العواصف الرملية تهدد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. 13 مليار دولار خسائرها السنوية.. فكيف تسبب الإنسان في زيادتها؟
344
شارك
الحكمة – متابعة: تعدّ العواصف الرملیة وعواصف الغبار من أشد جوانب الحياة التي تؤذي الإنسان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ليس بسبب المشاكل الصحية الخطيرة فحسب، بل أيضاً الخسائر التي تلحق باقتصادات المنطقة وتُقدر بعدة ملايين من الدولارات، وفق ما ذكر موقع ميدل إيست آي البريطاني.
وتشير الكثير من الدراسات والمؤتمرات إلى توقع المزيد من العواصف خلال السنوات القادمة. يقول إنريك تيراديلاس، وهو محلل في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: “في الشرق الأوسط كانت هناك زيادة كبيرة في تواتر العواصف الرملية والترابية وشِدَّتِها خلال السنوات الـ15 الماضية أو نحو ذلك”.
وحذر الدكتور وَدِيد عريان، أستاذ علوم التربة بجامعة القاهرة، من الآثار البيئية لهذه العواصف، قائلاً: “إن العواصف الرملية تسرع عملية التصحر في الأراضي وتسبب تلوثاً بيئياًّ خطيراً، مع الدمار الهائل لبيئة الحياة والبيئة المعيشية”.
وتعتبر العواصف ظواهرَ معقدة للغاية، تحكمها عوامل بشرية وأخرى طبيعية. وكما هو الحال مع أنظمة الطقس والتغيرات في المناخ، فإن العواصف لا تمتثل للحدود بين البلدان، فتجدُها تحدثُ في فصل الشتاء والربيع في بعض البلدان وفي أشهر الصيف الحارة في بلدان أخرى، بحسب ما تقرير لموقع ميدل إيست آي.
السدود تسهم في المشكلة
ليس معلوماً بالضبط ما يسبب هذا الارتفاعَ في نشاط العاصفة. ويعتبر التسرع في بناء السدود في جميع أنحاء المنطقة وتحويلِ الموارد المائية للزراعة أحدَ العوامل الرئيسية لذلك.
كما أن الرطوبة تُمثل غِراء للتربة؛ وعندما تجفّ، فإن العواصف الترابية تُثار بفعل الرياح.
يُلقى باللوم على تركيا لبنائها سد أتاتورك العملاق على الروافد العليا من نهر الفرات وسد إليسو فى نهر دجلة وما نتج عنه من انخفاض تدفق المياه على النهرين الكبيرين بالمنطقة والتسبب فى تجفيف الأراضي جنوبي العراق.
وقد انخرط كل من العراق وإيران في برامجهما الخاصة لبناء السدود وتحويل النهر خلال السنوات الأخيرة.
كما تم استنزاف الأراضي الرطبة في المنطقة. ففي أوائل التسعينيات، استنزف صدام حسين الأهوار جنوبي العراق، وذلك لعزل أعدائه السياسيين في الأساس. وكانت النتيجة كارثية؛ حيث تسبب في التصحر والمزيد من العواصف الترابية، وتتوقع الأمم المتحدة أنه خلال السنوات العشر القادمة يمكن أن يواجه العراق ما يصل إلى 300 “حدَث غباري” سنوياً.
وفي سبتمبر/أيلول 2015، ضربت عاصفة رملية عملاقة جزءاً كبيراً من الشرق الأوسط، وأغلقت المطارات، ما تسبب في وقوع حوادث طرق متعددة وارتفاع في حالات دخول المستشفيات. وكانت الرؤية محدودة جداً؛ بحيث توقف القتال والقصف في سوريا والعراق مؤقتاً.
وفي مارس/آذار، وقع حدث مماثل، قلَبَ النهارَ ليلاً في أجزاء من شبه الجزيرة العربية. وخلال السنوات الأخيرة، تعرضت إيران خاصةً لعواصف رملية وترابية.
يُذكَر أنه في مايو/أيار من العام الماضي قيل إن 16 قرية في جنوب شرقي إيران قد دفنتها سلسلةٌ من العواصف الرملية، حيث دمرت الأراضي وقتلت الماشية.
وقد استَخدمت دول المنطقة موارد المياه الثمينة بلا مبالاة. فها هي السعودية سارعتْ لتصبح مكتفية ذاتياً في العديد من المنتجات الزراعية، وذلك باستخدام كميات هائلة من المياه وزيادة تجفيف الأراضي.
وتُعتبر الصحاري والمناطق الجافة، التي تغطي حوالي 40% من مساحة اليابسة على الأرض، مصادرَ تلك الرمال والعواصف الترابية.
ويعود أصل حوالي 50% من رمال الصحراء في العالم إلى الصحراء الكبرى. ويمكن لهذه الرمال أن تسافر لمسافات طويلة، محمولة على أعناق الرياح، لا لتصل فقط إلى الأماكن المحيطة مثل الشرق الأوسط والأميركتين، بل يمكن لرمال الصحراء الكبرى أن تصل إلى هونغ كونغ وجبال إيفرست.
ويمكن للغبار والعواصف الرملية أن تكون مفيدة، إذ تحمل العناصر الغذائية للبر والمحيطات. تُغذي رمال الصحراء الكبرى الغابات المطيرة الشاسعة في أميركا الجنوبية.
وقال غودي: “إلا أن الغبار والرمال، سواء من الصحراء الكبرى أو مما حملته الرياح من الصحراء العربية، يمكنها التقاط العديد من المواد البيولوجية ونقلها، مثل البكتيريا وجراثيم اللقاح والفطريات والفيروسات”.
وأضاف: “يمكن للغبار أيضاً أن ينقل بعض المواد الأخرى مثل المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب والمعادن الثقيلة والمواد المشعة المستخدمة من قبل الجيوش”.
ويمكن لاستنشاق هذه المواد أن يتسبب في مشاكل صحية خطيرة، ويمكن للجسيمات الدقيقة الدخول مباشرة إلى مجرى الدم.
ويشير جودي أيضاً إلى ارتفاع مستويات الإصابة بالربو في جنوب غربي إيران وفي الخليج (يعاني 24% من السعوديين من أزمات الربو). كما ترتفع معدلات الإصابة بالربو وغيره من أمراض الجهاز التنفسي في الإمارات والكويت، الواقعتين عند نقاط التقاء مختلف تيارات الرياح.
ويمكن لاستنشاق الغبار التسبب في أمراض القلب وغيرها من المشكلات الصحية، ويضيف غودي أن هناك أدلة تشير إلى أن جزءاً كبيراً من معدلات الإصابة بسرطان الرئة في المنطقة المعروفة بـ”حزام الغبار” في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قد تعود إلى التعرض لغبار الصحراء.
ويتابع غودي: “إحدى المشكلات هي غياب الأبحاث والبيانات الدقيقة في المنطقة”. يوضح أن “الكويت وإيران والأردن وعُمان تقوم ببعض العمل الجيد، بينما لا يفعل الآخرون المثل. وهناك أيضاً النزاعات التي لا تصنع غبارها الخاص عبر التفجيرات والحرائق فحسب، بل تجعل من جمع البيانات أو اتخاذ إجراءات سليمة لتخفيف الوضع عملاً مستحيلاً”.
الحاجة إلى التعاون
تتسبب العواصف الرملية في دمار اقتصادي هائل، وبحسب الأمم المتحدة، تتسبب العواصف في خسارة سنوية قدرها حوالي 13 مليار دولار من الناتج الإجمالي المحلي عبر المنطقة. ولا تتعلق الخسارة بالمعاناة الزراعية فقط، بل إن إغلاق المطارات في دبي أو الدوحة أو أبوظبي بسبب ضعف الرؤية ولو لساعات يسفر عن خسائر تُقدر بالمليارات.
وحين هبت العواصف الرملية عبر جنوب غرب إيران مبكراً هذا العام، انخفض إنتاج النفط بمقدار آلاف البراميل يومياً.
ويمكن للغبار والعواصف الرملية التأثير على إنتاج الطاقة البديلة كذلك، إذ إن وجود طبقة من الغبار على الألواح الشمسية قد يمنع إنتاج الطاقة.
وليس من المؤكد بعد تأثير التغير المناخي على العواصف الرملية، إلا أن ارتفاع توقعات درجات الحرارة في معظم المنطقة قد يسفر عن زيادة جفاف الأرض في مناطق عدة، ما يجعلها أكثر عرضة لتحملها الرياح بعيداً.
تجري محاولات إقناع المزارعين في بعض المناطق بزراعة المحاصيل القادرة على تحمل الجفاف والمحافظة على تماسك التربة. كما يتنامى الوعي بأهمية ترشيد استخدام المياه في بعض البلاد.
وعلى صعيد آخر، تطورت أنظمة المراقبة، التي تنبه الناس إلى هبوب الغبار والعواصف الرملية، كما افتُتح مركز جديد للحوسبة الفائقة في إسبانيا لتتبع العواصف في الشرق الأوسط.
وتقول الأمم المتحدة إنه من الضروري اتباع نهج متكامل بالتعاون مع المستويات الإقليمية وما دونها. إلا أن الصراعات الدائرة في المنطقة تجعل من التعاون عاملاً غائباً في المنطقة.