سيرة حياة بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء سلام الله علیها

339

ولادتها
========
وُلدت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعد بعثة والدها العظيم ( صلى الله عليه وآله ) بخمسة أعوام ، وبعد حادثة الإسراء والمعراج بثلاث سنين ، وقد بشّر جبريل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بولادتها وكان تاريخ ولادتها يوم الجمعة العشرين من شهر جمادى الآخرة في مدينة مكّة .
في بيت الوحي :
=========
نشأت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في أحضان الوحي والنبوة ، في بيت مفعم بكلمات الله وآيات القرآن المجيد ,سألتْ عائشةُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم عن سبب حبّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة هذا الحبَّ العظيم , فلقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينهض إذا دخلت عليه فاطمة وكان يقبِّل رأسها ويدها .
فأجاب سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) : ” يا عائشة لو علمتِ ما أعلم لأحببتيها كما أحبّ . فاطمةُ بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني ، ومن سرّها فقد سرّني ” .
وقد سمع المسلمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ” يقول إنّما سُمِّيتْ فاطمةُ فاطمةَ لأن الله عزّ وجل فَطَمَ من أحبّها من النار ” .
كانت فاطمة الزهراء تشبه سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) في خَلْقه وأخلاقه .
تقول أم سلمة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فاطمة أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكانت عائشة تقول : إنّها أشبه الناس برسول الله بحديثها ومنطقها .وكانت فاطمة لا تحب أحداً قدر حبّها لأبيها .
كانت ترعى أباها وعمرها ست سنين ، عندما توفيت أمها خديجة الكبرى ، فكانت تسعى لملء الفراغ الذي نشأ عن رحيل والدتها .
وفي تلك السنّ الصغيرة شاركت أباها محنته وهو يواجه أذى المشركين في مكّة .
كانت تضمّد جراحه ، وتغسل عن ما يُلقيه سفهاء قريش , وكانت تحدّثه بما يُسلّي خاطره ويدخل الفرحة في قلبه ؛ ولهذا سمّاها سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله ) أمَّ أبيها ، لفرط حنانها وعطفها على أبيها ( صلى الله عليه وآله ) .
 زواج فاطمة ( عليها السلام ) :
=================
بلغت فاطمةُ سنَّ الرشد ، وآن لها أن تنتقل إلى بيت الزوجية ، فخطبها كثير من الصحابة في طليعتهم أبو بكر وعمر ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يردّ الخاطبين قائلاً : إنني أنتظر في أمرها الوحي , وجاء جبريل يخبره بأن الله فد زوّجها من علي .
وهكذا تقدم علي ، والحياء يغمر وجهه ، إلى خطبة فاطمة ( عليها السلام ) .
فدخل رسول لله ( صلى الله عليه وآله ) على فاطمة ليرى رأيها وقال لها :(يا فاطمة إن علي بن أبي طالب من قد عرفْتِ قرابته وفضْله وإسلامه ، وإني قد سألتُ ربّي أن يزوِّجكِ خيْرَ خلْقه وأحبَّهم إليه ، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين ” ؟
سكتت فاطمة وأطرقت برأسها إلى الأرض حياء ، فهتف رسول الله : ” الله أكبر ! سكوتها رضاها ” , وقد تمّت مراسم العقد والزواج ببساطة تعكس سماحة الإسلام ، فقد كان علي لا يملك من دنياه شيئاً غير سيفه ودرعه ، فأراد أن يبيع سيفه ، فمنعه رسول الله لأن الإسلام في حاجة إلى سيف علي ، ولكنه وافق على بيع الدرع ، فباعه علي ( عليه السلام ) ودفع ثمنه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
 الأسرة المثال :
=========
الحياة الزوجيةُ اندماج لحياتين لتصبح حياةً مشتركة . . . حياة واحدة .
حياة الأسرة تنهض على التعاون والمحبّة والاحترام .
كانت حياة علي وفاطمة (عليهما السلام ) مثالاً للحياة الزوجية الكريمة .
كان علي يساعد فاطمة في أعمال المنزل وكانت فاطمة تسعى إلى إرضائه وإدخال الفرحة في قلبه , كان حديثهما في منتهى الأدب والاحترام .
إذا نادى علي فاطمة قال : يا بنت رسول الله ، وإذا خاطبتْه قالت : يا أمير المؤمنين . وكانا مثال الأبوين العطوفين على أبنائهما .
 الثمار :
=======
في العام الثالث من الهجرة أنجبت فاطمة ( عليها السلام ) أول أولادها فسمّاه سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) ” الحسن ” ، وبمولده غمرت الفرحة قلب رسول الله ، وهو يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى ويغمره بآيات القرآن .

وبعد عام وُلد الحسين ( عليه السلام ) , أراد الله أن تكون ذرّية رسوله محمد ( صلى الله عليه وآله ) من فاطمة ( عليها السلام ) .
واحتضن الرسولُ سبطيه يحوطهما برعايته ، وكان يقول عنهما : ” هما ريحانتاي من الدنيا ” .
كان يحملهما معه إذا خرج أو يُجلسهما في أحضانه الدافئة .
دخل رسول الله ذات يوم منزل فاطمة وكان الحسن يبكي جوعاً وفاطمة نائمة ، فأخذ إناءً وملأه حليباً وسقاه بنفسه ‘,ومرّ ذات يوم آخر أمام بيت فاطمة فسمع بكاء الحسين ، فقال متأثراً : ” ألا تدرون أن بكاءه يؤذيني ” , ومرّ عام جاءت بعده ” زينب ” إلى الدنيا ، وبعدها ” أم كلثوم ” ولعلّ رسول الله تذكّر ابنتيه زينب وأم كلثوم عندما سمّاهما بهذين الاسمين ,وهكذا أراد الله أن تكون ذرية الرسول في ابنته الوحيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . . ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم .
  منزل فاطمة :
===========
بالرغم من حياتها القصيرة فقد كانت حافلة بالخير والبركات ، وكانت قدوة وأسوة للنساء ، فكانت الفتاة المثال والزوجة المثال ، والمرأة المثال ، ولهذا أصبحت سيدة نساء العالمين .
كانت مريم بنت عمران سيدة النساء في عصرها ، وكانت آسية امرأة فرعون سيدة نساء زمانها ، وكذلك كانت خديجة بنت خويلد .
أمّا فاطمة الزهراء فقد توّجها الإسلام سيدةً للنساء على مرّ العصور .
كانت قدوة في كل شيء . . يوم كانت فتاة تسهر على راحة أبيها وتشاركه آلامه ، ويوم كانت زوجة ترعى زوجها وتوفّر له سكناً يطمئن إليه ويلوذ به عندما تعصف به الأيام ، ويوم كانت أمَّا تربّي صغارها على حبّ الخير والفضيلة والخلق الكريم ، فكان الحسن والحسين وزينب (عليهم السلام ) أمثلة سامية في دنيا الأخلاق والإنسانية.
 رحيل الأب :
========
عاد رسول الله من حجة الوداع ولزم فراش المرض وغُشي عليه من شدّة الحمّى ، وهرعت إليه الزهراء تحاول دفع الموت عنه وهي تذرف الدموع ، وكانت تتمنى أن تموت هي بدلاً عنه .
فتح الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عينيه وراح يتأمّل ابنته الوحيدة ، فطلب منها أن تقرأ له شيئاً من القرآن ، فراحت الزهراء تتلو القرآن بصوتٍ خاشع وكان الأب العظيم يصغي بخشوع إلى كلمات الله وهي تطوف في فضاء البيت .
أراد أن يقضي آخر لحظات عمره المبارك وهو يصغي إلى صوت ابنته التي رعتْه صغيرة و وقفتْ إلى جانبه كبيرة .
والتحق الرسول بالرفيق الأعلى وعرجت روحه الطاهرة إلى السماء .
كان رحيل الرسول صدمة كبيرة لابنته البتول ولم يتحمل قلبها تلك المصيبة ، فراحت تبكي ليل نهار .
ثم وجهت لها السياسة والأطماع ضربة أخرى بعد أن اغتصبوا منها ” فدكاً ” وتجاهلوا حق زوجها في الخلافة .
حاولت الزهراء الدفاع عن حقّها وكان لها في ذلك مواقف غاية في الشجاعة .
كان الإمام يدرك أن استمرار الزهراء في معارضة الخليفة سيجرّ البلاد إلى فتنة ، فتضيع كل جهود الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أدراج الرياح ويعود الناس إلى الجاهلية مرّة أخرى .
طلب الإمام من زوجته العظيمة الاعتصام بالصمت والصبر ، حفاظاً على رسالة الإسلام .
وهكذا سكتت الزهراء لكنها بقيت غاضبة وتذكّر المسلمين أن غضبها يعني غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله ) وغضب الرسول يعني غضبَ الله سبحانه .
سكتت الزهراء إلى أن رحلت عن الدنيا ولكنها طلبت في وصيّتها أن تُدفن سرّاً .
 الرحيل عن الدنيا :
=========
كانت فاطمة كشمعة تتوهج وتحترق وتذبل ثم يخبو نورها شيئاً فشيئا لم تستطع البقاء بعد رحيل أبيها وتنكّر الزمان لها ,كانت أحزانها تتجدّد كلما ارتفع الأذان يهتف : أشهد أن محمداً رسول الله .كانت تريد اللقاء بأبيها وكان شوقها يستعر يوماً بعد آخر ,وهزل جسمها ولم يعد يتحمل شوق روحها إلى الرحيل , وهكذا ودّعت الدنيا ودّعت الحسن بسنواته السبع والحسين بأعوامه الستة وزينب بسنواتها الخمس وأم كلثوم وردة في ربيعها الثالث , وكان أصعب ما في الوداع أن تودّع زوجها وشريك أبيها في الجهاد وشريك حياتها .
أغمضت الزهراء عينيها بعد أن أوصت زوجها بأطفالها الصغار ، كما أوصته أن تدفن سرّاً .
وما يزال قبر الزهراء مجهولاً ، فترتسم علامة استفهام كبرى في التاريخ ,ما تزال الزهراء تستفهم التاريخ ، ما تزال تطلب حقها ؛ وما يزال المسلمون يتساءلون عن بقاء القبر مجهولاً .
جلس الإمام المفجوع عند قبرها ، وكان الظلام يغمر الدنيا فقال يؤبنّها :
( السلام عليك يا رسول الله . . عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك ، قلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ورقّ عنها تجلّدي . . . وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها ، فأحفها السؤال وأستخبرها الحال . . والسلام عليكما سلام مودِّع “.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*