المنهج التربوي عند الإمام الصادق (ع) – رؤية تحليلية –
د. نجم عبد الله السيد غالي الموسوي
كلية التربية/ جامعة ميسان
من خلال استعراض أهم مصـدرين فـي التشريـع الإسلامـي (القرآن الكريم والسنة المطهرة) نجد أن الإسلام الحنيف يؤكد تأكيداً كبيراً أهمية التربية والتعليم في بناء الفرد والمجتمع، ونلاحظ العديد من الآيات الكريمة فضلاً عن العديد من الأحاديث الشريفة للرسول الأكرم (ص) والأئمة المعصومين (ع) التي تحضّ على طلب العلم واكتساب المعرفة، لاسيّما الإمام الصادق (ع) الذي هو محور البحث، باعتباره كاشفًا عن أبعاد المدرسة التربوية الإسلامية فضلًا عن مدرسته الفقهية المتميزة، نرى في أقواله الشريفة أنه أعطى للتربية مكانة مرموقة ومتميزة جعل منها الركيزة الأساسية في تكوين شخصية الفرد وصقلها ليكون فردًا مسلماً صالحاً داخل المجتمع الذي يعيش فيه.
قبسات من النظم التربوية عند الإمام الصادق (ع):
من خلال استعراض بعض الأحاديـث الشريفة للإمام الصادق (ع) ـ على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر ـ نجد أن هذه الأحاديث يكمن في مضمونها مجموعة من النظم التربوية والأخلاقية العالية المضامين والتي تعطي فلسفة واقعية موضوعية ذات صلة بالمنهج التربوي السماوي الذي جاءت به الرسالة المحمدية السمحاء، ومن هذه النظم، ما يأتي:
-
تربية النفس وزجرها:
قوله (ع): (لَا تَدَعِ النَّفْسَ وهَوَاهَا فَإِنَّ هَوَاهَا فِي رَدَاهَا وتَرْكُ النَّفْسِ ومَا تَهْوَى أَذَاهَا وكَفُّ النَّفْسِ عَمَّا تَهْوَى دَوَاهَا) (1).
إن الإمام الصادق (ع) يرى أنه من الضروري واللازم أن يعمد الإنسان إلى تربية نفسه، بعد أن يكون للوالدين والأسرة التي يعيش فيها الفرد دورٌ فاعلٌ في صياغة وتربية وتهذيب نفسه، وبلا شك إن النفس البشرية لا بد من أن تربى ويُعتنى بها في كل مرحلة من مراحل العمر وليس فقط في مرحلة الطفولة، وبذلك يكون ردعها وزجرها عن كل ما هو خارج عن حدود الله، وبالتالي يكون للفرد سيطرة على نفسه وهواها.
-
التفكر المستمر:
قال الإمام الصادق (ع): (أفْضَلُ الْعِبَادَةِ إِدْمَانُ التَّفَكُّرِ فِي اللَّه وفِي قُدْرَتِه)(2)، وقال(ع): (التَّفَكُّرُ حَيَاةُ قَلْبِ الْبَصِيرِ كَمَا يَمْشِي الْمَاشِي فِي الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ بِحُسْنِ التَّخَلُّصِ وقِلَّةِ التَّرَبُّصِ)(3).
هذان الحديثان ضمن عدد من الأحاديث التي جاءت تؤكد التفكر والتفكير المستمر للإنسان في عظمة الله وبديع صنعه وكذلك جميع ما يقوم به الإنسان من أعمال ونشاطات في حياته،صغيرها وكبيرها، باعتبار أن جميع أعمال الإنسان عبادة، وأفضل هذه العبادة هي إدمان التفكر والتفكير وتنشيط العقل.
والنظريات التربوية الحديثة ومنها النظرية البنائية والنظرية المعرفية، ترى أن التفكر والتفكير وما وراء التفكير وما وراء المعرفة كلها من ضروريات التعلم والتربية الصحيحة الناجحة.
وبينت العديد من البحوث والدراسات التربوية أن للتفكير أهمية بالغة الأثر في نفوس المتعلمين، من خلال زيادة الدافعية الذاتية لديهم لغرض التعلم وتمكينهم من التفاعل داخل الصف الدراسي بصورة فعالة وواضحة، ومواجهة العقبات والصعوبات التي تعترض طريقهم في اكتسابهم للمعلومات العلمية، فضلاً عن ذلك إن التفكير يحفز المتعلم على ممارسة العمليات العقلية بنجاح.
-
التقويم المستمر:
قال الإمام الصادق(ع): (أنْفَعُ الأَشْيَاءِ لِلْمَرْءِ سَبْقُه النَّاسَ إِلَى عَيْبِ نَفْسِه)(4). وقال(ع): ( أحَبُّ إِخْوَانِي إِلَيَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي) (5).
لا بد من الإشارة إلى أن عملية التقويم المستمر ضرورة حتمية في الميدان التربوي للفرد والمجتمع، من أجل أن يتعرف الأفراد مدى النجاح الذي تحقق في أنفسهم وشخصياتهم وأعمالهم، وما حققوه من إنجاز في ضوء الأهداف المرسومـة التي يطمح كل فرد أن يتوصل إليها.
كما أن تقويم أداء الفرد من قبل نفسه والآخرين يعمل على تشخيص الصعوبات والمشكلات والأخطاء التي لديه والوقوف عليها من أجل تذليلها وتقديم المقترحات لعلاجها، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين شخصية الفرد وعلاقته بينه وبين ربه وبينه وبين الناس.
كما أن (التقييم الذاتي للنفس عمل هام وضرورة نفسية واجتماعية، به يتعرف الإنسان إلى صفاته وقدراته العقلية والعاطفية والخلقية، ويرى في نفسه عوامل القوة والضعف، وفكرة المرء عن نفسه من خلال التقييم الصحيح والواقعي، لها الأثر الأكبـر فـي تعييـن سلوكـه ومستوى طموحه)(6) .
(وبعد التقييم الذاتي ومعرفة النفس يأتي دور المحاسبة لها التي تسمو بالنفس البشرية وتجعلها تقدم أفضل ما لديها في جانب علاقتها مع ربها وعلاقتها من الآخرين وتعلمها وعملها،وهي تسهم في إيقاف الانحراف، والتوجه إلى الإصلاح والتكامل والبناء التربوي الصالح للفرد نفسه ولذويه وللمجتمع)(7).
-
مدارة الناس:
عن الإمام جعفر الصادق(ع) قال: قال رسول الله(ص): (أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ) (8)، وعنه(ع)قال: ( قال رسول الله(ص): (ثَلَاثٌ مَنْ لَمْ يَكُنَّ فِيه لَمْ يَتِمَّ لَه عَمَلٌ، وَرَعٌ يَحْجُزُه عَنْ مَعَاصِي الله، وخُلُقٌ يُدَارِي بِه النَّاسَ، وحِلْمٌ يَرُدُّ بِه جَهْلَ الْجَاهِلِ) (9).
وقال الإمام جعفر الصادق(ع): (رَحِمَ اللَّه عَبْداً اجْتَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلينا فحَدَّثَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ وَتَرَكَ مَا يُنْكِرُونَ) (10).
إن المربّي يجد أصنافاً من الناس يختلفون في أعمارهم وأجناسهم، ويختلفون في طاقاتهم وإمكاناتهم الفكرية والعاطفية والسلوكية، ويختلفون في انتماءاتهم وولاءاتهم الطبقية والقبلية والقومية والطائفية، ويختلفون في درجات قربهم وبعدهم عن الدين، ويختلفون في نظرتهم للمربي من حيث الاحترام والتقدير وعدمهما، ومـن حيـث الثقة به وعدمهـا، وجميـع ذلك بحاجـة إلى المداراة (11).
وهذا ما سنَّهُ الشارع المقدس على لسان المعصومين(ع) في التعامل مع الناس، وذلك بسبب اختلاف الطباع والأمزجة والصفات النفسية والجسمية والعقلية بين الناس.
-
التدرج والتسلسل في التربية: