الخامس من شعبان ذكرى ولادة جمال الإمامة والعبادة وسيد السادة

402

الخامس من شعبان ذكرى ولادة جمال الإمامة والعبادة وسيد السادة

الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

ولادته عليه السلام:

ولد إمامنا زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام عام 38هـ، أمّه المكرمة شهربانو بنت يزدجر بن شهريار بن پرويز بن هرمز بن انوشيروان ملك الفُرس، وقيل شاه زنان كما قال شيخنا الحر العاملي في ارجوزته:

وأُمه ذات العلا والمـجـد شاه زنان بنت يزدجــر

وهو ابن شهريار ابن كسـرى ذو سؤدد ليس يخاف كسرى

وروى القطب الراوندي بسند معتبر عن مولانا الباقر عليه السلام انه قال: لما قدموا ببنت يزدجر بنت شهريار ـ آخر ملوك الفرس وخاتمهم ـ على عمر وأدخلت المدينة إستشرقت لها عذارى المدينة وأشرق المجلس بضوء وجهها ورأت عمر فقالت: أفيروزان، فغضب عمر، فقال: شتمتني العجلة، وهم بها، فقال له علي عليه السلام: ليس لك إنكار ما لا تعلمه، فأمر (عمر) أن ينادى عليها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجوز بيع بنات الملوك وان كانوا كافرين ولكن أعرض عليها أن تختار رجلاً من المسلمين حتى تزوج منه ويحسب صداقها عليه من عطائه من بيت المال يقوم مقام الثمن، فقال عمر: أفعل، وعرض عليها أن تختار، فاختارت الإمام الحسين عليه السلام فقال أمير المؤمنين عليه السلام له: احتفظ بها وأحسن إليها، فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك وهي أم الأوصياء الذرية الطيبة، فولد الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام.

الرؤيا الصالحة:

وروي أنها قالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا، كأن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل دارنا وقعد ومعه الحسين عليه السلام وخطبني له وزوجني أبي منه، فلما أصبحت كان ذلك يؤثر في قلبي وما كان لي خاطب غير هذا، فلما كان في الليلة الثانية رأيت فاطمة بنت محمد عليها السلام وقد أتت وعرضت عليّ الإسلام وأسلمت، ثم قالت: إن الغلبة للمسلمين وانك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين عليه السلام سالمة لا يصيبك بسوء أحد، قالت: وكان من الحال إني خرجت من المدينة ما مس يدي إنسان.

وروى الشيخ المفيد رحمه الله ان أمير المؤمنين عليه السلام ولى حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق، فبعث إليه ابنتَي يزدجرد بن شهريار بن كسرى، فنحل ابنه الحسين عليه السلام شاه زنان منها، فأولدها زين العابدين عليه السلام، ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم (جد الإمام الصادق عليه السلام من أمه) فهما (أي القاسم والإمام زين العابدين عليه السلام) ابنا خالة.

ألقابه ونقش خاتمه عليه السلام:

أما كناه وألقابه عليه السلام فأشهرها أبو الحسن وأبو محمد الباقر وألقابه المشهورة زين العابدين وسيد الساجدين والعابدين والزكي والأمين والسجاد وذو الثفنات، وكان نقش خاتمه «الحمد لله العلي» وعلى رواية الإمام الباقر عليه السلام: «العزة لله» وعلى رواية مولانا أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام: «خزي وشقي قاتل الحسين بن علي عليه السلام».

روى ابن بابويه عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال: «ان أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا سجد، ولا دفع الله تعالى عند سوء يخشاه أو كيد كايد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك».

الثفنات في اللغة:

وقال عليه السلام أيضا: «كان لأبي عليه السلام في موضع السجود آثار ناثئة وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات، فسمي ذا الثفنات لذلك».

قال أهل اللغة ان الثفنة مفرد ثفنات البعير أي الموضع الذي يمس الأرض من البعير فيشتد ويغلظ، فيعلم حينئذ ان جبهة زين العابدين عليه السلام وكفّى يديه وركبتيه ظهرت فيها ثفنات من كثرت السجود فكانت تقطع في السنة مرتين.

وروي أيضاً ان الزهري إذا حدث عن علي بن الحسين عليه السلام قال: حدثني زين العابدين علي بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة: ولم تقول له زين العابدين؟ قال: لأني سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة ينادي منادي أين زين العابدين؟ فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطر بين الصفوف.

وفي كشف الغمة انه: كان سبب لقبه زين العابدين، انه كان ليلة في محرابه قائماً في تهجده، فتمثل له الشيطان في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه، فجاء إلى إبهام رجله فإلتقمها فلم يلتفت إليه فآلمه فلم يقطع صلاته، فلما فرغ منها وقد كشف الله له فعلم انه شيطان فسبه ولطمه وقال له: اخسأ يا ملعون فذهب وقام إلى تمام وروده، فسمع صوت لا يرى قائله وهو يقول: «أنت زين العابدين حقاً» ثلاثاً، فظهرت هذه الكلمة واشتهرت لقباً له عليه السلام.

مكارم أخلاقه عليه السلام:

الأول: روى الشيخ المفيد وغيره انه: وقف على علي بن الحسين عليه السلام رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب ان تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه، فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب ان تقول له ونقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: (… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)آل عمران:134، فعلمنا انه لا يقول له شيئاً، فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به، فقال: قولوا له هذا علي بن الحسين، قال: فخرج إلينا متوثباً للشر وهو لا يشك انه إنما جاءه مكافياً له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: يا أخي انك كنت قد وقفت عليّ آنفاً قلت وقلت، فان كنت قد قلت ما فيّ فانا استغفر الله منه وان كنت قلت ما ليس فيّ، فغفر الله لك، قال (الراوي): فقبل الرجل بين عينيه، وقال: بلى قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به، قال الراوي للحديث: والرجل هو الحسن بن الحسن عليه السلام.

الثاني: روي في كشف الغمة انه: كان (السجاد عليه السلام) يوماً خارجاً فلقيه رجل فسبه، فثارت إليه العبيد والموالي، فقال لهم عليّ: مهلاً كفّوا، ثم أقبل على ذلك الرجل، فقال له: ما ستر عنك من أمرنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها، فإستحيى الرجل فألقى إليه على خميصه كانت عليه وأمر له بألف درهم، فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول: اشهد انك من أولاد الرسل.

في عبادته عليه السلام:

ان كثرة عبادة زين العابدين أشهر من ان تُذكر، فانه عليه السلام أعبد أهل زمانه كما أشير إليه في ذكر ألقابه عليه السلام ويكفينا في الإشارة إلى هذا المعنى عدم تمكن أحد من الناس على مضاهاة أمير المؤمنين عليه السلام في العبادة إلا هو، فإنه يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، فإذا دخل وقت الصلاة ارتعش جسمه الشريف واصفر لونه، وإذا شرع فيها كان كجذع الشجرة لا يتحرك إلا ما حركت منه الريح، وإذا وصل في القراءة إلى «مالك يوم الدين» ظل يكررها إلى ان يوشك على الموت، وإذا سجد لم يرفع رأسه الشريف حتى يتصبب عرقاً، وإذا أصبح أصبح صائماً وإذا أمسى أمسى عابداً وكان يستمر في صلاته ليلاً حتى يصيبه التعب إلى درجة انه لا يقدر على النهوض إلى الفراش فكان يذهب إليه كهيئة الأطفال الذين لا يقدرون على المشي، وإذا دخل شهر رمضان لم يتكلم إلا بالدعاء والتسبيح والاستغفار، وكانت لديه صرّة فيها تراب قبر الحسين عليه السلام فإذا أراد السجود سجد عليها.

وفي عين الحياة عن حلية الأولياء انه: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا فرغ من وضوء الصلاة وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك فقال: ويحكم أتدرون إلى من أقوم؟ ومن أريد أناجي؟

وفي كتبنا: انه كان إذا توضأ أصفر لونه، وأتت فاطمة بنت علي بنت أبي طالب عليها السلام إلى جابر بن عبد الله، فقال له: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لنا عليكم حقوقاً ومن حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهاداً ان تذكروه الله، وتدعوه إلى البقيا على نفسه وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين قد إنخرم أنفه ونقبت جبهته وركبتاه وراحتاه أذاب نفسه في العبادة، فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه قد أنضته العبادة، فنهض عليّ فسأله عن حاله سؤالاً حفياً، ثم أجلسه بجنبه ثم أقبل جابر يقول: يا بن رسول الله أما علمت ان الله إنما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ فقال علي بن الحسين عليه السلام: يا صاحب رسول الله أما علمت أن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له وتعبّد ـ بأبي هو وأمي ـ حتى انتفخ الساق وورم القدم وقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، فلما نظر إليه جابر وليس يغني فيه قول، قال: يا بن رسول الله البقيا على نفسك فانك من أسرة بهم يستدفع البلاء وبهم تستكشف اللأواء وبهم تستمسك السماء، فقال: يا جابر لا أزال على منهاج أبوي مؤتسياً بهما حتى ألقاهما.

جانب من أقواله عليه السلام:

وروي انه: ان علي بن الحسين عليه السلام أحسن الناس صوتاً بالقران وكان السقاؤن يمرون فيقفون ببابه، يستمعون قراءته.

وقال الغزالي في كتابه أسرار الحج عن سفيان بن عيينة قال: حج علي بن الحسين فلما أراد الإحرام وقفت راحلته وأصفر لونه وأخذته رعشة ولم يقدر على التلبية فقلت: لم لا تلبي فأجابني بأنه يخاف ان يقول له الله تعالى لا لبيك ولا سعديك، فلما لبى أغمي عليه وسقط عن راحلته وكان هذا حاله إلى ان فرغ من الحج.

وفي كتاب حديقة الشيعة انه قال طاووس اليماني: دخلت حجر إسماعيل ليلة فرأيت علي بن الحسين عليه السلام في السجود وهو يكرر كلاماً فأصغيت جيداً فإذا هو يقول: «الهي عُبَيّدُكَ بِفَنائِك مِسكِينُكَ بِفَنائِك فَقِيرُكَ بِفَنائِك» فما أصابني بلاء ومرض أو ألم فصليت وسجدت وقلتها إلا كشف عني وفرج بي، والفناء في اللغة فضاء البيت أي عبدك ومسكينك والمحتاج إليك واقف ببابك منتظر رحمتك ورأفتك، فمن قالها بإخلاص رأي أثرها وقضيت حاجاته.

أما إذا أقسمت فأنا علي بن الحسين:

روى القطب الراوندي وغيره عن حماد بن حبيب الكوفي انه قال: خرجنا سنة حجّاجاً فرحلنا من زبالة فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة فتقطعت القافلة، فتهت في تلك البراري فانتهيت إلى واد قفز وجنني الليل فآويت إلى شجرة، فلما اختلط الظلام إذا أنا بشاب عليه أطمار بيض، قلت: هذا ولي من أولياء الله متى أحس بحركتي خشيت نفاره، فأخيفت نفسي فدنا إلى موضع فتهيأ للصلاة وقد نبع له ماء ثم وثب قائماً يقول: «يا من حاز كل شيء ملكوتا، وقهر كل شيء جبروتا، صل على محمد وآل محمد وأولج قلبي فرح الإقبال إليك، وألحقني بميدان المطيعين لك»، ودخل في الصلاة فتهيأت أيضاً للصلاة ثم قمت خلفه وإذا بمحراب مُثّل في ذلك الوقت قدامه، وكلما مر بآية في الوعد والوعيد يرددها بانتحاب وحنين، فلما تقشع الظلام قام، فقال: «يا من قصده الضالون فأصابوه مرشدا، وأمّه الخائفون فوجدوه معقلا، ولجأ إليه العائدون فوجدوه موئلا متى راحة من نصب لغيرك بدنه؟ ومتى فرح من قصد سواك بهمّته؟ الهي قد انقشع الظلام ولم أقض من خدمتك وطراً ولا من حياض مناجاتك صدراً، صلي على محمد وآل محمد وافعل بي ما أولى الأمرين بك»، ونهض فعلّقت به، فقال: لو صدق توكلك ما كنت ضالاً ولكن اتبعني واقف أثري، وأخذ بيدي فخُيل إلي ان الأرض تميد من تحت قدمي، فلما انفجر عمود الصبح قال: هذه مكة، فقلت: من أنت بالذي ترجوه؟ قال: أما إذا أقسمت، فأنا علي بن الحسين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*