الحكمة – متابعة: فرح اثير عندما عثر على قطعة ارض صغيرة بمبلغ مناسب يتلاءم مع واقعه المعيشي بعد ان قسم احد الاشخاص بيته المتكون من 370 مترا الى قطع بمئة متر ليبقى منها سبعين مترا، استطاع اثير شرائها من مكتب لبيع الاراضي والعقارات. وعلى الرغم من صغر مساحة الأرض، لكنه قرر بناء بيت يجمع عائلته المؤلفة من (5) اشخاص وفق طرق البناء الحديثة التي تتضمن استثمار المساحة بتشييد منزل يتألف من عدة طوابق.
ويقول اثير وامارة السعادة تلوح على وجهه:
بهذه القطعة الصغيرة من الأرض اصبحت مالكا لبيت مسجل باسمي، وناقشت مع زوجتي عدد الغرف في المنزل الجديد، واتفقنا على ان تكون هناك غرفة للاستقبال ومطبخ في الطابق السفلي وغرفتا نوم لنا ولاولادنا مع صحيات في الطابق الثاني، ووضعنا خريطة مناسبة لتنفيذ ما اتفقنا عليه.
ويضيف اثير:
لقد اثقل ارتفاع مبلغ الايجار الشهري كاهلي، على الرغم من عدم ملاءمة المنزل الذي استأجرته للسكن لقدمه منذ ثلاث سنوات، لكني اضطررت للبقاء فيه بسبب عدم استطاعتي دفع مبلغ اكبر لاستئجار منزل افضل، لاسيما انا اعمل في شركة خاصة وراتبي محدود جدا ويذهب نصفه للايجار، كما ان المنزل السابق كان قديما ويحتاج للمزيد من الترميم والاصلاحات، وهذا ما جعلني ابحث عن قطعة ارض مهما كانت صغيرة لأبني عليها منزلنا يجمع عائلتي بسكن دائم.
وباتت المنازل الحديثة المؤلفة من طابقين او ثلاثة على مساحة لا تزيد عن المئة متر او اقل منظرا مألوفا في المجمعات السكنية، لاسيما بعد تقطيع المنازل ذات المساحات الكبيرة، وتقسيم الاراضي الزراعية لتحويلها الى سكنية، واكثر ما يميز هذه المنازل هو علوها الشاهق قياسا بمساحتها وخلوها من المرائب والحدائق الأمامية.
سوق العقارات
ويقول ابو يوسف صاحب مكتب لبيع وشراء الاراضي والعقارات:
لقد شاع مؤخرا توجه نحو شراء قطعة ارض بمساحة قليلة كمئة متر او مئة وخمسين وهناك ايضا من يطلب ستين، او سبعين او ثمانين مترا، وازداد الطلب على هذا النوع من قبل ذوي الدخل المحدود الذين تضطرهم الظروف المعيشية وارتفاع مبالغ ايجارات البيوت للبحث عن سكن دائم وان كان منزلا صغيرا، لاسيما بعد ان قامت اغلبية مالكي البيوت القديمة ذات المساحات الكبيرة والتي تتميز بوجود حديقة كبيرة ومرأب امامي واسع بهدمها وتقسيم مساحتها الى عدة قطع يتم بيعها من اجل الفائدة المادية، او تشييد بناء جديد عليها يتميز بصغر المساحة وزيادة عدد الطوابق المليئة بالغرف والصالات، فمن كان لديه بيت بمساحة 400 او 500 متر بات يقسمه الى ثلاثة بيوت ببناء من طابقين ليكون منها مجموعة من المنازل التي يبيعها او يؤجرها، وساعد على ذلك الوضع الاجتماعي، اذ يسعى الكثير من الابناء للحصول على منازل خاصة بهم تحقق لهم الاستقلالية بعد زواجهم، فلم يعد الاولاد يرغبون بالعيش مع عائلاتهم كما كان يحدث ذلك في الماضي. كما ان فكرة البناء على امتار قليلة تسهم في ايجاد حل لمشكلة السكن التي يعاني منها الكثيرون، ولها فوائد في تحريك سوق العقارات ناهيك عن مميزات البناء والتصاميم الحديثة.
وبين ابو يوسف ان طرق بناء مثل هذه البيوت تتم وفقا لخرائط خاصة تستثمر كل شبر من المساحة المتوفرة قدر المستطاع، وهناك فقرة مهمة هي توفر مواد البناء في السوق بمناشئ متنوعة ومختلفة وباسعار متفاوتة، وهذا ما ساعد على تعزيز هذا التوجه بوجود بعض المقاولين الذين بامكانهم تحقيق احلام ورغبات اصحاب الاراضي وفق أحدث التصاميم.
التصاميم الهندسية
المهندس مصطفى عبدالله من مكتب للاستشارات الهندسية اكد ان التصميم للمساحة الصغيرة يأخذ بنظر الاعتبار الموجود من المواد بعد الاحاطة بكل المتوفر لتتم ترجمته الى لغة هندسية، كما تؤخذ البدائل كافة، وقد طغت الحداثة على طلبات التصميم، حتى ان البعض يريد ما رآه في المطبوعات او في التلفاز او في “الفيس بوك” فيطلب تصميما لمنزله مشابها لمنزل في تركيا او لبنان، ويراعى في جميع التصاميم توفر مواد البناء الأولية مثل الحجر الحلان بانواعه وهو اساس متطلبات التصميم المعماري حاليا.
ويوضح عبد الله:
اتجه الذوق العام نحو زيادة عدد طوابق البناء، وهناك تصميم حديث ظهر منذ سنوات مضت وهو بجعل المرآب اسفل المنزل في الطابق الارضي لتتم الاستفادة من المساحة من قبل ساكنيه، وان يكون البيت بارتفاع متر على الاقل بدرج ثان ومن ثم طابق اخر، كما ان صغر المساحة جعل الكثير من مهندسي البناء يختصرون ما موجود في البيوت القديمة مثل الحديقة والممرات الجانبية بمساحات بسيطة تبلغ عدة مترات اضافة الى “الهول” الداخلي ” الكيلدور” في داخل المنزل وتوحيد الصحيات بجعل الحمام والتواليت بمساحة واحدة واختصار مسافة الممرات وتحديد حجم الغرف واعدادها.
ويضيف عبد الله:
اما البيوت ذات المساحات الكبيرة فان اصحابها يفضلون خارطة المنازل المغلقة ويشغل كل مساحة منها او ركن للاستفادة وتكون الواجهة ببلكونة، ويكون عدد الغرف بالتساوي في الطابق الاول والثاني وقد يكون هناك ثالث اي يعاد التصميم ذاته في الطوابق الاخرى، مشيرا الى ان التصميم الحديث مكلف بعض الشيء للذين ينوون تشييد بيت، وذلك عن استخدامات المكملات مثل الشبابيك لوجودها بكثرة، وكذلك السلالم وعن الرتوش التي تضاف بعد انهاء البناء، فضلا عن عمليات التغليف وغيرها، الا ان هناك الكثير من الطرق التي يلجأ اليها مقاولو البناء لاختصار الجهد والوقت والمال لانجاز البناء بأقل كلفة.
وأكد عبد الله:
ان ثقافة البناء العمودي لم تترسخ في اذهان الناس حتى الآن ولم تطرح حتى في المشاريع الاستثمارية السكنية نتيجة اسباب كثيرة من بينها ارتفاع درجات الحرارة اثناء الصيف وعدم توفر الطاقة الكهربائية بصورة مستمرة واسباب اخرى خاصة بطبيعة العيش في المجتمع العراقي.
ايجابيات كثيرة
وتقول جوان عبد الرحمن رئيس قسم الدائرة الهندسية في محافظة كركوك:
ان استغلال المساحات الصغيرة ببناء منزل او شقة يتضمن الافادة من كل شبر من المساحة وله اعتبارات معينة عند التصميم بعد الاخذ بنظر الاعتبار التمدد والانحسار عند تغير الظروف الجوية وارتفاع او انخفاض درجات الحرارة والقوى الحية والقوى الميتة وكذلك “اللايف لود” وغيرها، لاسيما اثناء انشاء مجمعات سكنية ببناء عمودي الآن، والبناء في المساحة القليلة بطابقين او اكثر له ميزات ايجابية وهي استغلال اكبر كمية من المساحة لاشغال الخارطة المعدة للمنزل، كما انه يسهم في وضع حلول لازمة السكن ومعاناة الناس في هذا الجانب، وهو معمار جميل يضفي سمة التطور والتحديث في طرق البناء والواجهات، ويساعد في ترك مساحات لانشاء مرافق حيوية وخدمية مثل الحدائق والمدارس وغيرها في المدن.