تاريخ تأسيس مسجد السهلة المُعظم

684

يفتقر الإرث التاريخي لمسجد السهلة المعظم إلى الكثير من المفاصل المحددة لتأسيسه و مراحل تطور عمرانه ، و هو في ذلك شانه شأن العديد من المساجد و الآثار الإسلامية و لا شك أن العهود المتوالية بما أثقلت به على الرواة و المحدثين الصادقين ، قد ساهمت في طي صفحات كثيرة كتب لها أن تبحر في شواطئ التغييب و الكتمان ؛ لتحتضنها غياهب الضياع فما مر بالكوفة من أحداث جسام بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام و ما تناهبها من كل صوب على مر المراحل ، كان كفيلا أن يطمس حتى معالم الدين الحنيف ، لولا إرادة العزيز الجليل و إذا كان الإسلام على شفا حفرة بعد شهادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، و قد جرى ما جرى ؛ فان معابد الله و مساجده نالت من الإقصاء، و الإهمال، و التدنيس، و الإغلاق، و الاستبدال، و طمس المعالم، و الهدم و محو لوحة الذكرى ، و منع نقل الرواية ، وقتل المترددين إليها و الحافظين لروايات تشريفها ، و تغييب رجالها في قعر السجون و لا ريب أن مسجد السهلة المعظم قد نال حضه الأوفر من هذه الجولات القاسية من الطغاة و الظالمين لكن الرحمة الإلهية المهيمنة قد حفظت لهذا المكان الطاهر بعض النصوص الكريمة التي أشار إليها أئمة أهل بيت الوحي عليهم السلام و لم يستطع أولئك الظالمون أن يغيبوا – رغم كل ما عملوا – الأحاديث و الروايات الشريفة التي تحدث بها أمير المؤمنين و أبناؤه الطاهرون عليهم السلام عن المسجد المشرف و من تلك الأحاديث يستدل الباحث على قدم هذه البقعة المباركة ؛ كونها كانت بيت النبي إدريس عليه السلام و موضع عمله ، و بيت النبي إبراهيم عليه السلام و مقر انطلاقته ، و مسكن عبد الله الصالح الخضر عليه السلام و محل تردده ، و مقر النبي دواد عليه السلام و مصدر توجهه. كما يستدل الباحث بوضوح و صفاء المعنى الواسع الممتد لقداسة هذا المكان العظيم ؛ بما ورد عن حملة الوحي عليهم السلام من أن كل الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام قد صلوا فيه ، و أنهم خلقوا من طينته ، و حملت وجوههم زبرجدة أو صخرة موجودة فيه.

و لعل حمل المسجد لأسماء شتى ، دليل آخر على قدم بنائه و إنه في كل مرحلة تجديد أو حقبة زمن يحمل اسم القوم الذين يجددونه أو يجاورونه و يبدو أن هيكل البناء و طرز العمارة فيه التي توالى الناس على إعادة البناء بصورتها ، تشير إلى نمط المشيدات في القرن الأول الهجري ،و إلى أن المسجد كان مشـــــــــــــيدا قبل زمن خلافة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكوفة ( 35- 40 )هـ و لعل تلك المرحلة من تجديد البناء قد ارتبطت ببني ظفر و هذا ما تؤكده إشــــارة الأمير عليهم السلام إليه في حديثه بتسميته بمسجد بني ظفر، و ((و هؤلاء بطن من الأنصار نزلوا الكوفة ))(1)

المصدر : (1) محمد بن جعفر المشهدي –فضل الكوفة و مساجدها- ص39

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*