النجف الأشرف – الحكمة : التقى سماحة السيد أحمد الأشكوري، المشرف العام على التبليغ الحوزوي بالإخوة أصحاب المواكب الحسينية، في موكب العتبتين المقدستين، على طريق (يا حسين)، وقد ابتدأ سماحته كلامه بالإشارة إلى حثّ الروايات المؤكد على إطعام الطعام وسقاية الماء ونقل رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم. وفي رواية الإمام الصادق (عليه السلام): أكلة يأكلها أخي المسلم عندي ، أحب إلى من عتق رقبة.
ويتأكد هذا الأمر إذا كان الشخص الذي يُطعَم من المؤمنين، ويزداد التأكد إذا تعنون الشخص بعنوان زائر الحسين (عليه السلام).
وقال سماحته: إنّ الموكب في حقيقته هو مأتم يُقبل فيه الدعاء كما يُقبل الدعاء تحت قبة الحسين، لأنه ينهض بالدور الرئيسي الذي قُصد في نهضة الحسين. دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتأكيد الولاء لأهل البيت (عليهم السلام).
ومن هنا لا بد أن يتمتع الموكب والمأتم والحسينية بخصوصيات، هي فائقة في الروعة والجمال، قد أمضيت من أهل البيت وأكد عليها علماء المذهب، وذكر منها التالي.:
1) أن تكون مستقلة من حيث المال، ولو قُدم لها عرض سخي من حكومة فإن المألوف عند الشيعة عدم القبول، ذلك لأنّ الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، والإخلاص، والعمل على إرضاء الزائر الحسيني، هو هدف الخادم في الموكب، ولذلك ترى أن خدمة الموكب يتخلون عن جميع عناوينهم ويتحلون بعنوان (خدمة الحسين).
2) ليس الهدف من إقامة الموكب هو الإطعام فقط، بل هو منظومة متكاملة يقوم بها صاحب الموكب ومن معه، في جانب الوعي، لبيان أهداف ثورة الحسين (عليه السلام)، والحفاظ على السلامة الدينية والأخلاقية والفكرية وحفظ الولاء وعدم السماح لدخول الغرباء في هذه المسيرة، وأن تكون مسيرة خالصة لخدمة الحسين فقط، وهي مسيرة وصلت إلينا يداً بيد عن المعصوم (عليه السلام)، مما يعني أن للموكب دوراً مهماً في الحفاظ عليها. لذلك نؤكد على ضرورة التخلي عن كل عنوان، والتزام عنوان (خادم الحسين) فقط. وهذا يضفي مسؤولية على أصحاب المواكب قبل وسام الفخر لهم.
3) لا بد أنْ نبرز الوحدة في خدمة الحسين، بأنْ نتوحد تحت اسم الحسين، ونعلن للناس أن الحسين أدّبنا، وأن أول درس في التأديب أنه وحّدنا، وأن ننكر الذات والأنا، فليس هناك مواكب كثيرة، وإنما هو موكب واحد واسع ممتد على طول الطريق.
وقد بلّغ سماحتُه سلامَ المرجع الأعلى لأصحاب المواكب، وتثمينه وثناءه على عملهم المخلص، ودعواته لهم بالتوفيق والقبول. وشكر سماحته في نهاية كلمته الإخوة أصحاب المواكب، وتحملهم عناء الحضور لهذا اللقاء، رغم انشغالهم بخدمة الزائرين الكرام.
السيد جعفر الحكيم، الأستاذ في الحوزة العلمية، من جهته، ابتدأ كلامه بقانون روائي، هو قانون: ما أكثر الضجيج وأقل الحجيج وقانون: الدين لعق على ألسنتهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديانون.
وهذا يُشير إلى: 1/ إن الوجهة العامة للبشرية هي وجهة طلب الرفاهية، والدين شيء ثانوي. 2/ إن مجموعة من المتدينين يلتزمون الدين في الرخاء، فإذا مُحصوا بالبلاء قل الديانون.
وهنا سؤال: هل هناك استثناء لهذا القانون؟ أم أن كل الناس يشملهم هذا القانون؟
نعم، خدمة الحسين هو استثناء من هذا الضجيج الفارغ. إن هذا الضجيج الذي نسمعه من الزوار يذكّرنا برواية (لهم دوي كدوي النحل) في ليلة العاشر، هذا الذي لم يأت من فراغ، يشهد لنا به أراضينا، وبساتيننا، وآباؤنا، وظلام الليل الذي كان يستر الزائرين في ذلك الوقت، ولقمة العيش التي يقتطعها الخادم ليوفرها إلى الزائر، والديون التي تُثقل كاهل بعض الخدمة من أجل هذه الخدمة، ومما يشهد له أيضاً هو المقاتلون في ساحات القتال، الذين كان عدد منهم من خدمة المواكب.
فهنا صوت هادف، وبلاء يكثر فيه الديانون. فهو استثناء من القانون السابق. وقال سماحته: إن ما يمارسه الخدم في هذه المواكب ليس مجرد عرف أو تقليد، وإنما هو مبدأ يقوم على أساس العشق والولاء لأهل البيت (عليهم السلام). إنه إخلاص يحكيه من يخدم في داخل المطبخ الحار، حيث لا يراه زائر، ولا تصوره فضائية.
وألفتَ سماحتُه الأنظار إلى حقيقة أن الذين دخلوا في التشيع لم يكونوا من باب الطمع في سلطة أو في مال، بل هو إخلاص وصدق وكرم هو ما سحب الناس إلى المذهب.
وأوصى بالحفاظ على الخدمة في هذه المواكب وتوريثها إلى الأبناء لتستمر حتى ظهور الإمام القائم (عجل الله تعالى رجه). وبعد هذا اللقاء، قدم سماحة السيد الأشكوري بعض الهدايا المعنوية لأصحاب المواكب الكرام، الذين قدّموا الشكر لإجراء هذا اللقاء، واستعدادهم الدائم للتواصل مع الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف.