كم تبقى من الوقت قبل أن تحتل الآلات مكانك في العمل؟
269
شارك
الحكمة – متابعة: كثيرا ما يُقال لنا إن الآلات ستصبح قادرة على أداء وظائفنا في يوم من الأيام، لكن متى بالضبط يرجح أن يحدث ذلك؟
يعتبر العالم على أعتاب ثورة صناعية رابعة، وهي ثورة تكون الآلات فيها قادرة على تأدية الكثير من الوظائف التي يؤديها البشر في الوقت الراهن، وربما بشكل أفضل.
إنه مستقبل يعدنا بإنجاز أعمال بكفاءة أكبر، وبتقديم خدمات أقل تكلفة، لكنه مستقبل ينذر أيضا بفقدان بعض الوظائف على نطاق واسع. وهذا يطرح سؤالا مثيرا للقلق بالنسبة لنا جميعا، وهو: متى سيصبح بإمكان الآلات القيام بوظائفنا؟
بالطبع لا توجد إجابات مؤكدة، لكن بعض كبار الباحثين في مجال الذكاء الصناعي يحاولون معرفة ذلك.
كاتيا غريس، الباحثة المساعدة في معهد مستقبل الإنسانية في جامعة أوكسفورد، وزملاؤها في مشروع الذكاء الصناعي بالجامعة “إمباكتس”، ومعهد أبحاث الذكاء الآلي، استطلعوا آراء 352 عالما في هذا الإطار، وجمعوا إجاباتهم في صورة تنبؤات حول المدة التي قد تستغرقها الآلات لتتفوق على البشر في أداء بعض الوظائف والمهام.
وكان من بين العديد من كبار الخبراء في العالم في مجال التعلم الآلي، الذين أجرى الباحثون الاتصال بهم، يان ليكان مدير أبحاث الذكاء الصناعي في شركة فيسبوك، ومصطفى سليمان من قسم “ديبمايند” في شركة غوغل، وزوبن غهرماني، مدير مختبرات الذكاء الصناعي في شركة أوبر.
والخبر السار هو أن الكثيرين منا ربما يكونوا آمنين في الوظائف التي يشغلونها حاليا ولبعض الوقت، ويتوقع الباحثون أن هناك فرصة بنسبة 50 في المئة للآلات لكي تصبح قادرة على تولي وظائف الإنسان في غضون 120 عاما.
وتقول غريس: “من أكبر مفاجآت هذا الاستطلاع هو تأخر نطاق التنبؤات الخاصة بحلول الآلة محل الإنسان . فقد توقعت أن التقدم المذهل في مجال التعلم الآلي في السنوات الأخيرة، إضافة إلى حقيقة أننا تحدثنا فقط إلى باحثين في مجال التعلم الآلي، سيجعل المدى الزمني لهذه التقديرات أقل من ذلك”. فما الذي يعنيه هذا في السنوات والعقود القادمة؟
زيادة معدلات البطالة؟
يشير الاستطلاع إلى أن الآلات ستتمكن أيضا من طي ملابسنا بعد غسيلها بحلول عام 2021. لذا، إذا كنت تعمل في مغسلة، هل حان الوقت لترك وظيفتك؟ ربما لا.
فالآلات التي تستطيع طي الملابس موجودة بالفعل: فقد طور علماء الروبوت في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، رجلا آليا يمكنه طي المناشف، والسراويل الجينز، والقمصان بعناية.
وفي الواقع، كان الأمر قد استغرق 19 دقيقة في عام 2010 لينتهي جهاز روبوت من التقاط منشفة، وفحصها، ثم طيها. لكن بحلول عام 2012، تمكن الروبوت من طي بنطال من الجينز في خمس دقائق، وطي قميص (تي شيرت) في أكثر من ست دقائق بقليل. وربما كان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الروبوت تمكن من إنجاز المهمة الشاقة المتعلقة بجمع الجوارب المختلفة في أزواج متوافقة.
لكن بالرغم من هذا التقدم، قد يمر بعض الوقت قبل أن يتمكن جهاز روبوت كهذا من أن يحل محل البشر.
ويقول جيريمي ويات، أستاذ الروبوتات والذكاء الصناعي في جامعة بيرمنغهام: “إنني متشكك قليلا فيما يتعلق ببعض المدد الزمنية التي يمكن تحديدها للمهام التي تنطوي على التعامل مع أشياء مادية ملموسة. فإجراء التجارب في المختبر شيء، والحصول على روبوت يمكنه أداء وظيفة ما في العالم الحقيقي على نحو يُعتمد عليه بشكل أفضل من الإنسان شيء آخر تماما”.
فالتعامل مع الأشياء المادية في العالم الحقيقي – ومعرفة تلك الأشياء التي يتعين التعامل معها، وكيف يمكن ذلك في بيئة عشوائية ومتغيرة – هي مهمة معقدة بشكل لا يُصدق بالنسبة إلى آلة.
ويقول ويات إن حركة أجهزة الروبوت في مهام مثل قيادة السيارات والتسليم الذاتي للبضائع، ربما لا تزال في مرحلة مبكرة، كتلك التي كانت عليها شبكة الإنترنت في أوائل التسعينيات.
مساعدك الآلي “الودود”
وفي حين أن الوظائف المرتبطة بطي المناشف تعد من الوظائف الآمنة في الوقت الراهن، ربما كان على سائقي الشاحنات وتجار التجزئة التفكير جيدا في أدوارهم خلال العقدين القادمين، إذ يتوقع الباحثون أن تتمكن آلات الذكاء الصناعي من قيادة الشاحنات بحلول عام 2027، وتأدية مهام البيع بالتجزئة بحلول عام 2031.
ويعتبر الدور النمطي لوظيفة مساعد الزبائن في المتاجر الكبيرة ـ وهو شخص ودود يساعدك في إيجاد ما تبحث عنه في أحد المتاجر، كالبنطال الجينز، وهل يناسبك أم لا – دورا يتطلب مهارات جسدية، ومهارات اتصال معقدة، وربما كانت هذه الوظيفة آمنة في الوقت الراهن أيضا.
لكن في الوقت الذي يزداد فيه التسوق على الإنترنت، فإن الذكاء الصناعي الذي يأخذ شكل برامج خوارزمية قد يحل محل أدوار أخرى في متاجر التجزئة في وقت أقرب مما نعتقد، حسب قول ويات.
ويضيف ويات:” انظر إلى كمية المعاملات التي نقوم بها الآن على الإنترنت، والتي تتم بشكل آلي إلى حد كبير، إنها نسبة عالية حقا. وتستخدم الشركات الآن نسبة معقولة من أجهزة الذكاء الصناعي بالفعل”.
“لا تخافوا يا رفاقي البشر”
ربما كانت الوظائف الأصعب أداء بالنسبة للآلات هي تلك التي تستغرق من البشر سنوات عدة من التدريب كي يتفوقوا فيها. وهذه غالبا ما تنطوي على صنع القرار الحدسي في الأوقات الصعبة، أو العمل في بيئات مادية معقدة، أو التفكير المجرد، وهي أشياء يصعب على أجهزة الكمبيوتر أداؤها.
ويتوقع الخبراء ألا تتولى الروبوتات وظائف أطباء الجراحة حتى عام 2053 تقريبا، بينما قد يستغرق تنافس الآلات مع علماء الرياضيات للاستحواز على المساحة الأكبر في صفحات المجلات الأكاديمية نحو 43 عاما.
كما أنه من المتوقع أن تتمكن أجهزة الكمبيوتر التي تعمل من خلال الذكاء الصناعي من إنتاج الروايات الأكثر مبيعا التي تنشرها صحيفة نيويورك تايمز، بحلول عام 2049.
وفي الواقع، فإن التكنولوجيا الرقمية للآلات مستخدمة حاليا في هذا المجال أيضا.
وتعمل شركة غوغل على تدريب أجهزة الذكاء الصناعي لديها على إنتاج الروايات العاطفية والمقالات الإخبارية، في محاولة لمساعدتها على الكتابة بشكل أكثر إبداعا. ويمكن لروبوت يدعى “بنجامين” كتابة سيناريوهات قصيرة لأفلام الخيال العلمي، حتى وإن لم تكن تعطي معنى متكاملا في مجملها.
كما أن هناك برنامج “أوتوميتد إنسايتس” الذي ينتج خوارزميات يمكنها أن تُخرج الملايين من الأخبار الشخصية، ومقالات المال، والرياضة، لمؤسسات مثل رويترز، وأسوشييتد برس.
ويقول آدم سميث، الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة “أوتوميتد إنسايتس”، إن هذه التكنولوجيا تهدف إلى استكمال الخبرة الإنسانية بدلا من استبدالها.
ويوضح قائلا: “إن الصحافة الآلية تخلق محتوى لم يكن موجودا من قبل، لكن يتعين على البشر إضافة سياق إلى تلك الأخبار”.
إلا أن تلك الأخبار تنتج وفقا لصيغة معينة، إذ تستخرج المعلومات من مجموعة كبيرة من البيانات، وتحملها في قوالب ونماذج معينة.
بيد أن إنتاج القصص الخيالية لتكون الأكثر مبيعا، والتي تضم خيالا غنيا بالتلاعب بالكلمات، وتحولات كبرى مذهلة في أحداثها، ربما لا يزال أمرا بعيدا، وقد يستغرق ثلاثة عقود تقريبا.
وسيكون التحدي هو القدرة على تمكين الذكاء الصناعي من إنتاج مواد مقبولة للذوق البشري، وفقا للسيد ويات، الذي يضيف: “إننا نعتبر أي شيء أقل من مستوى الأداء الإنساني ولو بدرجة بسيطة غير مقبول بالنسبة لنا. فلو أخذنا مثلا برامج الدردشة الآلية مثل ‘تشاتبوتس’، وهي برامج تجري محادثات آلية مع المستخدمين، فإنها ليست بعيدة جدا عن مستوى الأداء الإنساني، إلا أننا حساسون جدا لأي خطأ نرصده منها.”
وتعتقد غريس أن الاستطلاع الذي أجرته يجب أن يكون بمثابة تذكير لنا بأن العالم على أعتاب تغيير جذري. وتضيف: “لا أعتقد أن هناك أي مهام يمكن للبشر أداؤها، ولا يمكن للذكاء الصناعي أداؤها من الناحية الفنية”.
إلا أنها تعتقد أن بعض الأدوار والأعمال ربما لا يمكن أن تقوم بها الآلات، فالقس في الكنيسة مثلا ربما لا يمكن أن يحل محله جهاز روبوت إذا أراد رواد الكنيسة أن يكون هناك آدمي يقوم بذلك الدور.
وتقول غريس: “ستظل هناك مهام لا يمكن أن يؤديها سوى الإنسان، لأننا نريد ذلك”.