كيف تخدعنا قوائم الطعام لنطلب المزيد؟

291

الحكمة – متابعة: هناك جهد وفكر كبيران يوظفان لابتكار قوائم الطعام في المطاعم، وهناك أيضا بعض الحيل النفسية البارعة التي توظف من أجل التأثير على خياراتنا.

تُصنع قوائم الطعام في المطاعم غالبا في صورة كتيب فخم مغلف بالجلد، ذي تصميم جذاب. وداخله، تجد صفحات تحمل نصوصا مائلة كتبت ببراعة، وتنجذب عيناك لعدد من الأصناف التي طبعت بطريقة مزخرفة، وتقدم وصفا ساحرا لنوع معين من الطعام. وبعدها تدير وجهك للنادل لتطلب طعامك.

لكن ما الذي دعاك لاختيار ذلك الطعام الذي طلبته بالتحديد؟ هل كان الأمر ببساطة لأنك أحببت منظر الطبق الذي يعرض قطع اللحم، أم أن هناك شيئا آخر كان له تأثير على قرارك؟

ربما لم تلحظ أنت ذلك، لكن ربما لعبت تلك القائمة دورا أكبر مما كنت تظن. فبجانب تفاخرها أيضا بأنها تقدم أسعارا لا تقارن، تعد قوائم الطعام وسائل تسويق معقدة، يمكنها أن توجه الزبائن نحو اختيارات معينة، كما أنها يمكن أيضا أن تكشف الأمور التي نفكر فيها.

يقول تشارلز سبينس، أستاذ علم النفس التجريبي بجامعة أكسفورد: “حتى الإطار المزخرف حول قائمة الطعام يمكن أن ينقل لنا رسائل مهمة جدا عن نوع التجربة التي نوشك أن نخوضها”.

ويضيف: “هناك العديد من العناصر الموجودة في قوائم الطعام، والتي يمكن أن تعدل من أجل أن تؤثر على اختيار الزبائن بطريقة أو بأخرى”.

وهناك الآن صناعة كاملة تعرف باسم “هندسة قوائم الطعام”، والمعنية بتصميم قوائم الطعام بطريقة تبعث رسائل محددة إلى الزبائن، لتشجعهم على إنفاق المزيد من المال، والرغبة في العودة مجددا إلى نفس المطعم.

يقول غريغ راب، وهو أحد مصممي قوائم الطعام من كاليفورنيا، والذي عمل في ذلك المجال خلال مسيرته المهنية التي تمتد لنحو 34 عاما: “بالنسبة لسلسلة من المطاعم الكبيرة التي تخدم مليون شخص يأتون إليها يوميا في فروعها حول العالم، قد يستغرق تصميم قائمة الطعام أكثر من 18 شهرا، لأننا نختبر فيها كل شيء ثلاث مرات”.

ويضيف راب: “يقضي العملاء دقائق قليلة فقط في النظر إلى القائمة، ولهذا نحن نريدهم أن يستفيدوا من هذا الوقت بشكل فعال. فإذا كان بإمكانهم العثور على طلب ما بسرعة، فمن الممكن أن يقضوا وقتا إضافيا في النظر إلى طلبات أخرى في القائمة قد يريدون طلبها”.

وربما يكون أول شيء يلاحظه الزبون بشأن قائمة الطعام هو وزن هذه القائمة. فقوائم الطعام ذات الوزن الأثقل توحي للزبائن بأنهم في مؤسسة رفيعة المستوى، إذ يمكنهم توقع مستويات رفيعة أيضا من الخدمة.

نوع الخط

يمكن لنوع الخط المستخدم في كتابة قوائم الطعام أن ينقل رسائل مشابهة أيضا؛ فعلى سبيل المثال، يحمل الخط المائل تصورا عن الجودة. كما يمكن لاستخدام خط معقد تصعب قراءته أن يحمل رسالة أخرى حول الطبيعة التي سيبدو عليها مذاق الطعام نفسه.

وتظهر دراسة سبينس أيضا أن الزبائن في الغالب يربطون بين نوع الخط الدائري المزخرف وبين المذاق الحلو للأطعمة، بينما تميل الخطوط التي تظهر زوايا مختلفة إلى تجربة أطعمة ذات مذاق مالح، أو مر، أو لاذع.

ويضيف سبينس: “يمكن للمطاعم أن تلعب بهذه الورقة لتوجيه الناس نحو طلب مزيد من الأطباق غالية الثمن”. كما يمكن للغة المستخدمة أن تلعب دورا مهما أيضا.

اللغة الوصفية

تستخدم اللغة الوصفية بشكل واسع في هذا المجال، وتشتهر سلسلة محلات ماركس آند سبينسر باستخدام لغة وصفية للأطعمة التي تبيعها، في منشوراتها الدعائية، وذلك لنقل انطباع جيد عن جودة منتجاتها.

فالكلمات لها تأثير قوي جدا على اختيارنا للطعام. ويمكن لإعطاء بعض أصناف الطعام أسماء وصفية أن يزيد مبيعاتها إلى 27 في المائة في بعض الحالات.

ويصبح هذا الأمر فعالا أكثر إذا ألحق بالوصف بعض أصول مكونات الطعام، مثل “رقائق القرع المصنوعة في بيت جدتنا”، مقارنة بـ “رقائق القرع” فقط. ويرى العملاء أن الطعام تكون جودته أعلى إذا ما ذكر في وصفه المكان أو المزرعة التي أتى منها، كما يقول سبينس.

وتوصلت دراسة حديثة نشرها علماء في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا إلى أن الخضراوات التي تعطى أوصافا رنانة ومترفة في قوائم الطعام يتم اختيارها أكثر بنسبة 23 في المئاة، لأنها تجعل تلك الأطعمة تبدو ذات مذاق أفضل، وأكثر تشويقا.

وأشارت دراسة أخرى أجريت في جامعة كولونيا بألمانيا إلى أن وصف أطباق الطعام بكلمات تحاكي حركة الفم أثناء الأكل، يمكن أن يساعد في زيادة الإقبال على هذا النوع من الطعام.

ويبدو أن هذا التأثير يعمل أيضا حتى عندما نقرأ هذه الأوصاف بصمت بشفاهنا فقط، لأن الدماغ تظل تحاكي مثل هذه الحركات، وهذا التأثير هو الذي يجعل لعابنا يسيل لهذا الطعام.

ويمكن أيضا لأسماء العلامات التجارية المصاحبة لأصناف الطعام أن تمثل استراتيجية فعالة للعديد من سلاسل الطعام، كما يقول برايان وانسينك، الباحث بجامعة كورنيل. ويمكن أيضا لجرعة من الكلمات المتعلقة بالوطنية، والعائلة، أن تعزز من حجم المبيعات.

تكلفة الأحرف

ويجب الحذر أيضا من قوائم الطعام التي تقدم وصفا بكلمات غير مترابطة أو متناسقة، فربما يبدو أن وراءها سببا جشعا أكثر من مجرد ملخص لوصف نوع ما من الطعام.

وقد أجرى دان جورافسكي، أستاذ اللغويات الحاسوبية بجامعة ستانفورد، دراسة حللت كلمات وأسعار ما يقرب من 650 صنفا من الطعام، في6,500 قائمة طعام. وتوصل إلى أنه كلما استخدمت كلمات أكثر لوصف صنف ما من الطعام، يميل هذا الصنف إلى أن يكون سعره أعلى، مقارنة بذكر اسمه فقط دون أوصاف.

قصة نجاح: صاحب المطاعم الذي يقدم “حسن الضيافة”

كما لوحظ أيضا أنه إذا قدم صنف ما في قائمة الطعام ملحقا بصورة، فسيكون لها تأثير كبير، لأن أدمغتنا سـ”تتذوق” ذلك الطعام الذي في تلك الصورة أولا.

لكن مع ذلك، ليست الكلمات وحدها في قوائم الطعام هي التي ترسل إليك إشارات معينة. فالألوان المستخدمة أيضا ربما تحمل تأثيرا ما. فهناك ألوان محددة، مثل اللون الأخضر، تستخدم غالبا لتوحي بأن الطعام المقدم صحي وطازج.

كما يستخدم اللون البرتقالي في بعض الأحيان لأنه يُعتقد أنه يحفز الشهية، وفقا لقول أرون ألين، وهو مستشار في مجال المطاعم يقيم في أورلاندو في فلوريدا، وهو أيضا خبير في علم النفس المتعلق بتصميم قوائم الطعام.

وتستخدم المطاعم أيضا حيلا أخرى لإغراء الزبائن لشراء مزيد من الأطباق غالية الثمن. ومن أشهر تلك الحيل تخفيض ثمن الطعام سنتا واحدا، مما يجعل طبقا ثمنه خمسة دولارات و99 سنتا يبدو أرخص في نظر الزبائن من ستة دولارات كاملة. وتعد هذه الحيلة منتشرة جدا في قطاع بيع التجزئة، وأغلب الزبائن على وعي بها.

وهناك شيء آخر، وهو عدم كتابة رمز الدولار أو الجنيه مطلقا بجوار السعر، وكتابة رقم مجرد فقط.

ويقول ألين: “إن علامة الدولار تمثل شيئا مؤلما يذكر المستهلكين بأنهم سينفقون أموالهم. لكن مجرد ذكر السعر في صورة رقم غير مقترن بعلامة الدولار، أو حتى كتابته بالأحرف، يمكن أن يخفف هذا النوع من الألم”.

ويقول ألين أيضا إن ترتيب الأطباق في القائمة بصورة مقصودة يمكن أن يترك تأثيرا كبيرا. فمن خلال وضع الأطباق الأغلي سعرا في المقدمة، فإن ذلك يجعل أسعار الأطباق التي تأتي بعد ذلك تبدو معقولة في نظر الزبائن، مما يشجعهم على الإقبال عليها. ويقول ألين إن هذه الطريقة قد تجعل بعض المطاعم تحقق أرباحا كبيرة.

ويحذر بعض الخبراء في تصميم قوائم الطعام من أن عرض كثير من الأطباق في قائمة الطعام قد يسبب حيرة وإرباكا للزبائن. ويقولون إن وضع أكثر من سبعة أصناف رئيسية في قائمة الطعام يمكن أن يسبب ذلك. وينصحون أصحاب المطاعم بأن يقسموا قوائم الطعام إلى أقسام مختلفة، ليشمل كل قسم منها خمسة أو سبعة أصناف فقط.

ويقول راب: “القائمة التي تضم أكثر من سبعة أطباق هي قائمة طويلة حقا، والتي تضم خمسة أطباق تعد قائمة مثالية، والتي تضم ثلاثة أطباق هي قائمة سحرية”.

صور الطعام

هناك وسائل أخرى يمكن أن تجذب الانتباه نحو أطباق معينة، مثل وضع علامات مميزة أو مربعات حول بعض الأصناف في قوائم الطعام، والتي يمكن أن تكون وسيلة فعالة.

وهناك بعض المطاعم التي تستخدم رموزا أو علامات يمكن أن تميز نوعا جديدا من الأطباق، أو أطباقا موسمية في فترة ما، لكي تجذب انتباه الزبائن نحو هذه الاختيارات بعينها.

وبالطبع، يمكن للصور أن تلعب دورا في ذلك، لكن يعتمد الأمر على المطعم الذي تتناول فيه الطعام. ففي مطاعم كثيرة حول العالم، تميل صور الطعام في القوائم إلى أن ترتبط بالأطعمة السريعة ورخيصة الثمن، والتي يمكن أن تصد بعض الزبائن.

وربما تكون قوائم المستقبل أكثر تعقيدا مما نظن، حتى أنها قد تعرف عنك ما تريد أن تطلبه قبل أن تدرك أنت ذلك، كما يقول ألين.

فمنذ عامين تقريبا، بدأت مطاعم “بيتزا هت” في اختبار تقنية تتبع حركة العين عند نظر الزبائن إلى قوائم الطعام، للتنبؤ بما قد يختاره الناس وهم يتصفحون نحو 20 عنوانا مختلفا، قبل أن تُعرض عليهم تشكيلات محتملة من تلك الأصناف.

ويقول ألين إن وسائل الذكاء الاصطناعي والآلات التي يمكن تعليمها قد تأخذ هذا الأمر إلى مستويات أبعد من ذلك، فيمكن لها أن تنظر إلى خياراتك السابقة عندما زرت مطعما ما، وتقترح عليك الطعام الذي قد تحبه.

ويضيف: “لقد أنفق قطاع المطاعم عشرات المليارات من الدولارات خلال السنوات الماضية في محاولة لفهم أفضل تصميم لقوائم الطعام، والهندسة وعلم النفس المتعلقان بها”.

ويتابع: “لكن الفرص التي تقدمها الثورة الصناعية الرابعة تبدو هائلة، فتخيل أنه يمكنك أن تطلب وجبة أعدت لتشمل الأطعمة المفضلة لديك دون غيرها بضغطة زر واحدة”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*