أكثر من ستة ملايين عراقي مصابون باضطرابات وأمراض نفسية
يسجل يوم العاشر من تشرين الأول كل عام يومًا للصحة النفسية، منذ مبادرة الاتحاد العالمي للصحة النفسية، وهو منظمة دولية تهتم بالصحة النفسية، وبمشاركة 150 عضوًا من بلدان متعددة، للاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية في العام 1992. ويكون الاحتفال في هذا اليوم مناسبة للبحث في إحصائيات ومفاهيم عن الصحة النفسية في العالم من خلال التقارير الصادرة من المنظمات الدولية ذات العلاقة حيث تكشف آخر الإحصاءات الصادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية أن الاضطرابات النفسية تطال شخصاً واحداً من بين كل عشرة أشخاص في العالم، وهي تسبب معاناة كبيرة للمصابين بها من الذين لا يتلقون الرعاية الصحية. وتذكر الإحصاءات الدولية أن أكثر من 450 مليون شخص في العالم يعانون من اضطرابات نفسية، و هناك الكثير ممّن يعانون من مشاكل نفسية، كما أن دستور منظمة الصحة العالمية يعتبر الصحة بشكل عام (هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً و عقلياً و اجتماعياً) و بالتالي فإن الصحة النفسية جزء أساسي من الصحة العامة.
تعرف الصحة النفسية بأنها (حالة من العافية يمكن فيها للفرد تكريس قدراته الخاصة و التكيّف مع أنواع الإجهاد العادية و العمل بتفان و فعالية و الإسهام في مجتمعه.)، وتمثّل الصحة النفسية، حسب هذا التعريف، الأساس اللازم لضمان العافية للفرد و تمكين المجتمع من تأدية وظائفه بشكل فعّال.
كما تشير أدبيات و مرجعيات منظمة الصحة النفسية و الاتحاد العالمي للصحة النفسية إلى أن هناك عوامل اجتماعية و نفسانية و بيولوجية متعددة تحدّد مستوى صحة الفرد النفسية في مرحلة ما، كما أن هناك علاقة أيضاً بين تدني مستوى الصحة النفسية و عوامل من قبيل التحوّل الاجتماعي السريع، وظروف العمل المجهدة، و التمييز القائم على نوع الجنس، و الاستبعاد الاجتماعي، و أنماط الحياة غير الصحية، و مخاطر العنف و اعتلال الصحة البدنية، و انتهاكات حقوق الإنسان.
وتجدر الإشارة إلى أن العام السابق 2012 كانت الاحتفالات باليوم العالمي للصحة النفسية في 10 اكتوبر2012 تحت شعار (الاكتئاب أزمة عالمية) احتفالات نظمتها كل من الأمم المتحدة ممثلة بمنظمة الصحة العالمية و الاتحاد العالمي للصحة النفسية.
الواقع النفسي للعراقيين:
أكدت منظمة الصحة العالمية أن ستة ملايين عراقي مصابون بأمراض نفسية من جراء الحرب، ويعاني العراقيون أمراضًا نفسية، معظمها نتيجة الحروب وسنوات الاقتتال الطائفي ومشاهد العنف، وضلوع المرضى في أحداث ولّدت لديهم حالات، يرفض كثيرون منهم الاعتراف بوجودها، ويعزفون عن معالجتها بسبب ثقافة العيب إلا أن أغلب أمراضهم العقلية والنفسية ناجمة من تأثيرات الحروب، وأشارت نتائج إحصاء علمي أجري للأمراض النفسية في العراق عام 2006 بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، إلى أن نسبة الأمراض النفسية في البلاد بلغت 18.6 بالمائة فإذا احتسبنا عدد نفوس العراقيين (32 مليونا) فإن نسبة المصابين بالأمراض النفسيه (سته ملايين) ولو أخذنا المصابين منهم بـ (بفصام العقل) وهم حسب النسب العالمية 0.85 بالمائة فسيكون رقما مفزعًا ‘ثلاثمائة ألف مريض بفصام العقل. هذا فضلًا عن أن مالايقل عن 40% من المراجعين للمستشفيات والمراكز الصحية والعيادات الخاصة هم بالأساس يعانون من مرض نفسي لايرغبون بالبوح به أو يظهر على شكل أعراض جسمانية متعددة.
ولا يمتلك العراق، الذي شهد حصارًا دوليًّا إلى جانب ثلاثة حروب مدمرة خلال العقود الأخيرة أسفرت عن أمراض اجتماعية ونفسية متنوعة، لكن لاتزال الحاجة كبيرة للخدمات النفسية إذ توجد ثلاث مستشفيات نفسية ‘الرشاد وابن رشد في بغداد وسوز في السليمانية فقط تقريبًا وعدد الوحدات النفسية إلى 36 وحدة في أنحاء العراق’ كما أن عدد الأطباء النفسانيين في العراق هو أقل من العدد المطلوب عالميًّا في أي بلد، حيث لم يتبق في العراق سوى 80 طبيبًا نفسيًّا بعد 2003 وقد تعافى العدد الآن ليصل إلى 200 طبيب حاليًّا ‘أي طبيب واحد لكل 150000 نسمة’ وهم لا يكفون لتخفيف آلام العراقيين وما تجرعوه من ويلات الحرب.
ومما تجدر الإشارة إليه هو وجود أعداد كبيرة من المصابين بالاضطرابات والأمراض النفسية يقومون بمراجعة مشعوذين ومعالجين روحيين بالسحر وغيرها من الأساليب مما يؤدي إلى تفاقم المرض وتعرضهم إلى النصب والاحتيال من قبل هؤلاء مما يتطلب الحد من هذه الظاهرة عبر إشاعة مفاهيم وضرورة الصحة النفسية والعلاج النفسي وضرورة دمجه مع الرعاية الأولية.
قانون الصحة النفسية رقم 1 لسنة 2005:
ورغم صدور قانون الصحة النفسية العراقي رقم 1 لسنة 2005 الذي يهدف إلى تأمين رعاية مناسبة للمصابين بالاضطرابات النفسية والتخفيف من معاناتهم ومعالجتهم في وحدات علاجية متخصصة تتوافر فيها الشروط الملائمة بما يضمن تنظيم مكوثهم في الوحدات العلاجية المغلقة تحت الإشراف الطبي والقضائي ويؤمن حقوقهم الإنسانية والاجتماعية ضمن برنامج علاجي تأهيلي منظم يسعى إلى شفائهم وحماية المجتمع من خطورتهم وتنظيم العلاقة بين اللجان الطبية النفسية العدلية ذات الاختصاص الفني وبين الجهات العدلية المختصة، إلا أنه اهتم بالمرضى ولم يتطرق إلى المشتكين وخطورة البعض منهم.
ويظـهر مما تقدم، مدى إمكانية التعاون والتـلاقي بين القانـون والطـب في مجال الأمراض النفسية والعقلية والمشكلات الواقعة بين الجانبين بالرغـم من الموقـف التقليدي بين القانـون كأداة عقابية. وبين الطـب كأداة علاجية، ويـأتي هذا التعاون والـتلاقي نتيجة تفهم الجانبين القانوني والطبي، بأن مهمتهما، حتى ولو اختلفت في الظـاهر، فإنها مهمة إصلاحية ووقائـية ليس للـفرد وحده وإنمـا للمجتمع بشكل عام، وعلى الرغم من صدور هذا القانون إلى أن البنية التحتية للمؤسسات النفسية من مستشفيات وملاكات مازالت دون مستوى الحاجات، إذ لا يوجد في العراق عدد من المستشفيات النفسية والأطباء إلا القلة كما أن الحاجة تكمن في توفير ملاكات تتعامل مع الحالات النفسية مما يتطلب توفير التدريب والتعليم الكافي لتهيئة ملاكات تستطيع القيام بهذه المهمة.
التوصيات:
نحن أمام تحدٍّ يتمثل بالحد من الاضطرابات والأمراض النفسية عبر التقليل من مسبباتها بالحد من وتيرة العنف والصراع الطائفي وإشاعة ثقافة السلام والمحبة بمقابل ثقافة الكره والحقد، كما نحتاج إلى إعادة تأهيل للمرضى وإعادة دمجهم بالمجتمع عبر علاج نفسي في أماكن مخصصة من مستشفيات ووحدات ذات شروط تتوافق مع المعايير الدولية وكوادر طبية من أطباء وملاكات متخصصة ومدربة على الرعاية النفسية كما تشكل مسألة الوصمة الاجتماعية حاجزًا أمام العديد من المرضى والأسر تدفع باتجاه اللجوء إلى التعتيم على المرض أو الذهاب إلى المشعوذين، ومن التوصيات التي نراها ضرورية في هذا المجال الآتي:
• توفير كوادر طبية متخصصة في مجال الصحة النفسية وتقديم الاستشارات والرعاية للمرضى والمراجعين.
• الاهتمام بالطب النفسي والعقلي وتوفير التسهيلات لدراسته عبر تهيئة مناهج عملية رصينة حديثة وتدريب عملي والاستفادة من تجارب البلدان المتقدمة في هذا المجال عبر البعثات والزمالات لتوفير كوادر طبية بمهارات عالية.
• توفير المباني من مستشفيات وعيادات ووحدات معالجة نفسية تتصف بملاءمتها للشروط والمعايير الدولية وبمعاملة إنسانية لائقة، فضلًا عن أماكن ترفيهية ومصحات كافية، إذ يفتقر العراق إلى مصحات وأماكن كافية للعلاج النفسي.
• توفير المخصصات المالية الضرورية لتوسيع خدمات الصحة النفسية وإشاعة ثقافة الصحة النفسية لدى الرأي العام والمجتمع.
• التخلص من الوصمة الاجتماعية التي تعيق عملية اللجوء إلى الطب النفسي، ومحاسبة المشعوذين والمعالجين بالسحر والتوعية بعدم اللجوء إليهم.
• نشر الثقافة النفسية والعلاج النفسي وتضمينه في المناهج الدراسية من أجل توفير أفراد يجيدون التعامل مع الأمراض النفسية وآليات وطرق المعالجة.
• قيام منظمات المجتمع المدني المختصة بهذا المجال بفتح عيادات مختصة في توفير استشارات نفسية وتقدم النصح والمشورة لطالبيها.
• إعداد الدراسات وإجراء الإحصاءات والمسوحات التي تحدد طبيعة الأمراض الموجودة من حيث نوعها وأعداد المصابين بها ويتم على ضوئها وضع خطة استراتيجية لضمان العلاج.
فريق بحث مشترك لمركز المعلومة للبحث والتطوير ومنظمة تموز للتنمية الاجتماعية
المصادر: • تقرير الاتحاد العالمي للصحة النفسية.• تقرير أطباء بلا حدود، تحديات توفير الرعاية الصحية النفسية في العراق. • موقع منظمة الصحة العالمية: اليوم العالمي للصحة النفسية، الاكتئاب أزمة عالمية.•
احرار العراق: منظمة الصحة العالمية تؤكد: ستة ملايين عراقي مصابين بامراض نفسية جراء الحرب!! .