الحكمة – متابعة: تكتسب فكرة العمل في مساحات خارجية مفتوحة في الهواء الطلق أهمية حول العالم في الوقت الراهن. فهل تفضل أن تنتقل إلى خارج مقر العمل من وقت لآخر لكي تنجز أعمالك بصورة أفضل؟
مع دخول فصل الصيف في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، يتطلع كثيرون إلى الهرب من مكاتب العمل المغلقة لقضاء وقت أطول في مساحات خارجية في الهواء الطلق.
لكن ماذا يمكن أن يحدث لو استطعت أن تجمع بين العمل وبين قضاء وقت ممتع وسط الطبيعة؟
هذا أمر تسعى العديد من المدن والشركات إلى تحقيقه من خلال إقامة مساحات واسعة للعمل في الهواء الطلق، حيث يمكن فيها للعاملين العودة إلى الطبيعة. لكن مع توفير الأدوات والوسائل التي يجدونها في مكاتب العمل التقليدية، مثل شبكات الإنترنت اللاسلكية فائقة السرعة “واي فاي”، والأجهزة الكهربائية، والمكاتب الخشبية.
بالطبع ليس كل الأعمل يمكن أن تُنجز على أفضل وجه داخل مكاتب العمل، كما يقول جيري تايت، وهو مهندس معماري يعمل لدى شركة “تايت هارمر” في لندن.
ويضيف تايت: “أحيانا يكون من الأفضل أن نتحدث على طاولة الاجتماعات، أو في أحد المقاهي، لكن ليس هناك سبب يحول دون إنجاز جزء من مهام العمل عند الخروج والجلوس وسط الطبيعة”.
خارج الأبواب المغلقة
في يونيو/حزيران عام 2015، نفذ تايت وزميلته ناتالي جيرميجينكو، من شركة “تايت هارمر”، فكرة إقامة “مكتب حول شجرة”، وهو مكتب عمل أقيم حول شجرة في حديقة ميدان هوكستون سكوير الواسعة في لندن.
ويمكن لثمانية أشخاص أن يستخدموا ذلك المكتب في نفس الوقت، والذي أقيم للعمل فيه خلال الصيفين الماضيين. ولن يقام ذلك المكتب مرة أخرى في نفس المكان هذا العام، وإنما سيقام في تشيلسيا، كما يقول تايت.
وبينما أقيم هذا المشروع لأول مرة بهدف جمع تبرعات لتطوير ذلك الميدان، إذ كانت الشركات تدفع مصاريف مقابل حجز ذلك المكتب لبعض العاملين فيها، إلا أنه أقيم أيضا لمساعدة العاملين على زيادة قدرتهم الإنتاجية.
فهناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أن العمل وسط الطبيعة، سواء من خلال رؤية الأشجار والنباتات من نافذة المكتب، أو وضع النباتات فوق مكاتب الموظفين، يمكن أن يساعد الموظفين على العمل بنشاط أكثر.
وتوصل تقرير لمؤسسة “هيومان بليسيز” المعنية بتطوير بيئة العمل إلى أن أماكن العمل التي تهتم بإدخال مكونات من الطبيعة إلى مكاتبها، مثل صناديق النباتات الخضراء، وضوء الشمس، تكون أكثر إنتاجية من أماكن العمل التقليدية بنسبة ستة في المئة، وأكثر إبداعا بنسبة 15 في المئة.
وإذا كان الأمر كذلك، أليس العمل في مساحات واسعة خارج مكاتب العمل التقليدية أفضل من مجرد النظر من النافذة إلى تلك المساحات؟
يقول تايت: “هناك عدد من الدراسات التي تشير إلى أن الناس يصبحون أكثر راحة، وتتباطء معدلات ضربات قلوبهم، ويصبحون أكثر إبداعا، عندما يرتبطون ببيئة طبيعية خارج الأبواب المغلقة”.
وفي شهر مايو/آيار، أقيم مكتب “أوتبوكس” من جديد، وهو مكتب خارجي يقع في مساحة مفتوحة داخل متنزه “سيلفر سبرنجز” بولاية ميريلاند الأمريكية. وقد أقامت مؤسسة “بيترسون كومبانيز” ذلك المكتب المفتوح العام الماضي.
وخلال الشتاء، يُفكك ذلك المكتب الذي يبلغ طوله 40 قدما، وعرضه 10 أقدام، ثم يُعاد تركيبه مرة أخرى في فصل الربيع. ويتضمن ذلك المكتب كل الوسائل الضرورية للعمل كما في المكاتب التقليدية.
لكن بخلاف المكتب الذي صممه تايت في لندن، فإن مكتب “أوتبوكس” مجاني لمن يريد العمل فيه، وهو متاح لمن يصلون إليه أولا. وكما تقول لوري يانكوفيسكي، المتحدثة الرسمية باسم مؤسسة بيترسون، فإن مكتب “أوتبوكس” دائما يمتلئ برواده.
وتضيف يانكوفيسكي: “يريد الناس أن يخرجوا من مكاتبهم، وأن يبتعدوا عنها للحصول على الهواء النقي. ونحن نقدم للناس مساحة بديلة للعمل والتعاون معا”.
تحديات
وبالطبع، هناك أيضا بعض التحديات والعقبات أمام العمل خارج أبواب المكاتب، فقد أظهرت تجربة حديثة أجريت في نيوزيلندا أن إقامة مكتب عمل في الهواء الطلق يجعله “تحت رحمة الطبيعة”، مثل الرياح، والأمطار التي يمكنها أن تعيق العمل فيه.
ومؤخرا، أقام غراهام نيلسون، المؤسس المشارك لشركة “ماينفولد كوويركنغ” بمدينة نيو بلايموث في نيوزيلندا، مكتبا خارجيا جديدا من أجل الاحتفال باليوم الوطني للعمل المشترك في بلاده.
ولسوء الحظ، فإن الأمطار الغزيرة ووفود الزائرين – وهي ليست من العوامل المعتادة التي تشتت الانتباه في بيئات العمل التقليدية – أثرت بعض الشيء على تجربة العمل في ذلك المكتب في هذا اليوم.
لكن مع ذلك، وبالاستعانة بالمظلات الحديدية التي تحمي العاملين من المطر في ذلك المكان، تمكن نحو 16 عاملا من قضاء يوم عمل كامل في ذلك المكان في هذا اليوم، كما يقول نيلسون.
لم يمنع اقترب فصل الشتاء في نيوزيلندا جراهام نيلسون من إقامة مساحة للعمل في الهواء الطلق، في ظل الرياح والأمطار
لكن رغم ذلك الطقس، يقول نيلسون إنه ربما يقيم مكتبا آخر مفتوحا في فصل الصيف.
كما أن الضوضاء تمثل مشكلة أكبر بالنسبة لمكتب “أوتبوكس”، فهو يقع في منطقة حضرية مزدحمة، تحيط بها المحال التجارية والمطاعم.
وتقول يانكوفيسكي: “إنه أمر من أجل الحصول على فرصة للعصف الذهني، وليس للشخص الذي يبحث عن بيئة منعزلة للعمل”.
وبينما يعد ذلك التوجه المتعلق بإقامة مساحات مفتوحة للعمل خارج الأبواب المغلقة توجها جديدا نسبيا، هناك شركات تكنولوجية كبرى مثل “سبوتيفاي”، و”غوغل”، أقامت مثل هذه المساحات الخارجية المفتوحة للعمل منذ سنوات، ووفرت فيها المكاتب والمقاعد المريحة للموظفين.
ويعتقد تايت أن مزيدا من الشركات سوف تسعى لتجربة تلك الفكرة في المستقبل، إذ أن التقدم في مجال التكنولوجيا يجعل من الممكن العمل في أي مكان.
ومع استمرار ظهور الدراسات والبحوث التي تتناول فكرة العمل في المساحات الخارجية المفتوحة بالنسبة للعاملين، يستكشف أصحاب الأعمال حاليا طرقا جديدة تساهم في جعل العاملين أكثر سعادة، وصحة، وتعلقا بالعمل، كما يقول تايت.
ويضيف: “كثير من الناس يسألون أنفسهم كيف يمكنهم إعادة الارتباط بالبيئة وتعزيز التفكير الإبداعي”.