المرجعيّةُ الدينيّةُ من على منبر الجمعة تدعو الجهات المعنيّة بالملفّ الأمنيّ لإجراء تحقيقٍ مهنيّ في المناطق التي تكرّرت فيها الخروقات الأمنيّة، والعمل على وضع معالجات مهنيّة عاجلة لتفادي وقوعها مستقبلاً

306

كربلاء المقدسة – الحكمة : دعت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا على لسان ممثّلها سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي الجهات المعنيّة بالملف الأمنيّ خصوصاً في المناطق التي تكرّرت فيها الاختراقات والتفجيرات، لإجراء التحقيق المهنيّ الدقيق في الأسباب التي جعلت العصابات الإرهابيّة تتمكّن من اختراق الحواجز الأمنيّة والوصول الى مناطق سبق أن استهدفتها عدّة مرّات، مؤكّدةً على ضرورة وضع معالجات مهنيّة عاجلة تواكب بها نمط الخطط العسكريّة لقوّاتنا البطلة ومن يساندها من المتطوّعين الأبطال الذين أثلجوا صدور جميع العراقيّين بانتصاراتهم الكبيرة.

جاء هذا في الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (6رمضان المبارك 1438هـ) الموافق لـ(2حزيران 2017م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف بإمامة الشيخ الكربلائي حيث بيّن سماحته قائلاً:

أيّها الإخوة والأخوات أعرض على مسامعكم الكريمة الأمرين التاليين:

الأمر الأوّل: في الوقت الذي نحيّي بإجلالٍ وإكبار تواصل انتصارات قوّاتنا المسلّحة البطلة في تحرير ما تبقّى من مدينة الموصل، والتقدّم المبهر للقوّات الباسلة المساندة لهم في جبهة غرب محافظة نينوى العزيزة، نعبّر عن عميق ألمنا وحزننا لما حدث من تفجيرات إرهابيّة في العاصمة الحبيبة بغداد ومدن أخرى، وإذ نواسي عوائل الشهداء في فجائعهم بفقد الأحبّة ونتضرّع الى الله تعالى للجرحى بالشفاء العاجل ندعو القوّات الأمنيّة المعنيّة بالملفّ الأمنيّ خصوصاً في المناطق التي تكرّرت فيها الاختراقات وتعدّدت التفجيرات لإجراء التحقيق المهنيّ الدقيق في الأسباب التي جعلت العصابات الإرهابيّة تتمكّن من اختراق الحواجز الأمنيّة والوصول الى مناطق سبق أن استهدفتها عدّة مرّات وفي نفس الفترة الزمنيّة ألا وهي شهر رمضان المبارك، ولتضع الجهات المعنيّة معالجاتٍ مهنيّة عاجلة لتفادي وقوع العمليّات الإرهابيّة في مناطق المدنيّين تواكب بها نمط الخطط العسكريّة لقوّاتنا البطلة ومن يساندها من المتطوّعين الأبطال الذين أثلجوا صدور جميع العراقيّين بانتصاراتهم الكبيرة.

الأمر الثاني: -أيّها الإخوة والأخوات- سبق أن تحدّثنا عن نظام التعايش الاجتماعيّ مع الآخرين بحسب وجهة النظر الإسلاميّة، وكيف يمكن أن نصل الى وضع نظامٍ للتعايش الاجتماعيّ مع بقيّة أفراد المجتمع بما يكفل لنا سلامة هذه العلاقات وسعادة الفرد والمجتمع وانتظام أموره، وبما يضمن إبعاد المجتمع عن النزاعات والخلافات والتصارع والإحن والأحقاد، وبيّنّا بعض الأمور العامّة ونذكر هنا بعض الأمور الأخرى المتعلّقة بنفس هذا النظام، سنذكر هنا أنّ الإنسان حينما يعيش في مجتمع تارةً لديه مشتركات في الانتماء العقائديّ والدينيّ والمذهبيّ، وتارةً لديه مشتركات في الانتماء القوميّ، يعني هناك مشترك في القوميّة في اللّغة في الأفكار، وهناك مشتركات في الإنسانيّة مع الافتراق في بقيّة الأمور، كلّ هذه الدوائر من نوع الارتباط والعلاقة بين الفرد وبقيّة أفراد المجتمع وضع الإسلام لها نظاماً ووضع لها حقوقاً، ولابدّ من معرفة هذا النظام من ابتدائه من مقدّماته من أسسه من ضوابطه من أنظمة الحقوق التي وضعها لكي نستطيع أن نقيم علاقات اجتماعيّة سليمة ومتينة وقويّة، ونستطيع من خلاله أن نحقّق الاستقرار في هذه العلاقات والوصول الى الهدف الأساسيّ وهو رضا الله تعالى، وتحقيق السعادة والاستكمال للفرد وإبعاد المجتمع عن الصراعات والتناحر والإحن والعلاقات السلبيّة التي تكدّر صفو الحياة بالنسبة لهذا الإنسان.

هنا سنذكر تباعاً تارةً إنسان لديك شخص آخر في المجتمع تحتاج الى إقامة علاقات معه وترتبط معه برباط دينيّ ومشترك دينيّ، وتارةً مشترك مذهبيّ وتارةً مشترك قوميّ أو مشترك لغويّ عنصريّ وطنيّ، تشترك معه في الوطن تشترك معه في الإنسانيّة، هذه الأمور تختلف في سعة دائرة حقوقها وما هو مطلوب من كلّ نوع من أنواع هذه العلاقات، نذكر هنا أيّها الإخوة والأخوات بعض الضوابط التربويّة الفرديّة وبعضها اجتماعيّة، نذكر الأوّل منها وهذه نحتاج اليها في كلّ أنماط العلاقات التي نقيمها مع الآخرين، وهذه الضوابط –إخواني- نحن لو حفظناها وفهمناها وعملنا وحاولنا تطبيقها سنجد أنّ الكثير من هذه العلاقات ستكون علاقات سليمة منظّمة مرتّبة وتُبعدنا عن المشاكل والنزاعات والاختلافات وتوفّر لنا نتائج وأهداف السعادة والانتظام في علاقاتنا التي نحتاج اليها.

أوّل ضابطة هي العقلانيّة وتحكيم العقل، انظروا وتأمّلوا في قول أمير المؤمنين(عليه السلام): (استرشد العقل وخالف الهوى تنجح)، فالنجاح مرهون باسترشاد العقل وتحكيم العقل ومخالفة الهوى، من علائم العقل والعاقل في علاقاته هي مداراة الناس، وأيضاً التعامل معهم بمستوى عقولهم وبمستوى إدراكهم لا نحمّلهم في مخاطباتنا في تعاملاتنا الاجتماعيّة، إخواني البعض يتصوّر قضيّة تحكيم العقل أن أخاطب الإنسان على قدر عقله وفهمه وإدراكه ومعرفته، كلّ واحدٍ أُعطيه مستواه وأخاطبه بمستوى من الكلام يناسب عقله وإدراكه!! لا.. إخواني حتّى في العلاقات الاجتماعيّة في التعامل الاجتماعيّ أيضاً أطلب من الآخرين في التعامل الاجتماعيّ معي هم معي وأنا معهم على قدر عقولهم على قدر معارفهم أُداريهم على مستواهم العقليّ، أيضاً أتعامل معهم في أخطائهم وعثراتهم وزلّاتهم على مستوى عقولهم وإدراكهم لا أحمّلهم أكثر من ذلك من الأمور المهمّة في قضيّة تحكيم العقل هو التدبّر والتأمّل في عواقب الأمور، يعني حينما يصدر منّي تصرّف أو سلوك أو ردّ فعلٍ تجاه الآخر في العلاقة الاجتماعيّة، هذا الذي نقصده، عليّ أن أتأمّل وأتدبّر حينما أتعامل وأتصرّف بتعامل معيّن مع الآخرين وأتعاشر معهم بنوع من المعاشرة، عليّ أن أحكّم عقلي في هذا المعاشرة الاجتماعيّة، هل هي فيها صلاح أم فيها فساد؟ هل هي فيها خير أم فيها شرّ؟ هذا الكلام الذي أصدره تجاه الآخرين وهذه الأحكام التي أحكم بها على الآخرين في علاقاتي الاجتماعيّة عليّ أن أتأمّل وأتدبّر هذا الذي يصدر منّي من كلام من حُكْم تجاه الآخرين هل هو صالح أم غير صالح؟ هل هو فيه خير أو فيه شر؟ أتدبّر في عواقبه هذه من الأمور والأسس المهمّة في ضبط العلاقات الاجتماعيّة ألا وهي العقلانيّة وتحكيم العقل.

أيضاً من الأمور المهمّة هو حسّ الرقابة الإلهيّة، في كثيرٍ من علاقاتنا نظلم الآخرين، قد يظلم الإنسان أبويه قد يظلم زوجته قد يظلم أبناءه قد يظلم أقرباءه قد يظلم أصدقاءه وإخوانه، وقد تصدر منه معاصٍ في علاقاته الاجتماعيّة فعليه أن ينتبه ويجعل عنده إحساساً وشعوراً دائماً أنّ هناك رقابة إلهيّة حتى لا يقع في الظلم للآخرين، لذلك ورد هذا المعنى المهمّ الذي بيّنه الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): (نعمَ الحاجزُ عن المعاصي الخوف) والخوف يأتي من الشعور بالرقابة الإلهيّة، ثمّ أيضاً من الأسس المهمّة والضوابط المهمّة التربويّة في تمتين العلاقة وتقوية العلاقة وإقامة العلاقة الحسنة هو الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، ما معنى ذلك؟ يعني كما أنّني أطلب من الآخرين أن يقوموا بمسؤوليّاتهم والتزاماتهم الاجتماعيّة تجاهي ويقوموا بمسؤوليّاتهم والتزاماتهم الأخلاقيّة في علاقاتهم تجاهي، عليّ أنا أيضاً أن أتعامل معهم بنفس المسؤوليّة ونفس الالتزام، كما أطلب منهم الالتزام تجاهي في ذلك أنا عليّ أيضا نفس الالتزامات، المشكلة –إخواني- كثيراً ما يطلب الإنسان من الآخرين أن يقوموا ويؤدّوا مسؤوليّاتهم والتزاماتهم تجاهه، وهو لا يلحظ أنّ عليه بالمقابل التزاماً ومسؤوليات تجاه الآخرين، لذلك هذا الشعور بالمسؤوليّة تجاه الآخرين يدفع الإنسان الى الالتزام بالضوابط في العلاقات الاجتماعيّة الحسنة مع الآخرين.

أيضاً من الضوابط المهمّة التحلّي بالمرونة والرحمة واللّين والعطف والشفقة، لاحظوا إخواني من الأسس المهمّة التي جعلت المسلمين والناس يلتفّون حول النبيّ(صلى الله عليه وآله) ويسمعون له ويطيعونه، وهذا الانقياد والخضوع والطاعة والمودّة والمحبّة العظيمة للنبيّ(صلى الله عليه وآله) هل هو بالفكر فقط؟!! يعني النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقط جاء بالقرآن وجاء بنظام إلهيّ وفكر إلهي فقط، وهذا السبب جعل الناس يلتفّون حوله ويحبّونه حبّاً عظيماً ويطيعونه هذه الطاعة العظيمة؟!! لا.. هذا جزء أساسيّ طبعاً ولكن هناك مسألة أخرى وهي الأخلاق العظيمة، من جملة الخلق العظيم الذي جعل الناس يحبّون النبيّ(صلى الله عليه وآله) ويطيعونه بهذه الطاعة ويوالونه بهذه الموالاة العظيمة هي مسألة الرحمة والرأفة واللّين والمرونة في التعامل مع الآخرين ومداراة الآخرين، لاحظوا الآية القرآنية الكريمة قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، بيّنت أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم ينفضّ الناس من حوله بل بالعكس التفّوا من حوله، من أين جاء ذلك؟ هل لأنّه لديه فكر متكامل وفكرٌ سماويّ إلهيّ وجاء بالقرآن الكريم؟! لا.. هذا جزء مهمّ ولكن أيضاً أخلاقه ورحمته ورأفته وعطفه بالآخرين واللّين الذي كان يتمتّع به، والمرونة التي كان يتمتّع بها والمداراة التي كان يتمتّع بها وهي في كلّ مفاصل حياته التي تعامل بها مع الآخرين، جعلت هؤلاء الناس يلتفّون حوله، أنت أيضاً أيّها المؤمن وأيّتها المؤمنة إذا أردتم الناس يحبّونكم ويلتفّون حولكم ويقيمون علاقات قويّة معكم كونوا كذلك، فليكن الواحد منكم رؤوفاً عطوفاً رحيماً ليّناً مرناً مدارياً للناس، هذه أخلاق أساسيّة في كثيرٍ من مفاصل حياتنا، حتى يُمكن أن تكون لنا علاقات طيّبة وقويّة ومتينة مع الآخرين.

أيضاً من الضوابط المهمّة إنصاف الآخرين من النفس، يعني أن يكون الإنسان عادلاً منصفاً مع الآخرين، كيف يكون عادلاً؟ وهو أنّني كما أحبّ من الآ

 خرين أن يتعاملوا معي أنا عليّ أيضاً أن أتعامل معهم بنفس هذه المرتبة وبنفس هذا الحبّ، كما أحبّ أن يتعامل الآخرون معي بالاحترام والاعتزاز والتقدير لمقامي، أن لا تصدر منهم غيبة، أن لا يصدر منهم حسد، أن لا يصدر منهم طعن، أن لا يصدر منهم سوء ظنّ، هكذا أحبّ أن يتعامل معي الآخرون، أنا أيضاً عليّ أن أتعامل مع الآخرين كما أحبّ أن يتعامل الآخرون معي، وهذا الإنصاف هو أن تجعل نفسك معياراً بينك وبين الآخرين، لذلك يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): (أنصف الناس من نفسك وأهلك وخاصّتك ومن لك فيه هوى، واعدل في العدوّ والصديق..) هذا الإنصاف وهذا العدل أيضاً مع العدوّ والصديق، العدوّ أحياناً الإنسان من الكراهية والبغض الذي يحمله للعدوّ، وربّما كان العدوّ في نفس مجتمعه أو في نفس أسرته أو في نفس أرحامه أو في مجتمعه أو في مجتمعٍ آخر، عداوة بينه وبين أولئك، من الكراهية والبغض يجعله ظالماً، الإسلام قال: لا.. حتى مع العدوّ هناك موازين وضوابط عليك أن لا تتجاوزها، لئلّا تقع في الظلم والاعتداء والجور، لذلك من الضوابط التربويّة المهمّة أن يكون الإنسان منصفاً للناس من نفسه..

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لمراضيه ويجنّبنا معاصيه وأن يعجّل بفرج وليّه الحجّة بن الحسن(عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

المصدر : موقع الكفيل التابع للعتبة العباسية المقدسة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*