الإعلام الالكتروني.. رهان الزمن وفوز الحداثة

335

الحكمة – متابعة: كان يبدو عليه الانشغال والترقب وهو يحمل هاتفه المحمول ويقلب فيه ليتعرف على آخر الأخبار المحلية والعالمية، وفي غمرة انشغاله يقول الثلاثيني وائل نجم: “لم تعد تستهوينني الصحف الورقية، فأنا الآن بفضل هاتفي المحمول الذي يجلب لي أحدث التطبيقات الخاصة بالصحف المحلية والعالمية، فضلا عن مواقعها الالكترونية، أصبحت أقرب إلى الحدث بسبب السرعة والآنية والتطور، ففي السابق كنا نضطر إلى انتظار الصحيفة يوما كاملا، لكي نتعرف على الأخبار وتفاصيلها، أما اليوم فوجود الاجهزة الذكية سمح للتواصل مع الأحداث بسرعة أكبر”.

الاعلامي فلاح الذهبي يرى : “ان الحداثة لا يمكن الوقوف بطريقها لان الديجيتال صار بمتناول ايدي الجميع من اطفال وشباب وكبار في السن، وبفضل هذا الوسيط اصبح بامكان الصحافة الانتقال والوصول الى الجميع، اما في حالة الصحافة الورقية فنضطر الى الذهاب لبائع الصحف كي نشتري الصحيفة منه، فضلا عن مشاكل البورصة الخاصة بالصحف الورقية، علاوة على ذلك فان الاعلام الالكتروني صار يستهدف الفئات العمرية المختلفة مما يعني اهتمامه بالجميع، والدليل على ذلك انشغال افراد الاسرة بالتجول في تطبيقات الفيس بوك والواتس اب والمجاميع الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعي لكي يكونوا على تماس مباشر مع التكنولوجيا، اما في ما يتعلق بمصداقية الخبر الالكتروني، فيجب متابعة الجهة التي صدر عنها الخبر ومقارنتها مع جهات اخرى محايدة ومضادة ايضا، كي يستقي المتلقي الحقيقة وهذا يتطلب شيئا من الاحتراف، ومن المعروف ان بعض مواقع التواصل الاجتماعي تمارس دورا هجوميا، خصوصا في بعض المشاريع والقوانين التي قد تكون ذات خدمة كبيرة للمواطنين، الا ان وجود أزمة ثقة بين الجهات الحكومية والمواطن تتطلب بذل جهود اكبر لكسبه من جديد”.

 حداثة وتطور

 كان يمسك الصحيفة الورقية ويقلبها بشغف وينتقل بين صفحاتها بكل سرور وألفة، وبنبرة صوت لا تخلو من البهجة يقول الستيني عماد وليد: “منذ نعومة أظفاري اعتدت على الصحيفة، اذ لا يمكن ان يمر يومي من دون ان اتصفحها واتعرف على ما تحتويه من معلومات واخبار، لانها ليست فقط وسيطا اتعرف عن طريقه على الاخبار، بل هي رفيقتي صباحا، اذ لايمكن ان يبتدأ يومي من دونها، على الرغم من ان اولادي يستغربون من هذه الصلة الوثيقة بيننا، الا انني افضلها على الأجهزة الذكية التي تجلب الاخبار احيانا بسرعة البرق

“. الاستاذة في جامعة بغداد والخبير الاعلامي الدكتورة سهام الشجيري توضح ان”لا ظهور الاذاعة ولا التلفاز تمكنا من الغاء دور الصحافة الورقية وازاحتها عن مكانتها لدى الكثيرين ولن يتمكن الاعلام الالكتروني من الغاء الورقي تماما او يكون بديلا عنه، ولكنه وفر مجالا تفاعليا، فعلي سبيل المثال لولاه لما عرفت فضيحة ويكليكس او وثائق بنما وغيرها من التسريبات المهمة، لان هذا الاعلام هو من سمات التطور والحداثة التكنولوجية الذي اخذ صداه ومداه الواسع، ولان سعة انتشاره كبيرة جدا لذا اختارت اعرق الصحف والمجلات الامريكية مثل نيويوركر التي بلغت عامها الـ 150 ان تلغي طبعتها الورقية وتكتفي بالالكترونية، واصبح بمقدور اي فرد ان يطلع على ماتنشره الصحف عبر المواقع المتعددة، في حين مازال هناك عدد كبير من القراء يفضلون النسخ الورقية ويستمتعون بقراءتها وهناك كم من رواد القطارات في المدن الامريكية يختارون صحفا ورقية لتشاركهم رحلاتهم وتنقلاتهم، وينشغلون بها عوضا عن الاجهزة الذكية الموجودة في متناول ايديهم”.

 واضافت” في العراق ايضا اصبحت الصحيفة الالكترونية هي المفضلة لدى مختلف الشرائح لانها ترتبط بالتطور والحداثة، اذ تمنحهم الفرصة للاطلاع والابحار في عالم الاخبار والتحقيقات الصحفية بشكل اوسع واحدث، ولكن هذا لا يمنع من ان الصحيفة الورقية مازالت ذات جمهور، لاسيما كبار السن هم الاكثر تعلقا بالصحيفة الورقية ويفضلونها، بل يعتبرونها الاكثر مصداقية من نظيرتها الالكترونية”.

توقف صحف عالمية

 اشارت التقارير الاعلامية المختلفة الى ان هناك صحفا عالمية اوقفت طباعة عددها الورقي وتحولت لموقع الكتروني فقط مثل صحيفة النيوزويك و الاندبندنت البريطانية، اذ اوقفت عددها الورقي واكتفت بموقعها الالكتروني، فيما اوقفت صحيفة الواشنطن بوست إصدار عددها الاسبوعي، وأيضا صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” بعد غرقها في الديون، فضلا عن صحف عربية ايضا اختارت ان تتواصل الكترونيا مع جمهورها.

 توفير اقتصادي

يقلب وائل نجم صفحات احدى الجرائد الالكترونية المحملة على هاتفه الخلوي، وينتقل بين الاخبار المحلية تارة وبين العالمية تارة اخرى ويقول: “ارى ان الصحيفة الالكترونية في ظل الازمة الاقتصادية العالمية التي تعصف بالعالم باكمله هي الاكثر حظا في الوصول الى الجمهور الواسع، فهي ليست بحاجة الى مقر واسع ذي معدات وآلات كي تطبع، بل يكفي وجود جهاز كومبيوتر ومستخدم يتقن مهنته كي يقوم بنشر الاخبار وروابطها، وبذلك سيكون هناك توفير في الموارد الاقتصادية والبشرية على حد سواء”. وتعليقا على هذا الكلام يبين الباحث الاقتصادي ليث علي: “ان الاعلام الالكتروني بدأ يتسيد المشهد العام وتمكن من اكتساح الورقي بشكل كبير، لأن الاخير يجبر المستهلك على الذهاب اليه بنفسه عن طريق شراء الصحف والمجلات من اجل الاطلاع على الاخبار، اما الالكتروني فهو يطرق باب الجمهور وياتي اليه محملا بكل ماهو جديد وحديث، ولان المواقع الالكترونية توفر الاخبار بشكل مستمر ومحدثة، لذا اصبحت محط اقبال وانظار المتلقين بمختلف شرائحهم وتوجهاتهم الانسانية والاجتماعية، يضاف الى ذلك ان الموقع الالكتروني يوفر موارد مالية كثيرة قد تصل الى ملايين الدنانير التي قد تصرف على الاعلام الورقي الذي يحتاج الى مكائن والات طباعة وفرز وغيرها من التقنيات الضرورية لكي ترى الصحيفة النور، وهذا كله يعد استنزافا للموارد المالية، كما ان هناك التأخر في وصول الاخبار اذا ماتم الاعتماد على الصحيفة فقط او المجلة التي قد تصدر اسبوعيا او فصليا حسب نوع توجهها، واصبح بمقدور الصحفي ان يتاكد من وصول رسالته الاعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال خاصية المشاركة التي تتيح لرواد مواقع التواصل الاجتماعي ان يعيدوا نشر مايرغبون به من اخبار وتحقيقات وافكار متنوعة”.

مواثيق اخلاقية

 ان الصحافة سواء الورقية ام الالكترونية بحاجة الى ان تكون اكثر مصداقية مع المواطن كي يلجأ اليها ببال مرتاح ومطمئن، بهذه العبارات استهلت حديثها الثلاثينية اكرام عزالدين متابعة: “تنتشر يوميا الكثير من الاخبار منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتأخذ مساحة كبيرة من اهتمام المواطن وقد تربكه احيانا، خصوصا اذا ما كانت تحمل في طياتها التناقض، لذا من المفترض ان يقوم الاعلامي بواجبه وهو التأكد من مصداقية الخبر قبل نشره حتى لايتسبب بالاذى للجمهور المتلقي”. الشجيري تلفت الى : “ان الاعلام الالكتروني بدأ يخوض في مختلف التفاصيل فيتعرف عليها عدد كبير من الجمهور ويحاطون علما بملابسات القضايا المطروحة على الساحة الاجتماعية او السياسية وهذا يشكل مسؤولية كبيرة على عاتقه لابد من ادراكها، كما ان اللغة التي تطرح بها هذه الامور لم تعد رصينة بالشكل الكافي، اذ من الممكن اللجوء الى السب والشتم والقذف بواسطة مختلف وسائل التواصل الاجتماعي والاعلامي، وهذا مادفع الكثير الى السعي لاقرار قانون خاص بجرائم المعلوماتية، لكنه جوبه بالرفض من قبل جهات متعددة، ويرى الخبراء ان هذا القانون مهم لان مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تنشر مختلف القضايا احيانا بطريقة غير صحيحة تخلو من الوعي والثقافة”، ويشار الى” ان الفوضى تنتشر بشكل كبير جدا في الاعلام الالكتروني المحلي ، في حين في دول العالم المتقدم تتضمن اخلاقيات تحكم هذا المجال كي تصل الرسالة بشكل صحيح وتحقق غرضها وتطور المجتمع وتغيره”.

 ويضيف القاضي ناصر عمران الموسوي: “ان مبدأ حرية الإعلام الإلكتروني واحدة من الحريات التي رافقت التغيير النيساني الذي شهده العراق وبخاصة بعد الغاء الهيمنة الحكومية عليه في ظل النظام السابق حيث شهدت البلاد صدور عدد كبير من الصحف والمجلات وبكل المجالات سواء اكانت متخصصة في جانب معين او عامة، وهذه الحرية التي وان تلمسنا جوانبها الايجابية فان هناك جانبا سلبيا ظهر وبخاصة من خلال الصحف والفضائيات المدعومة من اشخاص ودول ومنظمات لها اجندات معادية لعملية التغيير العراقي ولعل الكثير منها كان سببا في نقل صورة سلبية عن حالة العراق وتشويه صورته امام الراي العام العالمي والعربي والاقليمي ولا يخفى ان التنظيمات الارهابية التي كانت تمتلك منظومة اعلامية كبيرة استغلت الحرية الالكترونية في تمددها واغتصابها لمدننا قبل ان يندحر العدوان وتتحرر بالكامل، وتمظهرت هذه الحريات بصور متعددة سواء من جهة إنشاء المواقع الالكترونية من دون أي ترخيص والاكتفاء بعلم وخبر أم لجهة ممارسة تلك المواقع لنشاطها من دون أي رقابة مسبقة والحال يسري على الصحف والمجلات واصدار الكتب، مما يفترض ان تتم ملاحظة وجوب أن تمارس الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية حريتها تحت سقف القانون الذي يضمن حقوق الناس وكراماتهم”.

الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*