هل ينبغي تجنب منتجات الألبان عند الإصابة بنزلات البرد؟

261

الحكمة – متابعة: عندما تصاب بنزلة برد، تنسد أنفك وتدمع عيناك وتشعر بصداعٍ في رأسك. في هذه اللحظات ربما تشتهي الطعام أو تأنف منه. ولكن عندما تشعر بالجوع، ستجد الكثير مما يُقال عما يتعين عليك تناوله وما ينبغي أن تتجنبه. وفي غالب الأحيان، ستجد من يقترح استبعاد منتجات الألبان على الأخص من على طاولة طعامك.

ويقول البعض إن من الضروري الابتعاد عن تناول البوظة والجبن، وفوق هذا وذاك تجنب شرب الحليب. السبب الذي يقدمه هؤلاء لنصيحتهم هذه، ليس بالمبهج على أي حال، إذ أنهم يقولون إن تناول منتجات الألبان سيزيد إفراز المخاط. ولكن هل هذا صحيحٌ حقاً؟

رغم أن الحديث عن المخاط في حد ذاته يجعلنا نميل إلى الشعور بالاشمئزاز، فإن هذا لا يمنع من أنه يلعب دوراً مهماً في ما يتعلق بعمل وظائف الجسم كله. فالأغشية المخاطية تحمي الأنسجة من التهيج أو التلف في أجزاء عدة من جسم الإنسان، بما في ذلك القصبة الهوائية والرئتان والمريء والمعدة. يعني ذلك أننا بحاجة إلى المخاط، حتى وإن كنا بطبيعة الحال لا نريد وجود كميات أكثر من اللازم منه، خاصةً وأنه يكون هناك إفراز كثير من هذه المادة نتيجة للإصابة بنزلة البرد.

وقد نشأت الفكرة المتعلقة بوجود علاقة مفترضة بين تناول الحليب وإفراز المخاط قبل قرونٍ طويلة ولا تزال قابعة في الأذهان. فبوسعك أن تجدها في مبادئ الطب الصيني التقليدي، وكذلك في كتابات الطبيب الشهير موسى بن ميمون الذي عاش في القرن الثاني عشر. وقد أظهرت دراسةٌ تعود إلى عام 2004 أن 58% من الناس مازالوا يصدقون تلك الفكرة، بل ان بعضهم عَلِموا بها للمرة الأولى من أطبائهم.

بجانب ذلك، يبدو أن الأثر المفترض لتناول منتجات الألبان في زيادة إفراز المخاط يحدث دون الحاجة لأن تستهلك كمياتٍ كبيرةً منها. فقد أظهرت دراسة أُجريت في عام 1993 أن ثلثيّ الناس تقريباً يعتقدون أن شرب كوب واحدٍ من الحليب يؤدي إلى تراكم المزيد من المخاط في الحلق. ووصف أفراد عينة الدراسة شعورهم في هذه الحالة وقالوا إن حلوقهم كانت مسدودةً أو مغلقةً أو كان يوجد فيها سائلٌ لزج أو سميك أو كثيف.

أولا يتعين توضيح أننا نتحدث هنا عن أمر مختلف تماما عن الإصابة بحساسية إزاء شرب الحليب، وهي الحالة الخطرة التي تعاني منها نسبةٌ محدودة للغاية من البالغين، والتي تؤدي إلى الإصابة بأعراض حقيقية خطيرة مثل القيء والطفح الجلدي وصعوبة التنفس. كما أننا لا نتحدث عما يعرف بـ”عدم تحمل اللاكتوز”، وهي حالة تنجم عن افتقار المرء للأنزيمات اللازمة لامتصاص اللاكتوز، وهو السكر الموجود في الحليب، ما يجعل الإنسان يشعر بعد شربه بالانتفاخ أو يُصاب بإعياء أو يعاني من الإسهال.

إذاً فما هو طبيعة التأثير الذي يُفترض أنه يحدث بفعل شرب الحليب ويؤدي إلى إفراز المخاط ويشكل محور حديثنا هنا؟

لتحديد ذلك، ربما سيتعين عليك إجراء دراسة يُطلب فيها من أفراد عينة البحث تناول كميات من سائل معين قد يحتوي وقد لا يحتوي على حليبٍ طبيعي، وذلك قبل طرح أسئلة عليهم عما إذا كانت هناك أعراضٌ معينة ستظهر عليهم بعد ذلك أم لا.

أجريت دراسةٌ من هذا القبيل بالفعل في مستشفى بولاية جنوب استراليا، تناول خلالها 125 شخصاً كمياتٍ من الحليب؛ بعضها من حليب الأبقار والبعض الآخر من حليب الصويا. وأدى تسخين هذه المشروبات وإضافة نكهة معينة إليها إلى اختفاء الفارق في المذاق بين هذين النوعين من الحليب.

وهكذا، فعندما سُئِلَ أفراد الدراسة عن المشروب الذي أُعطي لهم؛ قال جانبٌ ممن شربوا حليب البقر إنهم وجدوه أكثر صعوبة في البلع، وأنهم شعروا أن لعابهم أصبح أكثر سمكاً، بل وأنهم أحسوا كما لو كانت هناك طبقة من الطلاء تكسو حلوقهم.

قد تعتقد الآن أن الأمر قد حُسِم. لكن المفارقة تمثلت في أن نفس الشعور تكرر لدى من شربوا حليب الصويا أيضاً. كما تبين أن من يعتقدون بوجود علاقة بين الحليب وإفراز المخاط كانوا أكثر ميلاً قليلا للشعور بمثل هذه الأعراض بغض النظر عن نوع الحليب الذي شربوه، وذلك رغم أن نسبة هؤلاء لم تكن ذات دلالة كبيرةً من الناحية الإحصائية.

لكن المشكلة أن أفراد عينة البحث في الدراسة لم يكونوا يعانون من نزلات برد. لذا ظل السؤال قائماً حول ما الذي يمكن أن يحدث إذا شربت الحليب وأنت تشعر باحتقانٍ في الحلق بالفعل؟ هل سيجعل شرب حليب الأبقار الأمر أكثر سوءاً؟

على أي حال لا أوصيكم بقراءة التجربة التالية وأنتم تتناولون الطعام. ففي هذه المرة عَمَدَ الباحثون إلى حقن أفراد العينة بالفيروس المُسبب لنزلات البرد المعتادة، وأعطوهم حليباً لشربه، وطلبوا منهم ليس فقط رصد أي أعراض احتقان أو انسداد في الحلق، بل وكذلك جمع أي إفرازات تخرج من أنوفهم ووزنها.

واكتشف الباحثون أن من يؤمنون بوجود علاقة بين شرب الحليب وزيادة الإفرازات المخاطية كانوا أكثر ميلا للشعور بأعراضٍ احتقانٍ، رغم أن الإفرازات كانت مماثلةً في واقع الأمر لما أفرزته أنوف من لا يعتقدون بوجود تلك العلاقة. كما تبين أن شرب الحليب لم يؤثر البتة على كمية الإفرازات المخاطية.

وهكذا، لا يوجد دليل دامغ على أن استهلاك منتجات الألبان يقود إلى إفراز مزيدٍ من المخاط. ولكن تناول مثل هذه المنتجات يجعل البعض يشعرون بقدرٍ أكبر من عدم الارتياح على ما يبدو، وهو ما يفسر السبب الذي يحدو ببعض الناس للقول إن هناك صلةً بين تناول منتجات الألبان وإفراز المخاط، ويدعو البعض الآخر لتأكيد عدم وجود مثل هذه الصلة.

وعلى أي حال، ثمة تفسيرٌ محتملٌ للشعور الذي يراود بعض الناس إزاء تأثير شرب الحليب في زيادة الإفرازات المخاطية، وهو تفسيرٌ يرتبط، للمفارقة، بأمرٍ لا علاقة له على الإطلاق بإفراز تلك المادة. فنحن نتحدث هنا عن كون الحليب مادةً مُسْتَحْلَبَة يؤدي اختلاطها باللعاب إلى تجمع قطيرات صغيرة معاً لتُكَوِن ما يُعرف بـ”التلبد”.

وتؤدي هذه العملية، التي يمكن أن تحدث بفعل شرب حليب الصويا لأنه مادة مُسْتَحْلَبَة أيضا، إلى تغير مذاق الطعام في الفم، وهو ما يفضي إلى خلق شعورٍ يميل البعض إلى افتراض أنه ناجمٌ عن وجود إفرازات مخاطية في منطقة الفم حتى لو لم يكن ذلك هو السبب. غير أن الغموض لا يزال يكتنف السبب الذي يجعل هذا الشعور يراود البعض دون البعض الآخر.

ولكن ماذا عن الحلوى المثلجة؟ بطبيعة الحال وبحسب ما تبين لنا حتى الآن، فإن الحليب، الموجود ضمن مكونات البوظة، ليس له علاقة بالضرورة بزيادة إفرازات المخاط. لكن الأمر في هذا الخصوص يتمحور حول كون البوظة باردة إلى درجة التجمد، وهو ما دفع البعض للتساؤل عما إذا كان تناولها سيُشعرك بقشعريرة أكثر حدة إذا كنت تعاني من نزلة بردٍ من الأصل؟ هذا احتمال غير مرجح على أي حال. فرغم أن الأطعمة التي تقدم باردة للغاية تؤدي في بادئ الأمر إلى جعل المعدة أكثر برودة؛ فإنها سرعان ما تبعث الدفء في أوصالك بمجرد بدء عملية الهضم وتفكيك جزئيات الطعام وتحليله، وهو ما يولد الحرارة.

في نهاية المطاف، إذا كنت مصاباً بنزلة برد؛ سيظل بوسعك تناول البوظة إن أحببت. كما سيمكنك شرب الحليب إذا كنت تستسيغ طعمه على أية حال. فرغم أن هذه المأكولات والمشروبات لن تُبرِئُك من مرضك، فهي لن تجعل حالتك الصحية أكثر سوءاً.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*