الرؤية الحديثة للإعلام الحسيني

340

___________1_433862501

 
(بقلم:الشيخ مكي فاضل)

…الثورة الحسينية الخالدة المظفرة تتجدد بتجدد أجيال الولاء وكل جيل جديد يأتي يعتنق الإعلام الحسيني بصلابة وقوة ويندفع نحوه بعقيدة راسخة ويكمل مسيرة أجداده وآبائه في نشر مبادئ ثورة الطف المجيدة وهنا يكمن السر في الرؤية المستقبلية لازدياد توسع فاعلية وتأثير الإعلام الكربلالئي الحسيني والله العالم ماذا يشهد هذا الإعلام المقدس من تطور في الأزمنة المقبلة التي ستتميز بالتطور العلمي والتقني والتكنولوجي وكل وسائل الحداثة وتطور نماء الحضارة الإنسانية..

أهمية تطوير إعلامنا الحسيني

تحت هذا العنوان العريض لتطوير الإعلام الكربلائي كتب الصحفي “أحمد رضي”  لكي يكون إعلامنا الحسيني موافقاً مع وسائل العصر الحديث.. هناك العديد من الوسائل التي يمكن تحقيقها بالإرادة الجماعية، وهي تختلف طبعاً من مجتمع لآخر. ووسائل تنويع الفعاليات الحسينية عديدة ومتنوعة مثل مسيرة العاشر من محرم مشياً على الأقدام، ولبس السواد، وإعلان الحداد العام ومظاهر الحزن في البلاد، وطبع النشرات وتوزيع الكتب، وبث الثقافة الحسينية عبر مواقع الانترنت بمختلف اللغات العالمية، وإقامة منتديات ثقافية حسينية، وتفعيل دور العلماء ورجال الدين، وإقامة مدارس علمية لتخريج خطباء المنبر الحسيني، وإدخال التقنية الحديثة مع الموكب الحسيني.. وغيرها.

 ومع تعدد عناوين وصور الشعائر الحسينية من (مجالس العزاء والرثاء والبكاء، أو اللطم ولبس السواد، وإخراج التشابيه والمسرحيات، والمشي على الأقدام لزيارة العتبات المقدسة.. وغيرها، أصبحت هذه الأساليب التقليدية بحاجة لقراءة موضوعية جديدة، ملائمة للظروف السياسية والاجتماعية الحالية مع مراعاة الموازين الشرعية، وذلك بحكم التطورات الحديثة للعالم العربي والإسلامي.(1)  

فكرة تأسيس مسرح حسيني عالمي

فكرة المسرح الحسيني ليس جديدة ولكنها منذ أوائل الخمسينات والستينات كانت نشأتها وتبنتها جماعات كثيرة من المواكب العزائية الحسينية في أغلب مناطقنا الشيعية ولكنها كانت محدودة وليس لها ذلك الانتشار الواسع برغم فاعلية الحدث وتأثير تمثيل المشاهد الكربلائية المفجعة.

أحد المؤمنين حفظه الله اقترح اقتراحا هادفا لتطوير مساحة مستقبل الإعلام الحسيني ومفاد هذه الفكرة العمل على تأسيس مسرح عالمي حسيني تجمع فيه كل طاقات وإبداعات الممثلين المسلمين من مختلف الوطن العربي ولقد بدأ تمثيل مسرحية عاشوراء في بعض المناطق ولكنما تم ذلك بإمكانات محدودة وعلى مستوى إقليمي معين إلا أن المطلوب أن يكون للمسرحيات العاشورائية صدى عالمي..

تجارب مسرحية بحاجة إلى تطوير

حدثنا أحد الإخوة المؤمنين من مدينة الرفاعي بالعراق قال: لدينا في  مدينتنا نشأت هيئة المسرح الحسيني التي ما زالت في مخاضها العسير،تكابدالكثير من العقبات، لأنها بحاجة ماسة الى خبرة المتخصصين سواء على مستوى النص اوالاخراج او تأهيل الممثلين. ففي مسرحية “طريق الآلام التي قدمتها الهيئة وفي خضماحداث هذه المسرحية ،نتلمس العنفوان الروحي للرموز وكيف تصبح المأساةوالتراجيديا،عنوانا للبطولة وليس الخنوع والذل كما يحاول البعض ان يترجم الفعلالتاريخي، كما يحلو له او وفق هواه، لقد تضمنت المسرحية أحداثا ساخنة يبرز فيهاالشموخ والعلو لصانع ملحمة عاشوراء، وكيف امتدت ثورته حتى بعد استشهاده، يوم ارادالطغاة محو رسالته المقدسة حين مثلوا بشخصه رافعين رأسه الشريف فوق رماح الجاهلية،لكنهم اخطؤوا تماما فالرأس فوق رماحهم ينبئك ان العزة والرفعة له وأنه ينعم بالسمولأنه يمثل السماء، اما الطغاة والجلادون فهم اسوأ مثال للخسة والانحطاط والعبودية،يتبين في صلب احداث المسرحية(طريق الآلام)

فلكي تحظى هذه التجربة للمسرح الحسيني بالقبول والاستحسان فلا بد من القائمين عليها ان يراجعواقواميس المسرح وتجاربه عالميا ليتعرفوا على جذوره وأصوله وكيف نشأ وترعرع وانعكسسلبا وايجابا على ثقافات الامم والشعوب، وماهية ابعاده الفنية وركائزه وكيف يصنعالحدث المتكامل بواسطة النص والممثل والمخرج والجمهور، كل هذه الاجزاء بحاجة الىوحدة الزمن والمكان والموضوع والنمو والنضج اثناء نقل الحدث، فهو ليس مجرد حكاية اوقصة سردية او قصيدة شعر تبدأ بسرعة لتنتهي بسرعة بل انه حدث اخر يمتد الى كل.. الاتجاهات والزوايا متحكما بالزمن ومخلدا اياه بين الحين والاخر ثورة قدسية عظمى لأكبر شخصية من بعد جده رسول الله وأبيه أمير المؤمنين وأخيه الإمام الحسن ألا وهو سيد الشهداء الإمام الحسين(عليهم السلام).

وحول تمثيل مسرحية موقعة الطف في كربلاء يقول مؤدي دور الشمر بن ذي الجوشن قاسمقديح من مدينة النبطية بلبنان: اشتركت في تمثيل عاشوراء منذ العام 1950 وكنت أحد قوم الشمر لسنتين بعدهامثلت دور حمزة ابن المغيرة ومن ثم قمت بدور هلال بن نافع حتى العام 1961 عندما تخلىالممثل حسن سلوم عن دور الشمر في الليلة العاشرة ولم يكن هناك من مجال لإيجاد الشخصالمناسب فطلب مني المرحوم فؤاد كحيل الذي كان يشرف على التمثيل ويقوم بدور الإمامالحسين(ع) القيام بدور الشمر. وهكذا قمت بتمثيل دور الشمر على أحسن ما يرام وتفوقت علىمن سبقني في تأدية هذا الدور بأشواط كبيرة وما زلت أقوم به حتى اليوم منذ العام.1961 

 ويضيف قديح: كنت أنوي التقاعد عن تمثيل دور الشمر لهذا العام أنا وزميليأحمد حجازي لأننا كبرنا في السن، ولأنه يجب على الشباب أن يستلموا مكاننا، لكنالشيخ عبد الحسين صادق رفض هذه الفكرة رفضاً قاطعاً وقال لي: إن عاشوراء هي منالتراث في النبطية وأنت ورفيقك حجازي تحولتما إلى جزء من هذا التراث، وعليكماالاستمرار في تمثيل دوريكما إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

بحسب قديح فإنالميرزا هو أول من ضرب على رأسه في ذكرى عاشوراء في النبطية، وقد خاف الناس يومهامن هذه الظاهرة، ولكنهم بدأوا يتحمسون لها رويداً رويداً حتى انتشرت وشاعت كما هياليوم.

أما زميله حسن كحيل فيقول: عشقت في الرابعة عشر من عمري دور الطرماحوهو حادي الإمام الحسين وغنيت قصـــيدة «يا ناقتي» وأديت الآذان، بعدما طلب مني ذلكالشيخ محمد التقي صادق وكان صوتي جميلاً، وقمت بالحداء على الإمام الحسين والقاسمبن الحـــسن وكان ذلك في العامين 1948 و1949 الذي قام بتمثيل دور الإمام الحسين بنعلي في مسرحية عاشوراء في النبطية عشرات السنين.

ويضيف: لقد ألفنا لجنة عاشوراءعام 1961 ووضعنا لها أسساً وحصلنا على العلم والخبر بعد ذلك بفترة وجيزة، وكانت هذهاللجنة تتولى كافة المصاريف المتعلقة بتمثيل واقعة عاشوراء، ومنذ عدة سنوات اعترضتعلى تطوير تمثيلية عاشوراء من خلال المسرح الحديث وفضلت أن تبقى على قدمها وتراثها،لكن الشيخ صادق أصر على تجديد المسرحية وتطويرها، عندها آثرت الابتعاد عن التمثيللا سيما وقد تجاوزت السبعين من عمري..

فائدة المسرح الحسيني

عندما نتطرق إلى الفائدة الكبيرة التي تجنى من المسرح الحسيني لايغيب عن البال تأثير مسرحية قصة عاشوراء في النفوس ولقد رأينا تحولًا كبيرًا في الكيانات الاجتماعية من خلال مشاهدة المشاهد المؤثرة لأحداث عاشوراء وما جرى على أهل البيت(ع) من مصاب ورزء أليم..

بلا شك أن قضية الامام الحسين لم تكن بمفهومها العام تخص طائفة دون سواها او جماعة دون غيرهابل هي ثورة ضد الظلم والعبودية، والتحرر من نير الاستبداد والخضوع لسلطة الحاكمالظالم فهي دعوة للحرية في كل زمان ومكان بل تجاوز تأثيرها محيط العالم الاسلامي،فتأثر بها الكثير من المفكرين والقادة، ومنهم غاندي الذي حرر الهند من الاستعمارالبريطاني الذي قال: {تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً فانتصر}

فثورة الامام الحسين هيثورة ضد الباطل وقوى الشر. فكان صراع الخير والشر بارزاً في البعد الدرامي لهذهالمأساة ، الامر الذي جعل هذه الذكرى تقص مضاجع الطغاة والمستبدين.. فقد حاولتالأنظمة الدكتاتورية للتعتيم على هذه القضية ومنع الطقوس ومراسيم العزاء التي كانتتقدم بهذه المناسبة. على مستوى الممارسات الاجتماعية او ابراز قضية الامام الحسينبشكلها الدرامي، على مستوى التلفزيون والمسرح والسينما والتشكيل..

ومن الإنصاف اننذكر في عقد الثمانينيات من القرن الماضي عرضت مسرحية”الحر الرياحي“ التي كتبهاالشاعر عبد الرزاق عبد الواحد وأخرجها الفنان كريم رشيد وقدمت على خشبة المسرح الوطنيفي بغداد. وكانت تحمل في طياتها جرأة وشجاعة فنية رغم مقص الرقيب الامني الذي اجتزأمنها مشاهد عديدة، كذلك قدمت قضية الامام الحسين(ع) على المسرح العربي، ولعل اهم هذهالتجارب هي مسرحيتا الكاتب المسرحي عبد الرحمن شرقاوي”الحسين ثائرًا“ ومسرحيةالحسين شهيدًا “ والتي قدمت بالقاهرة وأخذ دور البطولة فيها الفنان الراحل عبد اللهغيث لكن هذه المسرحية قدمت ليومين فقط ثم منعت من قبل السلطة المصرية لدوافع لمتعرف اسبابها ورغم قصر مدة عرض المسرحية الا انها اثارت جدلاً واسعاً في الاوساطالثقافية والفكرية في مصر، ويذكر ان الفنان عبد الله غيث قد اجاد اجادة تامة لدورالامام الحسين، اذ اخذ الناس يقبلون يده وهو يمشي في الشارع ويقولون له:” طالما كناننظر اليك بأنك عم رسول الله ، اشارة الى دوره في فيلم الرسالة بشخصية الحمزة،لكننا الان ننظر اليك كونك ابن بنت رسول الله (1)

أحبائي إني لا أغالي إذا قلت: أن المسرحية الحسينية لها دورها الإعلامي الكبير ولها تأثيرها الخاص في نفوس الجماهير وكذلك دعم المسرح الحسيني ماديا وتوفير امكانية لاختيار الممثل الجيد والمشهور يسهم مساهمة كبرى في التأثير..

أهمية المسرح العاشورائي

إن واقعة الطف لها أهمية بالغة في التغيير الجذري والتحول من سلوك سلبي إلى سلوك إبجابي وتكمن أهمية المسرحية العاشورائية في احتوائها على مجموعة من الأبطال كان شخوصهم في تقمص أدوار البطولة والتضحية والفداء وأروع قيم الإيثار والوفاء بالعهود وهي متنوعة الأدوار ففي عاشوراء يتجلى خلق المروءة وفي كربلاء تتجلى مواقف المخلصين الثائرين الذين لايثنيهم عن مواقفهم المبدئية ثان ولايعترضهم مانع حيث صمموا على الموت وقاموا على قوائم سيوفهم وهم يعلمون أن مصيرهم الإستشهاد .

هذه المواقف البطولية العملاقة تشحذ في الأمة روح العزيمة والتجلد والإصرار على التضحية في سبيل المبدأ والدين..

وفي يوم عاشوراء تجلت توبة التائبين في توبة الحر بن يزيد الرياحي هذه الشخصية المؤثرة التي كان لها بالغ الأهمية في تقمص دورها البطولي للمثلين الذين حولوا الكثير من الناس التائهين الضالين إلى جادة الصواب والالتزام الديني والهداية ..

نقل لي أحد الإخوة الممثلين الموالين في إحدى المسرحيات العاشورائية أنه قد تقمص في التمثيل شخصية الحر بن يزيد الرياحي وكان لديه صديق يدرس معه في الجامعة وكان ذلك الصديق من المنحرفين عن خط الله ويتبنى بعض الأفكار العلمانية التي تناقض نزاهة الشخصية والالتزام الديني بقوله: فلما رآني على المسرح معصب الرأس أطلب البرازمن الإمام الحسين(ع)  لقتال الأعداء وقد أعلنت توبتي في الحال في حينه تأثر ذلك الصديق وكلما أصحبه يتذكر ذلك المشهد ويبكي على ذنوبه وفي ذات يوم قال لي عاهدت الله أن لا أخالف أحكام الله ولا كتابه ولكن يا صديقي هل لي رجاء وأمل أن تقبل توبتي كما قبلت توبة الحر وصار من أهل الجنة؟

فذكرت له هذه الآية {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}(2) والآن أصبح هذا الصديق بتوفيق من الله وببركة سيد الشهداء(ع) أحد الناشطين في خدمة المواكب الحسينية العزائية..  

فشخصية ((الحر الرياحي)) شخصيه تتميز بالنمو المتصاعد اثناء حركتها في الواقع بنفس القدر التي امتلكت فيه صورًا متموجة من الصراع النفسي الحاد، وعلى ذكر موضوع الصراع المؤثر او المتدرج والذي يبدأ من مستويات بسيطة ثم يتصاعد شيئا فشيئًا حتى يصل ذروة الأزمة فيكتمل بذلك البناء الداخلي للعمل الدرامي.

ان اكثر حوارات بطل المسرحية مونولوجات اي حوارات داخلية كشفت عن صراع نفسي يتنازعه بمرارة، وقد تحدد بشكل اكثر وضوحًا في سلوك التردد الذي ابداه البطل من اجل ان يتخذ الموقف الصحيح والمطلوب، مما يعني ان هنالك حيرة نفسية عاشها البطل.(3)

وهذه القصة إذا صيغت في درامية عالية المستوى بلا شك تكون لشخصية الحر بن يزيد الرياحي أهميتها البالغة في اتخاذ القرارالصائب لدى الناس المهيئين للهداية والرجوع إلى الله تعالى والتوبة..

أيضا أهمية المسرح العاشورائي تكمن في الدور الرائد التي تحملته عقيلة بني هاشم زينب بنت علي(ع) مع باقي الأطفال الودائع والنساء العلويات الهاشميات المخذرات الخفرات اللواتي كن مع الإمام زين العابدين علي بن الحسين(ع) في الأسر والسبي لولم يكن على خشبة المسرح إلا هذا المشهد المؤلم لكفى وكفى في التأثير الجماهيري..

أضواء على مسرحية المسيح والحسين(ع)

نشرت نشرة الطف في عدد 8-9 من محرم 1423هـ مقالاً كتبه المخرج محمد الجزاف بعنوان (( مسرحية المسيح و الحسين نافذة للعطاء الحسيني ))  أذكر جزءًا يسير منه للفائدة قال الجزاف:

{هذه مسرحية المسيح و الحسين(ع) و ما تحمل من عمق المعاني الدينية و النفسية و الإيمانية و التي تمثلت بالشهيد الحسين بن علي (ع) و التي أدت إلى تغيير الواقع ، ليس تغيير نظرية فحسب و لا تغيير أخلاقية أو رؤية معينة . كلا و إنما تغيير مصير ديانة الإنسان ، من دين إلى دين بل من عقيدة إلى عقيدة بل من معتقد إلى مذهب ..هؤلاء المسيحيون الذين أعلنوا إسلامهم ، بفضل هذه المسرحية التاريخية و المصيرية و التي كانت تحمل دلائل و حججًا عقلية و دينية و التي عرفت الحسين(ع) من خلال النافذة المسيحية و الأديان السماوية الأخرى .. و تلك الجماهير الغفيرة التي تشيد بروح الممثلين المبدعين الذين وقفوا على خشبة المسرح بكل ثقة و بأداء متميز و عطاء ملموس و تحد للمحترفين ، جد اهتمامهم خدمة للحسين (ع) و قلب الجمهور} .

أقول: إن مثل هذه الأعمال الإعلامية العاشورائية الكربلائية المليئة بالحيوية والحداثة مثل مسرحية المسيح والحسين تخدم أهداف الثورة الحسينية وتدفع بعجلة سيرها ومسيرتها نحو التطور والتقدم لمستقبل واعد للإعلام الحسيني…

(1) مجلة النبأ- ملف عاشوراء 1426هـ- 2005م.

(2) جريدة الصباح العدد (1442) الخميس 17 تــمـوز 2008 م

(3) البقرة آية 222

(4) في المسرح الشعري، د. عبد الستار جواد، ص14، الموسوعة الصغيرة، العدد(49)

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*