هل من الممكن أن تفضّل خلايا الدماغ جينات أحد الوالدين دون الآخر؟

432

الحكمة – متابعة: كان الاعتقاد السائد لمدّة طويلة أن نسختي الحمض الريبي النووي منزوع الأوكسجين DNA لدينا (والتي نرث إحداها من الأب والأخرى من الأم) تُعامَلان بالمثل. لكن أظهرت دراسة جديدة أن الخلايا الدماغية قد تفضّل تفعيل نسخة على أخرى، وهي نتيجة تخالف المعتقدات الأساسية لعلم الوراثة التقليدي وتقترح طرقًا جديدة من الممكن أن تحدث عبرها طفرات مسببة اضطرابات دماغيّة. أظهر البحث الجديد، أن الأصل هو أن يكون هناك تباين في تفعيل الجينات في منطقة واحدة على الأقل من دماغ الفأر المولود حديثًا، وتُفعِّل تقريبًا 85% من الجينات الموجودة في “النواة الرِفائية الظهرانية” (والمعروفة بإفرازها لمادة السيروتونين المتحكمة بالمزاج) نسخ الجينات الأبويّة والأموميّة بشكلٍ مختلف. وخلال عشرة أيام يتغيّر المشهد في دماغ الفأر الصغير، حيث تتفعّل النسختان بشكل متساوٍ لكل الجينات عدا 10% من الجينات. ولا يحدث هذا الشذوذ في دماغ الفأر فقط، وإنما يحدث أيضًا في مناطق أخرى من جسمه كالكبد والعضلات، ويحدث أيضًا عند الإنسان. يقول كريستوفر غريغ Christopher Gregg، وهو دكتور وبروفيسور مُساعِد في علم الأعصاب والتشريح والمؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت على الإنترنت في المجلة الدورية Neuron بتاريخ 23 شباط/فبراير: “ننظر عادةً للصفات عند الإنسان أو عند الحيوان ككل، ولكننا وجدنا أننا عندما ننظر إلى مستوى الخلايا، يبدو علم الوراثة أكثر تعقيدًا مما توقّعنا. كما أن هذه الصور الجديدة بإمكانها أن تساعدنا في فهم اضطرابات الدماغ”. ومن بين الجينات المُنظَّمة بهذه الطريقة غير التقليدية، هناك جينات تعتبر عوامل اختطار للأمراض العقلية؛ ففي الإنسان، أظهر الجين الذي يُدعى DEAF1 (والذي يشتبه بارتباطه بمرض التوحّد والعجز الفكري) تعبيرًا تفضيليًا لإحدى النسخ الجينية في عدة مناطق من الدماغ. وقد أظهرت دراسة أكثر شمولًا على القردة (باعتبارها الأقرب للإنسان) أن تلك النتيجة صحيحة على عدة جينات أخرى مرتبطة بداء هنتنغتون والفُصام واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط ADHD والاضطراب ثنائي القطب.

يوضح غريغ بقوله إننا لم نحدد إلى الآن كيف يمكن أن يؤثر التوازن الوراثي على صحتنا، لكن النتائج السابقة تُظهر أنه من الممكن أن تؤثّر على احتمالية تأثُّرنا بالمرض. في الحالة الطبيعية، يلعب وجود نسخة ثانية من الجين دورًا وقائيًا في حال تعطّلت إحدى النسخ. أما تفعيل النسخة الطافرة من الجين وكبح النسخة السليمة -ولو بشكلٍّ مؤقت- قد يكون مؤذيًا بشكل كافٍ للتسبب بضرر في خلايا محددة. ودعمًا لهذه الفكرة، كشف مختبر غريغ أنّ بعض خلايا الدماغ في الفئران المعدلة جينيًا تفضّل تفعيل النسخ الطافرة من الجينات بدلاً من النسخ الصحيحة. يقول إليوت فيريس Elliott Ferris وهو عالم في الحاسوب ويُشارك في إدارة الدراسة مع الطالب المتخرج وي كاو وانغ Wei-Chao Huang: “لقد تبين لدينا بشكل عام أن هناك ترابطًا بين النسختين من الجين”. ويكمل وانغ مشيرًا إلى أنهم وجدوا شيئًا غير متوقَّع:”لقد طورنا طرقًا جديدة للتعامل مع البيانات الكبيرة، مما مكننا من اكتشاف شيء جديد”. فحص الباحثون الآلاف من الجينات خلال دراستهم، وقاموا بقياس المستويات النسبية لتفعيل كل نسخة أبوية وأمومية من الجين، فوجدوا أن التعبير للنسختين كان مختلفًا في عدة جينات. ونظرًا لهذه النتائج المُفاجِئة، قاموا بتطوير طرق إحصائية لاختبار صحتها بدقة، وقد وجدوا أن ذلك لم يكن بسبب أخطاء تقنية أو تشويش جيني. وقد أتبعوا نتائجهم هذه بفحص مجموعة ثانوية من الجينات بشكلٍ أقرب، فوجدوا عدم توازن بين النسخ الجينية على المستوى الخلوي في دماغ الفأر والإنسان. تنبني نتائج غريغ وزملائه على أساس بحثٍ سابق، مُتوسِّعَين في اختبار سيناريوهات أكثر في مسألة تفضيل الجينات. وهناك نوعان من أصناف الجينات التي يكون فيها تفضيل لإحدى النسختين، وهي الجينات المرتبطة بالصبغي الجنسي X، والجينات الموسومة (وهي جينات معلمة على أنها من أحد الأبوين، وتكون النسخة الجينية الموسومة غير فاعلة، أما النسخة غير الموسومة فتكون فاعلة – فريق الترجمة).   وكشفت دراسات على خلايا مزروعة أن بعض الجينات تختلف في النسخة التي تتفعل فيها. وقد كشفت نتائج هذه الدراسة أن كبح إحدى نسختي الجينات قد يكون طريقة تقوم بها الخلايا لتعديل برنامجها الوراثي وذلك خلال أوقات محددة أو أماكن مختلفة من دورة حياة الحيوان. يقول غريغ: “لقد أظهرت نتائجنا صورةً جديدة للتأثيرات المتنوّعة التي تنظّم تعبير نسخ الجينات الأبوية والأمومية تبعًا للعمر والجزء من الدماغ ونوع النسيج، وهذه النتائج هي رؤيةٌ جديدة لعلم الوراثة ستبدأ بالعمل قريبًا”.

المصدر: nasainarabic

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*