ليلة ذكرى مولد شبيه رسول الله(صلّى الله عليه وآله)…

462

في مثل هذه الليلة الحادي عشر من شهر شعبان المعظّم تحلّ ذكرى ولادة شبيه رسول الله(صلّى الله عليه وآله) خَلْقاً وخُلُقاً ومَنْطقاً، عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام)، وكنيته أبو الحسن، أمّه ليلى بنت أبي عروة بن مسعود الثقفي، وكان عروة بن مسعود أحد السادة الأربعة في الإسلام، ومن العظماء المعروفين.

استُشْهِد مع أبيه الحسين(عليه السلام) في كربلاء، ودُفِن قربه في قبرٍ متّصلٍ بقبره، ويزدحم المسلمون من جميع أنحاء العالم للسلام عليه والدعاء عند قبره الشريف.

وقد اختلف المؤرّخون في عمره الشريف، فقيل ثماني عشر سنة، وذهب الشيخ المفيد في الإرشاد إلى أنّ عمره (19سنة) وقيل (25سنة)، فاختُلِفَ نتيجةً لذلك في مسألة أنّه أكبر في العمر أم الإمام السجاد(عليه السلام)، والظاهر أنّ الإمام السجاد(عليه السلام) هو الأكبر كما يذهب إليه المجدّد الشيرازي الثاني وكوكبة من العلماء، بل لعلّه هو الأشهر.

وقد كان علي الأكبر(عليه السلام) كآبائه الطاهرين معروفاً بالزهد والعبادة وقرى الضيف وإطعام المساكين وإكرام الوافدين، وقد بلغ مبلغاً عظيماً في الأخلاق والكرم، كيف لا وقد وُلِدَ في بيت يتمتّع بالحضور الكامل للإيمان والتقوى، بيتٍ رحبِ الفكر واسعِ المعرفة مزدحمٍ بالصالحين والطاهرين الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، الذين لا يفتأون يحرصون على صيانة مبادئ رسالتهم، ويتمسّكون بحرفيّتها، ويرفعون ألوية العقيدة عالياً، بيت هو العقيدة بذاتها، الأمر الذي يفسّر دعوة الله للناس كي يحبّوا ذلك البيت ويوادّوه، ويحاربوا من يكرهه ويعادوه، بيت عامر بكلّ ما يمتّ للإسلام بصلة وللحقّ والحقائق.

فنشأ وهو يرتشف لبن صدور المؤمنات التقيّات، وراح جسده ينمو وتنمو مشاعرُهُ السليمة وروحه الطاهرة، ونفسه السويّة، أكل وشرب ممّا أنعم الله به حلالاً طيباً لا يأتيه الباطل والشبهة.. نشأ على أسمى معاني المؤمنين الأتقياء، ومزاحهم الجميل معه وترعرع وهو ملء العين، فتخطّى الزمن وتجاوز الأيام، مضى يقضي أياماً زاهرة وليالي مباركة، وأشهراً وسنيناً خالدات، متسلّقاً الدهر، يعلو فوق هامة التاريخ شخصاً فريداً في مجمل خصوصياته، وشابّاً خلّاقاً في ربيع حياته، ثمّ رجلاً بطلاً ينفرد بمميزات جمّة وجليلة سامية.

وقيل بأنّه شبيه جدّه رسول الله(صلّى الله عليه وآله) غير مأخوذٍ من راوٍ أو مؤرّخٍ أو شاهد عيان بسيط ومعاصر عادي، وإنّما هو مأخوذٌ عن شاهدٍ دقيق النظر صادقٍ صدوقٍ، فقد صرّح بذلك والده الإمام الحسين(عليه السلام)، وعنه روى الراوي وأرّخ المؤرّخ. لا سيّما وأنّ الإمام أعرف الناس برسول الله، وأكثرهم التصاقاً به وأشدّهم تعلّقاً به كما أنّه ورث منه واكتسب عنه، فلمّا وُلِدَ نجله علي الأكبر وشبّ يافعاً أخذ يوحي بصورته وأخلاقه ومنطقه إلى الرسول، فأضحى ذكراه وتذكاره، حتى كان الناس -من أهل المدينة- إذا اشتاقوا لرؤياه تطلّعوا اليه(سلام الله عليه).. ثم ليس أكثر من أبيه الإمام الحسين(عليه السلام) حضوراً لملامح جدّه ومعالم تلك الشخصية العظيمة.. وعليه فإنّ كلامه الذي يؤكّد محاكاة عليّ للنبي وأنّه أشبه الناس به خَلقاً وخُلقاً ومَنْطِقاً هو أجلى وأصدق حديث.

فعليٌّ الأكبر من أصبح الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً حسبما اتّفق المؤرّخون، فضلاً عن اتّفاقهم وإجماعهم على مضمون تصريح أبيه الحسين من كونه مثيل الرسول من حيث الخِلْقة، والأخلاق، والنطق.

فسلامٌ عليه يوم وُلِدَ ويوم استُشْهِد ويوم يُبعث حيّاً..

الكفيل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*