في الرّابع من شعبان أشرق الكونُ بمولد قمر بني هاشم…

441

يُوافق اليوم الرابع من شهر شعبان ولادة أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين(عليهما السلام) الملقّب بقمر بني هاشم ومؤسّس الفضل والإباء، فلقد أشرق الكونُ بمولد قمر بني هاشم يوم بزوغ نوره من أفق المجد العلويّ مرتضعاً ثدي البسالة ومتربّياً في حجر الخلافة، وضربت فيه الإمامة بعرقٍ نابض فترعرع ومزج روح الشهامة والإباء والنزوع عن الدنيا، وما شوهد مشتدّاً بشبيبته الغضّة إلّا وملء إهابه إيمانٌ ثابت وحشو ردائه حلمٌ راجح ولبٌّ ناضج وعلمٌ ناجع.
امتاز أبو الفضل العبّاس(عليه السلام) في ولادته على سائر الناس بما يمتاز به العظماء من أولياء الله في ولادتهم، حيث كانت ولادته محفوفةً بالإرهاصات، ومشحونة بالقرائن والمقدّمات الدالّة على عظم منزلة المولود عند الله تعالى، ومقامه الشامخ لديه.
فهذا الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) قبل أن يولد له العبّاس(عليه السلام)، بل وقبل أن يتزوّج من أُمّه أُمّ البنين يُنبئ عن ولادته ويُخبر عن مواصفاته، ويُشير إلى ما يتحلّى به من قوّة الإيمان، وطهارة النفس، وشجاعة القلب، ورحابة الصدر، ومكارم الأخلاق، وأنّه سوف يعضد أخاه الإمام الحسين(عليه السلام) في مهمّته، ويفديه بنفسه ويضحّي بما لديه من أجله، ويستشهد في كربلاء بين يديه.
بشـرى الولادة: وكان أوّل مولودٍ زكيّ للسيّدة أمّ البنين هو سيّدنا المعظّم أبو الفضل العباس(عليه السلام)، وقد ازدهرت يثرب، وأشرقت الدنيا بولادته وسرت موجات من الفرح والسرور بين أفراد الأسرة العلويّة، فقد ولد قمرهم المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره، وأضاف إلى الهاشميّين مجداً خالداً وذكراً نديّاً عاطراً. وحينما بُشِّر الاِمام أمير المؤمنين(عليه السلام) بهذا المولود المبارك سارع إلى الدار فتناوله، وأوسعه تقبيلاً، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعيّة فأذّن في أُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، لقد كان أوّل صوت اخترق سمعه هو صوت أبيه رائد الاِيمان والتقوى في الاَرض، وأنشودة ذلك الصوت. «الله أكبر…». «لا إله إلاّ الله». وارتسمت هذه الكلمات العظيمة التي هي رسالة الاَنبياء، وأنشودة المتّقين في أعماق أبي الفضل، وانطبعت في دخائل ذاته، حتى صارت من أبرز عناصره، فتبنّى الدعوة إليها في مستقبل حياته، وتقطّعت أوصاله في سبيلها. وفي اليوم السابع من ولادة أبي الفضل(عليه السلام)، قام الاِمام أمير المؤمنين(عليه السلام) بحلق شعره، والتصدّق بوزنه ذهباً أو فضّة على المساكين وعقّ عنه بكبش، كما فعل ذلك مع الحسن والحسين(عليهما السلام) عملاً بالسنّة الاِسلاميّة.
تسميته: سمّى الاِمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وليده المبارك بـ(العباس) وقد استشفّ من وراء الغيب أنّه سيكون بطلاً من أبطال الاِسلام، وسيكون عبوساً في وجه المنكر والباطل، ومنطلق البسمات في وجه الخير، وكان كما تنبّأ فقد كان عبوساً في ميادين الحروب التي أثارتها القوى المعادية لأهل البيت(عليهم السلام)، فقد دمّر كتائبها وجندل أبطالها، وخيّم الموت على جميع قطعات الجيش في يوم كربلاء، ويقول الشاعر فيه:
عبستْ وجوهُ القومِ خوفَ الموت والعبّاس فيهم ضاحكٌ متبسّمُ
ملامحه: أمّا ملامحه فقد كان صورةً بارعة من صور الجمال، وقد لُقّب بقمر بني هاشم لروعة بهائه، وجمال طلعته، وكان متكامل الجسم قد بدت عليه آثار البطولة والشجاعة، ووصفه الرواة بأنّه كان وسيماً جميلاً، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطّان في الاَرض.
فكان أبو الفضل جامع الفضل والمثل الأعلى للعبقرية لأنّه كان يستفيد بلج هاتيك المآثر من شمس فلك الإمامة (حسين العلم والبأس والصلاح)، فكان هو وأخوه الشهيد (عليهما السلام) من مصاديق قوله تعالى في التأويل (والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها) فلم يسبقه بقولٍ استفاده منه ولا بعملٍ أتبعه فيه ولا بنفسيّة هي ظلّ نفسيّته ولا بمنقبة هي شعاع نوره الأقدس المنطبع في مرآة غرائزه الصقيلة، وقد تابع إمامه في كلّ أطواره حتى في بروز هيكله القدسيّ إلى عالم الوجود، فكان مولد الإمام السبط في الثالث من شعبان وظهور أبي الفضل العبّاس إلى عالم الشهود في الرابع منه سنة ستّ وعشرين من الهجرة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*