مراسم استبدال راية القبة الشريفة لمرقد أبي الفضل العباس(ع) إيذاناً ببدأ شهر محرم الحرام
إن هذا القتيل لم يؤخذ بثأره: راية حمراء مرفوعة على القباب الطاهرة كانت ترمز لهذا المضمون استبدلت اليوم إلى اللون الأسود إيذاناً ببدء شهر محرم الحرام 1435هـ
لبيــــــــــــك ياحســـــــــــــــــــــين…
لبيـــــــــــك يــــــــــــــــــــازينب…
لبيـــــــــــك ياعبـــــــــــــــــــاس…
أبد والله ما ننسى حسينــــــــــــاه…
بهذه الجمل صدحت الحناجر ومن قبلها أفئدة الموالين لأهل البيت(عليهم السلام) في مساءٍ ساده الحزن في استذكار ملحمة الطف الخالدة..
في مساء أمس الإثنين 29 ذي الحجة 1434هـ الموافق 4 تشرين الثاني 2013م وبعد صلاة العشاءين جرت في العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية مراسيم استبدال رايتي قبتي حرم أبي عبدالله الحسين وأخيه أبي الفضل العباس(عليهما السلام) من اللون الأحمر إلى اللون الأسود، إيذاناً ببدء شهر محرم الحرام 1435هـ.
وجرت هذه المراسيم التي كان يملؤها الخشوع والإجلال، بحضور عشرات الآلاف من المؤمنين، والذين غصت بهم العتبتان المقدستان الحسينية والعباسية، وساحة بين الحرمين وبمشاهدة ملايين المؤمنين في شتى أنحاء المعمورة، عبر البث الفضائي للعديد من القنوات العراقية والعربية والأجنبية.
وتجرى هذه العملية سنوياً وهي ترمز إلى بدء السنة العربية الهجرية، بشهر محرم الحرام، الذي استشهد فيه سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين(عليه السلام)، وأهل بيته وأصحابه في ملحمة الحق، ملحمة الطف العظيمة.
حيث انطلقت هذه المراسيم أولاً في العتبة الحسينية المقدسة بحضور السادة ممثلي المرجعيات الدينية في النجف الأشرف والسيد رئيس ديوان الوقف الشيعي السيد صالح الحيدري، وعدد من الشخصيات الدينية في البلاد، إضافة إلى جمع غفير من المؤمنين.
حيث كان للأمين العام للعتبة الحسينية الشيخ عبد المهدي الكربلائي كلمة في هذه المراسيم بين فيها: “أيها المفجوعون بأبي عبدالله الحسين(عليه السلام).. أيتها المفجوعات بالسيدة زينب(عليها السلام) في هذه الليلة أذن الله تعالى لنا أن نبدأ موسماً من مواسم العبادة إيذانا بموسم البكاء المقدس فهو أقدس بكاء، ذلك البكاء الذي بكاه كل من في الوجود على مصاب سيد الشهداء(عليه السلام)، فهو وعد وعده رسول الله لأهل بيته (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام)”.
مضيفاً: “إن بكاءكم هو امتداد لبكاء الأنبياء والأولياء والصالحين، فالسماء والأرض والشمس والقمر بكوا على الحسين(عليه السلام)، وأن الملائكة كذلك بكت عليه(سلام الله عليه)، بل حتى الوحوش بكت وندبت الحسين(عليه السلام)، لا تتصوروا أيها المصابون وأيتها المصابات أنكم وحدكم تبكون في هذه اللحظة فالملائكة الحافون بقبره(عليه السلام) تبكي وتنوح أيضاً، فبكاؤكم هو حق لرسول الله(صلى الله عليه وآله) علينا أن نرده ونؤديه اليه، وهذا ما وعد به الرسول(صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) وجزاؤكم منه هي الشفاعة لكم يوم القيامة، فكل عين باكية يوم القيامة إلّا عين بكت على الإمام الحسين(عليه السلام)، فاغتنموا هذا الفرصة بإقامة العزاء والإكثار من البكاء، وجعله موسم توبة وغفران، وأن نكون من المعزين والباكين بقلوبنا وليس بألسنتنا، وأن ننصر الإمام الحسين(عليه السلام) بالأخلاق الحسنة والابتعاد عن المعاصي وإعلان حالة التوبة والتوجه الى الله تعالى بالإمام الحسين(عليه السلام)”.
ومن ثم كلمة رئيس ديوان الوقف الشيعي السيد صالح الحيدري: “نستذكرك يا سيدي ويا مولاي يا أبا عبدالله ونحن نستذكر التضحيات العظام من أجل القضاء على الظلم والظالمين من أجل خير الناس جميعاً”.
مضيفاً: “تتفاعل الأمة في ذكرى الشهادة وذكرى الطف تفاعلاً تصاعدياً منقطع النظير.. لأنك نموذج للعزة والإباء.. نموذج للإيمان والكبرياء.. النموذج الفذ الذي إذا ما ذكر اسمه، طربت القلوب زهواً وخيلاءً وفخراً.. وهذا ما نلمسه عملياً، فالملايين تخرج صوب مرقد أبي الأحرار(عليه السلام) تسير بإصرار وعزيمة وحب وولاء، لتعلن له(سلام الله عليه) أننا نقتدي ونهتدي بمنهجك منهج الخير والعدالة والإصلاح للبلاد والعباد”.
وأضاف السيد الحيدري: “في كل محرم من كل عام تكون سيرة الإمام الحسين(عليه السلام) هي محور المتحدثين التي تحمل من قدسية المبادئ وسمو الأهداف، عظمة التضحية وأريج الشهادة، فهي تمثل سيرة المسلم الأفضل والإنسان الأمثل، والتي تركت بصمات تتوضح خطوطها يوماً بعد يوم، وجيلاً بعد جيل لذلك نحن نهتف بإيمان عالٍ ويقين لا يتزعزع (أبد والله يا زهراء مانسسى حسيناه)، نحن صادقون ومصممون في ذكرى إحياء استشهادك في سبيل الله، وتضحيتك من أجل الإمة جميعاً، نحن نتمسك بالحسين(عليه السلام) لنجسد روح العطايا والخير والوئام ونردد بأصوات تشق عنان السماء: (هيهات منا الذلة) “.
كان بعدها -وعلى اللحن الجنائزي الحزين- بدء مراسيم إنزال الراية الحمراء ورفع الراية السوداء وسط هتافات تستذكر عظم هذه الفاجعة الأليمة على محمد وآل محمد(صلوات الله عليهم اجمعين).
ثم توجهت مواكب المعزين يتقدمهم كردوس من حملة الأعلام صوب مرقد حامل لواء الطف أبي الفضل العباس(عليه السلام) لتتم هناك مراسيم إبدال الراية فما أن وصل الكردوس حتى بدأت المراسيم بتلاوة آي من الذكر الحكيم ثم كلمة الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي والتي بين فيها:
كلمة الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي: “لازلنا أيها الأحبة في كل عام نحتار في قضية الإمام الحسين(عليه السلام).. واقعاً لا توجد كلمات إزاء ما نرى وما نشاهد، فالإمام الحسين(عليه السلام) لا زال قوياً، بحيث شدّنا شدّاً يستحيل أن ننساه، ويستحيل وجود قوة تحاول أن تغير مسيرته(سلام الله عليه) وأصحابه(رضوان الله عليهم)، الإمام الحسين(عليه السلام) استشرف الغيب وذكر أن من لم يلحق بنا لن يبلغ الفتح وهذا فتح الدنيا..
الإمام الحسين ملأ الخافقين وملأ الدنيا دوياً، وأصبحت كلمة (يا حسين) حبيبة لقلوب المؤمنين، ومزعجة للظالمين، قليل الحظ من يعادي الإمام الحسين(عليه السلام)، وقليل الحظ من لم يسر بركب الإمام الحسين(عليه السلام)..
أيها الأخوة أدخلوا الى واقعة الطف وتصفحوها، بأبطالها وانظروا أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)، ماذا ترون؟ سترون هناك حقيقة وواقعاً وطهراً وقداسة، وهذه القداسة نبتت في أرض كربلاء، فكانت شجرة أينعت وتوسعت وأعطت ثمارها لكل الدنيا..
تمسكوا بزيارة عاشوراء، والتي تقرؤون فيها أن هذه المصيبة هي مصيبة السماء والأرض، ولم تكن في حدود مدينة كربلاء فقط.
كما دعا السيد الصافي الجموع الغفيرة أن يعلّموا أولادهم الشعائر الحسينية ويربوهم عليها، ويفهموهم معنى الثورة الحسينية، مؤكداً نريد أن يكون حضور الأطفال أكبر من الشباب وحضور الشباب أكبر من الشيوخ.
مؤكداً في ختام كلمته إن إقامتكم لهذه الشعائر ما هو إلّا عهد تكتبونه مع أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) بالسير على نهجه.
وحرصاً على إشراك كل محافظات العراق في هذه المراسيم فقد قررت الأمانتان العامتان للعتبتين المقدستين أن تقدم إحدى المحافظات في كل سنة راية، لتكون في مرقد حامل لواء الحسين أبي الفضل العباس(عليه السلام) وقد وقع الاختيار في هذه السنة على محافظة نينوى(الموصل الحدباء) حيث استلم الراية نيابة عن الأمانتين العامتين السيد أحمد الصافي من ممثلين عن المدينة.
وبعدها استبدلت بها الراية الحمراء الرمزية التي كانت منصوبةً على سارية فوق منصة الحفل، وليقوم بعدها أحد السادة الخدم برفع الراية السوداء الجديدة على القبة الشريفة.
كما بين عريف الحفل الأستاذ علي الصفار, أنه رُفِعَتْ أكثر من 150 راية سوداء في مختلف محافظات ومدن العراق من الجنوب إلى الشمال تزامناً مع هذه المراسيم الضخمة .
كما بين الصفار أنه سيتم رفع رايات في عدد من الدول العربية والأجنبية بالإضافة إلى الهيئات والمواكب الحسينة في عموم محافظات العراق بالإضافة إلى الجوامع والحسينيات.
كما تم وفي نفس الوقت رفع الراية السوداء على قباب العتبات المقدسة في العراق وكذلك كل المزارات الشريفة.
ومن الجدير بالذكر إن وجود هكذا مراسيم بهذا الحجم تضم العديد من الفقرات العزائية المختلفة، فهو أمر جديد بادرت به إدارة العتبتين المقدستين قبل بضع سنوات بعد سقوط الطاغية في 9/4/2003، إظهاراً لشعائر الله، وترسيخها بشكل أعمق، فقد تقرر إثر ذلك إجراء تلك المراسيم كما هي عليها الآن، وذلك بعد انقضاء يوم 29 ذي الحجة من كل عام، بعد أداء صلاتي المغرب والعشاء من ذلك اليوم.
شبكة الكفيل العالمية