الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 6/جمادى الآخرة/1439هـ الموافق 23 /2 /2018م
289
شارك
كربلاء المقدسة – الحكمة: أيها الإخوة والأخوات نكمل ما ذكرناه في الخطبة السابقة عن منهج التغيير المجتمعي في الإسلام وسننه، وسبق أن بيّنا أيها الإخوة والأخوات أن الإسلام حثّ بشدّة الإنسان فرداً ومجتمعاً على أن يتحرك للتغيير دائماً في كل سنين حياته بل في كل أيام حياته بل في كل ساعات حياته.. الفرد في علاقته مع الله تعالى أو كمجتمع حينما يمر بممارسات اجتماعية غير صحيحة أو اعتقادات منحرفة أو أوضاع اجتماعية سياسية اقتصادية ثقافية غير وسواء أكان هذا ما يتعلق بالشخص كفرد في أي موقع كان وارجوا الالتفات لا نقصد بكلمة الفرد هو المواطن العادي فقط بل كل فرد في المجتمع سواء أكان فرداً عادياً او كان معلماً او مدرساً او استاذاً او مديراً او سياسياً او اقتصادياً او في مؤسسة مجتمع مدني او في أي مكان..هذا المنهج هو مقصود للجميع..
وقد احياناً المجتمع قد يمر بممارسات اجتماعية خاطئة او اوضاع سيئة سواء أكانت هذه الاوضاع اجتماعية او سياسية او ادارية او اداء غير مقبول او حالة من الاخفاق او الفشل او غير ذلك من هذه الحالات التي تحتاج الى التغيير.. الاسلام ينبّه الى نقطة مهمة..
لا يصح هنا للفرد سواء في علاقته مع الله تعالى او في اوضاعه الاخرى ان يقف مكتوف الايدي..فرداً ومجتمعاً هذه نظرة الاسلام لا يصح ان يقف الفرد والمجتمع مكتوفي الايدي امام الحالة التي يمر بها الفرد او المجتمع في كل شيء يطلب منه التغيير الدائم تارة من السيء الى الحَسن او من الحسن الى الأحسن فالأحسن.. الاسلام هكذا يقول: لا يصح انت ايها المجتمع ايها الفرد تمر باوضاع ووضع سيء وغيرك يتقدم ويتطور ويرتقي وانت في هذا الوضع اما في وضع سيء او في وضع تراوح في مكانك.. لا تنتنظر من الغير ان يأتي التغيير منه.. بيّنا ان انطلاق التغيير انما يبدأ من النفس فرداً او مؤسسة او مجتمعاً، الاسلام يحث على التغيير الدائم في هذه الظروف والاحوال التي ذكرناها لذلك ورد في الحديث الشريف الذي ينبغي ان نأخذه كمبدأ ونظرية في مسألة كيفية تغيير الاحوال: (من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ومن لم يرَ الزيادة في نفسه فهو الى النقصان ومن كان الى النقصان فالموت خير له من الحياة)، الله تعالى يقول اعطيتك عقل وامكانات وقدرات انا اريد منك ان تتقدم وترتقي وتتطور غيرك يتقدم ويستثمر الطاقات والامكانات ويرتقي وانت تراوح في مكانك..انت تضيع هذه الطاقات والقدرات في مختلف اختصاصاتها..لذلك هذا الحديث وضع لنا ثلاث حالات وقيّم لنا ثلاث حالات في الفرد والمجتمع..واحدة منها مبغون الانسان يخسر الكثير وواحدة منها ملعون وهي السيئة جداً وواحدة منها وهي في الخير والتي يكون يكون فيها الانسان الى تطور..
هل التغيير أمر سهل وبسيط أم يحتاج الى منهج؟! ان لم نتبع هذا المنهج لا يمكن ان نتطور ونرتقي ونعالج الاخطاء والاخفاقات والفشل في جميع المجالات سواء كان في مجال عبادي والعلاقة مع الله تعالى او في مجال مجتمعي..
الاسلام وضع لنا منهج نلتمس هذا المنهج على ضوء الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة وسيرة الصلحاء والقادة الصالحين الذين غيروا الامم وعلى ضوء الفطرة الانسانية وسيرة العقلاء، لابد ان يكون هناك منهج من اجل التغيير والانتقال من الحالة السيئة الى الحالة الحسنة..
وصلنا الى ان التغيير من أين يبدأ وبينا في الآيات القرانية ان الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّر ما بأنفسهم.. الله تعالى يقول انا اقدر ان اغيّر احوالكم لكن انا اكيف اعطيك الثواب انا وضعت منهج في الحياة وقوانين واسباب ونتائج لابد انت ان تتحرك وتبادر وانا اعينك اسهّل لك هذه الامور واوصلك الى المبتغى ولكن انت عليك ان تبدأ انت وتتحرك والتحرك من النفس..
المقصود من التحرك من النفس ان هذا الانسان كانسان ابدأ بنفسي او انا انسان في مدرسة ابدأ بهذه المدرسة او انا انسان في دائرة ابدأ بهذه الدائرة او انا انسان في عشيرة ابدأ بهذه العشيرة او انا انسان في كيان سياسي ابدأ بهذا الكيان السياسي او انا انسان في مؤسسة اجتماعية او علمية او ثقافية ابدأ بهذه المؤسسة.. ثم الاخر والاخر والثالث والرابع والخامس الى ان يأتي التغيير الكلي..فهذه نقطة الانطلاق الصحيحة..
في المحور الثاني لابد ان نرى ما هي متطلبات التغيير ومقدماته التي لابد ان نهيؤها..
كما بيّنت اخواني نحن نتحدث عن مجالين مرة في مجال علاقتي مع الله تعالى انا عندي زلات وعثرات واخطاء لابد ان اغيّرها واتدارك نفسي او انا اراوح في مكاني لابد ان ارتقي..
هنا نحتاج الى مقدمات فنبدأ:
أولاً: ايمان الفرد والمجتمع وقناعتهما بالاخطاء والعثرات:
هذه المشكلة الاولى اخواني انا كفرد لابد ان تصبح عندي قناعة انني اخطأت وحصلت عندي زلة او معصية.. البعض لا يؤمن ولا يقتنع يُقال له انت مخطئ او انت فاشل في ادائك انت لا تؤدي ما هو الدور المطلوب او كذا او كذا من هذه الاخطاء والعثرات والزلاّت..لا يُقر بها ولا يعترف بها حينئذ لا يمكن ان تبدأ مرحلة التغيير فهنا لابد للفرد للمؤسسة للجهة للكيان او العشيرة او المدرسة او الجامعة في كل مكان هذا العنوان لابد اولا ً او يُقر ويعترف بالخطأ والفشل كما في مسألة التوبة اخواني التوبة اولى مراحلها ان الانسان يقول انا اخطأت وانا صدر مني معصية وزلة وعثرة وظلم وتقصير بحق نفسي والاخرين ثم يبدأ التغيير والعلاج..
ثانياً: الارادة والعزيمة:
التغيير قد يواجه ارادة معطّلة للتغيير لأن التغيير قد يتصادم مع مصالح الاخرين ويحاولون ان يعطلّوا هذا التغيير وقد يكون لهؤلاء الذين يعارضون التغيير وتحويل الحال من السيء الى الحسن لديهم قدرات وامكانات يحاربون هؤلاء الذين يريدون الاصلاح..
ماذا نحتاج هنا؟! نحتاج ارادة وعزيمة وامل ان هذا التغيير لابد ان يحصل وقد يستغرق مدة طويلة البعض يضعف ويتراجع..ولكن الذي يريد ان يغيّر لابد ان يكون له إرادة تطول وتدوم وعزيمة على الوصول الى الهدف والثقة بالله تعالى والثقة بالنفس..
لابد ان تكون لديكم ارادة وعزيمة وان كان هذا التغيير في كل المجالات قد يستغرق سنوات طويلة لا ييأس الانسان بل لابد ان تكون لديه الارادة والعزيمة ان يحققه ويحقق الانجاز والنشاط والخير وان طال ذلك عشرات السنين..
ثم بعد ذلك لابد من توفّر القيادات الصالحة والقادرة على التغيير ولابد من وجود المنهج للتغيير:
بحمد الله تعالى ان شاء الله القيادات متوفرة وكثيراً ما ان الانسان يتأثر بالمنهج الاصلاحي بقادته اكثر من المنهج، القلّة من الناس هم الذين يتأثرون بالنظرية والمنهج والفكر.. الأكثر من الناس يحتاجون قادة يرون فيهم هذا المنهج يُطبّق ويرون فيهم هذه السيرة الحسنة والقدرة على ان يقودوا حركة التغيير الى آخر العُمر.. نحتاج هنا الى هؤلاء القادة تتاح لهم الفرصة لأداء هذا التغيير ويكون لهم الدور الفاعل وهذا يتوقف على ان يكون لهؤلاء مجموعة من الصفات سنذكرها.. البعض ممن لديه ذلك عليه ان يكون وان يواجه المسؤولية هنا لا انه يلقيها على الغير وهذه احد المشاكل التي يواجهها الفرد والمجتمعات في مثل هذا الأمر..
ثم ما هي الادوات الصحيحة، احياناً الاداة خاطئة في التغيير ولا نصل الى النتيجة.. الآلية المستعملة في التغيير خاطئة لا نصل الى النتيجة.. الاسلام هنا وضع مجموعة من الآليات والادوات الصحيحة والنافعة التي توصلنا الى التغيير المنشود منها اتباع اسلوب الحكمة والتدرج في التغيير..
احياناً الفرد او المجتمع او المؤسسة تطبّع على مجموعة من المبادئ والقيم غير الصحيحة واصبحت راسخة لديه.. انا لا يمكن باسلوب الحدّة والشدّة والدفعة الواحدة ان اغيّر هذا الشخص واغير هذا الموقع واغير هذا الكيان واغير هذا المتجمع..لابد من التدرج خطوة خطوة..لابد من الاسلوب الحكيم اسلوب التواضع اسلوب الاحترام الاسلوب الذي يكون فيه الرفق واللين والرحمة.. هذا الاسلوب هو الذي يوصل الى النتيجة..لذلك الاسلام نزل بالتدريج وقادة الاسلام اتبعوا هذا الاسلوب في تغيير الاخرين..
ايضاً من الامور المهمة هي مسألة اتباع اسلوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. نلتفت الى هذا الاسلوب وخصائصه في الاسلام..بقية النظم وضعت آليات للتغيير في الفرد والمجتمع لكن ما ميزة اسلوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الاسلام عن بقية الاساليب في بقية النظم..
في الواقع هذا النظام يوفّر لنا ميزة مهمة وهي ان المجتمع يصلح نفسه بنفسه من دون حاجة الى حكومات والى انظمة استبدادية وغيرها لأنه يوفّر عامل الرقابة الذاتية المجتمع بعضه يراقب بعضاً في حصول الانحرافات ودعوته الى الصلاح..
المجتمع ايضاً يقوم بالتنفيذ لهذه الاجراءات الاصلاحية، الاسلام وضع ضوابط ليس اعتباطاً مسألة القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فهو يوفّر علينا مسألة حصول الفوضى والاضطراب في المجتمع حينما تكون بعض الاليات الخاطئة التي يُراد اتباعها في التغيير لذلك اخواني احرصوا على اداء هذا الواجب الذي هو من اعظم الواجبات ويبتدأ من داخل البيت وفي السوق وفي المدرسة وفي الجامعة وفي كل مكان.. ومن الامور المهمة التي نبّه عليها الاسلام ونلفت النظر اليها ان الكثير منّا يرمي بخانة المسؤولية في التغيير على الاخرين.. اولا ً يشخّص الاخطاء صحيح ويشخّص الفشل صحيح ولكن يقول ان هذا الاخفاق والفشل عند الاخرين وان مسؤولية التغيير على الاخرين.. نحن نحتاج هنا ان كل واحد منّا ان يبدأ بتشخيص الاخطاء والفشل لديه وبنسبة ما، ثم بعد ذلك هو عليه ان يساهم في التغيير لا ان يلقي بمسؤولية التغيير على الاخرين.. فأحد مشاكلنا اننا نلقي باللوم والاخفاق والفشل على الاخرين اما انا ليس لدي هذا الاخفاق والفشل..كل واحد لابد ان يشخّص ما هي نسبة الفشل والاخطاء لدي ثم بعد ذلك على ضوء هذا التشخيص يبدأ هو بالتغيير ويساعد ويتعاون مع الاخرين ثم التحرك للتغير كل من موقعه وحينئذ سيكون التغيير عاماً وشاملا ً..
اللهم وفقنا لما تحب وترضى والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على محمد وآله الطيبين الطاهرين..