بحيرات العراق تحتضر …الرزازة: من منطقة سياحية إلى صحراء قاحلة ! (صور)
الحكمة : في جولة شمال غرب محافظة كربلاء ،يؤشر محمد( صائد اسماك سابقا) بأصبعه الى ارض تحتضن الحيوانات النافقة والاسماك الميتة وبقايا قوارب الصيد ,يتصور المارين في الوهلة الاولى لهذا المكان و كأنه ارض يسكنها الاشباح او مقبرة للحيوانات التي استنفذت كل مقومتها للعيش، فيقاطع كل هذه التصورات ويقول:” اقدملكم بحيرة الرزازة بنسختها الجديدة 2018 “.
وسط ذهول واستغراب تحتل تعابير وجه الناظرين يستذكر محمد كيف كانت البحيرة مصدر رزق له ولكثيرين بسبب احتوائها على أجود أنواع السمك الذي يمتاز بكبر حجمه وطعمه اللذيذ، وكيف اجتذبت البحيرة هواة الطيور والسياح ومحبي الطبيعة لزيارتها، اذ كان زوار وسكان المنطقة يطوفون في قوارب صغيرة الى اعماق البحيرة. لكن البحيرة اليوم لم تعد مكان مأهولاً بعدما شهدت جفافاً تاماً ونفوقاً جماعيا للأسماك من جميع الأحجام والأنواع ومرتعا لكل الملوثات البيئية لتحول بذلك من منطقة سياحية الى صحراء قاحلة موحشة.
ربما ما اصاب العراق من تخلف وتدمير للحضارة والانسان ومخلفات الصراعات والحروب التي لا تقل احيانا عن خطورة المعارك وضحاياها هو ضمن قاعدة الاواني المستطرقة فهي اصابت كل القطاعات والمساحات والمحافظات حتى بدأت تظهر على بحيرة الرزازة
بحيرة الرزازة تاريخها واهميتها
الرزازة هي مسطح مائي منقسم بين محافظتي كربلاء والأنبار يستمد مياهه من نهر الفرات. وتعد ثاني أكبر بحيرة في العراق، وهي جزء من وادي واسع يضم بحيرات الثرثار والحبانية وبحر النجف.
وتقدر مساحتها الكلية بـ(1810)كم2، وتبلغ سعتها الكلية للخزن 26 مليار م3 فيما يصل أقصى منسوب للخزن فيها 40 م فوق مستوى سطح البحر.
كانت موجودة منذ العهد العثماني او قبله وهي على شكل منخفضات مائية متفرقة وكان نهر الفرات كثير الفيضانات ويهدد مدن العراق وبالأخص العاصمة بغداد ،فتكونت فكرة العهد العثماني بتحويل قسم من مياه الفرات عند الفيضان إلى الصحراء الغربية لدرىء خطر الفيضان عن بغداد وباقي المحافظات، فاستخدمت المتفجرات لحفر ممرات مائية في الاراضي المرتفعة غرب الفرات . وعند دخول الانگليز إلى العراق وانشغال الدولة بالحروب وخروج العثمانيين من العراق اجل موضوع تحويل مياه الفرات وصرف النظر عنه .
وتعتبر الرزازة من مناطق الطيور المهمة في العراق ومن الاراضي الرطبة ذات الاهمية الدولية ،و مصدراً مهماً من مصادر الثروة الحيوانية إذ تضم العشرات من أصناف الأسماك مثل الگطان ، الخشني ، الحمري ، البني ، اللصات ، الشبوط ، الكارب
صمت الحكومة التنفيذية له يد في جفاف الرزازة
وزير الاعمار والاسكان السابق ,طارق الخيكاني يقول في حديثه لـ( وان نيوز) ان :” الحكومة المحلية في محافظة كربلاء ناشدت وزير الموارد المائية بكتب رسمية لانعاش هذه البحيرة باعتبارها مهمة للثروة سمكية، فضلاً عن اعتبارها مخزن للمياه، ومنطقة سياحية من شانها ان تزيد من اقتصاد محافظة كربلاء ،لكن لم تكن هناك اي استجابة من قبل الوزارة”.
ويتابع :” جفاف البحيرة ادى الى ايقاف مشروع يقدر مساحته بنصف محافظة كانت من المقرر انشاؤه قرب البحيرة ،اذ ان جفاف الثرثار الذي كان يعبر المياه للرزازة عن طريق الجداول حال دون اكماله”.
ويضيف ان :”قلة مناسيب المياه الواردة من تركيا ادت الى جفاف الكثير من البحيرات في العراق منها الرزازة , وتستطيع الحكومة العراقية الضغط على الجانب التركي بخصوص المياه وحقها في نهري دجلة والفرات من خلال الملف الامني والاقتصادي والسياسي”.
ويترسل قائلاً:” كثرة السدود التي انشأت من قبل تركيا دون استشارة الجانب العراقي ادت الى انخفاض نسبة المياه الواردة للعراق ،على الرغم من ان اتفاقية الدول المتشاطئة تنص على استشارة اي دولة للدول المشتركة معها في حال انشاء اي سد على نهر مشترك بينهما “.
ويلفت الى ان :” جفاف بحيرة الرزازة سيؤثر اقتصاديا وبيئيا على محافظة كربلاء من خلال خسارتها لموقع استراتيجي مهم من الناحية الطبيعة والتجارية ،فالبحيرة كانت منطقة سياحية جاذبة للسياح وايضا ملجئ للكثير من المواطنين لتغيير الاجواء وللتمتع بمنظرها الجميل “.
محاولة اغمار الرزازة بالمياه خسارة للعراق
من جانبه يقول رئيس لجنة الزراعة والمياه النيابية ,فرات التميمي في حديثه لـ(وان نيوز) ان :” الاسباب وراء جفاف بحيرة الرزازة كان منها: قلة الامطار في هذا الموسم ،فضلا عن ارتفاع درجات الحرارة في الصيف الماضي الذي ادى الى تبخر المياه ،بالإضافة الى قلة واردات العراق المائية من الدول المجاورة ساهمت في تراجع نسب المياه في جميع البحيرات عموما ,لاسيما وان مياه بحيرة الرزازة تعتمد على السيول والامطار والمياه القادمة من الدول المجاورة”.
ويشير الى ان :” ملف المياه ومعالجاتها لا يرتبط فقط بوزارة الموارد، هناك جزء منها مرتبط بالعلاقات مع دول الجوار، واخر يرتبط مع طبيعتها الجغرافية “. مضيفاً ان مياه الرزازة تمتاز بكونها مالحة ، وان محاولة اغمارها او ايصال المياه لها يعتبر خسارة للبلد لكونها غير مفيدة في القطاع الزراعي .
ويتابع :” عدم ايصال العراق حصته من المياه من سوريا وتركيا كان سبباً رئيسياً في تراجع المياه في البحيرات وعدم اغمار الاهوار” . لافتا الى ان اللجنة طالبت الحكومة ان تهتم بملف المياه لكنها لم تتعامل بجدية مع هذا الموضوع .
تركيا لا تعترف بحقوق العراق في المياه
في المقابل، اعتبر النائب محمد ناجي، في تصريح سابق له :” أن تشغيل سد أليسو التركي سيؤدي إلى خسارة 40٪ من الأراضي الزراعية في العراق وانخفاض الحصة المائية لنهر دجلة”.
وأضاف أن :”نوعية المياه الواصلة ستكون مضرة بشكل خطير لاحتوائها على نسبة كبيرة من الترسبات والأملاح والمخلفات، فضلاً عن الخطر الذي سيلحق بالتنوع الاحيائي الطبيعي”.
وتابع أن :”تركيا لا تعترف بحقوق العراق التاريخية والطبيعية بنهر دجلة، كما أنها لا تعترف بقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، ولا تحترم مبادئ حسن الجوار، ولا تكترث للنتائج التي سيتعرض لها الشعب العراقي بالرغم من اتفاقية الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين بلدينا عام (1946) وملحقها البروتوكول رقم (1) الخاص بتنظيم مياه نهري دجلة والفرات، والمادة الثالثة من بروتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين العراق وتركيا الموقع عام 1971».
ودعا إلى :”التعامل بشكل جدي مع هذه القضية وأن تحتل أهمية كبرى في أولويات الحكومة العراقية، وأن تتحمل الحكومة دورها لتفعيل الاتفاقات الدولية مع الجانب التركي والضغط عليها في كافة المحافل الدولية وإن اقتضى الأمر إقامة الدعاوى امام محكمة العدل الدولية”.
وطالب بـ:” بيان إجراءات وزارتي الموارد المائية والخارجية بهذا الصدد، إضافة إلى وضع استراتيجيات واضحة ومحددة وعملية لإيجاد بدائل فاعلة للتعامل مع الأزمة، فضلاً عن التأكيد على أهمية احترام قواعد القانون الدولي الحاكمة بهذا الشأن, واحترام مصالح العراق الخاصة بالأمن المائي”.
ويذكر ان بحيرة الرزازة قد عانت سابقاً من الجفاف لتصل نسبة فقدانها للمياه الى 95 % وزيادة في نسبة الملوحة مما ادى الى هلاك الاسماك والاحياء المائية ، تحت صمت يخيم على الحكومة الاتحادية والجهات المختصة ،ليصل بها الحال الى الجفاف بشكل كامل ولا منقذ في الافق .
وكالات