(80 بالمائة) من الكتلة النقدية تقبع في منازل المواطنين

298

الحكمة – متابعة: فيما يصر عمر علاء وهو شاب يعمل في تجارة الملابس النسائية على ادخار امواله بعيدا عن المراكز المصرفية، يواصل مهيمن احمد صديقه وشريكه في العمل على ايداع امواله في احد المصارف الحكومية ولا يلجأ الى وضعها في المنزل مهما كان الامر.

وغالبا ما يثار جدل بهذا الشأن بين الصديقين لاختلافهما في الرؤية، ويبرر علاء موقفه موضحا:

« على الرغم من خطورة ادخار الاموال في المنزل الا ان ادخارها في المصارف الحكومية اكثر خطورة وضررا، فقد تضللك الاجراءات الرسمية وتقودك الى عالم فيه الكثير من الضبابية في كيفية استرجاعها، فمن غير المستبعد أن يضيع الجمل بما حمل في ليلة وضحاها بسبب الذين بيدهم دفة الحكم في عرقلة الاجراءات الخاصة بصرف المستحقات، فمازال القطاع المصرفي الحكومي يشهد تعثرا في الاداء وضعفا في صرف مستحقات المودعين نتيجة شحة السيولة النقدية، قال علاء ذلك  وعلى وجهه علامات الاستنكار والتعجب مسترسلا في توضيح رأيه:« كما ان هناك شكوكا وهواجس اجتماعية من غياب الضمانات الحقيقية لحماية المدخرات والاموال، وهذا يعود نتيجة غياب التوعية باتجاه الادخار والمعاملات المصرفية الاخرى، كما ان ايصال الاموال الى المصارف في ظل الظروف الامنية الراهنة يشكل خطرا كبيرا على المواطنين، فالكثير منهم تعرض الى التسليب  قبل أن يصل الى المصرف، وقد يحدث العكس فسحب الاموال من المصارف يزيد من حجم المخاطر، لأن بعض الموظفين تحوم حولهم شبهات التعاون مع عصابات التسليب والشارع العراقي شاهد على ذلك!

ويهز علاء رأسه في بطء وهو يفتح عينيه قائلا:

« اعتقد ان الضمان  المصرفي في حفظ الاموال ضرب من الوهم اذا لم يتم رفع كل تلك الشبهات عن المصارف، واعادة الثقة المشتركة بين الجهاز المركزي والمواطن ، وهذا الامر اذا ما يتحقق فسيعيد ثقتي بايداع اموالي في المصارف».

رؤية أخرى

لكن صديقه مهيمن ينظر للصورة من زاوية اخرى ويوضح:

« ادرك ان حفظ الاموال في مكان آمن مهما جدا، فهي لاتعوض ابدا في حال حدوث كارثة او انفجار او سطو مسلح كما هو الحال الان، فماذا يساوي الكلام أمام كل تلك الخسارات الكبرى التي يسببها القدر امام فقدان المواطن ثقته في الجهاز المصرفي، على الرغم من كل تلك السلبيات الا انني اجد في ايداع المبالغ في المصارف ضمانا للحقوق مهما اشتدت عواصف العراقيل المصرفية لصرف المستحقات».

ويفصح مهيمن اكثر عن السبب الحقيقي وراء عزوف زميله عن الادخار في المصارف فيقول:

« الكثير من دول العالم يشهد  تطورا كبيرا من ناحية الخدمات والحصول على اكبر قدر ممكن من المنافع الاقتصادية وعلى رأسها العمل المصرفي الذي يسعى لتقديم أفضل مالديهم من تسهيلات وخدمات لكسب العميل ولكن في العراق، اكملت الجملة مدير المدفوعات في البنك المركزي ضحى عبد الكريم العطا مشيرة الى:

« مجموعة الخدمات التي تقدمها الجهات المصرفية العراقية مازالت تتبع اساليب غاية في البدائية، وطاردة لأفراد المجتمع في أن يكون لهم تعاط ايجابي مع العمل المصرفي أو فكرة الادخار والتوفير، ولم تستثمر المصارف جهودها في تطوير وتنظيم انظمتها بما يخدم المواطن، وهذا ما ادى الى خروج( 80بالمئة ) من قيمة الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي  نتيجة انعدام الثقة بين المصارف والزبون، فاذا استطعنا اعادة تلك الثقة يمكن ان نصل الى علاقة متوازية للتشجيع على الادخار داخل المصارف الحكومية».

ويعود مهيمن ليختتم حديثه مؤكدا:

« قد تكون هذه واحدة من الاسباب التي دفعت زميلي وصديقي علاء  بصرف النظر والخوف من ادخار واستثمار امواله في المصارف والبنوك الحكومية العراقية، كما ان تعثر الاداء الخدمي وعدم وجود رقابة صارمة على بعض موظفي المصارف وفرضهم بعض العقبات والعراقيل يدفع بثقة المواطنين الى حافة الهاوية والعزوف عن الادخار».

اختلالات هيكلية

«عدم تطور الاجراءات التقنية المصرفية وضعف ثقة المواطنين نتيجة للظروف الأمنية أو تأخر وتعقد إجراءات إيداع وسحب الأموال ادى الى أن يكون( 80بالمئة ) من الكتلة النقدية  في العراق غير مستثمرة»  بهذه العبارة استهل وكيل وزارة الزراعة الاداري الدكتور مهدي سهر الجبوري حديثه مشيرا الى ان:

« الاقتصاد العراقي يعاني من اختلالات هيكلية وبنيوية تلقي بظلالها على جميع القطاعات الاقتصادية ومنها القطاع المصرفي الذي مازال بعيدا عن التطور التقني والمعرفي،  لذلك يجب وضع خطط وآليات من البنك المركزي العراقي والمصارف الحكومية والأهلية لتشجيع الادخار ورفع ثقة المواطن بتلك المصارف وإيجاد آليات فعالة لسحب تلك الأموال المكتنزة وتشجيع الافراد والشركات إلى الإيداع في المصارف والبنوك الأهلية والحكومية من خلال تحسين مستوى الخدمات المالية والمصرفية واعتماد النظام الإلكتروني CBS لتبادل المعلومات الائتمانية والذي يمكن أن يسهم في تقييم المخاطر الائتمانية واتخاذ المعالجات اللازمة في منح القروض والسداد وبناء الثقة بين القطاع المصرفي والمواطن».

 ثم صرحت مدير المدفوعات في البنك المركزي في هذا الشأن قائلة: « انتهج البنك المركزي منهجا جديدا  في  بناء قطاع مصرفي حقيقي يكون قادرا على زيادة المدخرات وتشجيع الاستثمار لدعم خطط التنمية الاقتصادية بشكل رئيس، العملية ليست فقط اعادة الثقة بين القطاع المصرفي والمواطن، بل اعادة ثقة الحكومة والمستثمرين بالجهاز المصرفي، هناك مشروع قائم بالتعاون مع البنك المركزي والامانة العامة لمجلس الوزراء على تحويل( 70بالمئة ) من رواتب الموظفين الى المصارف باسعار وعروض تنافسية لسحب الكتلة النقدية الخارجية الى المصارف».

وتختتم مدير المدفوعات في البنك المركزي حديثها: « لحل مشكلة عدم وجود سيولة نقدية لصرف مستحقات المواطنين تم اختيار (15) مصرفا يتمتعون بنسبة سيولة وائتمانات عالية جدا واخذ نسبة منها للودائع، وذلك في حالة مواجهة المواطن، اي تلكؤ من قبل هذه المصارف في استلام مبلغ الايداع يمكن استلامه من حسابات البنك المركزي، بالتالي هذه الاجراءات ستزيد من الثقة وتشجع على زيادة نسبة السيولة للادخار».

الذعر المصرفي

ويرى استاذ الاقتصاد الكلي في جامعة واسط الدكتور جعفر باقر علوش الوائلي:

« لا يوجد مقياس يحدد نسبة الاموال لدى الجمهور من العملة في التداول، لان هذه النسب تعتمد على أمرين حاكمين هما : نسبة الاحتياطي القانوني والذي يؤثر في نسبة ما تحتفظ به المصارف من أموال والآخر هو معدل الفائدة وتحديد نسبة مايتم ادخاره او استثماره من اموال لدى الجمهور، وبما أن معدل الفائدة هو مؤشر غير كفوء وغير فعال، فإن الكلام عن كتلة نقدية خارج المصارف يعد امرا مسلما به، كما ان المصارف التجارية وتحديدا الأهلية منها يقتصر نشاطها على المتاجرة  بالعملة من خلال مزادها الموجود في البنك المركزي ، وهذا أمر اخذ حصته من النقاش انتقادا وتأكيدا لسببين: اولهما ضيق وظائف المصارف التجارية واقتصارها على دور تمويل المرتبات، وثانيها انعدام ثقة الجمهور بالمصارف ، فوسائل زرع الثقة تتعلق بالبنك المركزي وذلك من خلال… استلمت دفة الحديث عن الوائلي الاستاذة في كلية اقتصاديات الاعمال الدكتورة نغم حسين نعمة بالقول:

« استخدام الودائع بشكل كفوء من قبل ادارات المصارف وتحسين مستويات السيولة المطلوبة في القطاع المصرفي ، ومطالبة المصارف بوضع تخصيصات واحتياطات لمواجهة حالات الضعف والسويلة، اضافة الى اصدار شهادات ايداع تجرى فيها (٤)سحبات اصلية لغرض جذب الاموال من خارج الجهاز المصرفي الى داخله واعادة ثقة الجمهور بالجهاز المصرفي».

وتضيف نعمة بعد تردد:

« سوء الادارة في عدد من المصارف والاستيلاء على ودائع المواطنين وتسخيرها لخدمة المالكين على شكل قروض وتسهيلات ادى الى تحول ظاهرة عدم الثقة بالجهاز المصرفي الى ما يسمى (الذعر المصرفي) وسحب المواطنين الجزء الاكبر من ودائعهم لتلبية اغراضهم الخاصة، لاسيما بعد الحرب مع داعش التي اضطرتهم الى استخدام الجزء الاكبر من مدخراتهم لدفع متطلبات المعيشة مـِن مأكل وملبس وعلاج وايجارسواء في الداخل او الخارج ، او استخدامها كودائع لدى بعض دول الجوار كايران والتي تدفع فائدة شكلية بحدود (٢٠بالمئة) واذا ما طرحنا معدل التضخم البالغ(١٧بالمئة‏) وفروقات سعر المصرف، حيث تستلم الودائع بالعملة الاجنبية وتسلم بالعملة الايرانية، لذا فان اسعار الفائدة تصبح قريبة من اسعار الفائدة في العراق».

الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*