آية المباهلة والشأن العظيم لأصحاب الكساء

678

يوافق الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة الحرام ذكرى نزول آية المباهلة التي تبين بوضوح الشأن العظيم لأهل البيت النبي (ص)، فبهذه المناسبة نقدم للقراء الأعزاء بعض ما ورد حول هذه الآية المباركة:

آية المباهلة، هي الآية 61 من سورة آل عمران، وهذه السورة تتحدث عن واقعة المباهلة التي دعا فيها الرسول الأكرم (ص) نصارى نجران للمباهلة والتي يظهر فيها بجلاء فضل ومكانة أصحاب الكساء الذين خرج بهم النبي (ص) للمباهلة وعلى رأسهم الإمام علي (ع).

قال تعالى: فَمَنْ حَاجَّك فيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبينَ

شأن نزول الآية

أجمع المفسرون من الفريقين على أنها نزلت في وفد نصارى نجران لمّا حاجّوا رسول الله (ص) في عيسى (ع) بأنّه أحد الأقانيم الثلاثة، وقالوا له (ص): هل رأيت ولداً من غير ذكر، فنزلت: “إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم…” فقرأها عليهم، فلمّا أصروا على عنادهم دعاهم رسول الله (ص) إلى المباهلة فاستنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك، فلمّا كان الغد جاء النّبي (ص) آخذاً بيدي علي بن أبي طالب (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) بين يديه يمشيان وفاطمة (ع) تمشي خلفه، فأحجم النصارى، وامتنعوا عن المباهلة، ولم يقدم سيّدهم على المباهلة، قائلاً: إنّي لأرى رجلاً جريئاً على المباهلة، وأنا أخاف أن يكون صادقاً. وقال للنبي (ص): يا أبا القاسم ! إنّا لا نباهلك، ولكن نصالحك، فصالحنا على ما ينهض به، فصالحهم رسول الله (ص).

وذهب كبار مفسري السنّة كالزمخشري والفخر الرازي والبيضاوي وغيرهم الى أن المراد من أبنائنا الحسن (ع) والحسين (ع) ومن نسائنا فاطمة (ع) ومن أنفسنا الإمام علي بن أبي طالب (ع) بالاضافة إلى شخص النبي الأكرم (ص) وهم أصحاب الكساء أو آل العباء الخمسة. وذهب كل من الزمخشري والفخر الرازي الى نزول الآية 33 من سورة الأحزاب والمعروفة بآية التطهير عقيب ذلك وفيها دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (ع).

فلمّا كان الغد جاء النّبي (ص) ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة (ع)، وخرج النصارى يتقدمهم أسقفهم. فلمّا رأوا صدق النّبي (ص) وأنّه قد أقبل بخاصّة أهله أحجموا عن المباهلة، وقالوا: إنا لا نباهلك ولكن نصالحك فصالحنا على ما ينهض به، فصالحهم.

التفسير

ذكر العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان وجهين تفسيريين للآية:

الأوّل: المباهلة والملاعنة وإن كانت بحسب الظاهر كالمحاجة بين رسول الله (ص) وبين رجال النصارى، لكن عممت الدعوة للأبناء والنساء ليكون أدلَّ على اطمينان الداعي بصدق دعواه وكونه على الحق لما أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبتهم والشفقة عليهم فتراه يقيهم بنفسه، ويركب الأهوال والمخاطرات دونهم، وفي سبيل حمايتهم والغيرة عليهم والذبّ عنهم، ولذلك بعينه قدم الأبناء على النساء؛ لأن محبّة الإنسان بالنسبة إليهم أشد وأدوم.

الثاني: في تفصيل التعداد دلالة أخرى على اعتماد الداعي وركونه إلى الحق، كأنه يقول: ليباهل الجمعُ الجمعَ، فيجعل الجمعان لعنة الله على الكاذبين حتى يشمل اللعن والعذاب الأبناء والنساء والأنفس، فينقطع بذلك دابر المعاندين، وينْبَّتُ أصل المبطلين. وبذلك يظهر أن الكلام لا يتوقف في صدقه على كثرة الأبناء ولا على كثرة النساء ولا على كثرة الأنفس؛ فإن المقصود الأخير أنْ يهلك أحد الطرفين بمن عنده من صغير وكبير، وذكور وإناث، وقد أطبق المفسرون، واتفقت الرواية، وأيدها التأريخ: أن رسول الله (ص) حضر للمباهلة، ولم يَحضر معه إلا علي (ع) وفاطمة (ع) والحسنان (ع)، فلم يَحضر لها إلا نفسان وإبنان وإمرأة واحدة، وقد امتثل أمر الله سبحانه فيها. وقد كثر في القرآن الحكم أو الوعد والوعيد للجماعة، ومصداقه بحسب شأن النزول واحد كآيات الظهار في سورة المجادلة.

وروى الزمخشري– من كبار مفسري السنة- في ذيل تفسيره للآية المباركة، عن عائشة أنّها قالت: إنّ رسول اللَّه (ص) خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن (ع) فأدخله، ثم جاء الحسين (ع) فأدخله، ثم فاطمة (ع)، ثم علي (ع)، ثم قال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

وقال الزمخشري أيضاً: إنّ ضمّ الأبناء والنساء آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة. وخصّ الأبناء والنساء؛ لأنهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه، وحارب دونهم حتى يقتل. ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب، ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق. وختم الزمخشري كلامه بقوله: وفي– ذلك- دليل لا شي‏ء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (ع).

———

المصادر

الطبرسي، تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن، حققه وعلق عليه لجنة من العلماء والمحققين، منشورات دار الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولى، 1415هـ 1995م.

الزمخشري، محمود، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، قم، نشر البلاغة، الطبعة الثانية، 1415 ق.

الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 3، قم: إسماعيليان، 1391، الطبعة الثالثة

شفقنا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*