ما الذي تبقى من مدينة نمرود الأثرية العراقية بعد الدمار والإهمال؟
283
شارك
نمرود – متابعة الحكمة : يتذكر العراقي أبو جاسم جيداً ذلك اليوم من شهر نيسان/أبريل من عام 2015، عندما وصل مسلحون من تنظيم «داعش» إلى القرية المجاورة في العاشرة صباحاً. يعيش هذا الرجل ذو اللحية القصيرة على بعد بضعة كيلومترات فقط من الموقع الموجود في شمال العراق والذي كان يوما مركزا لامبراطورية قوية: مدينة نمرود الملكية الآشورية.
قبل نحو ثلاثة آلاف عام، كان بها قصر ضخم. أما الآن، فالمكان عبارة عن موقع أثري لا يقدر بثمن ومرشح ليتم إدراجه على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي.
يتذكر أبو جاسم ما حدث في ذلك اليوم بالقول: «قالوا: افتحوا كافة الأبواب والنوافذ. سيكون هناك انفجار ضخم». وبعد هذا بساعات، هز انفجار المنطقة، ولم يشعر به فقط سكان قريته. فقد استخدم الإرهابيون أطنانا من المتفجرات لتدمير نمرود.
أظهرت مقاطع الفيديو موجة تفجيرية ضخمة تسببت في سحابة هائلة تشبه الفطر من الغبار في سماء المنطقة. حسب أبو جاسم، الانفجار تسبب في الرمي بقطع لمسافة عشرة كيلومترات. كما استخدم الإرهابيون جرافات وحفارات لتدمير أهم الأطلال المتبقية.
«من المحتمل جدا أن يكون المسلحون قد نقلوا القطع الأثرية الصغيرة لبيعها قبل تدمير المكان»، وفق أبو جاسم، الذي يضيف أن «مسلحي التنظيم فجروا الموقع ليخفوا ما قاموا به من تجارة غير شرعية. فقد شاهد قبل الانفجار «مركبات غريبة» في الموقع الأثري. وقال «ربما التجار هم من أحضروها».
يقف أبو جاسم، الذي سبق أن عمل في الحفريات الأثرية، وسط الأطلال التي بقيت من الانفجار الضخم بالقصر الملكي ـ غبار وصخور وبقايا جدران تبدو مقفرة وجافة تماما كالأعشاب والأشواك القريبة.
يشير فجأة: «هنا… كان يوجد نقش جداري، جدار كامل، طوله بالأمتار» وكان الجدار يصور مشاهد من حملات عسكرية، دليل فريد على ثقافة شديدة التقدم.
ولكن بالنسبة لداعش، فإن هذه الآثار كانت رموزا لثقافة الكفار قبل الإسلام يتعين عليهم تدميرها. عناصر التنظيم هدموا العديد من المواقع الأثرية التي يتجاوز عمرها آلاف السنين في الحضر والموصل. كما تم تدمير المواد الثقافية الثمينة بالطريقة التي انتهجوها في مدينة تدمر الساحلية السورية.
يقوم أبو جاسم متأثرا :»لم يترك تنظيم داعش شيئا خلفه».
لقد استقبل علماء الآثار خبر تدمير نمرود بحالة من الصدمة. يقول ستفيان هاوزر أستاذ علم الآثار في جامعة كونستانس الألمانية: «الأمر تماما على مستوى تدمير تدمر… في نمرود، فُقِد عمل فني كامل من العمارة والمنحوتات».
ولكن الوضع الآن حتى أسوأ، لأن الموقع يعاني مأساة جديدة. فبعد أكثر من نصف عام على تحرير المنطقة من سيطرة داعش، لم يتم حتى الآن إجراء تقييم منهجي لإجمالي الأضرار.
تقول عالمة الآثار ليلى صالح: «لم يحدث شيء بعد». وقد كانت ليلى مسؤولة السلطة المحلية للتراث الثقافي، وهي الآن ناشطة في «مركز كلكامش لحماية الآثار والتراث الوطني» غير الحكومي في بغداد.
ويضيف فيصل جابر، نائب مدير المركز: «لم يسمح مجلس الدولة العراقي للآثار والتراث حتى الآن لأكثر من 300 موظف لاستئناف عملهم في مديرية الموصل بسبب تأخر استتباب الأمن. وحتى بعد أكثر من ثمانية أشهر، لم يحصل موظف واحد على تصريح».
يقول إن هناك أسبابا سياسية لحالة الجمود، فالحكومة العراقية يهيمن عليها الشيعة، بينما نمرود تقع في قلب منطقة السنّة الذين يشكون منذ سنوات من التمييز. يضيف جابر أنه منذ الإطاحة بصدام حسين عانت مدينة نمرود من الإهمال.
ولا يزال الحطام، التي يظل له قيمته من الناحية الأثرية، متروكا دون حماية لمختلف العوامل. ومن بين هذه القطع ثيران مجنحة حجمها أكبر من حجم الإنسان كانت تقف عند مدخل القصر. وهي الآن ملقاة بصورة عشوائية فوق كومة من الأطلال. وقد تمزق غطاء كان ناشطون وضعوه عليها لحمايتها.
ومنذ تحرير المنطقة لا يوجد من يحرسها. ويخشى خبراء من أن يتمكن لصوص من الاستيلاء على القطع التي نجت. ومؤخرا، قام عمال ببناء سياج حولها، بتمويل من اليونسكو.
يتحدث سالم خلف، من وزارة الثقافة العراقية المسؤولة عن التعامل مع الآثار، عن صعوبة الوضع الأمني في شمال العراق. ويوضح: «لدينا خطط لإعادة الإعمار، ولكن لا يمكن البدء في تنفيذها نظرا لأن عملية التحرير لا تزال مستمرة في المنطقة».
ويشير إلى الحاجة إلى مساعدة خارجية ومبالغ مالية ضخمة، موضحا أن العراق يتعاون مع اليونسكو في هذا الشأن.
بالنسبة لأبو جاسم ما تبقى هو ذكرياته عن المكان الذي لن يعود أبدا لما كان عليه. ويقول: «أعرف المكان تماما كما أعرف بيتي… كل شيء محفور في رأسي».