المرجعية تؤكد على ضرورة التعايش السلمي وتبين ضوابط التعامل مع من نختلف معهم في الدين واللون والمذهب والعقيدة
306
شارك
كربلاء – الحكمة: تطرق ممثل المرجعية الدينية العليا، الجمعة، الى استعراض نظام مهم من انظمة الاسلام في كيفية التعايش الاجتماعي الصحيح مع الاخرين من وجهة نظر الاسلام والانسانية.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة (19 /5 /2017)، لاشك ان كل فرد ومجتمع بحاجة ضرورية الى الاجتماع والتعايش، مشيرا انه لايمكن لاي فرد ان ينهض بمقومات وجوده ومجتمعه الا من خلال التعايش مع الاخرين، وان هنالك حاجة ضرورية للانسان كفرد ومجتمع لتنظيم تعايشه الاجتماعي وفق مبادئ واسس يستجاد منها الحاجة الفطرية التي تتسق مع سيرة العقلاء لتحقيق الاستقرار في المجتمع والسعادة بعيدا عن تسلط الانانية والغريزة الضيقة والامور التي تهدد سلامة العلاقات الانسانية واستقرار المجتمع.
واضاف توجد علاقات سياسية واجتماعية معقدة ومتشعبة، الا ان هنالك مبادئ واسس وضعها الاسلام في حال فهمها وتطبيقها بمصاديقها يتحقق التعايش الاجتماعي والاستقرار والسعادة في المجتمع.
واوضح ان المبدأ الاول يتمثل بـ (طبيعة النظرة العقائدية للاخر)، مشيرا الى ان الاخر تارة يكون شخص يشترك في السكن واللغة واللون والدم والعقيدة وغيرها، وتارة يختلف في بعض تلك الامور، مبينا انه في حال كانت تلك النظرة العقائدية للاخر – بغض النظر عما يكون ذلك الاخر- سليمة فانه من الممكن اقامة علاقات سليمة وصحيحة يضمن من خلالها تحقيق الازدهار والاستقرار، مؤكدا على اهمية توفر تلك النظرة وان المجتمع بحاجة لها خصوصا في بلدنا.
وتابع ان القران الكريم واحايث اهل البيت عليهم السلام اهتمت بهذه النظرة من حيث وحدة الاصل الانساني، أي ان الجميع من اصل ونفس واحدة مستشهدا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، مشيرا الى ان الاية القرانية خاطبت الجميع ولم يقتصر خطابها على المؤمنين، منوها ان الاية توضح بان الافراد الذي يختلفون باللون واللغة والقومية والجنس يجب ان تكون نظرة بعضهم للبعض الاخر بعيدا عن نظرة الاحتقار والازدراء او الاستعلاء، مشيرا الى ان اختلاف اللغة واللون والجنس البشري ومايمتلكه البعض من حضارة او تاريخ بشري لا يعطي الحق بان ينظر البعض للبعض الاخرة بنظرة الاحتقار والازدراء او ان تبنى العلاقات فيما بينهم وفق تلك النظرة، مبينا ان الجواب على ذلك وضحه القران الكريم في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) اي ان الجميع من اصل واحد وان التمايز سيكون بامور اخرى كالعبودية والتقوى.
واكد ممثل المرجعية الدينية العليا ان تلك الاختلافات لاتمنح لاي شخص اي تمايز وان الاختلاف في خلق الله جاء لبيان قدرة الله تعالى على الخلق لا لشيء اخر، وان الجميع من اصل واحد ويجب ان ينظر كل شخص للاخر على انه انسان مثله ويتعامل معه وفق المبدأ الانساني، مستشهدا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).
واستدرك الشيخ الكربلائي ان هذا الاختلاف وجد لحكمة ولابد ان تكون النظرة وكيفية التعامل مع من نختلف معهم بماورد اعلاه والنظر لهم بنظرة الاعتبار والتقدير والاحترام وحفظ كرامتهم لان الجميع من اصل واحد، ومن الضروري احترام الدين والمذهب والمعتقدات.
واشار الى وجود وصية للامام امير المؤمين عليه السلام في كيفية التعامل القلبي مع من نختلف معهم، ورد فيها (وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ، واللُّطْفَ بِهِمْ. ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أو نَظِيرٌ لَكَ فِي الخلق))، مبينا انه من الضروري ان لا يحمل القلب القسوة والحقد والكراهية تجاه من نختلف معهم في الدين او المذهب او الرأي او المعتقد، (لانهم صنفان) اما اخ لك في الدين يشترك معك وتحبه وتعطف عليه وتلطف به او ان يكون نظير لك في الخلق يتشابه معك في انه انسان له مشاعر ويجب ان يقدر ويحترم وان يكون التعامل معه بمقتضى هذه المشاعر.
واوضح الشيخ الكربلائي في المبدأ الثاني الذي ورد فيه (شعور كل فرد ومجتمع بانه بحاجة الى الاخر)، مبينا انه ليس لاي فرد ان يستغني عن الاخر سواء اكان فرد اوعشيرة او قوم او شعب، موضحا ان لكل فرد بحاجة للاخر للنهوض بمقومات الحياة والتطور وتحقيق اغراض المجتمع، مؤكدا على ضرورة تبادل المنافع والمصالح وحفظ حقوق الاخرين كما ان اي شخص بحاجة الى الاخرين وحاجة لعطاءهم فانهم في مقابل ذلك بحاجة الى عطاءه، وان اي مجتمع بحاجة لمجتمع اخر يجب ان يبادله المنفعة ويقدم العطاء له، منوها انه كما ان الفرد يريد من الاخرين ان ينفعوه يجب عليه ان ينفعهم، مستشهدا بحديث الامام الصادق عليه السلام (لابد لكم من الناس)، مبينا ان ماورد عنه عليه السلام تعبير عام لجميع الناس سواء اكانوا متفقين بالمعتقد او اللغة ام انهم غير متفقين.
وبين خطيب جمعة كربلاء ان المبدأ الثالث يتمثل بـ (نزع الانانية من النفس وزرع الحب للاخرين)، موضحا ان كل شخص بمقدار ما يتمكن من نزع الانانية فانه سيربح اكثر في علاقاته الاجتماعية وينفع نفسه ومجتمعه، وانه بمقدار الانانية التي يحملها سيضر نفسه ومجتمعه، مستشهدا بوصية الامام علي لولده الحسن عليهما السلام والتي تتمثل بميزان عام يستند اليها في العلاقات الاجتماعية وفقا لما ورد فيها (يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا وَلَا تَظْلِمْ كَمَا لا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ وَلَا تَقُلْ مَا لا تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ وَلَا تَقُلْ مَا لا تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ) مبينا ان الامام يُفرع عن هذا المبدأ المهم مبادئ عدة لاقامة العلاقات الصحيحة في الحب للغير كما الحب للنفس، وعدم الظلم كما لايحب ان يظلم، سواء أكان المظلوم الزوجة او الابن او الصديق او العشيرة او المجتمع او من نفسه، فضلا عن تأكيده على ضرورة الاحسان بمثل ما يحب ان يحسن اليه، مشيرا الى ضرورة المبادرة بالاحسان للاخرين وعدم التجاوز عليهم، وان الانسان طالما يكره ان يتهمه الاخرين بالاتهامات الباطلة ويجرحون مشاعره يجب ان لا يصدر عنه مثل هكذا امور.
وجاء في المبدأ الرابع على لسان ممثل المرجعية الدينية العليا (تحري قواعد العدل والانصاف والقسط والعفو والمسامحة)، مبينا ان الفرد سواء اكان انسان او مجموعة او مجتمع او اصحاب قومية او مذهب معين او دين معين، عليه في حال استحصال صراع او تناحر او تحارب بين فرد وفرد اخر وبين عشرة وعشيرة اخرى لاسباب متعددة سواء اكانت اجتماعية او اقتصادية او غير ذلك فانه لايجوز له ان يخضع لاهواء النفس وما تشتهي من الانتقام والوقوع في ظلم الاخرين، مؤكدا ان الاسلام نظم حتى طبيعة العلاقة مع العدو ووضع حدود لذلك ولم يجعل المجال مفتوحا على الاطلاق مستشهدا بالاية القرانية (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ) مبينا انه مهما كانت هنالك عداوة او صراع او حقد او بغض فانه لايعطي الحق لاي شخص ان يصل للظلم بل يجب ان يتم التعامل وفق قاعدة العدل والانصاف، مستشهدا بما ورد عن الامام امير المؤمين (أَنْصِفِ اللَّهَ وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ ومَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ)، مشيرا ان الامام اكد على ضرورة انصاف الناس من النفس ومن خاصة الاهل، موضحا انه في بعض الاحيان يحصل ظلم من اخرين او يحصل تجاوز وظلم من اناس نحبهم تجاه اناس نختلف معهم، مشيرا ان الامام اوضح في قوله (فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ، ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ) اي انه يؤكد على ضرورة التعامل بقاعدة الانصاف وعدم الوقوع في الظلم.
وقال ان المبدأ الخامس ينص على (تطهير النفس من النظرة الاستعلائية والازدراء من الاخرين)، مبينا انه في حال كان الشخص او المجتمع يمتلك العلم والتطور والازدهار والامكانيات لايحق له ان ينظر للاخرين نظرة الاستعلاء والازدراء، مؤكدا ان الاسلام يرفض تلك النظرة كونها تولد العداوة والظلم.