المشردون في العراق: قانون هزيل وعجز حكومي يشجعهم على الانحراف والعنف والجريمة

313

To move with feature: Egypt Street Children

   يفترش الشاب أحمد رياض منذ قرابة العام، أرض حديقة الأمة الواقعة في منطقة الباب الشرقي وسط العاصمة بغداد، بعد خروجه “قسرًا” من دار المشردين لتجاوزه السن القانونية.

رياض الذي يعتاش الآن على ما يكسبه من بيع قناني المياه النقية قرب ساحة التحرير القريبة من الحديقة، يعتقد أنه أفضل حالًا من زميله نبيل عباس الذي خرج من دار المشردين قبله بعام واحد، ويقضي الآن حكمًا بالسجن لثلاثة أعوام بتهمة الانتماء لـ”عصابة سرقة سيارات”.

تحول نبيل عباس من مجرد مشرد إلى “لص محترف”، بعد أقل من عامين قضاهما في التشرد بشوارع العاصمة. ولا أحد يعرف بالضبط إلى ماذا سيتحول حين تنتهي محكوميته ويخرج من السجن.

وربما سيكون مصير أركان محمد الذي أعتقل بعد أشهر قلائل من خروجه القسري من دار المشردين، مشابهًا لمصير عباس، فهو لم يتمكن حتى الآن من إقناع المحققين بأنه لم يكن ينوي تنفيذ عملية إرهابية حين عثرت عليه الشرطة مختبئا في “براد” مهجور في ساحة للأنقاض شرقي العاصمة، بل كان ينام في المأوى الوحيد الذي حصل عليه بعد خروجه من دار المشردين.

أحمد رياض ونبيل عباس وأركان محمد وآخرون غيرهم، كانوا كلهم ضحايا “تشرد قسري” فرضه إصرار الحكومة العراقية على تطبيق قانون قديم للمشردين قبل نحو 28 عامًا، يقضي بعدم السماح لمن تجاوز سن الـ18 عامًا بالبقاء في دار المشردين، حتى لو كان مأواه البديل هو شوارع المدن العراقية الملتهبة بالعنف، والتي تصفها بعض التقارير بأنها من أخطر المدن في العالم.
قانون “قديم” لمجتمع متحول

يعرف قانون الأحداث رقم 76 لسنة 1983، “المشرد” بأنه كل حدث لم يتجاوز الـ15 من العمر ويعثر عليه من دون مرافقة ولي أمره وهو يتسول في الأماكن العامة، أو يمارس متجولًا مهنة مثل صبغ الأحذية أو بيع السكائر، أو أية مهنة أخرى تعرضه للجنوح. كما اعتبر القانون الحدث “مشردًا” إذا لم يكن له محل إقامة معين أو اتخذ الأماكن العامة مأوى له ولم تكن له وسيلة مشروعة للعيش، او ترك منزل وليه من دون عذر مشروع.

خبراء قانون، علماء اجتماع وباحثون، جهات رسمية معنية بقضايا المشردين، وجهوا انتقادات لاذعة لقانون المشردين الذي لم يخضع للتعديل منذ 28 عاما، رغم كل ما مر به العراق من حروب ونزاعات وتحولات اقتصادية واجتماعية خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

الباحث الاجتماعي عبد الرزاق سليمان يؤشر حجم العجز الحكومي وما يسميه “غياب الإدراك الحقيقي” لأهمية تعديل قانون دار المشردين “الهزيل” الذي ورثناه من النظام السابق، في المقابل، يعرض سليمان الصورة الواسعة والمأساوية التي انتهى إليها ملف المشردين في العراق أواخر العام 2011.

سليمان يتحدث عن ثلاثة حروب مدمرة خاضها العراق خلال العقود الثلاثة الماضية، تركت أولاها (حرب الخليج الأولى 1980 – 1988) مئات الآلاف من الأيتام والمشردين الذين قتل آباؤهم في الحرب، ولم يحظوا برعاية كافية من أقاربهم أو مؤسسات الدولة المنشغلة آنذاك بالحرب حيث “لا صوت يعلو على صوت المعركة”. فيما أودت الثانية (حرب الكويت 1990-1991 وما تبعها من انتفاضات في عدة مدن عراقية) بحياة مئات الآلاف من الجنود العراقيين، وأكثر من 300 ألف مدني عراقي أعدمهم النظام السابق وفق ما قدرته المنظمات الدولية، وخلفت مئات الآلاف من اليتامى والمشردين الذين عاصروا مرحلة الانهيار الاقتصادي الكبير في العراق ما بين عامي 1991- 2003 جراء الحصار الاقتصادي الذي فرضته الأمم المتحدة وتسبب في دمار البنى التحتية للاقتصاد العراقي وانتشار الفقر بين أكثر من 90 % من شرائح الشعب العراقي.

ولا ينسى سليمان هنا أن يحتسب حجم الدمار الذي نتج عن حرب الخليج الثالثة التي غزت فيها الولايات المتحدة العراق عام 2003، وما تبعها من عمليات قتل وتشرد وتهجير طائفي وعرقي يعد الأوسع في العالم منذ عام 1948.

إزاء كل هذا، يلخص الباحث ما يحويه ملف التشرد في العراق بأنه “مأساوي” لا يمكن حل تداعياته بقانون جامد مضى عليه قرابة الثلاثة عقود.

أرقام متضاربة

تعترف وزارة التخطيط العراقية بأنها لا تمتلك حتى الآن، أية إحصائيات يمكن من خلالها معرفة العدد الحقيقي للمشردين. ويبرر الناطق باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي غياب هذه الإحصائيات إلى التأجيل المتكرر للإحصاء السكاني في العراق على خلفية الصراعات السياسية التي تحيط بملف الإحصاء رغم مرور ثمانية أعوام على سقوط النظام السابق.

آخر تعداد سكاني جرى في العراق كان عام 1997، لكن حتى هذا التعداد لم تكن فيه أي إشارة إلى المشردين كما يقول الهنداوي الذي يقر بأن الحصول على أعداد المشردين الحقيقي، هو السبيل الأمثل للشروع بمرحلة إعداد الخطط اللازمة لتأهيلهم وحل مشكلتهم المزمنة.

الهنداوي ينتقد التقارير التي نقلت عن وزارة التخطيط رقمًا “وهميًّا ومبالغًا فيه” للترويج لأهداف سياسية لا علاقة لها بأوضاع المشردين. ويشير في هذا السياق إلى التقارير التي نقلت عن الوزارة أن عدد المشردين في العراق وصل إلى 500 ألف مشرد بعد سقوط النظام السابق، بالإضافة إلى أكثر من 5 ملايين يتيم ومثلهم من الأرامل كحصيلة لأحداث ما بعد العام 2003. لكن لا يوجد أي مصادر موثوقة، كما يقول الهنداوي، لهذه الأرقام الافتراضية.

الباحث الاجتماعي سلام الأعرجي يستهجن ما يسميه “خرافة الأرقام المليونية” التي تقدمها هذه التقارير، لكنه في ذات الوقت يستهجن بشكل أكبر “سذاجة” الأرقام التي تطرحها المؤسسات الحكومية العراقية، فليس من المعقول كما يقول الأعرجي أن يكون عدد المشردين بضعة مئات فقط في بلد مثل العراق عانى من ثلاثة حروب وحصار اقتصادي طويل وصراع طائفي امتد لسنوات.

الأعرجي يعتقد أن الغياب “غير المبرر” للإحصائيات المتعلقة بالمشردين تجعل من المستحيل حصر المشكلة واتخاذ خطوات لمعالجتها، ويشكك في جدية الحكومة العراقية بإيجاد حلول لظاهرة المشردين إذا كانت جادة فعلًا في تصديق أن عدد المشردين لا يتجاوز بضعة مئات.

الأرقام التي طرحتها إدارة الدارين الوحيدين في العراق (دار المشردين ودار المشردات في بغداد)، تؤيد ما ذهب إليه الأعرجي، فلا تضم هذين الدارين رسميًّا سوى 62 مشردًا و 47 مشردة.

ما بين الفرق الشاسع في الأرقام المطروحة (109 مشردين وفق الإحصائيات الرسمية و 500 ألف مشرد بحسب بعض التقارير)، يعيش المشردون الحقيقيون في العراق وضعًا خطيرًا فشلت الدولة العراقية حتى الآن في معالجته أو فهمه بشكل صحيح، كما يقول الخبير الأعرجي الذي يطلب من الحكومة أن “تنتظر قليلًا لترى كيف سيكون ملف التشرد بوابة عنف واسعة تحيق بمستقبل العراق، إذا لم تتدارك أمرها منذ الآن”.

العنف .. أول الأبواب المشرعة

ما زال الفتى صفاء الذي هربه جنود عراقيون بسيارتهم العسكرية إلى العاصمة بغداد بعد مقتل كل أفراد عائلته بقصف أمريكي في مدينة الفلوجة، يشعر بالقلق حيال فكرة عودته إلى مدينته مجددًا والتعرض إلى ذات الظروف التي دفعت بوالده واثنين من أعمامه للانضمام إلى تنظيم القاعدة.

سيخرج صفاء بعد بضعة شهور من دار المشردين بعد أن أمضى 6 سنوات بين جدرانها، لكنه لا يعرف حتى الآن إلى أين سيمضي بعدها.

البقاء في شوارع بغداد المحفوفة بالمخاطر ليس أقل خطرًا من العودة إلى الفلوجة التي تقاتل فيها أبوه وأعمامه مع الكثير من الجماعات المسلحة المتصارعة على النفوذ في المدينة قبل مقتلهم في الغارة الجوية. لكن قانون المشردين سيفرض على صفاء أن يبحث عن طريقه بنفسه.

يعتقد مسؤول بارز في قيادة عمليات بغداد التي تتولى الملف الأمني في العاصمة، أن المشردين ما زالوا يشكلون خطرًا بالغًا على مجمل الحياة في العراق، خصوصًا في ما يتعلق بقضايا العنف المسلح. فهناك عدد كبير من المشردين ثبت ضلوعهم بزرع العبوات الناسفة أو وضع عبوات لاصقة تحت سيارات مستهدفة أو مراقبة عناصر نقاط التفتيش لمعرفة عدد الجنود المتواجدين في موقع عسكري معين، بعضهم كان يسترق السمع بالقرب من جنود الدوريات بحجة بيع الماء أو الحلويات، ثم ينقلون المعلومات التي يحصلون عليها للجماعات المسلحة مقابل مبالغ صغيرة.

المسؤول البارز قال إن قيادة العمليات أصدرت أوامر مشددة بإبعاد المشردين والباعة الصغار من الأماكن القريبة من نقاط التفتيش، لكنه يعتقد أن هذا الإجراء لن يحل المشكلة ما دام هؤلاء “أدوات” يمكن استدراجهم أو استغلالهم بكل سهولة من قبل الجماعات المسلحة.

يرفض المسؤول البارز أن يعطي أية أرقام، حتى لو كانت تقريبية، لعدد المشردين الذين التحقوا بالعمل المسلح أو شاركوا فيه. لكنه يعترف بأن أكثر من 24 مشردا قتلوا في عمليات تفجير نفذوها بإرادتهم أو نفذت عبر أجسادهم دون علمهم وسط جموع المدنيين.

يروي المسؤول البارز، كيف أن عناصر تنظيم القاعدة كانوا يستغلون حاجة المشردين الصغار للمال من أجل استخدامهم في عمليات تفجير مبتكرة، واحدة من هذه القصص كانت قصة الحمال الصغير “سعيد” الذي طلب منه رجل مجهول نقل بضعة أكياس فاكهة إلى سيارته المركونة في طرف السوق، ظل سعيد يومها يبحث عن الرجل المجهول الذي غاب وسط الحشود، وسرعان ما كانت أشلاء سعيد تتطاير مع أجساد عدد من المتبضعين من جراء انفجار مادة الـc 4 التي وضعها الرجل المجهول في أكياس الفاكهة وفجرها عن بعد بالريمونت كونترول.

الطريقة نفسها اتبعها التنظيم في مناطق أخرى من العراق، ففي اتصالات هاتفية متكررة مع قائد في شرطة محافظة ديالى، حاولت كاتبة التحقيق مقابلة 14 طفلًا مشردًا تورطوا في تنفيذ عمليات مسلحة مقابل مبالغ صغيرة.

 قبل وصول كاتبة التحقيق بساعات للقاء الفتية الـ14، نقل هؤلاء إلى مراكز حجز جديدة تمهيدًا لعرضهم أمام المحكمة.

أحد هؤلاء المشردين الصغار، كما ثبت في محاضر الشرطة، كان قد وضع عبوة لاصقة في سيارة موظف كبير مقابل 20 ألف دينار فقط (17 دولار أمريكي) ما تسبب بقطع ساق الموظف وعجز شبه تام في باقي أنحاء جسده.

ضابط التحقيق الذي تولى استجواب المشردين الصغار، ظل محتفظًا في ذاكرته بمشهد الفتى الذي انهار وهو يدرك، لأول مرة، أن “الأمانة” التي أوصلها مقابل 10 آلاف دينار (7 دولارات)، ستكلفه البقاء في السجن ما لا يقل عن 7 سنوات.

الأمانة التي طلب منه “رجل غريب” إيصالها لصديقه صاحب محل بيع الأقمشة في طرف السوق، كانت عبارة عن عبوة ناسفة موضوعة داخل مغلف من الكارتون سرعان ما انفجرت وتسببت بمقتل صاحب المحل وجرح آخرين كانوا بالقرب منه.

مشردون … وقادة عصابات

في الطرف الآخر من معادلة استغلال المشردين من قبل التنظيمات المسلحة لتنفيذ أعمال عنف، يقف المشردون أنفسهم في صراع مع باقي فئات المجتمع من خلال العصابات التي يشكلونها بعيدا عن أعين السلطات، ويبرعون في قيادتها أو الانضواء فيها.

سجلات شرطة بغداد تحفل بعدد كبير من عصابات القتل والابتزاز والسرقة التي كان يقودها مشردون.

أغلب المشردين الذين التقتهم كاتبة التحقيق في سجن الأحداث ببغداد على خلفية انتمائهم لعصابات السرقة والمجاميع المسلحة، ينحدرون من أسر امتهنت الإجرام والسرقة أو مارست العنف ودفعت أبناءها للسير في نفس الطريق، آخرون انحرفوا بإرادتهم واختاروا حياة التشرد، لكنهم جميعا كما يرى الباحث في سجن الأحداث ماجد حسام الدين، كانوا ضحية الفقر وانتشار مظاهر الجريمة بشكل واسع منذ تسعينيات القرن الماضي.

أخطر العصابات التي انتشرت في بغداد خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي وصولًا إلى سقوط النظام السابق في نيسان عام 2003، كما يقول الباحث حسام الدين، كان يحكمها فتيان مشردون يقتلون بعضهم البعض في ممرات المصارف الحكومية والأهلية أو أروقة أسواق الذهب التي نهبوها آنذاك.

كثير من هذه العصابات قامت بتصفية بعضها البعض فيما بعد، لكن الذين نجوا من حرب التصفيات الجسدية بين العصابات انخرطوا في الجماعات المسلحة او الميليشيات وأصبحوا أبشع آلة للقتل إبان مرحلة العنف الطائفي التي اندلعت في العراق ما بين عامي 2006- 2008. بحسب الباحث حسام الدين الذي يرى إن كل تحول او مرحلة اضطرابات مر بها العراق خلال السنوات الماضية، كانت تمثل الفرصة الأكثر ملاءمة كي يعاود المشردون الصغار نشاطاتهم الإجرامية.

يتذكر حسام الدين كيف أن أسعار المقصات القادرة على كسر الأقفال الحديدية الكبيرة ارتفعت بشكل كبير حين بدأ الربيع العربي مطلع هذا العام، فقد كانت العصابات التي يقودها المشردون تتحرك علنًا بالقرب من محلات الذهب وحتى المصارف بانتظار أي تطورات أمنية على خلفية التظاهرات، ففي العراق غالبًا ما تكون أي متغيرات على الساحة هي فرصة تقتنصها عصابات المشردين للانتقام من المجتمع والاستحواذ على كل ما يصلون إليه

المشردون .. أرخص بضاعة في سوق الأعضاء البشرية

أحصى المحقق في وزارة الداخلية رحيم اللامي، أكثر من 25 حالة اتجار بالأعضاء البشرية كان ضحية 14 منها مشردون تقل أعمارهم عن 18 سنة. الأرقام التي ذكرها اللامي هي فقط ما تمكن من متابعته هو شخصيًّا خلال العام الماضي فقط.

يقول اللامي إن اغلب هذه الحالات كانت تتعلق ببيع كلى مشردين قامت عصابات منظمة بنقلهم من بغداد ومدن الجنوب إلى محافظات أخرى تتواجد فيها مستشفيات متخصصة بأمراض الكلى. لا يكشف اللامي عن المعالجات التي وضعت من قبلهم للحد من هذه الظاهرة، لكنه يقول إن بعض الضحايا الذين باعوا كلاهم كانوا يبررون ما فعلوه بأن خسارة جزء من الجسد مقابل بضعة آلاف من الدولارات، أفضل بكثير من خسارة الجسد والروح معا نتيجة الاضطرار للانخراط في العمل الإجرامي الخطر، أو ربما الموت جوعًا.

تكلف عملية نقل كلية واحدة كما يقول اللامي، قرابة الـ 25 مليون دينار (22 ألف دولار)، تخصم منها أجور الجراحين المتخصصين وتكاليف المستشفى وعمولة الوسطاء، ولا يتبقى منها في النهاية سوى 5 إلى 6 مليون دينار فقط (5 آلاف دولار) يتسلمها “المتبرع” الذي سرعان ما يعود إلى التشرد بعد نفاد المال، ولكن هذه المرة بكلية واحدة.

“رقيق” الشوارع

قريبًا من البوابة الزرقاء لدار أو( سجن) المشردات في العاصمة بغداد، كان بضعة رجال يتبادلون الحديث الهامس فيما بينهم قبل أن يسمح لهم بالدخول إلى حيث تعيش منذ عامين، قريبتهم المشردة نجاة.

نجاة التي كانت مدار نقاش مطول بين مدير الدار وأقاربها المتشحين بالزي العربي التقليدي، هربت من منزل أحد أعمامها لأسباب لم يفصح عنها أحد مسؤولي الدار ولا نجاة نفسها، فالقضية كما قال المسؤول “حساسة جدًّا وتحمل أبعادًا عشائرية أكثر من أي شيء آخر”.

أحد أقارب نجاة تبادل معها بضع كلمات قبل أن يمضي مع باقي الرجال إلى خارج الدار، تاركًا في إدارة الدار تعهدًا مكتوبًا بالحفاظ عليها إذا وافقت الإدارة على تسليمها له.

لا تختلف قصة نجاة عن قصص الكثير من فتيات الدار، لكن الإدارة تحرص على عدم البوح بها حفاظًا على الفتيات اللواتي لجأن إليها طلبا للحماية، كما يقول المسؤول الذي بدا غير مطمئن للتعهد الذي تقدم به أقارب نجاة.

تقول الباحثة حنان مصطفى إن قصص أغلب المشردات تكاد تكون متشابهة، ففي الغالب يكن قد هربن من بيوت أقاربهن وانحدرن إلى العاصمة أو مراكز المدن نتيجة لتعرضهن إلى الإغواء أو ممارسة انحرافات سلوكية أو نتيجة الفقر أو التعرض للمعاملة القاسية، وغالبًا ما تكون الشبكات المتخصصة بالدعارة بانتظارهن لإقناعهن بممارسة الدعارة أو العمل في الملاهي الليلية ثم التخلي عنهن إذا ما ألقي عليهن القبض وتم إحالتهن إلى سجون إصلاح الأحداث أو دار المشردات في حال كن في أعمار صغيرة.

الباحثة مصطفى تقول إن مخاطر الانحراف على يد هذه الشبكات تلاحق الفتاة المشردة حتى بعد خروجها من دار المشردات، فحجم الحصانة التي تتلقاها الفتاة في الدار ليست كافية لمنعها من فرصة الحصول على المأوى والحماية والمال مقابل جسدها.

يتحدث المسؤول في دار المشردات هنا عما يسميه الخطوات المتقدمة التي اتخذتها الدوائر المعنية لتحصين المشردات من أي انحراف سلوكي بعد الخروج من الدار، أولها السماح لمن بلغت سن الـ18 بالبقاء أربع سنوات إضافية (حتى سن 22). وهذا الحل المؤقت سيتيح ربما للفتاة أن تحصل على مهنة مناسبة أو تنتهي مشكلتها بالزواج، أو على الأقل ستكون في سن 22 أكثر قدرة على مواجهة متطلبات الحياة مما هو عليه الحال في الـ18 من العمر.

إضافة إلى كل هذا، كما يقول المسؤول، هناك دورات تطويرية دائمية تقيمها دار المشردات او منظمات مدنية هدفها تعليم المشردات على الخياطة والعمل على أجهزة الحاسوب لاكتساب مهنة تحميهن من العوز والانحراف، إضافة إلى تعليمهن القراءة والكتابة وإعطاء دروس ثقافية وتربوية عامة من قبل متخصصين.

بخلاف المسؤول، تعتقد الباحثة الاجتماعية نجلاء حسن، أن الدورات التي تعطى للمشردات تكون على الأغلب “روتينية” يتم النظر إليها كـ”إسقاط فرض”، ولا تساهم إلا بشكل محدود في تحسين شخصية بعض المشردات.

خلال سنوات قضتها الباحثة حسن في دار المشردات، لم تصادف “إلا نادرًا”، مشردات لديهن مواهب أو استعداد لتغيير سلوكهن. أما الأعم الأغلب، فلم يكن يعرفن سوى قصص التسول والانحراف السلوكي ويقضين أغلب الوقت في تدبير الدسائس لبعضهن البعض والدخول في مشاجرات عنيفة وتبادل الشتائم البذيئة.

قبل مغادرة كاتبة التحقيق أسوار دار المشردات، نشبت معركة عنيفة بالأيدي والحجارة بين عدد من المشردات في الحديقة التي تنتشر فيها بضعة طاولات وأراجيح. وحين سارعت حارسات الدار لفض الاشتباك، بعنف، همست إحدى الباحثات لكاتبة التحقيق، “أغلب فتيات الدار تربين في الشوارع لسنوات واكتسبن أسوأ ما فيه، ونحن نخشى أن تنتقل ثقافة الشارع إلى المشردات اللواتي لجأن إلى الدار لظروف إنسانية”..

الخوف من الغد

يلخص الباحث الاجتماعي علي الخفاجي الأسباب الرئيسية للتشرد في العراق بـ “الفقر وتفشي البطالة وآثار الحروب والتفكك الأسري”، إضافة إلى “التهجير القسري الذي شهده العراق خلال النزاعات الطائفية في السنوات الأخيرة”.

في دراسته التي أجراها لعينة من ثلاثين نزيلًا في دار المشردين، وجد الخفاجي أن أكثر من نصف المشردين لا يعرفون القراءة والكتابة بالكامل، وأكثر من 60% منهم فقدوا أحد الوالدين، فيما تعاني عوائل 26% منهم من انعدام أي موارد بشكل كامل، وتعيش 56% من أسر هؤلاء المشردين في بيوت مؤجرة من غرفة أو غرفتين أو بيوت متهالكة في أحياء الصفيح المنتشرة في أطراف المدن.

الفقر الذي شخصه الخفاجي كسبب رئيسي للتشرد، دفع الفتاة آمال ذات الـ16 عاما إلى أن تعود إلى دار المشردات ثلاث مرات خلال اقل من عامين، هربا من العيش مع أسرتها الفقيرة التي تمتهن جمع وبيع العبوات الفارغة للمشروبات الغازية.

تقول آمال إن عائلتها التي تسكن في أحد بيوت الصفيح شرقي العاصمة كانت ترغمها في كل مرة تخرج فيها من الدار بكفالة الأهل، على العمل في جمع العبوات الفارغة أو التسول، ولهذا كانت تهرب منهم وتلجأ إلى دار المشردات حيث لا أحد يطلب منها العمل لكسب لقمة العيش.

“هنا أجد كل ما احتاجه، السرير والطعام ومعاملة أفضل من معاملة عائلتي” تقول آمال التي لم تكن تعير بالا لمستقبلها بعد الخروج من دار المشردات لانها “لن تموت” من الجوع، فهناك دائما “علب فارغة يمكن جمعها”.

على العكس منها، يشعر الفتى المشرد قاسم بالرعب مما ستحمله أيام ما بعد دار المشردين. فقاسم الذي كانت عيناه تدوران في محجريهما بحيرة، وهو يستمع لحوار كاتبة التحقيق مع مدير الدار، لا يتذكر شكل أمه وأبيه، ولا يعرف عن ماضيه شيئا سوى انه وجد تائها في مدينة البصرة الواقعة أقصى جنوب العراق (590 كم جنوب بغداد) وأرسل بأمر قضائي إلى دار المشردين قبل سنوات.

لا يعرف مدير دار المشردين كيف ستنتهي قصة قاسم، فالأوضاع خارج أسوار الدار ستكون صعبة حتى بالنسبة لشاب مكتمل البنية، فكيف الحال بالنسبة لشخص مثل قاسم ولد بفك غير منتظم الأسنان لا يسمح له بإغلاق فمه، ويد معوجة، وساق ثقيلة يجرها بصعوبة عند المشي.

ثغرات في القانون

مسؤولو داري المشردين، الخبراء والباحثون الذين شاركوا في هذا التحقيق، قضاة ومحامون، وعدد من ناشطي المجتمع المدني، يعتقدون ان ظاهرة التشرد ستتحول إلى المشكلة الأكثر خطورة على مستقبل الاستقرار في العراق، فبعد إغلاق ملفات العنف المرتبطة بالتحولات السياسية السائدة الآن، سيتحول المشردون إلى خزين استراتيجي لعصابات الجريمة المنظمة والعصابات العادية على حد سواء.

يجمع هؤلاء على أن البدء بتعديل قانون المشردين ومعالجة ثغراته ينبغي أن لا يتأخر أكثر من هذا، لأنها الخطوة الأولى على الطريق الصحيح في معالجة ظاهرة التشرد. ويحدد الخبير القانوني عبد الوهاب الصائغ جملة من الثغرات التي يعتقد أنها “فاضحة” في قانون المشردين في العراق.

أولى هذه الثغرات هو أن مجرد تنفيذ قانون قديم صنع في مرحلة وزمن مختلفين تمامًا عن الحاضر هو خلل ينبغي تداركه على الفور. فالقانون القديم كان يراعي شكل و”كرامة” السلطة السابقة في العراق أمام العالم الخارجي إبان حرب الثمانينات، أكثر مما يراعي المشردين أنفسهم. ولهذا لم يعد صالحا لأي شيء.

أيضًا، يقول الصائغ، إن عدم وضوح مفهوم “المشرد” يجعل الإجراءات الخاصة بإيداع المشردين في الدار خاضعة للاجتهادات وأحيانًا لـ”أمزجة القضاة”، إذ إن مفهوم التشرد الموجود حاليًّا يتيح للسلطات القضائية أن تلقي نصف أطفال العراق في دور المشردين بتهمة التشرد.

 “الخلط الفاضح” كما يسميه الصائغ يتأتى من أن المشردين في العراق يختلفون عن المشردين في باقي بلدان العالم، فهناك 5 % منهم فقط يفتقدون للعائلة بشكل كامل، فيما يمتلك الآخرون أهلًا وأقارب يمكن للقضاء إجبارهم على تولي مسؤولياتهم بشكل صحيح بدلًا من إلقاء كل العبء على كاهل الدولة والمجتمع.

تدعم رئيسة لجنة المرأة والطفولة في البرلمان العراقي سميرة الموسوي، ما يطرحه الصائغ حول سوء تعريف مفهوم “المشرد في العراق”، فهي ترى أن أغلب الموجودين في الشارع ويلاحقون على أنهم مشردون، هم في الحقيقة ينتمون لعائلات موجودة فعلًا ولكنها تستخدمهم لكسب الرزق بأشكال متعددة.

تعتقد الموسوي أن على الحكومة أن تطبق برامج خاصة لتحسين الواقع الاقتصادي للشرائح المهمشة في العراق، بدلًا من أن تحشر الجميع في خانة المشردين وتضيع على نفسها وعليهم فرصة الحد من الظاهرة.

إحدى قاضيات محكمة الأحداث ردت على الصائغ والموسوي بأن القضاة يدركون تمامًا حجم التغيير الذي شهده المجتمع العراقي بعد حصار التسعينيات وأحداث ما بعد 2003، لهذا يحرصون على أن تكون أحكامهم لمصلحة المتهم بالتشرد، فحالات اليتم والفقر تعامل بشكل خاص، ولا يتم تطبيق القانون إلا على الذين يعملون في الشوارع من دون ذويهم وهم في سن دون الـ15 سنة.

وحتى في هذه الحالة، تضيف قاضية الأحداث التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، يكون عامل المرونة قائمًا في ظل وجود نسبة من الفقر تتجاوز الـ24% في العراق، تدفعنا للتأكد من وضع عائلة المشرد الذي يلقى عليه القبض في الشارع. فربما يكون قد لجأ للعمل فعلا من أجل إعالة عائلته وليس لأنه مشرد وفاقد للرعاية تمامًا.

الثغرة الأكثر خطورة في قانون المشردين كما يشير الباحث صائب العمري، هي إجبار المشردين الذي يبلغون السن القانونية على مغادرة دار المشردين دون أن تكون هذه الدور أصلًا قد سلحتهم بمقومات العيش مثل المهنة أو التعليم أو إيجاد مأوى مناسب يحميهم من الانحراف أو الجريمة التي تنتظرهم في الخارج.

لكن المحامي حسن شعبان يجمع بين الثغرات الموجودة في القانون وبين الخلل في التطبيق باعتبارهما “السبب الرئيسي فيما يشهده ملف المشردين من فوضى”.

فالمشردون يفتقدون بعد خروجهم من الدار لرعاية مؤسسات الدولة، ولا يخضعون لأي رقابة. في ذات الوقت الذي تواجههم فيه مشكلة النظرة الدونية التي ينظر بها إليهم أفراد المجتمع.

هذه التركيبة المعقدة لأوضاع المشردين خارج أسوار دور الدولة، تجعلهم أداة طيعة بيد التنظيمات المسلحة وعصابات السرقة وحتى لمخاطر الاستغلال من قبل مجموعات أو أشخاص منحرفين، كما يعقب المحامي شعبان.

الرعاية اللاحقة … قانون معطل

تعتقد قاضية الأحداث أن الخلل الموجود في القانون، يمكن تلافيه بتعديلات تراعي ما شهدته أوضاع المشردين من تغيرات، لكنها تحيل المشكلة القائمة حاليًّا إلى عجز السلطات عن تطبيق قانون الرعاية اللاحقة بشكل صحيح. فالقانون الذي أفرد فقرتين للذين أكملوا السن القانونية ولا يمتلكون مأوى، “معطل تمامًا، ولا يبدو أن أحدًا ما سيتحرك لتفعيله في وقت قريب”.

خصص قانون الرعاية اللاحقة، الفقرتين 104 و105 لمعالجة قضية المشردين الذي لا يملكون مأوى بعد الوصول إلى السن القانونية. فالفقرة 104 تنص على تأمين دار لإيواء الذين انهوا مدة إيداعهم وليس لهم مأوى يلجأون إليه في الحال، ولمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر. فيما نصت المادة 105 على إيداع الحدث في إحدى دور الدولة اذا ثبت بعد الأشهر الثلاثة فقدانه للرعاية الأسرية بالكامل.

سبب تعطيل هذا القانون، كما تخمن قاضية الأحداث، هو قلة دور الدولة المخصصة لهذه الشريحة والتي لا تتجاوز دارين فقط يقعان في العاصمة بغداد، أو لأن الظروف الأمنية التي تسود في بعض المناطق آو إغلاقها “طائفيًّا” كما في مناطق أخرى، تمنع الباحثين الاجتماعيين من السفر لمتابعة المشردين الذين يكلفون بمتابعتهم بعد خروجهم من دور المشردين.

ويبدو أن فكرة وجود دارين للمشردين في كل العراق هو من أكثر الأسباب “غرابة” كما يرى الخبراء والباحثون، فقياسًا إلى حجم سكان العراق البالغ نحو 33 مليونا، وقياسًا على الأوضاع التي مر بها العراق من حروب ومآس، سيكون التغاضي عن الحاجة الماسة لزيادة عدد الدور الخاصة بالمشردين “كارثة إنسانية على الدولة تداركها كي لا تضطر لاحقًا إلى بناء ثلاثة سجون جديدة مقابل كل دار لم يتم تأسيسها بعد”.

يشير الباحث سليمان إلى أن كلفة بناء دار للمشردين الذكور وأخرى للإناث في كل محافظة من محافظات العراق الـ18، قد لا تمثل رقمًا يذكر قياسًا إلى ميزانية العراق التي تتجاوز الـ 80 مليار دولار سنويًّا، مع ميزانية مرتقبة للعام 2012 قد تصل إلى 112 مليار دولار.

توفير فرص العمل، بوابة للخلاص من التشرد

المطلب الرئيسي لجميع الذين التقت بهم كاتبة التحقيق من المشردين والمشردات، كان عبارة عن “فرصة عمل شريف”.

يعول المشردون على أن تعمد الحكومة يومًا ما إلى توظيفهم كي يتمكنوا من الاستقرار بمجرد خروجهم من دور المشردين. يؤيد فكرتهم هذه عدد من الباحثين والمسؤولين الذين التقتهم كاتبة التحقيق، لكن مسؤولًا حكوميا بارزًا يضع علامة استفهام كبيرة على هذا المقترح، متسائلًا عن الحالة التي سيكون عليها العراق في حال لجأت العوائل المفككة أسريًّا وحتى العوائل العادية، إلى تسريح أولادها في الشوارع بانتظار الحصول على “وظيفة حكومية”.

يقترح الباحث سليمان أفكارًا أخرى أكثر “إبداعًا” كما يسميها تتلاءم مع نوع وحجم قضية المشردين في العراق مثل تطوير قابليات المشردين ودفع إعانات وقتية أو فتح مشاريع إنتاجية صغيرة تستوعب عددًا من المشردين، وتمنحهم القدرة على الاندماج بالمجتمع باعتبارهم فئة “منتجة” وليست “اتكالية”.

قد يساعد هذا كما يقول سليمان، على تحصين المشردين الذين يغادرون الدور الحكومية، من الانحراف الذي ينتظرهم في الخارج. سليمان يعتقد أن البرامج التي يمكن أن تقوم بها الدولة “واسعة جدًّا”، كل ما يحتاجه الأمر شيء من الاهتمام والجدية في معالجة هذا الملف الخطير.

نهايات

يقول باسل الذي خرج من دار المشردين قبل نحو عام، إنه وجد أخيرًا ملاذه الأمن حين حصل على عمل بسيط وسكن مشترك مع حارس إحدى عمارات منطقة البياع.

باسل يقول إن وضعه الآن أفضل بكثير من رفاقه الذين خرجوا من دار المشردين واضطروا إلى النوم في الحدائق أو تحت الجسور. لكن ما سكت عنه باسل، كشفه الباحث سليمان الذي تابع حالته منذ دخوله دار المشردين قبل عدة أعوام، فالحارس الذي يعيش باسل معه هو شخص “سيء السمعة” وقد يكون “منحرفًا”، وهو ما يثير قلق سليمان من النهاية التي سيصل إليها باسل ومعه مئات المشردين الذين أغفلت السلطات عينها عنهم طوال سنوات.

بعيدًا عن المشردين الـ109 الذين يحملون وحدهم صفة مشرد وفق المؤسسات الرسمية العراقية. يبدو أن ملف المشردين أكثر قتامة كما يراه الباحث سليمان، مما تدركه المؤسسات الحكومية والمنظمات المدنية والعشائرية والدينية في العراق.

يتساءل سليمان عن المعنى الحقيقي لـ”التشرد” وهو يراقب مدن الصفيح التي انتشرت في مناطق العشوائيات الواقعة على أطراف مدينة بغداد. فالمعلومات التي أشارت إليها تقارير نشرت مؤخرًا، تفيد بأن أكثر من خمسة ملايين عراقي يعيشون في بيوتات متهالكة وسط مدن الصفيح التي تغيب عنها أي خدمات صحية او تعليمية، وتخرج منها صبيحة كل يوم مجاميع من الأطفال الذين يعملون في جمع العبوات الفارغة أو التسول على مفارق الطرق.

حين عادت كاتبة التحقيق للبحث عن بائع قناني المياه المعبأة، أحمد رياض، أبلغها مشردون جدد انتشروا قرب ساحة التحرير، أنه اختفى منذ أن اعتقلت السلطات كل المشردين الذي كانوا في الساحة قبل نحو شهر، بعد انفجار عبوة ناسفة أودت بحياة أربعة مدنيين وثلاثة من عناصر الشرطة.

تحقيق: ميادة داود/ شبكة الصحافة الاستقصائية العراقية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*