلة عرّجت بطريقها على كربلاء حيث دفن الإمام علي ابن الحسين (ع) الإمام الحسين (ع) مع رأسه الذي انتزعه من يزيد.
عما حصل بزينب (ع) بعد الوصول إلى المدينة يوجد بعض الإبهام عن ما آلت إليه أمورها حيث يوجد بهذا الصدد ثلاث روايات.
الاحتمال الأول هو أنها بقيت في المدينة و توفيت هناك أيضاً مع عدم معرفة سبب وجود جثمانها في دمشق.
في الاحتمال الثاني فإن زينب (ع) دُفنت في القاهرة حيث أن والي المدينة قام بنفيها من المدينة بعد وصولها إلى هناك و عندها دعاها حاكم مصر آن ذاك إلى القدوم إلى الفسطاط (اليوم القاهرة) عاصمة مصر آن ذاك.
حسب هذه الرواية فإنها تُوفيت هناك في شعبان سنة ٦١ للهجرة. مقام السيدة زيينب (ع) في القاهرة يقع في حي مسمى باسمها و تم توسيعه و إعماره من العثمانيين سنة ٩٥٢ للهجرة (١٥٤٧ ميلادي).ا
حسب الاحتمال الثالث فإنها رجعت إلى دمشق مع زوجها عبد الله ابن حعفر الذي كان يملك أراض في الشام و توفيت زينب (ع) أثناء الرحلة. ولكن هذا الاحتمال يبدو كتغطية لواقعة القبص عليها في المدينة مرة أُخرى و إرسالها إلى دمشق حيث توفيت هناك. و هذا يشكل أقوى الروايات عن ما حل بزينب (ع) مما لا يتعارض مع أنها كانت قبل ذلك في مصر أيضاً.
عن تاريخ وفاتها يوجد أيضاً روايات مختلفة، أقواها ١٥ رجب ٦٢ للهجرة عن عمر يناهز ٥٦ سنة.
لزينب (ع) مقامين أحدهما في دمشق و الآخر في مصر. المسلمون الشيعة يعتقدون أن مقامها في دمشق.