الحكمة – متابعة: منذ ان بدأ المسن ” س. عبد الرحمن” مراجعاته لعيادات الأطباء وهو يخاف من الوصفات الطبية التي لا يمكن العثور على الأدوية المكتوبة فيها ولسان حاله يردد الدعاء المشهور ” اللهم لا تسلط علينا لا حاكم ولا حكيم”…. وهو دعاء لأبعاد سطوة الحكام والاطباء عن الانسان لما لهما من عبء كبير يزيد من هم المرء ومتاعبه في الكثير من الأحيان.
ويقول الرجل الخمسيني بصوت واهن:
” بدأت رحلتي مع الاطباء مع انهيار قواي الجسدية شيئا فشيئا، فمنذ أيام شبابي كنت عامل بناء، وهذا ما جعلني زبون دائم للكثير من الأطباء والمستشفيات والصيدليات، وعانيت الكثير نتيجة اختلاف الوصفات الطبية التي لا تتوفر الأدوية المكتوبة فيها، وتلك التي لا يستطيع الصيادلة فهم رموزها، حتى علمت ان تلك الوصفات كتبت بحيث لا يقرأها الا صيدلي واحد باستطاعته فك الشفرة التي لا يعرفها أحد غيره والطبيب الذي كتبها تبعا لاتفاق مسبق بينهما، وهذا ما زاد من متاعبي وأفراغ جيبي لان ثمن تلك الوصفات غالبا ما يكون غال جدا”.
نقطة البداية
وفيما يشبه الرد على ما قاله الرجل المتعب، قال طبيب طلب عدم ذكر اسمه:
“يعمد بعض الأطباء، بحسب علمي، الى استيراد بعض الأدوية لحسابهم الخاص عبر مساعيهم الشخصية، أو من خلال الاتفاق مع بعض اصحاب المذاخر، انطلاقا من ايمانهم بان تلك الأدوية لها قدرة عالية على شفاء المرضى، وهي من مناشئ موثوقة ورصينة، ولقلة كمياتها توضع في صيدلية غالبا ما تكون قريبة من عيادة الطبيب المختص، وتكون اسعارها عالية نسبيا بسبب ندرتها وخصوصيتها”.
ويضيف الطبيب:
” هكذا بدأت الفكرة منطلقة من دواع مهنية تتعلق بثقافة الأطباء ومتابعتهم لآخر المستجدات في عالم الأدوية المتعلقة باختصاصاتهم، ولأسباب انسانية بحتة الغاية منها التعجيل بشفاء المرضى وتخليصهم من العذابات التي يكابدونها، لكن الفكرة سرعان ما تلقفها بعض الأطباء الساعين وراء الأرباح ليحولوها من نعمة الى نقمة بشتى الوسائل والسبل، ولهذا بتنا نسمع بالوصفات الطبية المشفرة”.
وعزا عدد من الأطباء والصيادلة ارتفاع أسعار الادوية الى ارتفاع أجور الدعاية ورواتب المندوبين والموظفين في تلك الشركات، فيما اكدوا ان “نوعية الادوية التي يعمد المندوبون الى توزيعها تكون افضل بكثير من التي تتوفر في الصيدليات وذلك لان الشركات توزع صفوة ادويتها على عيادات الأطباء والصيدليات لترويج منتوجاتها”.
ويضيف عبد الرحمن:
” بعد تحول الطب الى تجارة وانتشار العيادات الطبية في العديد من المناطق بدأت الكثير من الشوارع المهمة في العاصمة بغداد تتخصص بعيادة الأطباء كما هو الحال في شارع الكندي في منطقة الحارثية بجانب الكرخ للعاصمة، وشارع المغرب في جانب الرصافة، وفي هذين الشارعين قد ترى وتسمع كل ما هو نادر وغير مألوف”.
واجمع الكثير من العاملين في الصيدليات على ان “الكلفة الأساسية للدواء لا تتجاوز الــ 30% وان الشركات تجني أرباحا كبيرة من بيعها، وان التقليل من الأسعار لن يعود عليها باي خسارة، الا ان غياب الرقابة أدى الى زيادة جشع تلك الشركات من جهة والأطباء والصيادلة من جهة أخرى”.
كشف الغموض
واجابت دراسة للمعهدُ الوطني لكلية الطب والأطباء في الولايات المتحدة تناقلتها وسائل الاعلام في نهاية العام الماضي عن الاسباب التي تجعل الأطباء يكتبون وصفاتهم بطريقة غير مفهومة، موضحة المضاعفات لتلك الممارسة السيئة بحسب وصفها.
وكشفت الدراسة عن أسباب عدة بينها ضيقُ حجم ومساحة الورقة التي يكتب عليها الطبيب وصفته، أما السبب الآخر فمرتبط بازدحام مواعيد الطبيب، ما يجعله يكتب الدواء بسرعة مع التركيز على توضيح الأحرف الأولى المميزة للدواء، دون غيرها.
أما السبب الثالث فعزته الدراسة، لإدراك الأطباء بأن الخط سيحفظ في ملفات، ولن يعودوا لينظروا إليه مرة أخرى.
لكن سوء خط الأطباء له مضاعفات خطيرة تفوق بكثير صعوبة فهمه فقط، فهو يصعب مهمة الصيدلي في قراءته، وفي تأمين الدواء الصحيح للمريض ما يتسبب في مقتل سبعة آلاف شخص سنوياً بحسب الدراسة، هذا فضلا عن أن نصف مليون شخص يعانون من إصابات سنوية في الولايات المتحدة فقط، بسبب الدواء الخطأ وفق الدراسة ذاتها، في حين أثبتت الدراسة ان نسبة الخطأ في شراء الدواء بناء على وصفة مقدمة عبر البريد الالكتروني لا تتعدى الـ 10%.
ويقول عبد الرحمن:
اثناء تجوالي في شارع الكندي للبحث عن طبيب جديد بعد ان وصل بي الحال الى الاستعانة بعصا اتكئ عليها نتيجة عجز قدمي وعمودي الفقري على اسناد ظهري، وجدت لافتة لطبيب مختص بأمراض المفاصل والعمود الفقري، فدخلت ووجدت امرأة ورجلا قبلي فسألتهم عن سعر مراجعة الطبيب وخبرته لقتل وقت الانتظار الذي يزيد من آلامي، ووصل دوري في الدخول وبعد الفحص واطلاع الطبيب على التحاليل وصور الاشعة التي تم التقاطها لي على مدار الأشهر الخمسة التي بدأت خلالها رحلتي مع الأطباء تبين انني اعاني من تلف في الغضاريف الفاصلة بين الفقرات بسبب مهنتي “العمالة” وانني لا احتاج الى عملية جراحية، وان دوائي يقتصر على نوع واحد من العقاقير التي تعمل على زيادة النسيج الغضروفي بين الفقرات.
ويضيف عبد الرحمن:
وبعد اطلاع الطبيب على وضعي الصحي والمادي رفض اخذ أجور الكشف حتى اني ايقنت بوجود الخير على الرغم من انتشار الجشع بين شريحة الأطباء الذين امتص غالبيتهم كل ما املك على مدار الأشهر الخمسة الماضية واصبحت متيقنا بانه “لو خليت قلبت”.
توجه حكومي
من جانبها قالت وزارة الصحة انها شرعت العمل بالمشروع الوطني للتسعيرة الدوائية منذ ثلاثة اشهر, حيث سيتم اتباع تسعيرة موحدة للادوية في جميع انحاء العراق”، مؤكدة ان “هذا المشروع سيكون تحت اشراف ومتابعة نقابة الصيادلة”.
وقال الناطق الاعلامي للوزارة سيف البدر ان “الوزارة نشطت مشروعين خاصين بأسعار الكشفيات والأدوية لتتم السيطرة على الوضع الخاص بهذا الجانب من خلال هذين المشروعين.
واكد البدر ان “الوزارة استأنفت العمل بمشروع تسعيرة كشفيات الاطباء الذي تعرقل في مرحلة من مراحل العمل به، حيث سيكون هذا المشروع بمتابعة مباشرة من نقابة الاطباء”.
وعن شركات الادوية تابع البدر قائلا ان “جميع انواع الادوية التي تدخل الى العراق تخضع الى سلسلة طويلة من الاجراءات والفحوصات الرقابية التي تسبق عملية الموافقة على دخولها علاوة على اخذ عينات واجراء تجارب عليها”.