نص الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد أحمد الصافي في 15/جمادى الأولى/1439هـ

268

 

إخوتي أخواتي أعرض على مسامعكم الكريمة الآيتين المباركتين التي ذكرهما الله تبارك وتعالى في سورة غافر: قال الله تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) َعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19))

كعادة القران الكريم أن يتحدث عن امور سَتقع ومن أصدق من الله قيلا ً وهذه الأمور التي ستقع في الآخرة، الآخرة إلى الآن لم يحن وقتها بالنسبة لنا، الاموات الله العالم بمصائرهم لكن لا زلنا في الدنيا ولا نعلم متى ينتهي هذا الأجل الذي ضُرب لنا لا يعلم ذلك إلا الله تبارك وتعالى، وهناك مصير سيلقانا..

القرآن الكريم عندما يتحدث عن هذا المصير قطعاً هناك أكثر من نكتة في هذا المطلب يريد أن ينبهنا ويريد أن يعِضنا يريدنا أن نزداد علماً حتى نزداد عملا ً يريدنا أن نطلع على عالم وهذا الاطلاع نحصل به درجة من اليقين ودرجة من الاطمئنان حتى نعمل ولذلك البعض عندما يصف الائمة عليهم السلام بعض أهل الورع والتقوى مثلا ً كأنهم في الآخرة لا يزالون.. هم ليسوا في الآخرة لكن هذا التشوّق للآخرة كأن الإنسان الآن في الآخرة يتحسس نعيم الجنة ويتحسس لفحات جهنم والعياذ بالله، فيعمل لهذه ويبتعد عن هذه.. من المواطن التي ابتلينا فيها في الدنيا مسألة الظلم والتفتوا إخوتي إلى معنى في غاية الأهمية وهي مسألة الظلم هذه الرذيلة وهذه الصفة الذميمة العقل يدركها والعقل يرى أن الظلم قبيح..

ما معنى الظُلم؟

الظُلم هو أن تسلبني حقّي، أنا أملك حقا وأنت تسلبني إياه، أنت ستكون ظالماً.. حقي في الحياة حقي في الاعتقاد حقي في العمل حقي في الجلوس في مكان وأنت تسلبني هذا الحق يعبّر عنه ظالم، ولا شك إخواني هناك ظالم وهناك ظلاّم وهناك أظلم.. الظلم من الصفات التي تقبل الزيادة والنقيصة.. التي تقبل فيها صيغة المبالغة كما تقول هذا إنسان طويل وهذا أطول، الأطول الطول حاصل والزيادة التي فيها صيغة التفضيل صيغة المبالغة أيضاً.. فهذا ظالم وهذا أظلم بل قد يكون ظلاّم وهذا كثير الظلم يصدر منه ظلماً بعد آخر.. ومن أبشع حالات التجاوز على الآخرين هي حالة الظلم ويبقى المظلوم يعيش حالة الكبت وحالة الألم لأن حقّهُ قد سُلب وهو لا يستطيع أن يُرجع حقّه..

لماذا يظلم الظالم؟!

قطعاً لأسباب: السبب الأول: حب التوسع، يحاول أن يريد كل شيء له فيظلم ويتجاوز، عنده سلطة وبهذه السلطة يظلم الآخرين بزعم أن لا أحد يستطيع أن يمنع ظلامته لوجود زبانية ولوجود ناس مسخرين لظلمه، يظلم لجاهه وعنده جاه ويستغفل الاخرين بالظلم خصوصاً الضِعاف، يظلم لأنه عنده مال يحاول بهذا المال أن يشتري الذمم وان يظلم الآخرين. (الظلم) القرآن الكريم والشرائع السماوية والأرضية عادة تشير إلى الظلم بإشارات سيئة ومصطلح الحقوق والواجبات يدخل في هذه الخانة أن أعرف حدودي فلا أظلم وتعرف حدودك فلا تظلم.. فهذا حقّي وأنت إذا سلبتني حقّي ستكون ظالماً. لاحظوا القرآن الكريم إخواني، طبعاً الظلم في الدنيا ما شاء الله وفي بعض الحالات نُبتلى بظَلَمة كثيرين، أنت كما قلنا اعرف الحق ستعرف أهله وإذا عرفت الحق بالنتيجة ستعرف الباطل.. فإذا عرفت أهل الحق ستعرف أهل الباطل..

القرآن الكريم يعطي للظَلَمة في الدنيا ينبّه يبيّن ماذا يقول.. قال تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ(17).

وهذا شيء عجيب غريب لأننا نؤمن أن الإنسان هذا كسبه لكننا نغفل.. القرآن الكريم يقول الدنيا ليست مرتع للمحاسبات قد يفلت فيها من يفلت وقد يضيع من يضيع لأهل الدنيا.. لكن الله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ).

يقول تبارك وتعالى (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) ثم يقول الله تبارك وتعالى: (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) لاحظوا هذه العبارة القرآنية (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ)، لأن الله تعالى تبنى الموضوع قال (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) كأن إشارة إلى عالم الدنيا هو عالم الظلامات..

نعم قد أنا أرى وأنت ترى أن الله تعالى لماذا لا ينتقم من الظالم؟! الله تعالى لا يعجل بعجلة العباد لكن الله تعالى سريع الحساب سرعان ما تمضي الأيام والليالي وينزل الإنسان إلى حفرته التي لابدَ له منها ثم ينفخ في الصور وننشر جميعاً لحظات وسنرى بأم أعيننا كيف تكون الظلامات وكيف يكون حال المظلوم.

لاحظوا يقول (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)) (وَأَنذِرْهُمْ) إنذار لكل ظالم عندما تقترب هذه الساعة بعض ذلك لا محيص سوف ينقطع كل شيء وهذا التعبير الرائع في الآية الكريمة (إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ) هذا التعبير أن الإنسان يكاد قلبه أن ينخلع من شدة هذا الهول.

(كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) هؤلاء مكبوتون لأنهم ستأتيهم وتقع عليهم الدائرة، وما للظالمين من حميم ولا شفيع لماذا؟! لأن الشفاعة لا تكون للظالم، نحن نؤمن بالشفاعة لكن هذه الشفاعة لا تكون إلا لمستحق لها أما هذا الظالم الذي ظلم اثنين ظلم ثلاثة ظلم مئة ظلم ألف ظلم آلاف.. هذا لا شفاعة له..

قد يحسب الظالم أن ما يفعله من حقّهِ، التفتوا إخواني، لكل ظالم حاشية تُفسد عليهِ ما يفعل لأن مصلحتها في بقاء ظلمهِ هي المستفيدة وهذا الظالم عادة يكون معتوه لا يعلم.. اقصد لا يعلم من باب السفاهة لا يعلم ما يكون مصير الظالمين خصوصاً الذي يظلم الضِعاف والظالم إخواني لا تتوقع أن له موقع رسمي حتى يكون ظالماً، لا، الظالم هذا العنوان قد يبدأ بنا في كل موقع من مواقع حياتنا..ظالم في الاسرة ظالم في الاخ ظالم في العمل الظالم في الموقع السياسي الظالم في الموقع الاقتصادي الظالم في الموقع الاداري..كل هذه الظلم حالة غير قابلة للانكار العقل يدركها وعندما تسلب حق أحد فأنت من الظالمين..فلان يقول لك انت لست ظالم هذا من حقك.. هذا يكذب عليك، فلان يقول لك انت لست ظالماً انت تفعل الصحيح، هذا يخادعك، فلان يقول لك انك لم تظلم الناس هم الذين ظلموا أنفسهم، هذا يريد أن يجر النار إلى قرصه هذا

يريد أن يستفيد منك فجعلك جسراً لمآربه وبالنتيجة سينكفأ عنك غداً.. إيانا والظلم، لاحظوا الآية الكريمة تعبير في منتهى البلاغة (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ).

الظلم في الحياة الدنيا مشكلة والإنسان اذا ظلم احداً لا يستطيع دائماً بتعبيرنا أن يتبارئ الذمّة معه، والظلم كلما كان الموقع فيه تأثير أكثر كان الإنسان على خطر أكثر..

لذلك إخواني لابد أن نتحاشى الظلم قدر المستطاع لأن عاقبة الظلم عاقبة غير حميدة..

نسأل الله تعالى أن لا نقبل بالظلم ولا نكن من الظالمين، كلا الأمرين خلاف الوضع الطبيعي، أن الإنسان يقبل بالظلم تارة وتارة الإنسان مظلوم لا حيلة له وتارة يقبل بالظلم، نسأل الله تعالى أن لا نقبل بالظلم ولا نكون من الظالمين..

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*