أسلحته الكيماوية قتلت نحو 100 ألف جندي بالحروب.. والمكافأة: الفوز بـ”جائزة نوبل” لاختراع “سماد”!
298
شارك
الحكمة – متابعة: ليس بالضرورة أن كل ما يخترعه العلماء ينقذ حياة البشرية أو حتى يدمرها، فبعض العلماء مثل العملات المعدنية بوجهين، قد يخترعون ما ينقذ ملايين الأرواح، وفي الوقت ذاته، يقدمون اختراعاً آخر لإبادة حياة ملايين آخرين.
وعندما نتحدث عن “علماء بوجهين”، يرِد ذكر عالم الكيمياء الألماني فرتيز هابر، الذي حصل على جائزة نوبل لتمكنه من تركيب مادة الأمونيا، التي أحدثت تحولًا في الزراعة أنقذ ملايين الأرواح، ووُصف في الوقت نفسه بأنه “قاتل جماعي” قبيل تسلمه الجائزة عام 1919.
من “منقذ الحياة” إلى “أبو الحروب الكيماوية”
اعتبِر هابر الذي وُلد بمدينة بريسلا في بروسيا عام 1868، العقل المدبر وراء أحد أهم الاكتشافات المنقذة للحياة في القرن العشرين، بحسب ما ذكره موقع History البريطاني.
إذ بدأ الرجل الذي سُمي “موقد بنسن”، تيمنًا بالعالم الألماني روبرت بنسن، الذي درس هابر الكيمياء تحت إشرافه- مسيرته الأكاديمية بالحصول على وظيفة أستاذ بالجامعة الفنية في كارلسروه بألمانيا، أتبعها بإجراء سلسلة من الأبحاث، وتأليف كتاب مهم عن الكيمياء الكهربية.
فيما اعتبِرت انطلاقته الفعلية عام 1909، وذلك عندما استطاع حل أزمة ندرة الأسمدة النيتروجينية، والتي توقع العلماء أن تسبب مجاعات عالمية حال استمرارها، باعتماده على الروث لتخصيب المحاصيل.
فمن خلال التجارب المضنية، وجد طريقة لاستخدام الحرارة والضغط المرتفع في “إصلاح” النيتروجين بالغلاف الجوي عبر دمجه مع الهيدروجين لتكوين سماد طبيعي عُرف بالأمونيا (NH₃)، ليحمي بذلك البشرية من مجاعة مرتقبة.
لكن مع الحرب العالمية الأولى، طور هذا العالم أحد الغازات السامة التي استخدمتها بلاده في الحرب العالمية الأولى، وحول عدداً من الكتائب الفرنسية إلى جثث هامدة نتيجة استنشاق الأبخرة السامة، التي أحرقت حلوق ورئات الجنود من شدة العذاب.
فمساء 22 أبريل/نيسان 1915، طوقت خنادق العدو سحابة صفراء باهتة مليئة بتلك الأبخرة السامة، وذلك عقب إطلاق نحو 6 آلاف أسطوانة غاز مضغوط، ونحو 150 طناً من غاز الكلور، فيما اشتُهر بـ”معركة إيبر الثانية”.
لم يكتفِ الصديق المُقرب لألبرت أينشتاين، الكيميائي العبقري هابر بذلك؛ بل عمِل على تطوير مجموعةٍ أخرى من العناصر الكيميائية لاستخدامها في القتال، وقد أدت أفعاله إلى إدانته بوصفه “مجرم حرب”، كما اشتُهر بألقاب منها “طبيب الموت”، و”أبو الحروب الكيميائية الثانية”.
صاحب نظرية “الغاز ليس أبشع من القذائف”
أواخر عام 1914، حوّل هابر عبقريته العلمية نحو إنتاج الأسلحة الكيماوية، والتي جعلت منه مناصراً رئيسياً لاستخدام الغازات السامة لإجبار جنود العدو على الخروج من خنادقهم.
حتى إنه مع رفض بعض ضباط الجيش الألماني استخدام الغاز في القتال باعتباره سلاحاً لغير النبلاء، برر هابر ذلك بأنه ليس أكثر بشاعة من الطلقات والقذائف، واقتُبِسَ عنه قوله: “عدد لا يُحصى من الأرواح سوف تُنقَذ، إن ساعدت الأسلحة الكيماوية في إنهاء الحروب بشكلٍ أسرع”.
انتحار زوجته
لم تكن زوجة هابر مجنونة مثله بشأن استخدام الغازات، رغم أن كلارا إميرفار كيميائية قديرة، لكنها كانت منزعجة من عمله، ويبدو أن لذلك علاقة بانتحارها؛ إذ أطلقت النار على نفسها من مسدس الجيش الخاص بزوجها، في مايو/أيار 1915، وذلك بعد أسبوع واحد من أول هجوم بالغاز. فيما استمر زوجها في عمله رغم ذلك.
هرب “مجرم الحرب”.. ليعود بجائزة نوبل
عندما علم هابر بأن دول الأعداء تحاول القبض عليه لاتهامه بأنه “مجرم حرب”، فر هارباً إلى سويسرا، وعاد بعد أشهر عندما علم أن الأمر غير صحيح.
ورغم كل تلك الاتهامات التي تورط فيها، فاز هابر بجائزة نوبل في الكيمياء لعمله بتخليق الأمونيا في نوفمبر/تشرين الثاني 1919! وأثار ذلك موجة غضب في القطاع العلمي بأوروبا؛ إذ رفض فرنسيان فائزان بجائزة نوبل جائزتيهما اعتراضاً، وانتقد عالم آخر هابر بوصفه “غير مؤهل أخلاقياً لنيل شرف جائزة نوبل”.
“البطل الألماني”!
أما بالنسبة لألمانيا، فظل هابر وطنياً مخلصاً، واستمر في دعم بلاده بعد الحرب العالمية الأولى؛ إذ أجرى أبحاثه وتجاربه لمحاولة الحصول على الذهب من مياه البحر، وهي عملية كان يأمل من خلالها مساعدة ألمانيا في سداد ديونها الحربية المُقيِّدة، لكنه فشل.
واستمر في ذلك حتى عام 1933، حينما استقال هابر من معهده البحثي اعتراضاً على قوانين هتلر المعادية للسامية، ليقضي هابر أيامه الأخيرة متجولاً في أنحاء أوروبا بحثاً عن عمل، قبل أن يموت نتيجة قصور القلب عام 1934، عن عمرٍ يناهز 65 عاماً.
معهده ساعد النازيين المعترض على سياستهم
بعد سنواتٍ قليلة من موته، استخدم النازيون سلاحاً كيماوياً آخر، كان في الأصل عبارة عن مبيد حشري، ولكنَّه جرى تطويره في معهد هابر إلى غاز Zyklon B، الذي استُخدِمَ في معسكرات الاعتقال خلال الهولوكوست.
حظر الأسلحة الكيماوية
طوال الحرب العالمية الأولى، استخدمت ألمانيا غازات سامة مثل الفوسجين، والخردل، وغيرها في طليعة أسلحتها؛ إذ ضم برنامجها للأسلحة الكيماوية أكثر من 1500 جندي وعالم.
وبعد ما أسفرت عنه تلك الأسلحة من قتلى بلغ نحو 90 ألف جندي خلال الحرب العالمية الأولى، حُظر استخدام هذه الغازات الخانقة في اتفاقية لاهاي عام 1899، التي نصت على التسوية السلمية للنزاعات الدولية.