إحياء الريف على مستوى العالم
الحكمة – متابعة: يرى الباحثان يانسوي ليو، ويوهينج لي* أن هناك حاجة إلى نهضة ريفية؛ من أجل مواجهة التمدن عبر أرجاء المعمورة.
يحظى التمدن بقَدْر كبير من الاهتمام، إذ تقوم غالبية الدول بتوسيع نطاق مدنها؛ لإنعاش اقتصاداتها، ورفع مستويات المعيشة لديها. ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحضرية حول العالم من 33% في عام 1960 إلى 54% في عام 2016، مع تركُّز النمو بشكل خاص في آسيا وأفريقيا، ولكنْ يكاد تدهور الريف المصاحِب لذلك لا يحظى بأية إشارة. وقد صارت المجتمعات الريفية في معظم المناطق أقل قدرة على البقاء في الوقت الراهن، حتى مع الارتفاع البطيء في أعداد السكان بها أيضًا.
في الصين، على سبيل المثال، تتسم تلك التوجهات بالوضوح الشديد. ففي العام الماضي فقط، غادر ما يقرب من 170 مليون مُزارع – معظمهم صغار السن، ويتمتعون بلياقة بدنية – قُرَاهم وبلداتهم الأصلية إلى المدن؛ بحثًا عن عمل في المقام الأول؛ إذ انخفض عدد الوظائف المتاحة في المناطق الريفية في الصين بنسبة تزيد على 20% بين عامي 1990، و2014. وتَمنَح الوظائف الحضرية رواتب أفضل، ففي عام 2015، كان العمال المهاجرون يحصلون في المدن على دُخُول تزيد بما يقرب من 21% على نظرائهم في الريف.
تُصَاب المجتمعات التي يتركها الريفيون الباحثون عن عمل بالضعف والوهن، ومن ثم تعافر الأُسَر المفككة للحفاظ على المزارع الصغيرة. في الصين، يتوقف ما يُقَدَّر بمليوني هكتار من الأراضي الزراعية عن الإنتاج سنويًّا؛ ففي عام 2015، ترك المهاجرون 60 مليون طفل، و47 مليون امرأة، و50 مليون مُسِنّ في قراهم الأصلية. كما أغلقت أكثر من ثلثي المدارس الابتدائية في الريف الصيني أبوابها خلال الخمس والعشرين سنة الماضية. وبلغت معدلات الانتحار بين كبار السن في المناطق الريفية من البلاد ثلاثة أضعاف المعدلات في الولايات المتحدة (إذ وصلت إلى 47 حالة وفاة لكل 100 ألف من السكان).
تُعَدّ مسألة تدهور الريف مشكلة عالمية (انظر: “سكان المناطق الريفية في العالم”). فمِن الولايات المتحدة والسويد إلى البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، تشهد الفترة الحالية اتساعًا في حجم الهوة الفاصلة بين الريف والحضر. وتجذب المدن النصيب الأكبر من التمويل الحكومي والاستثمارات الخاصة، بل وحتى الأبحاث العلمية. فعلى سبيل المثال، استقبلت المدن منذ عام 1980 أكثر من 70% من إجمالي الاستثمارات العامة والخاصة الصينية في الأصول الثابتة. وكانت العواقب وخيمة تحديدًا في الدول الفقيرة، التي تكون الهجرة فيها مدفوعة بنزعة البقاء، وليس البحث عن فرصة أفضل. وحاليًّا، تتسع رقعة المناطق العشوائية في مدن من عينة بورت هاركورت في نيجيريا، ومومباي في الهند، ومكسيكو سيتي، حيث ينزح إليها عمال الريف الفقراء، وغير المتعلمين؛ بحثًا عن الثروات.
دأبنا خلال العقد الماضي على دراسة كيف يمكن تسخير القضايا ذات الصلة بالأراضي لتحسين حياة الريف والأوضاع الاقتصادية في الصين (انظر: “تحدي الصين”)، فمثلًا، أسهمَتْ المشروعات الرامية إلى تعزيز خصوبة التربة وإدارة الفيضانات في زيادة المحاصيل الزراعية ومستويات الدخل في مناطق هضبة اللوس الغربية. وتشير أبحاثنا، وما قام به علماء آخرون إلى أنه من الممكن إعادة بناء القرى والبلدات الريفية، عن طريق تحسين البنية التحتية، وتطوير الموارد المحلية، وتنمية السياحة والمنتجات، والحِرَف الخاصة. ويمكن تعلُّم بعض الدروس من سياسات بعض الدول التي خالفت ذلك التوجه.
وعلى صانعي السياسات والباحثين تغيير وجهة اهتمامهم وجهودهم، والتوجه نحو إعادة موازنة السياسات المنحازة إلى المدن. فهناك حاجة إلى مناهج علمية، مثل مراقبة وتحليل البيانات الضخمة؛ لرصد المجتمعات والبيئات الريفية، ولإيجاد حلول للمشكلات المحلية.
دوامة التدهور
يهجر الناس المناطق الريفية لأسباب متعددة، مثل البحث عن سهولة الحركة والتنقل، وتوافر التكنولوجيا، والابتعاد عن الفقر، والسياسات المنحازة، وانعدام الكفاءة في إدارة الأراضي. ومع بداية القرن الثامن عشر، شهدت الثورة الصناعية في أوروبا انكماش القرى، واكتظاظ البلدات والمدن بالسكان. كما امتد التوجه الخاص بتناقص السكان في الريف إلى أمريكا الشمالية في القرن العشرين، وتحديدًا بعد الحرب العالمية الثانية.
وتشهد المدن الصغيرة في الولايات المتحدة حالة من التدهور منذ ستينيات القرن الماضي. فمع ظهور الميكنة وتمهيد الطرق والسيارات، قاد المزارعون سياراتهم نحو المدن، بدلًا من التوجه إلى البلدات القريبة التي كانت بمثابة أسواق لهم، وذلك للشراء والاختيار من بين مجموعة أوسع من الإمدادات. وأسهمت التكنولوجيا الزراعية والأسمدة في توفير الوقت للعمال في الريف؛ للحصول على وظائف مجزية في المجالين الصناعي والخدمي في المدن. وفي الفترة بين عامي 1980، و2000، فقدت أكثر من 700 مقاطعة ريفية في المناطق الوسطى من الولايات المتحدة 10% أو أكثر من أعداد سكانها. فعلى سبيل المثال، فقدت ولاية أيوا 30 ألف وظيفة في القطاع الصناعي بين عامي 2000، و2003، وهي نسبة تزيد على 10% من إجمالي الوظائف في الولاية.
في الدول النامية، يبحث ملايين من المزارعين الذين يعيشون على الكفاف كل عام عن عمل في مدن مثل دلهي، ولاجوس في نيجيريا، إذ يدفع تغير المناخ والمشروعات التجارية الزراعية سبل المعيشة نحو الهاوية. فعندما تنكمش الأعداد السكانية في الريف، تتعرض القرى لنقص في الأيدي العاملة، وحالة من الكساد والتدهور الاجتماعي. كما تنكمش الأسواق المحلية، وتَغلِق الورشات والأعمال الصغيرة أبوابها.
إن الشباب والمتعلمين بصفة خاصة هم الفئة الأكثر احتمالًا للرحيل. ففي عام 2016، انتقل أكثر من نصف الأشخاص الذين كانوا في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، ونحو 30% من أولئك الحاصلين على شهادة التعليم الثانوي وما فوقها من المناطق الريفية في الصين إلى المدن؛ لتوسيع آفاقهم. ومن شأن مثل هذا الفصل التعليمي أن يجعل من الصعب تعويض الأطباء المحليين وأصحاب الأعمال والمعلمين عند تقاعدهم عن العمل. ومن ثم، يزيد التدهور بشكل حاد.
ولطالما فَضَّلَت السياساتُ الحكومية والاستثمارات الخاصة المدنَ. فعلى سبيل المثال، عندما قامت دول أمريكا اللاتينية بتعزيز اقتصاداتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عن طريق تصنيع السلع التي كانت معتادة على استيرادها، كانت المناطق الحضرية الصناعية هي الأكثر استفادة. وبدءًا من الخمسينيات، حتى التسعينيات، انتزعت الصين رأس المال الريفي، والأيدي العاملة، والمواد الخام، مثل الغلال؛ لدعم التطور الصناعي لديها.
عكس الاتجاه
ثمة حكومات أخرى، لديها سياسات مناصِرة للريف. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، أعادت تايوان، وكوريا الجنوبية توزيع الأراضي من الدولة والمالكين على المزارعين، وخفضت إيجارات الأراضي لتشجيع التنمية الزراعية. كما استثمرت ماليزيا والفلبين وتايلاند في الصحة العامة، وفي التعليم لفقراء الريف، وهو الأمر الذي أسهَم في تحسين متوسط العمر المتوقع، ومعدلات البقاء بين الأطفال الرضع.
ومنذ منتصف السبعينيات، وحتى أوائل العقد الأول من القرن الحالي، حاولت دول أفريقية، مثل موزمبيق، وكينيا، تدارك تحيزاتها للمناطق الحضرية، عن طريق التحول من فرض ضرائب على المزارعين إلى تقديم الدعم لهم. كما قامت مصر بتحويل قطاعها الزراعي من كونه قائمًا على التخطيط المركزي إلى اقتصاد السوق الحر المنفتح بدرجة معتدلة. وتم تحرير أسعار المحاصيل والحصص المخصصة وضوابط التسويق بصورة جزئية، وإدخال القطاع الخاص. وأصبح المزارعون أكثر استقلالية، ورفعوا مستويات دخلهم.
واستخدمت حكومات، ومنها حكومات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا، والسويد، وإسبانيا، استراتيجيات التخطيط والاستثمار والدعم؛ لتشجيع تنمية الريف. ومنذ الثمانينات، أطلقت البلديات الريفية في السويد حملات لجذب الناس نحو الانتقال إلى الريف، عن طريق تخفيف لوائح التخطيط للبناء على امتداد البحيرات، على سبيل المثال. كما تقدِّم مناطق أخرى معونات لإنشاء أو إعادة توطين الصناعات وأماكن العمل.
إنّ السياسات التي تسير من القمة إلى القاعدة غالبًا ما تفشل. فقد انتقل الناس بشكل أساسي إلى البلدات الواقعة في الضواحي، وليس القرى النائية؛ للجمع بين مزايا الحياة الريفية، والأمان الوظيفي في المدينة. فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة، فاق النمو السكاني في الضواحي مثيله في مناطق وسط المدينة لمدن مثل نيويورك، وبوسطن، وفيلادلفيا، منذ عام 1930.
ولا تراعي المبادرات التي تقودها الحكومات السمات المميزة لكل مجتمع ريفي بشكل تام. فالجهات المركزية يمكنها تنسيق العمل، وتعبئة الأراضي والعمال ورأس المال، لكن المجتمعات المتداعية غالبًا ما تفتقر إلى لجنة قروية، أو جمعية تعاونية زراعية قوية، وقد لا يتوفر لديها عدد كاف من الأشخاص المتعلمين أو المهرة للقيام بعملية التعبئة تلك. فعدم الاستماع إلى أصوات الناس كفيل بأن يمنعهم من التعاون.
يؤدي سوء إدارة الأرضي إلى تفاقم مشكلات الفقر، والجوع، ونقص الغذاء. فعلى سبيل المثال، كان الاقتصاد الزراعي لدولة زيمبابوي يتمتع بالاستقرار قبل عام 2000، وهو العام الذي استولت فيه الدولة عنوة على الأراضي الزراعية من المهاجرين الأوروبيين، وأعادت توزيعها على العائلات في الريف. وحيث إنّ المالكين الجدد لم يعرفوا سوى القليل عن الزراعة، أو كيفية تشغيل وإدارة الأراضي، هبط الإنتاج الزراعي؛ فقد أصيب الوضع الاقتصادي بالصدمة، وارتفع التضخم بدرجة مذهلة، حتى وصل إلى أعلى المعدلات في العالم عام 2008، وذلك بفعل العقوبات الدولية.
وتزيد تقلبات السوق وقلة المعرفة لدى العمال في الريف بالعمل التجاري من احتمال الفشل، فأولئك الحاصلون على قدر ضئيل من التعليم، ويتمتعون بقليل من المهارات يجدون من الصعب عليهم التنافس مع الشركات في الحضر. وحتى عند انتقالهم إلى المدن، يشتغل الكثير من العمال من الريف بأعمال يدوية منخفضة الأجر، وغير رسمية، مثل أعمال النظافة، والأمن، وأعمال البناء.
إن إشراك المواطنين يُعَدّ هو مفتاح النجاح؛ فالمبادرات التي تنطلق من القاعدة إلى القمة تقوم بدور “مُعزز للتماسك الاجتماعي”، حيث تشجع الناس على العمل معًا. فعلى سبيل المثال، في عام 2012، قامت لجنة قرية شياوجوان في مقاطعة هيبي الصينية الشمالية بإنشاء جمعية تعاونية في شكل أسهم لتربية الماشية وزراعة الخضراوات، وقام المساهمون بجمع الأموال، والأراضي، والعمال، والآلات. وفي خلال خمسة أعوام فقط، زاد المشروعان من صافي دخل الفرد لقاطني تلك الأماكن بنسبة 200%.
ويمكن لهندسة الأراضي أن تحسِّن ظروف الزراعة والمحاصيل. فعلى سبيل المثال، في منطقة هضبة اللوس الجافة بمقاطعة شانشي بالصين، قمنا بالمساعدة في تهيئة أراض زراعية في الوديان الواقعة بالقرب من مدينة يانن. ولم تكن قيعان الوادي – وهي البقاع الأكثر خصوبة – تُستخدم في ذلك الوقت، لأنها كانت عرضة للفيضانات. لذا، أعدنا تشكيل مكان تجميع المياه، حيث قام العمال بملء الخنادق وتسويتها، وتعزيز المنحدرات، وتشييد السدود وقنوات تصريف الفيضانات، ومنشآت الري. وقد ساعد ذلك في إدارة مياه الفيضانات، وتحسين أنواع التربة، حتى يمكنها تخزين المزيد من المياه والمواد المغذية. وفي الفترة بين عامي 2013، و2017، قامت الحكومة الصينية بتوسيع نطاق مشروع تجميع الأراضي هذا. وتنتج وديان يانن حاليًّا كمية من الذُّرَة أكثر ثلاث مرات عما ينتج على قمم التلال، وخمس مرات عما ينتج على المنحدرات. وتتم تغذية الأبقار والماعز بالعلف المصنوع من قش الذُّرَة والحشائش.
وفي مثال آخر، تعمل مدينة بافاريا الألمانية على تحسين أوضاع الزراعة والغابات منذ الستينيات، وقد قامت بتنفيذ مشروعات التنمية وتخطيط الأراضي؛ لتجديد القرى الريفية.
تحظى مشكلات الريف بقدر أقل من الدراسة عن المناطق الحضرية. ومن ناحية أخرى، تجذب المدن العلماء، إذ تتوافر فيها أموال أكثر، ويُنظر إليها على أنها أكثر محورية للتنمية من المناطق الريفية. وتحتاج المجالات الأكاديمية التي تركز على مشكلات الريف – مثل المرونة، وتجميع الأراضي، والمحافظة على التراث الثقافي، وتخفيف حدة الفقر والكوارث – إلى مزيد من البحوث والمدخلات. وهناك حاجة إلى مناهج وتقنيات علمية لاقتراح أفضل الاستراتيجيات لتحسين الأحوال في منطقة معينة، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الاستشعار عن بُعْد لمراقبة استخدام الأراضي الريفية، وظروف البنية التحتية، وأنماط الزراعة. ويمكن لتحليلات البيانات الضخمة البحث في الأسواق، أو الصناعات، أو الاستراتيجيات الاقتصادية؛ لتحديد أيها الأكثر ربحية.
أربع أولويات ريفية
أولًا، ينبغي على الحكومات تعزيز التوسع الريفي، جنبًا إلى جنب مع التوسع الحضري. كما يجب أن يتمتع قاطنو القرى والمدن بالمساواة في الحقوق من حيث الحصول على الموارد، والخدمات العامة، والرخاء الاجتماعي.
يحتاج سكان الريف إلى منصات، يمكنهم من خلالها الحصول على عمل، أو إنشاء أعمال خاصة، مع رعاية عائلاتهم ومزارعهم في الوقت ذاته. ويمكن للمدن الصغيرة والبلدات أن تقوم بدور الجسر الذي يتم عن طريقه توصيل خدمات التعليم، والصحة، والمعلومات، والخدمات الإدارية إلى القرى النائية.
يجب على الحكومات المحلية أن تقوم بتطوير استراتيجيات؛ لجذب المشروعات والأعمال، مع تقديم امتيازات ضريبية، وتخفيض أسعار الأراضي، بل وتقديم أراض بالمجان. فعلى سبيل المثال، تحدد حركة “قرية واحدة منتج واحد” – التي بدأت في أويتا باليابان في عام 1979، ووصلت الآن إلى بلاد مثل الصين، وتايلاند، ومالاوي، وجنوب أفريقيا – الموارد المحلية، مثل الأراضي الخصبة، والمياه النظيفة، ومنتجات زراعية معينة، والمواقع ذات الطبيعة الخلابة، وتقوم بتطويرها إلى صناعات؛ لمساعدة الاقتصاد المحلي على الازدهار. ويؤدي مَنْح مالكي الصناعات والمديرين حق تحديد الأسعار إلى تشجيع القرويين على تطوير مهاراتهم، ومتابعة التغيرات في الأسواق، ومعرفة تفضيلات المستهلكين.
ثانيًا، يجب تشجيع المبادرات التي تنطلق من القاعدة، حيث تتطلب تنمية الريف مجموعة متفانية وبعيدة النظر من أصحاب المصلحة المحليين، ومنهم رواد الأعمال، ومالكو الورشات، والمزارعون الراغبون في العمل معًا بغير أنانية. ويجب احترام العدالة والمساواة، إذ يجب تطوير القرى من أجل مصلحة المواطنين، وليس المستثمرين.
ثالثًا، يجب قبول فكرة أن بعض القرى الواقعة في أماكن غير مناسبة للعيش سوف يتحتم نقلها، كما تفعل الصين حاليًّا ضمن استراتيجيتها الوطنية للتخفيف من حدة الفقر، إذ سوف تكون القرى الموجودة في الوديان العميقة أو المناطق الجبلية ذات الطرق السيئة وإمدادات المياه غير المستقرة، والأراضي غير الخصبة، والظروف الطبيعية القاسية (مثل جبال قينبا في الصين في الشمال الغربي، ومناطق كارست في جنوب غرب البلاد) دائمًا ضعيفة اقتصاديًّا.
وبإمكان سكان تلك المناطق الاندماج في المجتمعات الريفية القريبة التي تمتلك وسائل مواصلات وأراض أفضل، وقدرة أعلى على الحصول على الخدمات العامة بشكل مناسب. ولا بد من توخي الحذر عند إعادة توطين الفقراء، فمن الواجب احترام رغبة الناس، وينبغي على المواطنين اتخاذ قراراتهم الخاصة بشأن الأماكن التي سينتقلون إليها، مع تقديم النصح والتمويل من جانب الحكومة المحلية. كما يجب توفير السكن، والرعاية الصحية، والخدمات التعليمية، والتوظيف، وريادة الأعمال، كل ذلك في آن واحد.
رابعًا، هناك حاجة إلى وجود خطة علمية لتوجيه عملية إعادة الإحياء تلك، وعلى الباحثين فَهْم القوى الدافعة لتدهور الريف، وكذلك ردود أفعال سكان الريف على العولمة وتغيُّر المناخ. ومن الضروري إجراء تحليلات وعمليات محاكاة للبيانات الضخمة، لمراقبة تنمية الريف. كما ينبغي فَهْم فاعلية الأشكال المختلفة من تجميع الأراضي.
ويجب على الوزارات، والمعاهد، والمشروعات الترويج للأبحاث متعددة التخصصات، التي تتضمن التخطيط، والإدارة، والهندسة. ويجب أن تشمل الأهداف اختبار السياسات، وعرض التقنيات التي تحسِّن الإنتاج الزراعي وسبل العيش في المناطق الريفية. إن إطلاق خطة ريفية عالمية تجمع بين الباحثين في شؤون الريف على مستوى العالم سوف يعزز مشروعات التعاون عبر البلاد المختلفة. وعلى الأمم المتحدة النظر في إقامة مثل ذلك المخطط، ومَنْح تنمية الريف الدرجة نفسها من الأهمية التي توليها لقضايا معينة، مثل التخفيف من حدة الفقر، وتغير المناخ، والسلام.
إنّ المدن والقرى تشكِّل وحدة متكاملة لا تتجزأ، يجب تطويرها بشكل مستمر؛ لكي تقدِّم كل منها الدعم إلى الأخرى.