المرجعية العليا تستعرض أسس بناء الفرد المستقيم والمجتمع الصالح وفق الضوابط التي وضعها الإمام علي(ع)

238

الحكمة – متابعة: استعرض ممثل المرجعية الدينية العليا، الجمعة، جانب من الفكر التربوي والاجتماعي للامام علي عليه السلام، موضحا ان التأمل والتتبع لكلماته وخطبه في نهج البلاغة وفي غير ذلك يكشف عن وجود اهتمام واضح ومركز على ثلاث امور يتمثل الاول ببناء الفرد المستقيم بمنهجه وفكره وسلوكه، والثاني في بناء المجتمع الصالح، في حين يتمثل الامر الثالث ببناء الدولة العادلة القادرة على التأسيس والصنع لمجتمع قادر على الرعاية والقيادة للوصول الى الاهداف.

وسلط الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة (16/6/2017) الضوء على الامر الاول المتمثل ببناء الفرد الصالح المستقيم الذي تتحقق فيه الاستقامة في فكره وسلوكه ومنهجه.
وقال الشيخ الكربلائي ان الامام عليه السلام ركز من خلال ذلك الامر على اساس مهم يتمثل بالاعتناء الشديد بالتربية وتزكية النفس التي من خلالها يصل الفرد للكمال والصلاح المطلوب لتحقيق الشخصية الصالحة للمواطن، مشددا على ضرورة ان يعطى الجانب التربوي وجانب تهذيب النفوس حقه من الاهتمام، مستدركا ان كثير من الاحيان يكون التركيز والاهتمام بالدنيا وتعلم العلوم الاكاديمية التخصصية دون ان يكون للجانب التربوي والاخلاقي المتمثل بتزكية النفوس وتهذيبها نفس الاهتمام، مما يجعل المجتمع يتخلف عن بلوغ المرتبة التي يأملها من الكمال وصلاح المواطنين.
واضاف ان الامام علي عليه السلام بين عدد من الاسس في كلمات نهج البلاغة لبناء شخصية المواطن الصالح يتمثل الاساس الاول بالتربية القرانية، مشيرا الى ان القران الكريم الذي هو كتاب سماوي اشتمل على جميع القوانين والتشريعات والسنن التاريخية التي يحتاج لها الانسان للوصول الى الكمال والصلاح، موضحا ان القران الكريم لم يعط حقه من العناية للوصول الى هذا الهدف ولم يتم الالتفات الى مضامينه، بل ان البعض جعله كتابا سماويا يحاول التبرك والحصول على الثواب والاجر بقراءته، مبينا ان هذا الامر مطلوب ولكن ليس هو القدر الاهم في نيل الاجر والثواب بقراءة اياته.
وتابع ان للقران الكريم دور مهم في حياتنا، مستشهدا بقول الامام علي عليه السلام (وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى)، مبينا انه من خلال فهم معاني القران الكريم يعيش الانسان هذا الدور الذي اراده الله من القران الكريم في انه كتاب هداية لايوجد في حديثه كذب ولا ضلالة وهو الناصح الذي لايغش، وهو الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مشددا على ضرورة التعامل مع القران الكريم على انه كتاب منهاج شامل وكامل يصل من خلاله الانسان الى الكمال والهدف.
واوضح ان الامام اكد ان الانسان اذا اخذ بالقران الكريم فانه لايحتاج الى اي شيء فضلا عن كونه – اي القران- يغني عن اي شيء وان فيه الشفاء من الامراض والداء الذي تؤدي بالانسان الى الهلاك مثل الكفر والضلال وغير ذلك، مبينا ان البعض يتعامل مع القران بالتبعيض اي انه ياخذ شيء من القران وشيء من افكار وعادات مجتمعات واقوام اخرين، في حين ان الامام يؤكد بانه بعد القران لايحتاج الانسان الى اي شيء وليس بعد القران من فاقة مستشهدا بقول الامام علي عليه السلام (وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَلَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلَالُ) مؤكدا ان القران هو البلسم الشافي من كل الامراض والداء العقائدي والروحي والنفسي الذي يصيب الانسان والمجتمع.
وحث خطيب جمعة كربلاء الى ضرورة صرف الكثير من الوقت والجهد بالقران والمشاريع القرانية وان لايقتصر دور المساجد والحسينيات بتأدية الصلاة فقط واقامة الشعائر بل لابد ان تستثمر بان تكون مكانا للتفقه باحكام الدين وتفسير القران الكريم من خلال الدورات العقائدية والفقهية ومعاني القران الكريم، داعيا الميسورين الى ضرورة اقامة المشاريع القرانية، مؤكد ان المجتمع بحاجة الى تعلم القراءة الصحيحة وفهم معاني القران الكريم.
وركز على ضرورة حث الاباء لاولادهم في الحضور والمشاركة بالدورات القرانية، مشيرا انه الان بحمد الله تعالى الكثير من اماكن العبادة والمعاهد تقام فيها الدورات القرانية بتعلم القراءة الصحيحة وبيان الاحكام وحفظ القران الكريم والتفسير، مبينا ان على الاباء والامهات الذين يشجعون اولادهم على الحضور في المدارس لكي يتعلموا العلوم الاكاديمية ويتابعون تحصيلهم الدراسي ودرجاتهم الامتحانية ويفرحون ويسعدون اذا حصلوا على الدرجات العالية في الامتحانات ويألمون ويحزنون اذا كانوا قد رسبوا في الدراسة الاكاديمية، ينبغي ان يكون تعاملهم مع القران الكريم اكثر من ذلك.
واشار الى ضرورة الحضور والمشاركة في الاماكن التي تقام فيها المحافل القرانية وان لايستحي الرجل او المرأة حتى وان كانا كبارا في السن من الحضور، موضحا ان العيب في ان يبقى الانسان ويترك هذه الدنيا وهو غير ضابط لقراءة القران الكريم ولا يعرف احكام الصلاة، كما بين انه ليس من المعيب ان يجلس شيخ كبير الى جانب صبي صغير ليتعلم.
واوضح ان الاساس الثاني يتمثل بـ”تقوى الله تعالى”، مشيرا الى ان مفهوم التقوى ومواردها والحث عليها من اكثر الموارد استعمالا في نهج البلاغة وفي كلمات امير المؤمنين (عليه السلام) بصورة عامة، مستدركا ان التقوى هي تلك القوة الروحية التي تحصن الانسان من الوقوع في المحرمات والمخالفات بصورة عامة وتجعل له عنصر الاقدام والاندفاع نحو الخير والصلاح والطاعة بما يجعله انساناً متقوماً بالاندفاع نحو الخير والارتداع عن الشر في نفس الوقت، وتعطيه قدرة وارادة وتسلط كافي على نفسه وغرائزها، مستشهدا بقول امير المؤمنين (عليه السلام): (اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْنٍ عَزِيزٍ وَالْفُجُورَ دَارُ حِصْنٍ ذَلِيلٍ لَا يَمْنَعُ أَهْلَهُ وَلَا يُحْرِزُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ أَلَا وَبِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَةُ الْخَطَايَا)، منوها انه لأهميتها البالغة في التربية الانسانية الصالحة نجده (عليه السلام) لم يترك فرصة الا وأكد على هذه الخصلة المهمة والمؤثرة كونها التي حمت الانسان من المحارم وجعلت له القوة الروحية والارادة الفعالة لاجتناب المحارم التي هي اساس شقاوة الانسان وهلاكه.
وتابع ان الاساس الثالث يتلخص في “ذكر الله تعالى”، مبينا ان ذكر الله تعالى في كل وقت وحال يمثل واحدة من الاصول التربوية المهمة، وهو اساس لجميع الاثار التربوية والاخلاقية والاجتماعية، وان ذكر الله يجلو القلب ويزكيه ويصفيه ويطهره ويعده لإجراء الحكمة فيه وعلى لسانه، مستشهدا بقول الامام علي عليه السلام (إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ وَمَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلَاؤُهُ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي فِكْرِهِمْ وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ)، مبينا ان الذكر بالمعنى الاوسع هو المطلوب والذي يشمل الذكر باللسان وبالقلب وبالجوارح وهو ما يحصل للانسان المؤمن من تذكر لله تعالى عند اقدامه على معصية او اقباله على طاعة، وانه الرادع والمانع الذي يرغبه ويدفعه لأنه يوفر له قوة معنوية وروحية باعثة على الطاعة والخير.
واشار ممثل المرجعية الدينية العليا ان الاساس الرابع الذي اكد عليه الامام علي عليه السلام والمتثل بـ”اقتران العمل بالعلم” تناولته الكثير من الايات القرانية وانه قلما نجد آية في القران تشير الى فلاح الذين آمنوا ولم تقرت بالعمل الصالح (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، موضحا ان العلم والمعرفة القائمة على التصورات والافكار البحثة فقط لا قيمة لها بل ربما تكون وبالاً على صاحبها ولا يترتب عليها ادنى منفعة، بل قد تؤدي به الى المهلكة كما لو كان هذا العلم سبباً للغرور والترفع والعجب والكبر.
واختتم الشيخ عبد المهدي الكربلائي خطبته بالاساس الخامس الذي اكد عليه الامام عليه السلام والمتمثل بـ”حفظ الجوارح وخصوصاً اللسان” مشيرا انه ربما ينكشف لنا يوم القيامة ان اكثر ما يعرضنا الى المحاسبة والمعاقبة اللسان وآفات اللسان، مبينا ان النظر فيه آفات والسمع فيه آفات الا ان اشدها على الانسان اللسان والتي تشمل الغيبة والنميمة والسب والبهتان والافتراء وغير ذلك من الامور التي قد تسبب تهديم العلاقات الاجتماعية وربما تؤدي الى القتل والى الحروب بسبب الكلام، موضحا ان الامام (عليه السلام) يقول (ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَتَهْزِيعَ الْأَخْلَاقِ وَتَصْرِيفَهَا وَاجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً وَلْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَهُ فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ وَاللَّهِ مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ) ثم يكمل قوله (وَإِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ وَإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ وَإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ وَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لَا يَدْرِي مَا ذَا لَهُ وَمَا ذَا عَلَيْهِ وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْيَفْعَلْ).
واكد على ضرورة ان يتفكر الشخص في الكلمة قبل ان ينطقها هل انها غيبة او نميمة وهل كلامه افتراء او بهتان او سوء ظن، موضحا ان اليتفكر لا يحتاج الا الى ثانية او اقل وسيجد ان الله تعالى يلهمه بان هذا الكلام غيبة مثلا فيتوقف ولا يتكلم، وان كان الكلام خير فليتكلم به، مشيرا الى ان الامام (عليه السلام) يقول ان من علامات المؤمن ان يكون قلبه قبل لسانه على عكس المنافق يكون قلبه وراء لسانه فتراه يتكلم ولا يدري هل ان الكلام نافع له ام

تحرير: ولاء الصفار
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*