الحكمة – متابعة: في بداية سبعينيات القرن الماضي، كان أغلب طلبة مدرسة الحكمة الابتدائية الواقعة في مدينة الصدر (الثورة سابقا)، من سكنة القطاعات البعيدة والقريبة، ولم تكن المدارس كما هي عليه في يومنا الحاضر من حيث العدد فقط وليس النوع.
وفي أوقات الظهيرة التي تعقب انتهاء الدوام بعد الساعة الثانية عشرة ظهرا، لم تكن لدى الأمهات وسيلة في إخافة أبنائهن من تلاميذ المدرسة ممن يقضون تلك الأوقات باللعب على الأرصفة سوى كلمة ( إجا استاذ عباس) ، فيولي الجميع هاربا إلى داخل البيوت، ولم يكن الأستاذ عباس سوى معلم اللغة العربية في تلك المدرسة التي كان يتولى فيها مهمة تعليم الأطفال ومحاسبتهم على النظافة والآداب العامة والاجتهاد في جميع الدروس، ولم يكن هناك من يعترض من الأهالي على جميع العقوبات التي كان يقوم بها المعلمون في تلك المدرسة، لأنهم كانوا واثقين من أن أولادهم وبناتهم في أياد أمينة خرجت مئات العلماء والمفكرين، بهذه القصة روى مدير إحدى المدارس ذكريات طفولته في التعليم الذي لم يفسر ضرب الطلاب باستخدام العنف ضدهم بل محاسبة من أجل مصلحتهم.
تراجع
الحد من استخدام العنف اختلف تفسيره بين المختصين بالشأن التربوي، فبعضهم يرى ان اغلب ادارات المدارس تراجعت عن استخدام اي وسيلة لردع الطلبة المتقاعسين والمؤثرين على الطلاب الاخرين من خلال ظواهر لم تكن موجودة في التعليم ، فشخصية المعلم التي كان يهابها الصغار والكبار قد تغيرت معالمها ولم تعد تفرض هيبتها كما كانت .
تفسيرات
اراء التربويين والباحثين وخبراء علم النفس تباينت حول استخدام وسائل العقوبة الجسدية التي ينتهجها بعض المعلمين والمدرسين في المدارس الابتدائية والاعدادية مع طلاب المدارس ، كوسيلة لردعهم عن حالات الشغب واخلال نظام الصف وايضا للمحاسبة على عدم تحضير الدروس او الهروب اثناء اوقات الدوام او كثرة الغيابات من دون عذر رسمي ، البعض اعتبر ان النظام التربوي من ستينيات القرن الماضي وصولا الى نهاية الثمانينيات ، كان نظاما اداريا ناجحا اسهم في تخريج الاف الكفاءات العلمية المتميزة التي تركت بصمة علمية وثقافية وانسانية متميزة في العراق وباقي دول العالم الاخرى . بسبب شخصية المعلمين والمدرسين او ادارات المدارس التي كانت تفرض هيبتها وسطوتها على نظام التعليم .
مدارس
بسبب الاجراءات الروتينية المتعلقة باستحصال الموافقات الرسمية المتعلقة بتصريح الحديث لوسائل الاعلام ، امتنعت بعض ادارات المدارس عن التحدث باسمائها الصريحة ، لكنها رغبت بالحديث عن معاناة المدارس الحكومية في التعامل مع حالات وظواهر ادت الى تفاقم مشكلة تدهور التعليم لاسباب متعددة ومختلفة . ( ك. ح ) 48 سنة ، مدير احدى المدارس الابتدائية في منطقة الشعب ببغداد قال : لم يعد التعليم مجديا بنسبة كبيرة في المدرسة الحكومية ، فبالاضافة الى عدم اهلية الكثيرين من المعلمين والمعلمات للتدريس ، لا توجد ايضا ثقافة التربية العلمية لدى اغلب الخريجين من بعض المعاهد والجامعات ، اذ خرجت هذه الكليات الكم على حساب النوع ، واضاف مدير المدرسة : لدي معلمات لغة عربية لا يعرفن اعراب جملة كاملة ، ولدي ايضا معلمات لغة انكليزية يلفظن الجملة بغير صوتها الصحيح وبشكل خاطئ ، ومثلهن في مواد الرياضيات والامر ليس مقتصرا على المعلمات فقط بل على المعلمين ايضا ، ومع هذا المستوى اضف حالة الانحلال وعدم استغلال اوقات الفراغ في تعليم الاطفال اشياء اضافية تتعلق بالاداب الاجتماعية واحترام الذات وزرع روح التعاون وفرض النظام من خلال قوة شخصية المعلم او المعلمة ، واي اوقات فراغ ما بين الدروس وحتى في بعض الحصص يستغلها الطرفان ، التلاميذ والمعلمون في الفوضى والاحاديث غير النافعة .
خوف
اذا لم يهب التلميذ او الطالب مدرسه ومديره فلن يفلح في الدراسة ، بهذه الجملة بدأ ( أ ، م ) معاون مدرسة اعدادية في منطقة حي اور قائلا : في شتاء سبعينيات القرن الماضي وكان البرد قارسا مازلت اذكر (العشر مساطر) التي ضربت بها خمسة على كل كف من قبل مدير المدرسة بسبب غيابي وعدم امتحاني في مادة الرياضيات بعد ان قدمتني مدرسة المادة بصفتي مذنبا فلم يكن لدي عذر رسمي انذاك ، كنا نهاب المدرس ونخشى غضبه ونتوسله بان لا يبعث بنا الى غرفة مدير المدرسة التي لم يكن يجرأ ان يصل اليها احد من طلاب المدرسة ، اما من ينتقدون النظام التربوي في زماننا وما خرجه من اجيال ناجحة فعليهم ان يرجعوا الى نتائج التعليم الحالي ويقارنوا بين الاثنين ، مبينا ان التساهل مع الطلاب والتلاميذ ومنع الضرب في المدارس اديا الى شيوع ظواهر اخرى جعلت ادارة المدرسة متخوفة من محاسبة اي طالب . واضاف أن هناك تناقضات كثيرة ادت الى بروز ظواهر اصبحت واقع حال ، في حين انها كانت معيبة ولا يرضى بها اغلب المعلمين والمدرسين في السنوات السابقة من القرن الماضي ، ففي وقتنا الحالي يمكن ان ترى ان المدرس والطالب يدخنون سويا او يمزحون بشكل غير لائق ، كما ان التدريس الخصوصي اصبح لازمة لابد منها حتى يستطيع الطالب ان ينجح .
تحليل
الدكتور عبد الرحيم السراي استاذ علم النفس في جامعة بغداد فسر ظاهرة العنف في المدارس بشكل مختلف عما يشاع في الاوساط الاجتماعية والتعليمية اذا قال : أسباب العنف المدرسي مختلفة فمنها عائليّة، تنعكس على الطالب او التلميذ بسبب فقدان أحد الوالدين أو طلاقهما وتدنّي المستوى الاقتصادي، ونقص في الاحتياجات الماديّة، و كذلك المستوى الثقافيّ للأسرة ونوع تربية الطفل في بيته ، اضف الى ذلك الوسط المحيط بالمدرسة، لانها تتاثر بما يجري في المجتمع من أحداث كالحروب والارهاب والاقتتال العشائري هذه البيئة مجتمعة تنتج اطفالا وصبية ليس من السهل التعامل معهم لاسيما ان لديهم ميولا لاستخدام القوة ضد زملائهم من الطلبة او اساتذتهم في المدرسة .
ومادام الحديث يجري عن حالات العنف في المدارس من قبل المدرسين ضد الطلاب ، فعلى المؤسسات التربية ان تضع قوانينا واضحة وصريحة تتلاءم مع المرحلة الجديدة لانحدار مستوى التعليم وشيوع ظاهرة المدارس الاهلية التي افرغت بعض المدارس الحكومية من محتواها وجعلتها مصدر اتساع لظواهر مختلفة كالعنف والتسيب والانفلات ، وايضا نحن بحاجة الى وضع نظام تربوي مختلف يجعل من الطالب مؤثرا في بيئته ومحيطه الاجتماعي بما يتعلمه من فضائل اخلاقية واجتماعية في المدرسة ، وهذا الامر بحاجة الى اساتذة ومعلمين مثقفين وليسوا مجرد موظفين فقط ، او شباب يفقدون اعصابهم بسهولة ويعنفون التلاميذ او الطلبة بسبب عدم امتلاكهم لخبرة ودراسة فن
التعليم .
حملة
المتحدثة باسم وزارة التربية سلامة الحسن قالت : ان وزارتها تعهدت بمعالجة حالات العنف في المدارس ضد الطلاب، واكدت بكتب رسمية قيام الوزارة بفصل المتسببين بالعنف، وانها نظمت حملة توعوية عبر فضائيتها التربوية، اذ بث المختصون مشاهد تمثيلية تحد من مشاهد العنف ضد الطلبة وتعرض المتسبب بها الى عقوبة انضباطية. واكدت انه تم توجيه المديرية العامة للاشراف التربوي بمتابعة هذه الظاهرة في المدارس وبشكل ميداني، بهدف القضاء عليها اذ يتولى المشرفون التربويون في المدارس الابتدائية والمشرفون الاختصاصيون في المدارس الثانوية تشكيل لجنة تحقيقية عند رصد كل حالة عنف تمارس ضد الطلبة بالمدارس في جميع المراحل الدراسية . وبينت الحسن ان الوزارة اتخذت اجراءات حازمة ضد بعض الحالات التي عدتها فردية في المدارس لبعض المدرسين، وتم فصلهم من الوظيفة واحالتهم على التحقيق ليكونوا عبرة لكل من يحول الصرح التعليمي الى سجن يعاقب به الطالب، مع دعوة ادارات المدارس لتعليق بوسترات بالتنسيق مع المديرية العامة للنشاط المدرسي تهدف الى التوعية والتأكيد على الاحترام المتبادل بين المعلم والتلميذ.
اعتراض
قاسم حسن فرحان باحث اجتماعي بين اعتراضه على الحملة الاعلامية ضد المعلمين والمدرسين في بعض وسائل التواصل الاجتماعي، والاعراف العشائرية التي تقاضي المعلمين ، ربما ستؤدي الى شيوع مبدأ ( مالي علاقة ) كما يقال باللهجة العامية عند المدرسين وادارات المدارس ، لانها ستكون مكشوفة وضعيفة من عدم وجود غطاء حكومي يحميها من الاعتداءات ، ومن ناحية اخرى المؤسسات التي تخرج المعلم والمدرس يجب ان تزج به في دورات تخصصية في طرائق التعليم واساليب التعامل مع الطلاب ليكونوا قادرين على استيعاب كل حالة تواجههم في الصف والمدرسة.