استهداف الأطباء وسيلة لتخريب المجتمع وزعزعة استقراره

325

الحكمة – متابعة: في الوقت الذي كان فيه الطبيب سليم عبد الحمزة المتقاعد منذ سنوات طويلة يؤدي واجبه الانساني داخل عيادته باحد الأحياء الفقيرة في بغداد وباجور رمزية جدا بالمقارنة مع الاجور الاخرى الباهظة الثمن، تعرض الى الخطف من قبل جهات مجهولة، ليعثر على جثته لاحقا مطعونا بالسكين وبعدة طعنات.

مدير اعلام وزارة الصحة الدكتور سيف البدر لفت الى: “ان هذه الاعتداءات على الكوادر الطبية  ليست بالجديدة، ولكن من المهم ان تتخذ ضدها خطوات جدية لحماية الكوادر والملاكات الطبية والصحية، اذ ان الطاقم الطبي يتعرض الى اعتداءات وحشية ومنها جريمة اغتيال الدكتور سليم عبد الحمزة، فضلا عن الدكتورة شذى السامرائي التي لم تحدد الى الان هوية قاتلها ، ان هذه السلسلة من الاعتداءات ستؤثر في الكفاءات الطبية بشكل كبير جدا، لذا اتخذت الوزارة خطوات مدروسة من خلال لقاء وزيرة الصحة برئيس الوزراء وطرح هذا الموضوع بشكل جدي، اذ تم القبض على قاتل الدكتور سليم عبد الحمزة وستجرى بحقه الاجراءات القانونية التي ستكفل الحق الشخصي والعام في الوقت نفسه الذي ندعو فيه ملاكاتنا واطباءنا الاكفاء بالعودة الى البلاد}.

تعامل انساني

منذ ان تقاعد الدكتور سليم عبد الحمزة من عمله ككادر صحي، الا ان خدماته الانسانية لم تتوقف اذ وجدت عيادته داخل منطقة حي المعامل ببغداد، التي تكتظ بالسكان، وعلى الرغم من كبر سنه الا انه كان متفانيا في عمله بحسب كل المقربين ومرضاه.

المتحدث باسم دائرة صحة بغداد الدكتور قاسم عبد الهادي اشار الى:

“ان الطبيعة العشائرية لبعض المناطق المكتظة بالسكان، هي التي تتسبب بظهور الاعتداءات المتكررة على الملاكات الطبية، خصوصا في المستشفيات التي تنتشر فيها ردهات الطوارئ وايضا داخل العيادات ، علما ان المرضى الذين ينقلون الى المستشفيات يكونون في حالات حرجة جدا تقترب من الموت، وبعد ان يوافيهم الاجل تنتفض عوائلهم بالاسلحة وتتجاوز على الكادر الصحي، ومن الجدير بالذكر ان الاعتداءات التي يتعرض لها الكادر الطبي هي ليست وليدة اللحظة، بل ظهرت منذ سقوط النظام السابق العام 2003، واخذت مدياتها بالاتساع ومع كل تراجع يعاني منه البلد في الجانب الامني ينعكس ظلاله على الكوادر الخدمية لاسيما الطبية، ومن الملاحظ ان وجود عناصر FBS لم يضمن الحماية الكافية للاطباء وهم يؤدون واجبهم ورسالتهم الانسانية داخل ردهات الطوارئ وغرف العمليات”.

قانون حماية الأطباء

بعد اغتيال الدكتور سليم عبد الحمزة لحقت به زميلته الدكتورة شذى السامرائي، اذ لقيت حتفها في ظروف غامضة ولم يعرف لغاية الآن من الجاني، طعنا بالسكين وتضاربت الانباء بشأن الجناة.

عضو المجلس العام لنقابة الاطباء والمتحدث باسم نقابة الاطباء سعد الخزعلي يرى:

“منذ ان تعرضت الملاكات الطبية الى الضرب والاعتداء لم تتم محاسبة المقصرين والمعتدين، لاسيما ان شريحة الاطباء ثروة وطنية تمس الامن الوطني بصورة مباشرة، كما ان الطبيب يشارك رجل الامن في الحفاظ على الارواح وان الاعتداءات المتكررة من شأنها ان تضرب هذه البنية التحتية المهمة للبلاد ، وتمس المواطنين بشكل مباشر، كما ان هجرة الاطباء التي تحدث بسبب الظروف الصعبة التي يتعرضون لها، ستؤدي الى لجوء المواطنين للمستشفيات الاهلية، فضلا عن المراجعة الطبية خارج البلاد، وهذا يؤدي الى خسارة ما يعادل ثلاثة ملايين دولار في حين من الممكن ان تجرى داخل البلاد بعشرات الالاف من الدولارات، ومن الملاحظ ان هناك منافسة اقتصادية في الجانب الطبي اذ تعرض البلدان المجاورة عروضا طبية كثيرة، من اجل استقطاب المواطن والطبيب ايضا”.

استهداف النخبة

بعد العام 2003 شهدت الساحة العراقية عمليات استهداف فردية وممنهجة للشرائح النخبوية في المجتمع العراقي  كأساتذة الجامعات والأطباء وعلماء الذرة هذا ما بينه الباحث الاجتماعي الدكتور محمد عبد الحسن، وتابع:

” هناك اتفاق على أن طيف من هذه الاستهدافات كانت تدار عبر مخططات معدة من الجماعات الارهابية بغية تفريغ البلد من كفاءاته وقدراته البشرية، فضلا عن وجود استهداف مادي ومعنوي من جانب بعض ابناء المجتمع، بحكم حالة الانفلات الامني وضعف تطبيق القانون والاحتكام إلى القوانين العشائرية، وغياب الحماية الحكومية للشرائح النخبوية ومنها شريحة الاطباء، جعلت الكثير منهم يقع ضحية الاعتداء والاستهداف والابتزاز في بعض الاحيان، الاطباء تتم معاملتهم منذ الطفولة على انهم نخبة وهم اسياد المجتمع، من دون أن يكون هناك تعزيز للجانب الانساني أو الاخلاقي”.

حوادث الخطف

لم تقتصر الهجمة على الاطباء باغتيالهم وحسب، بل تعدت ذلك الى خطفهم، اذ تعرض الدكتور محمد زاير الى عملية اختطاف، سبقه  العام الماضي اعتداء على منزله من قبل مجموعة من الاشخاص، واعيدت الكرة مرة اخرى بخطفه ولكن تم انقاذه في اللحظات الاخيرة.

مديراعلام وزارة الصحة بين:

“ان عملية خطف الدكتور محمد زاير تضم الى سلسلة الاعتداءات على الكوادر الطبية، ولكن بفضل التبليغ الذي تلقته الجهات الامنية من قبل سكان المنطقة تمت متابعتهم والوصول الى الطبيب قبل ان يتعرض لاي اذى، لذلك لابد من وقفة جادة لحماية الاطباء كي لاتخسر البلاد ثروتها المهمة”.

تشريعات مهمة

صدر في العام 2013 قانون لحماية الاطباء العراقيين، ولكنه لم يفعل لغاية الان وتضمن فقرات متعددة من بينها حماية الأطباء من الاعتداءات والمطالبات العشائرية. وبحسب عميد كلية القانون في جامعة القادسية الدكتور ميري كاظم فان:”قانون حماية الاطباء طالما تم اقراره، فهو نافذ المفعول منذ لحظة صدوره في جريدة الوقائع العراقية، ومن حق اي طبيب ان يقدم شكوى على ضوئه ويحصل على حقه، ولكن الامر مناط بالجهات التنفيذية التي يجب ان توفر الحماية للطبيب وتكثيف الحراسة امام المستشفيات والعيادات، وايضا داخل مناطق الاطباء السكنية ومن الضروري ادراك انه في حالة الاعتداء على الطبيب او الموظف اثناء ساعات الدوام الرسمي، فهذا يعد تجاوزا على الحق العام والشخصي ايضا”.

اعتصامات متواصلة

بعد ان خسر المجتمع الطبي خيرة اطبائه، قررت الكوادر الصحية اعلان الاعتصام رفضا لما تتعرض له نخبها من اذى جسدي ونفسي، اذ سارعت دوائر الصحة والمستشفيات والمراكز الصحية الى الاعتصام لمدة ساعة واحدة، لكي يجدوا اذانا صاغية لمعاناتهم.

المتحدث باسم دائرة صحة بغداد لفت الى: ” ان تعرض الكوادر الطبية في الملاكات الصحية داخل البلاد، دفعهم الى تبني اعتصام واسع استمر لمدة ساعة واحدة ولم تتوقف الخدمة الطبية اثناء ساعات الاعتصام، اذ تعرض اكثر من 350ملاكا طبيا وصحيا بين ضرب واعتداء على المؤسسات الصحية، ولم تقل وتيرة هذه الاعتداءات بل مازالت في نفس المستوى واصبح هناك الان اعتداء او اعتداءان في الاسبوع الواحد، وتم تكسير اجهزة ثمينة ومقتنيات صحية داخل بعض المستشفيات، لذا كان هناك تحرك على الجانب العشائري قبل سنتين تقريبا ولكن هذا الامر لم تجن ثماره حتى هذه اللحظة”.

واوضح ان: “البلاد تعاني من شحة بالاطباء بنسبة 74بالمئة، اذ من المفترض ان يكون هناك اربعة اطباء في المراكز الصحية ولكن هذا الامر غير متحقق، فضلا عن هجرة الاطباء التي تكلف البلاد ملايين الدولارات بسبب خسارتهم لصالح البلدان المجاورة او دول العالم الاخرى، ومن الملاحظ ان العالم باكمله يعاني من شح في الاطباء، لاسيما العراق اذ تتعرض كوادره الى القتل والاعتداءات والمضايقات والتهديدات، وايضا كثرة المرافقين مع المرضى داخل المستشفيات هو ايضا عامل اخر يهدد سلامة الطبيب لاسيما عندما يقومون بايذائه وهو يؤدي واجبه الانساني والخدمي، كما انه يتعرض للشتم والسب والتعرض له بالالفاظ النابية”.

اثارة الرأي العام

“ان هناك حملة منظمة وواسعة تشن من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي  تحرض على كراهية الاطباء والاعتداء عليهم، واثارة الراي العام عليهم بشكل سلبي وواضح”، بهذه العبارات عبر عضو المجلس العام لنقابة الاطباء والمتحدث باسم نقابة الاطباء عن امتعاضه من الامر

وتابع:

“هذه الحملة المنظمة بالتاكيد ستؤدي الى كراهية المجتمع للاطباء، وهذا سيضيع جهود عدد كبير من الاطباء الذين يعملون بحرص وتفان من اجل مجتمعهم والارتقاء بالواقع الصحي، وان كانت هناك اية شكوى ضد الاطباء يجب التعامل معها وفق الاسس القانونية المدنية، وألا تكون العشيرة بديلا عن القانون في اي حال من الاحوال، وتكتظ المحاكم بشكل مستمر بقضايا اثيرت ضد الاطباء، ويشار الى ان الاطباء حتى في اعتصامهم حرصوا على اداء مهامهم اذ استثنيت التحاليل المختبرية وردهات الطوارئ من هذه الوقفة للتواصل بتقديم الخدمة للمواطنين”.

ويتفق معه الباحث الاجتماعي

 بالقول:

” بالفعل بعض مواقع التواصل الاجتماعي تسيء لشريحة الاطباء وهي تهيئ الراي العام لتقبل فكرة الاعتداء عليهم أو الاساءة اليهم، وهذا الامر بحاجة ماسة إلى وقفة حقيقية من قبل كل المؤسسات سواء اكانت رسمية ام غير رسمية، لوقف الاعتداء على هذه الشريحة و نشر ثقافة اجتماعية ووعي اجتماعي، يحمي هذه الشريحة بدل الاساءة اليها”.

الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*