هل اقتربنا من تطوير أقمار صناعية تتحكم في أحوال الطقس؟

403

الحكمة – متابعة: ماذا لو صار بوسعنا تبديد إعصارٍ ما، والتخلص منه بواسطة أقمارٍ صناعية قادرة على التحكم في الطقس؟ “بي بي سي فيوتشر” تتقصى السبب في الصعوبات البالغة التي تكتنف تجسيد هذا الأمر على أرض الواقع.

يرى صناع أعمالٍ فنية عديدة للخيال العلمي، بدايةً من فيلم “ستار تريك” وصولاً إلى مسلسل “ذا جيتسونز” للرسوم المتحركة، أن من بين السمات المُميزة لأي حضارة متطورة امتلاك القدرة على التحكم في الطقس.

وقد شاهدنا في فيلم “جيوستورم”، الذي عُرِضَ مؤخراً، شبكةً للأقمار الصناعية التي صُممتْ للحيلولة دون هبوب عواصف ذات آثارٍ كارثية.

وفي ضوء ما أظهرته الأعاصير المُدمرة التي هبت عبر المحيط الأطلسي العام الماضي من أننا تحت رحمة الطقس وتقلباته؛ يتساءل البعض: هل سيكون بوسعنا يوماً ما التحكم فيه من الفضاء؟

المفارقة أن فكرة تعديل أحوال الطقس أو التحكم فيها عن بُعد ليست بالمغرقة في الخيال كما يبدو.

فكما ذكر موقع “بي بي سي فيوتشر” في عام 2014؛ فإن هناك علماء عكفوا بجد على العمل على هذا الصعيد لسنوات، رغم أنهم يستخدمون طائراتٍ لا أقماراً صناعية.

بجانب ذلك، فقد كان لدى السلطات الأمريكية مشروعٌ – في الفترة ما بين عاميْ 1962 و1983 – يُعرف بـ”ستورم فيوري بروجيكت”، شكل مسعىً لإضعاف قوة العواصف الاستوائية، من خلال إدخال طائراتٍ في قلبها لتنفث جسيمات مركب “يوديد الفضة” الكيمياوي.

وهذه المادة مركب غير عضوي يُستخدم كمعقم أو مطهر. وتعتمد فكرة استخدامه لهذا الغرض على أن جسيماته ستؤدي إلى تجميد المياه شديدة البرودة الموجودة في ثنايا العاصفة، بما يؤدي إلى حدوث خللٍ في البنية الداخلية للإعصار.

رغم ذلك، فقد اكْتُشِفَ منذ ذلك الحين أن طريقة “تلقيح السحب والعواصف” هذه غير فعالة، نظراً لأن تلك العواصف لا تحتوي على كمياتٍ كافية من المياه شديدة البرودة، بما يسمح لهذه الطريقة بأن تُؤتي أُكلها وتُضعف الأعاصير بالفعل.

بجانب ذلك، كانت هناك مشكلة تتمثل في عدم التناسب بين ضآلة حجم الموارد المُستخدمة لإضعاف الأعاصير من جهة ونطاقها وقوتها الهائليْن من جهة أخرى. وفي هذا الشأن يقول كريس بِل المحاضر في علم الأرصاد الجوية في جامعة “إيست أنغليا” بالمملكة المتحدة: “تمثلت المشكلة في أن الطائرات الصغيرة والنطاق الكبير للعواصف عَنَيا أن أي محاولة (تستهدف إضعاف هذه العواصف) ستكون محدودة الأثر إلى حدٍ كبير”.

وقد نُظِرَ إلى أشعة الليزر على أنها تشكل كذلك إحدى وسائل التحكم في الطقس، عبر تقنية تُعرف باسم “تعاكس الليزر” أو “انقلاب الليزر”، وتُستخدم من أجل تبريد الأجسام لا رفع درجة حرارتها.

وتؤدي هذه العملية إلى تكوّن الغيوم، بل وقد تفضي إلى توليد صواعق برق أيضاً. ويوضح جان-بيير وولف، وهو من جامعة جنيف، هذه التقنية بالقول إنها تمثل “وسيلةً جديدة تعتمد على نبضات ليزرٍ شديدة السرعة والقصر معاً، تُوّلِدُ أشعة ليزر مكثفةً، تحتوي على طاقةٍ منخفضةٍ نظراً لأن النبضة قصيرةٌ للغاية”.

ويؤدي ذلك إلى إحداث شرارةٍ في الغلاف الجوي تسبب صدمةً، تقود إلى تكوين وتشتيت قطيرات ماء هنا وهناك.

لكن هذه التقنية – مثلها مثل أسلوب “تلقيح السحب والعواصف” – تعاني من مشكلة عدم التناسب بين ضآلة الموارد المتوافرة والحجم الكبير للظاهرة الجوية المُراد التعامل معها.

وهنا يقر وولف بأنه “ليس لدينا أشعة الليزر المناسبة، ولا الحجم أو القوة الكافية منها، لإحداث شيءٍ ما دراماتيكي في الغلاف الجوي. بوسعنا تكوين تشكيلاتٍ سحابية صغيرة، لكن لن يكون بمقدورك رؤية هذه السحب” من الأصل.

ويوضح وولف رؤيته قائلاً: “ثمة مشكلةٌ في حجم (ما يتم تكوينه)، مثل تكوين سحابة ركامية، من تلك التي يصل طولها إلى كيلومترٍ واحد، والتي تغطي عشرات الكيلومترات. ولذا يتعلق الأمر بما إذا كان ما يتم توليده وإضافته إلى النظام من طاقة، ذا مغزى وأثر أم لا”.

ومن المؤسف أن تطوير أقمارٍ صناعية قادرة على التحكم في الطقس يؤدي إلى ظهور مشكلاتٍ إضافية. فمثل هذه الأقمار لن تحتاج لأن تُحمّل عليها نظمٌ تكنولوجية بهدف وضعها في مكانها الصحيح في المدار، ومراقبة الطقس ورصد تقلباته فحسب، بل إنها ستكون بحاجةٍ أيضاً إلى تحميلها بتجهيزاتٍ ومعدات إضافية للتحكم في الأحوال الجوية، وهو ما سيزيد من حمولتها بقدرٍ هائل.

وهنا يمكن الاستعانة برأي أندرياس ليندينتال، وهو مدير العمليات في شركة “أو إتش بي سيستمز آيه جي” – إحدى أكبر الشركات الأوروبية العاملة في مجال الفضاء – وكذلك العاشق للخيال العلمي منذ الصغر. إذ يقول إن “جلب هذا النوع من المعدات ووضعه على متن قمر صناعي، يعني دائماً بذل جهدٍ هائل من أجل نقل هذه الكتلة نفسها إلى الفضاء. وليس من اليسير ضمان أن يؤدي القمر مهامه (في هذه الحالة) على نحو كفء أو أن يعمل” من الأساس بشكلٍ موثوق به.

وفي حالة استخدام القمر الصناعي لتقنية “تلقيح السحب والعواصف”، فإن ذلك يؤدي إلى ظهور مشكلات تتعلق بالكيفية التي سيتم من خلالها إعادة تزويده بالمواد اللازمة لذلك.

فعندئذ، سيكون من الضروري إعادة تزويد القمر بتلك المواد اللازمة لعمله على نحوٍ منتظم، وهو ما يُحْدِثُ بطبيعة الحال مشكلاتٍ لوجيستية، تتعلق بإرسال طائرة إعادة تزويد بالمستلزمات إلى الفضاء للقيام بهذه المهمة، وهو أمرٌ ليس مُجدياً من الوجهة الاقتصادية.

ويقول ليندينتال في هذا الشأن إن ذلك سيكون “عسيراً وغير ناجعٍ أو فعال”.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فنظراً لأنه لكل فعل رد فعلٍ مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه؛ فإن إطلاق القمر الصناعي للقذائف الصغيرة التي تحوي المواد التي “تُلقح بها السحب والعواصف”، سيؤدي إلى دفعه غالباً خارج مداره، وذلك بتأثير القوى الخاصة برد الفعل.

ورغم أنه من الصعوبة البالغة كذلك جعل هذه القذائف تسقط وتُطلق في المكان الصحيح، فإن إضافة أنظمة توجيه للقمر لحل هذه المشكلة، سيجعل الأمر أكثر تعقيداً.

وفي ظل هذه الظروف، يبدو اللجوء إلى أقمارٍ تستخدم تقنية “تعاكس الليزر” أمراً أكثر احتمالاً. فاستخدام الليزر يجعل الحاجة تنتفي إلى إعادة تزويد القمر بأي مواد أو مستلزمات، بل يمكن توفير الطاقة المطلوبة لذلك عبر اللجوء إلى الألواح الشمسية.

وهنا يقول ليندينتال: “هناك العديد من الأمثلة التي يتم فيها استخدام الليزر لوقتٍ محدودٍ للغاية، وهو ما يعني أنه ليس في حالة تشغيل متواصلة. وعلى سبيل المثال، هناك أفكارٌ حول التخلص من النفايات الفضائية، عبر تفتيتها بشعاعٍ من الليزر”.

كما أن هناك سؤالاً يُطرح حول ما الذي سيحل بتلك الأقمار التي تُستخدم للتحكم في الطقس إذا ما حدثت عاصفةٌ شمسية هائلة (من تلك التي توصف بأنها ستكون حدثاً كبيرا، على غرار حادثة كارينغتون، وهي أكبر عاصفة شمسية موثقة في التاريخ، وقعت عام 1859).

فعندما يُضرب المجال المغناطيسي للأرض بما يُعرف بـ”الانبعاث الكتلي الإكليلي” – وهو الاسم الذي يُطلق على الانفجار الهائل للرياح الشمسية – فإن ذلك قد يُحْدِثْ تشويشاً وتعطيلاً واسعيْن لكل الأنظمة الكهربائية.

ومن المرجح حينها أن “تُفقد” كل الأقمار الصناعية وأقمار الاتصالات – مؤقتاً على الأقل – إذا حدثت واقعة مماثلة لـ”حادثة كارينغتون” في العصور الحديثة.

وينطوي فقدان الأقمار القادرة على التحكم في الطقس على خطر حدوث عواقب يُؤسف لها على صعيد الأحوال الجوية.

بالإضافة إلى ذلك، ثارت مخاوف من قبل بشأن إمكانية أن تُستخدم القدرة على التحكم في الطقس، في شن أحد أشكال الحروب الاقتصادية.

وبالعودة إلى التاريخ، سنجد أن الولايات المتحدة لجأت أثناء الحرب في فيتنام إلى مشروعٍ سري للغاية حمل اسم “عملية بَباي”، وذلك لإرباك وتعطيل الإمدادات العسكرية الفيتنامية، عبر زيادة معدلات هطول الأمطار في منطقة لاوس من خلال استخدام تقنية “تلقيح السحب”.

وبعد كشف النقاب عن هذه العملية، جرى التوصل إلى حظرٍ دولي على استخدام الطقس كسلاح، وذلك بموجب اتفاقية “حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأي أغراض عدائية أخرى”.

رغم ذلك يمكن أن يُقال إننا نتلاعب أو نتحكم بالفعل في الطقس، وإن كان هذا يتم على حسابنا ويؤدي إلى الإضرار بنا، وذلك من خلال الظاهرة المعروفة باسم “التغير المناخي”.

ومع هذا، فإن ذاك التحول والتغير في أنماط الطقس حدث عبر عقودٍ من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المُسببة للاحتباس الحراري وانطلاقها في الغلاف الجوي.

وقد قاد ذلك لحدوث تغيراتٍ في أنماط ونماذج الطقس في مختلف أنحاء العالم، وليس في مناطق معزولة عن بعضها البعض فحسب.

وتبرز ظاهرة التغير المناخي ذاك النطاق الواسع الذي ستحتاج أدوات ووسائل التحكم في الطقس للتعامل معه بهدف تعديله وتغييره. ويعني وجود جبهات هوائية ضخمة الحجم في كوكبنا أن أي منظومة فعالة لإحداث تغييرٍ في الطقس، ستتطلب اتفاقاً على نطاقٍ عالمي.

علاوة على ذلك، فثمة خطرٌ يكمن في إمكانية أن يؤدي تخفيف حدة عواصف في منطقةٍ ما، إلى توليد عواصف في أماكن أخرى.

على أي حال، يظل من غير المرجح تجسيد عملية التحكم في الطقس على أرض الواقع في الوقت الحالي، بالنظر إلى كونها مكلفةً بشكلٍ مفرط وتتطلب توافر موارد هائلةٍ للغاية، بما لا يجعلها عملية.

لكن ليندينتال يقول إن الناس يكرسون أبحاثهم على “أشعة ليزر ذات كفاءة عالية يمكن وضعها (وإطلاقها) في المدار. بالنسبة ليّ، هي مسألة وقتٍ لا أكثر”.

أما كريس بِل فيقول: “ربما يكون لدينا في يومٍ ما التقنية اللازمة للتحكم في الطقس، لكن ذلك سيكون في غضون آلاف وليس مئات السنوات”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*