الحكمة – متابعة: على الطريق السريع الدولي كان صلاح يقود سيارته بمعزل عن عالمه الخارجي غير آبه بصوت تنبيه سرعتها التي تجاوزت حاجز الـ 120 كلم في الساعة، وفجأة تكسر حاجز شروده الذهني عندما تنبه لمجموعة من السيارات المتوقفة عند منتصف الطريق، وكست وجهه آثار رعب وهلع وهو يحاول التفكير بالخطوة التالية، فما كان له الا ان يكبح على موقف سيرها املا في التوقف لكن القدر كان حاضرا في تلك اللحظة ورائحة الموت تكتنفه من كل جانب، ولم يتذكر صلاح بعد تلك اللحظات العصيبة الا لحظة ارتطامه في المقود والدماء تضيع ملامحه الحادة ، ورجح عدد من الاطباء لولا ارتداء صلاح لحزام الامان في ذلك الحادث لكان في عداد الموتى، فهذا الشريط الذي لايتجاوز عرضه بضعة سنتيمترات وسمكه بضعة مليمترات الموضوع في جانب السائق الايسر نجح بانقاذ حياته من موت كاد يكون وشيكا .
ويقول صلاح الذي يرقد في شعبة الكسور بمستشفى مدينة الطب وسط العاصمة بغداد:
« ان حزام الامان الذي كنت اواظب على ارتدائه لم يمنع من وقوع الحادث، الا انه خفف من وطأة الاصطدام الذي حدث في ذلك اليوم و كان سببا في انقاذ حياتي مثلما كان سببا للمئات من حالات الوفاة لعدم الالتزام به، وادركت الان ان فرض اغلب دول العالم وضع حزام الأمان على السائق وجالسي المقاعد الأمامية هو لاعطاء فرصة اخرى لمواطنيها في الحياة ، ولكن مع الاسف في العراق لاتجد هناك من يحترم حياته للحفاظ عليها ويرفض وضع حزام الامان مهما اشتدت العواقب وارتفعت مبالغ الغرامات».
ومن جانبه يقول العقيد محمد الزيدي من اعلام وعلاقات المرور العامة:
« ان استخدام المكابح بصورة مفاجئة وشدة الاصطدام يؤديان الى ارتطام السائق بالزجاجة الامامية للسيارة وخروجه منها، ولذلك وجدنا خلال التحقيقات التي اجريت في محل الحوادث المرورية ان هناك اكثر من 60 بالمئة من حالات الاصطدام ادت الى الوفاة لعدم التزام السائق بارشادات السلامة الخاصة لارتداء الحزام المحافظ على الحياة اثناء القيادة في اي وقت وتحت اي ظرف»
ويضيف الزيدي:
« وللاهمية التي يتمتع بها حزام الامان في الحفاظ على حياة سائقي العجلات بمختلف اصنافها، اعتمدت مديرية المرور العامة على ورقة عمل تؤكد من خلالها ان الحزام الواقي يقلص من نسبة الخطورة بمعدل 100بالمئة».
تحايل قانوني
على الرغم من ان حزام الامان وسيلة لحماية السائق ومن معه من الحوادث المفاجئة الا ان هناك من يتحايل على الحزام والاجراءات القانونية في آن واحد، وهذا مايفعله الشاب هشام منصور (سائق باص لنقل الطلاب) ويقول منصور وهو يكشر عن اسنان مثلومة:
« هناك بعض الحيل البسيطة التي استخدمها لتجنب الغرامات الخاصة بحزام الامان، اذ اقوم بربط الحزام في مكانه واضعه خلف ظهر المقعد، وما ان تظهر مفرزة المرور في اية لحظة فلا اجد صعوبة في سحب الحزام واتخاذ الاجراءات اللازمة للتهرب من دفع الغرامة برمشة عين».
ويضيف منصور بنبرة سخرية:
« اغلب سائقي الباصات يستخدمون هذا الاسلوب لقيادتهم المستمرة سواء ان كان ذلك في الطرق الداخلية او الخارجية، وانا شخصيا لا اجد ضيرا من ترك حزام الامان اذا كنت اتمتع بثقة عالية في القيادة».
ويرد حازم حسن على ثقة منصور العالية قائلا: {هناك امور اخرى قد تكون خارجة عن سيطرة السائق نفسه، كانفجارعجلة السيارة بشكل مفاجئ او شرود ذهن بعض سائقي الشاحنات اثناء مسيرهم لمسافات طويلة دون قسط من الراحة والنوم، فالحوادث تظهر حين لانحترم الاجراءات القانونية الخاصة بقيادة السيارة، ولو عدنا الى سبب تصميم حزام الامان لوجدنا انه مصمم لايقاف اي حركة خارجة عن السيطرة للركاب في السيارة فهو احد أفضل الوسائل لتفادي الإصابات الخطرة أو الوفاة الناتجة عن حوادث السير».
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية WHO فقد اثبتت ان ربط حزام الامان يقلص من مخاطر الوفاة بنسبة( 40 – 50بالمئة) هذا بالنسبة لركاب المقاعد الامامية، واما بالنسبة لركاب المقاعد الخلفية فتقلص المخاطر بنسبة ( 25-75بالمئة) ،ولاشك ان ارقام المؤشرات الرئيسة لاحصاء حوادث المرورللاعوام من (2011-2015) تتحدث عن نفسها وهذا ما اكده المتحدث الاعلامي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي قائلا:
« بلغ عدد الحوادث عام (2011) 10082 واما عدد الوفيات لنفس السنة بلغ 2703 وكان للجرحى نصيب في ذلك اذ بلغ عددهم 10198 وبدأت عدد الحوادث المرورية بالتصاعد لعام (2012) الى 10709 بالمقابل ارتفع عدد الوفيات الى 3132 والجرحى 11009 ، وكان للحوادث نصيب اقل عام(2013) اذ بلغ عدد الحوادث 9725 وعدد الوفيات الى 2951 وعدد الجرحى 10694 واما في عامي(2014 و2015) كانت عدد الحوادث تتراوح مابين 8814و 8836 ونسبة الوفيات مابين 2769 و2514 ومن بين كل تلك النسب كان عدد الجرحى يتراوح مابين 9210 و9429».
القواعد الأساسية
لا تكترث الكثير من الامهات الى سلامة ابنائهن داخل السيارة من خلال استخدام القواعد الاساسية والصحيحة للقيادة ومنها استخدام «كرسي الامان» بالنسبة للاطفال مما يسبب الكثير من الحوادث، هذا ما قالته احدى الامهات التي رفضت الاشارة الى اسمها الحقيقي حول اهمية استخدام حزام الامان مضيفة:
« نسبة كبيرة من الأمهات في العراق ليس لهن علم بالثقافة المرورية عكس ما نراه في اغلب الدول المتقدمة التي تشدد على هذا الموضوع، والدور هنا يقع على عاتق الدولة ومنظمات المجتمع المدني للقيام بحملات التوعية المرورية التي تنبه على مخاطر عدم الالتزام بقواعد السلامة المرورية».
وتشير المرأة الثلاثينية الى نقطة جديرة بالاهتمام: « الى ان هناك بعض الاباء يخالفون جميع الانظمة في حماية ابنائهم خصوصا من يضعون اطفالهم في احضانهم اثناء قيادتهم السيارة، ويرجحون ذلك لاسباب غير مقنعة كأن يكون متعة للطفل الا ان هذه الظاهرة تعد مخاطرة لانها تسبب انخفاض مستوى تركيز السائق اذا لايمكن معاملة الاطفال كالبالغين، فبحسب رأي الاطباء فان عظام الاطفال حتى عمر السبع سنوات لاتزال في طور النمو واية صدمة قد تؤدي الى تشوه في الرأس او النخاع، لذلك يجب فرض اجراءات قانونية اكثر صرامة تلزم السائق بتلك القواعد في ظل الاجراءات الضعيفة من قبل الجهات المعنية المتخذة بحق المخالفين».
ولم يبتعد مصطفى اكرم عن رأي المرأة الثلاثينة كثيرا في {اهمية الارشادات لمرورية والتثقيف عبر برامج توعوية للتقليل من نسبة الحوادث او الاضرار الجسدية الناجمة عنها، فهذا الامر ليس له علاقة بمحاسبة رجال المرور للسائقين فهو يسمى حزام الامان وليس حزام المرور كما يطلق عليه البعض لذلك ارتديه بحثا عن الامان في حال تعرضي لحادث مرور خصوصا مع اكتظاظ الشوارع بعدد كبير من السيارات وعدد غير قليل من قليلي الخبرة في قيادة السيارة».
ويضيف اكرم بكلمات فيها الكثير من الحزم:
« ان الكثير من سائقي العجلات يبتعدون عن ارتداء حزام الامان على الرغم من تشديد مديرية المرور على ارتدائه ولكن ثقافة المواطن العراقي والثقة العالية تجعل من حزام الامان كمشنق للاعدام ، و لو كان الامر بيدي لقمت بزيادة الغرامة المفروضة على السائقين ومع من يجلس
بجانبهم لضمان تطبيق اجراءات السلامة وزيادة اعداد الملتزمين بارتدائه».
ويضيف الزيدي:
« الغرامة للمخالف مقدارها 15 الف دينار، اما فيما يخص قانون ربط السائق لحزام الامان ومن يجالسه ففي الحقيقة هذا القانون موجود ولكن تطبيقه يعتمد بالدرجة الاولى على تثقيف السائق اولا اذا كان وحده ومن ثم نحاول بث برامج توعوية باهمية هذا الاجراء للراكب بجوار السائق وفرض غرامة عليه في حالة عدم التزامه بقواعد السلامة المرورية»:
ويختتم الزيدي حديثه بكلمات موجزة فيها الكثير من التوصيات:
«رجل المرور وجد لخدمة السائق في الشارع لذلك عندما يطلب منك ربط حزام الامان فهو يطلب منك الانتباه الى سلامتك وامانك ويحرص على ان تصل سالما الى اهلك، فالشعوب والامم تقاس بالتزام مواطنيها بانظمتهم المرورية وشروط السلامة الخاصة بحفظ حياة افرادها».