حيَاتُهَا الزّوْجيّة

252


انتقلت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى البيت الزوجي، وكان انتقالها من بيت الرسالة والنبوة إلى دار الإمامة والوصاية والخلافة والولاية، وحصل تطور في سعادة حياتها، فبعد أن كانت تعيش تحت شعاع النبوة صارت تعيش قرينة الإمام.
كانت حياتها في البيت الزوجي تزداد إشراقاً وجمالاً إذ كانت تعيش في جوٍّ تكتنفه القداسة والنزاهة، وتحيط به عظمة الزهد وبساطة العيش، وكانت تعين زوجها على أمر دينه وآخرته، وتتجاوب معه في اتجاهاته الدينية، وتتعاون معه في جهوده وجهاده.
وما أحلى الحياة الزوجية إذا حصل الانسجام بين الزوجين في الاتجاه والمبدأ ونوعية التفكير، مبنياً على أساس التقدير والاحترام من الجانبين.
وليس ذلك بعجيب، فإن السيدة فاطمة الزهراء تعرف لزوجها مكانته العظمى ومنزلته العليا عند الله تعالى، وتحترمه كما تحترم المرأة المسلمة إمامها، بل أكثر وأكثر، فإن السيدة فاطمة كانت عارفة بحق علي حق معرفته، وتقدره حق قدره، وتطيعه كما ينبغي، لأنه أعز الخلق إلى رسول الله.
لأنه صاحب الولاية العظمى، والخلافة الكبرى والإمامة المطلقة.
لأنه أخو رسول الله وخليفته، ووارثه ووصيه.
لأنه صاحب المواهب الجليلة، والسوابق العظيمة.
وهكذا كان علي (عليه السلام) يحترم السيدة فاطمة الزهراء احتراماً لائقاً بها، لا لأنها زوجته فقط:
بل لأنها أحب الخلق إلى رسول الله.
لأنها سيدة نساء العالمين.
لأن نورها من نور رسول الله.
لأنها من الذين بهم فتح الله كتاب الإيجاد والوجود، لأنها كتلة من العظمة.
لأنها مجموعة من الفضائل متوفرة في امرأة واحدة لاستحقت التقدير والتعظيم.
فكيف بفاطمة الزهراء، وقد اجتمعت فيها من المزايا والمواهب والفضائل والمكارم ما لم تجتمع في أية امرأة في العالم كله، من حيث النسب الشريف الأرفع، والروحانية والقدسية، من حيث بدء الخلقة ومنشأ إيجادها وكرامتها عند الله، وعبادتها وعلمها وديانتها، وزهدها وتقواها وطهارتها ونفسيتها وشخصيتها، وغير ذلك من مئات المزايا مما يطول الكلام بذكرها.
بعد ما قصصنا ولم نقصص عليك يمكن لك أن تدرك الجوّ الذي كان الزوجان السعيدان يعيشانه، والحياة الطيبة السعيدة الحلوة (بجميع معنى الكلمة) التي كانا يتمتعان بها:
حياة لا يعكِّرها الفقر، ولا تغيّرها الفاقة، ولا تضطرب بالحوادث.
حياة يهب عليها نسيم الحب والوئام، وتزينها العاطفة بجمالها المدهش.
وفي البحار عن المناقب قال علي (عليه السلام): فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت انظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.
وفي تفسير العياشي عن الإمام الباقر (عليه السلام): أن فاطمة (عليها السلام) ضمنت لعلي (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز، وقمَّ البيت، وضمن لها علي (عليه السلام) ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام.
لم يُعلم بالضبط مدة إقامة الإمام والسيدة فاطمة (عليهما السلام) في دار حارثة بن النعمان، إلاّ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنى لها بيتاً ملاصقاً لمسجده، له باب شارع إلى المسجد، كبقية الحجرات التي بناها لزوجاته، وانتقلت السيدة إلى ذلك البيت الجديد الملاصق لبيت الله، المجاور لبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).

أُكْذُوبَةُ التَاريخ في حَقِّ عَليّ (عليه السلام)
لقد تكرر منّا الكلام أن بعض حَمَلة الأقلام أساءوا إلى السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في شتى الميادين ومختلف المجالات، وقد تقدم منا الكلام أن زواج الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد هيَّج الأحقاد في قلوب الحاسدين، فجعلوا يتشبثون بشتى الوسائل لتعكير حياة الزوجين السعيدين، وإثارة الفتن والمشاغبات، كما هو شأن المفسدين الذين تتكون عندهم عقدة الحقارة النفسية بسبب الفشل في الحياة.
ومن جملة تلك المشاغبات أنهم أشاعوا أن عليّاً قد خطب ابنة أبي جهل، ووصل الخبر إلى السيدة فاطمة الزهراء أن زوجها قد خطب بنت رئيس المشركين وقطب الكافرين أبي جهل.
فتأثرت السيدة فاطمة وذهبت إلى حجرة أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله) ولكن سرعان ما انكشف الأمر، واتضحت الحقيقة، وظهر تزوير هذا الخبر.
هذه خلاصة الحديث على فرض صحته.
ولكن هلم معي إلى بعض المؤلفين والكُتّاب كيف اتخذوا هذه التهمة مرتعاً خصباً للتهريج والتشنيع ضد الإمام أمير المؤمنين، فجعلوا يطبّلون ويزمّرون من حيث يشعرون أو لا يشعرون.
ومن جملة المطبّلين والمزمّرين هي الكاتبة المصرية التي كتبت ما كتبت وهي غير مبالية بما تكتب، أو متعمدة فيما تكتب، فإنها اعتبرت هذه الأكذوبة حقيقة ثابتة عندها، لا شك فيها ولا ريب.
وهنا نقتطف بعض ما كتبته الكاتبة المصرية في كتابها: (بنات النبي) ص167.
(لقد همّ علي بالزواج على فاطمة.. دون أن يخطر بباله أن في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام).
أنا لا أدري بماذا أُجيب على هذه الكلمة الهوجاء التائهة؟
وهل يوجد في العالم كله رجل لا يشعر أن زوجته تكره الضرّة؟ وتكره أن يتزوج عليها زوجها؟
إنَّ أقلَّ الناس إدراكاً ومعرفة بالأمور يشعر بهذا الأمر، ولكن الكاتبة تقول: (دون أن يخطر بباله (ببال علي) أن في هذا ما تنكره بنت نبي الإسلام)!!
وتقول بعد ذلك: (ألا ليت علياً قد صبر على واحدة).
ثم إنّها ملأت صفحات من كتابها في ذم أبي جهل ومواقفه ضد الإسلام، ثم قارنت بين بنت أبي جهل وبين بنت الرسول، وهي بهذه المقارنة تقصد التشنيع والتهريج ضدّ هذا الزواج المزعوم.
ومن العجب أن الكاتبة نفسها تبدي استيائها من بعض المستشرقين المسيحيين المتعصبين الذين تلاعبوا بالتاريخ الإسلامي، وتخص الكاتبة منهم (لامانس) المبشّر المسيحي المعادي.
ومع الأسف أن الكاتبة نفسها نسيت التريّث والتروّي حول هذه المفتريات، واعتبرتها وحياً يوحى.
واستعانت الكاتبة بنسيج خيالها ووصفها الروائي الذي هو عادة مؤلفي الأساطير.
وهنا يجيب العلامة المعاصر السيد حسن الأمين – عن هذه المفتريات – في الجزء الثالث من كتابه (دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ص10) تحت عنوان: دسائس على النبي وعليّ وفاطمة: ورد في كتاب ذخائر العقبى أن علياً أراد أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة، وأن النبي غضب لذلك وصعد المنبر محتداً ناقماً على هذا الأمر، شاجباً له، بالتفاصيل المزرية التي وردت في الكتاب مما هو طعن صريح بمحمد، فضلاً عن أنه طعن بعليٍّ وفاطمة.
أمّا أنه طعن بمحمد، فذلك أنه أظهره بمظهر من يرفض أن يطبّق الشريعة على نفسه وعلى من يتصل به في حين أنه يفرض على غيره تطبيقها.
فهو يبيح للناس تعدد الزوجات، ولكن يأبى أن ينطبق هذا التعدد على ابنته.
وهذا من أفظع ما يوجَّه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) من مطاعن ولكن أعداء محمد استطاعوا أن يفعلوا ذلك، وأن يستغلوا ذوي النظر القصير، فيروونه في كتبهم ولا يرون فيه شيئاً.
أمّا أنه طعن في علي، فذلك بإظهاره بمظهر من أغضب فاطمة وأغضب النبي نفسه.
وأمّا أنه طعن فاطمة، لأنها ترفض أن تطبِّق شريعة الله التي جاء بها أبوها على نفسها.
نحن لن نتعرض لسند الخبر، فإن هذا الخبر بادئ الفساد من نفسه ولكننا نتساءل: لماذا خصّ رواة الخبر بنت أبي جهل بهذا الشرف؟
ولماذا لم ينسبوا إلى علي محاولته التزوج على فاطمة من غير بنت أبي جهل؟
أكان ذلك لأن بنت أبي جهل كانت من الجمال والكمال بحيث لم تكن أي فتاة عربية غيرها على شيء من مثلها؟
إنما خصُّوا بذلك بنت أبي جهل ليكون الطعن في علي (عليه السلام) أبلغ وأنفذ، فهو لم يختر لإغاظة النبي وابنته فاطمة إلاّ بنت أعدى عدوٍّ للنبي والإسلام.
كشفتْ الدسيسة عن نفسها، وفضحت مخترعيها ولو كانوا أكثر ذكاءً لخففّوا من غلوائهم، ولم يمدحوا أنفسهم وهم يشتمون محمداً وابنته وابن عمه.
فقد أوردوا في القصة هذا النص عن لسان النبي: (ذكر – النبي – صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن).
قال – النبي -: (حدَّثني – أي ذلك الصهر من بني عبد شمس – فصدَّقني، ووعدني فأوفاني).
ومعنى هذا الكلام أن النبي يثني على صهره الأموي من بني عبد شمس ويقول عنه: أنّه حدّثه فصدقه في حديثه، ووعده فوفى بما وعد!
والنتيجة الحتمية لهذا الكلام أن صهر النبي الآخر (علي بن أبي طالب) حدَّث النبيَّ وكذب، ووعد النبي فغدر ولم يفِ، وأن النبي ذمَّه في مصاهرته إياه!!
وهكذا – كما قلنا – فضحت الدسيسة نفسها بنفسها وأظهرت زيفها دون أن تحوجنا في ذلك إلى كثير عناء.
أُريدَ لهذا الخبر الزائف غاية أُخرى مضافة إلى غاية الطعن في النبي وفي علي وفاطمة، هذه الغاية هي صرف الأنظار عن حقيقة الذين أغضبوا فاطمة، وجعل المقصود بذلك هو علي بن أبي طالب.
فقد أورد مدبّرو الخبر ومنظّموه – أوردوه بعدَّة نصوص ليكون في كل نصٍ غاية مستقلة.
ومن النصوص التي أوردها قولهم: قال النبي: (فاطمة بضعة مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما يؤذيها).
ثم فسّروا هذا الحديث بأن قالوا: إن المقصود منه أنَّ الله حرَّم على علي أن يتزوج على فاطمة ويؤذي رسول الله.

ولاَدَةُ الإمَام الحَسَن (عليه السلام)
وحملت السيدة فاطمة الزهراء بولدها الحسن (عليه السلام) وعمرها اثنتا عشرة سنة وانتقل شيء من نور الإمام والإمامة من صلب علي إلى فاطمة، ومن الطبيعي أن النور يتجلى في وجهها، ويزهر وجهها كي يصدق عليها اسم (الزهراء).
واقتربت الولادة، واتفقت للرسول سفرة جاء يودّع ابنته فاطمة، فأوصاها بوصايا تتعلق بالمولود المنتظر ومنها: أن لا يلفّوه في خرقة صفراء.
ووضعت فاطمة ولدها الأول في النصف من شهر رمضان (على قول) سنة ثلاث من الهجرة، فكان يوماً عظيماً، وقد حضرت عند الولادة أسماء بنت عميس فلفّوه في خرقة صفراء، لا تعمداً ومخالفة للرسول، بل سهواً وغفلة أو جهلاً من النسوة اللاتي حضرن الولادة.
فأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: أروني ابني، ما سميتموه؟
وكانت فاطمة قالت لعلي (عليه السلام): سمِّه. فقال علي: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله فلما جاء النبي وأخذ المولود قال: ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء؟ ثم رمى بها، وأخذ خرقة بيضاء فلفَّه بها.
ثم قال لعلي (عليه السلام): هل سميّته: قال علي: ما كنت لأسبقك باسمه. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): وما كنت لأسبق ربي عز وجل.
فأوحى الله إلى جبرئيل: أنه قد وُلد لمحمد ابن، فاهبط، فأقرأه السلام، وهنأه وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمِّه باسم ابن هارون.
فهبط جبرئيل فهنأه من الله عز وجل، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): وما كان اسمه؟ قال جبرئيل: شبَّر فقال النبي: لساني عربي(1) قال جبرئيل: سمّه الحسن. فسمَّاه الحسن، وأذَّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى. فلما كان يوم السابع عقّ النبي (صلى الله عليه وآله) بكبشين أملحين، وأعطى القابلة فخذاً وديناراً. وحلق رأسه، وتصدّق بوزن الشعر فضّة، وطلى رأسه بالخلوق (طيب مركّب من الزعفران وغيره) وقال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية. أي إن أهل الجاهلية كانوا يطلون رأس المولود بالدم.
وكان الرسول يقبّله: ويُدخل لسانه في فم الحسن فيمصّه الحسن وقيل: كان ذلك كله يوم السابع من الولادة(2).

ولاَدَةُ الإمَام الحُسَين (عليه السلام)
حملت السيدة فاطمة الزهراء بطفلها الثاني، ومضت ستة أشهر على الحمل، وإذا بها تشعر بعلائم الولادة. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد بشَّر بولادة الحسين كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) قال: أقبل جيران أم أيمن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله إن أم أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتى أصبحت. فبعث رسول الله إلى أم أيمن فجاءته فقال لها: يا أم أيمن! لا أبكى الله عينيك! إن جيرانك أتوني وأخبروني أنك لم تزل الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينيك ما الذي أبكاك؟ قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكي الليل أجمع فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): فقصِّيها على رسول الله، فإن الله ورسوله أعلم. فقالت: تعظم عليَّ أن أتكلم بها. فقال لها: إن الرؤيا ليست على ما تُرى، فقصِّيها على رسول الله.
فقالت: رأيت ليلتي هذه كأن بعض أعضائك ملقىً في بيتي! فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): نامت عينك ورأيت خيراً، يا أم أيمن تلد فاطمة الحسين فتربينه وتلبينه فيكون بعض أعضائي في بيتك.
فلما ولدت فاطمة الحسين (عليهما السلام) أقبلت به أُم أيمن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: مرحباً بالحامل والمحمول يا أُم أيمن هذا تأويل رؤياك.
ورأت أُم الفضل زوجة العباس (عم النبي) رؤيا شبيهة برؤيا أُم أيمن.
وحضرت النسوة وقت الولادة، منهن: صفية بنت عبد المطلب (عمة النبي) وأسماء بنت عميس وأُم سلمة، فلما وُلد الحسين قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا عمة هلمِّي إليّ ابني فقالت: يا رسول الله إنّا لم ننظفه بعد. فقال: يا عمة أنت تنظّفينه؟ إن الله تبارك وتعالى قد نظّفه وطهّره.
وهبط جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمره أن يسميه: الحسين باسم ابن هارون، وكان اسمه بالعبرية (شبير) ومعناها بالعربية: الحسين.
وهبط على النبي (صلى الله عليه وآله) أفواج من الملائكة لتُهنّئه بولادة الحسين وتعزّيه بشهادته، وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسين، فجعل لسانه في فمه، فجعل الحسين يمص وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتيه كل يوم. فيلقمه لسانه فيمصّه الحسين حتى نبت لحمه واشتد عظمه من ريق رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يرتضع الحسين (عليه السلام) من أُمّه، ولا من امرأة أُخرى!

قال سيدنا بحر العلوم (عليه الرحمة):
لله مرتــــضع لـــــــــن يرتضع أبداً          من ثــــدي أُنثى ومن طه مراضعه
يعطيـه إبهـــــــــامـه آناً فـــــــآونةً          لسـانـه فاســـــــــتـوت منه طبائعـه
وفي اليوم السابع من ولادته أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحلق رأس الحسين، وتصدّق بوزن شعره فضة، وعقّ عنه(3) هذا وتجد التفصيل في كتابنا: (الحسين من المهد إلى اللحد) إن شاء الله تعالى.

ولاَدَةُ السَيّدَةُ زَيْنَب الكُبرى (عليها السلام)
من الصحيح أن نقول أن ولادة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) كانت بعد ولادة الحسين (عليه السلام) وبعبارة أخرى: أن السيدة زينب هي الطفل الثالث للسيدة فاطمة الزهراء بإجماع أكثر المؤرخين والمحدّثين، إلاّ من شذّ وندر من المؤرخين المتطرفين الذين جعلوها الطفل الرابع، زاعمين أن السيدة فاطمة الزهراء حملت بزينب بعد سقوط جنين لها، وهم بذلك يقصدون تغطية الجريمة وستر المأساة التي حدثت عند باب دار السيدة فاطمة الزهراء بعد وفاة الرسول، مما أدّى ذلك إلى سقوط جنينها.
ومن جملة من أعجبهم هذا القول الشاذ هي بنت الشاطئ المصرية في كتابها: (بطلة كربلاء) وإليك نص كلامها:
(إنها الزهراء بنت النبي، توشك أن تضع في بيت النبوة مولوداً جديداً بعد أن أقرّت عيني الرسول بسبطيه الحبيبين: الحسن والحسين، وثالث لم يقدّر له أن يعيش هو المحسن بن علي.. الخ(4).
ولا يُهمّنا – الآن – النقاش حول هذه المغالطة، لأن لنا مجالاً واسعاً – في المستقبل – حول المحسن بن علي، وأنه هو الطفل الأخير لفاطمة الزهراء (عليها السلام) وأنه مات جنيناً في بطن أُمه على أثر الصدمة والضغطة التي حدثت بين الحائط وبين باب بيت فاطمة.
وإنما نذكر هنا نبذة مختصرة من حياة السيدة زينب الكبرى رعاية لأسلوب الكتاب، وأرجو الله تعالى أن يوفقني لأكتب كتاباً مستقلاً حول حياة السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) فإن حياتها المشرقة جديرة بالبحث والتحليل والإشادة والتنويه، ونذكر هنا الشيء اليسير اليسير عن مولدها ونشأتها، ونرجئ التفصيل إلى كتاب آخر إن شاء الله:
وُلدت السيدة زينب الكبرى في السنة الخامسة من الهجرة، وهي المولود الثالث للبيت النبوي العلوي الشريف الأرفع.
وإنني أراها – هنا – في غنى عن التعريف والوصف، وما عساني أن أقول في سيدة أبوها: الإمام المرتضى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمها التي أنجبتها: سيدة نساء العالمين الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأخواها سيدا شباب أهل الجنة الإمامان: الحسن والحسين (عليهما السلام) فهي حصيلة الفضائل، ونتيجة العظمة، محاطة بهالة من الشرف الرفيع من جميع جوانبها.
فلا تسأل عن صدرٍ أرضعها، وحجرٍ رباها، وتربية شملتها، ورعاية أحاطت بها، والبيت الذي فتحت فيه عينها.
ولا تسأل عن عوامل الوراثة، وتفاعل التربية، وتأثير الجو العائلي المقدس في نفسية السيدة زينب، مضافة إلى أخلاقها المكتسبة، ومواهبها التي ظهرت من الإمكان إلى الفعل.
وكم يؤلمني أن أقول بأن التاريخ قد ظلم السيدة زينب كما ظلم أباها وأمها وأسرتها أجمعين. إذ لم يعبأ بها التاريخ كما ينبغي، ولم يتحدث عنها كما تقتضيه وتتطلبه شخصية سيدة مثل زينب الكبرى عقيلة الهاشميين، حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
سمّاها جدّها الرسول زينباً، والكلمة مركبة من: (زين الأب) وقد ذكر الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه: (الحسين وبطلة كربلاء) نقلاً عن جريدة الجمهورية المصرية 13/10/72 مقالاً للكاتب المصري يوسف محمود، نقتطف منه موضع الحاجة:
وُلدت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة، فحملتها أمها، وجاءت بها إلى أبيها (علي) وقالت: سمِّ هذه المولودة.
فقال لها – رضي الله عنه -: ما كنت لأسبق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان في سفر له، ولما جاء النبي وسأله عن اسمها قال: ما كنت لأسبق ربي.
فهبط جبرئيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل وقال له:
اسم هذه المولودة زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم.
هذا ما ذكره صاحب المقال بدون تعرّض لسند هذا الحديث، ذكرته بالمعنى الواحد.
وللسيدة زينب الكبرى حياة مشرقة وتاريخ حافل بالمكارم والفضائل ومليء بالمآسي في أدوار حياتها في عهد الطفولة ودور الصبا، من افتجاعها بجدّها الرسول الأقدس (صلى الله عليه وآله) وأمها الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والأحداث التي عاشتها السيدة زينب طيلة ربع قرن الفترة التي كان أبوها المرتضى علي (عليه السلام) جليس البيت مسلوب الإمكانيات. ثم هجرتها من المدينة إلى الكوفة عاصمة أبيها يومذاك، وشاءت الإرادة الإلهية أن تفجع السيدة زينب بأبيها العظيم الإمام علي (عليه السلام) تلك الكارثة التي اهتزت لها السماوات العلا، وأعقبت ذلك أحداث من الحرب التي قامت بين أخيها الإمام الحسن (عليه السلام) وبين معاوية، وأنتجت تلك النتائج وإلى أن انتهت الفترة بوفاة الإمام الحسن (عليه السلام) مسموماً، وانقضت سنوات وإذا بالسيدة زينب تواجه كارثة أخرى هي أعظم فاجعة عرفها التاريخ تلك فاجعة كربلاء الدامية ذات المسيرة الطويلة والأبعاد العديدة فكانت السيدة زينب تعيش تلك الأحداث بدون أن يعتريها انهيار أو ارتباك، لم تفقد أعصابها، ولم يختل وعيها، وإلى أن رجعت إلى المدينة، وحكمت السلطة عليها بالإبعاد، فاختارت مصر، وقدّر الله لها أن تفارق حياتها، تلك الحياة المدهشة في أرض النيل فيكون مثواها ملاذاً ومعاذاً ومهوى أفئدة الملايين على مرّ القرون وإلى يومنا هذا وإلى يوم يعلمه الله.
هذه نبذة موجزة ولمحة خاطفة تعتبر عصارة وخلاصة لحياة سيدتنا زينب الكبرى (عليها وعلى جدها وأمها وأبيها وأخويها الصلاة والسلام).
وإلى اللقاء في كتاب: (زينب الكبرى من المهد إلى اللحد) إن شاء الله.

السَيّدَة أمّ كُلثُوم
استقبل بيت السيدة فاطمة الزهراء وعلي (عليهما السلام) بنتهما الثانية وطفلهما الرابع بما استقبل به من سبقها من الأطفال من الفرح والسرور.
وقد شاركت السيدة أم كلثوم أختها زينب في النسب الشريف والتربية الممتازة والأحداث كلها، وإن اختلفت عنها في بعض جوانب حياتها.
وهي أيضاً من الذين شملهم ظلم التاريخ، كما شملتها المآسي التي لا يتحملها أقوياء الرجال.
ولعلنا نتطرق إلى نبذة من جوانب حياتها أثناء التحدث عن شقيقتها زينب الكبرى، ونؤدي بعض ما يتطلبه البحث والتحقيق إن شاء الله.

1 – لأن شبّر كلمة عبرية وليست عربية.
2 – الجزء العاشر من بحار الأنوار.
3 – الجزء العاشر من بحار الأنوار.
4 – ابن حزم في جمهرة أنساب العرب. والطبري في تاريخه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*